| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

                                                                                       الأثنين 26/9/ 2011

 

في مهرجان اللومانتيه لهذا العام 
يسار فرنسي يتلاحم، وطريق الشعب ساحة للثقافة العراقية المتنوعة
(2)

داود أمين

اليوم الثاني من المهرجان

الفطور كما في الأمس كان في الفندق، والدكتور ذياب فهد الطائي وزوجته اللذين تعرفت عليهما يوم أمس، ورافقانا رحلة الذهاب والإياب في نفس السيارة، كانا لطيفين وطيبين، مؤكدين إنطباعي الأول عنهما، الشاعر ضياء الجنابي، كان إضافة جديدة لسلسلة صداقاتي التي تزداد مع كل رحلة لباريس، ولأن أشياء كثيرة تجمعنا، غير الشعر والكتابة، فكان سهلاً أن نتبادل المودة والعناوين والكتب، السماء كانت غائمة، والتلفزيون الفرنسي أشار، منذ يوم أمس، لإحتمالات أمطار بعد الظهر، اليوم هو السبت وهو ثاني أيام المهرجان، وأهمها وأكثرها إزدحاماً وفعاليات، وصلنا الخيمة فوجدنا التحضيرات على أشدها، فماجد وأبو فرح يواصلان سحق جبروت الحمص المعاند، وعلى الزلاطة يلتم حشد من المتطوعين والمتطوعات، ذابحين رؤوس البصل، مشعلين قادسية ثالثة بالطماطة والخس، النصيرة لينا القادمة من لندن مع أختها سهام، والنصيرة بلسم عجينة التي لم ألتقيها منذ 28 عاماً، وأبو إيهاب وأم سمير وسلوى وعبد الرحمن وسلام وأبنتها يارا وإبنها يسار وأم سلام ونجيب وأبو حنين وسركوت، وكثيرون غيرهم، كلهم يلتمون ويتفرقون، خلف الخيمة، شاهرين سكاكينهم بوجه أي رأس بصل أو خس يحاول المراوغة والإفلات، وجوه جديدة تفد الخيمة اليوم الشاعر حميد الموسوي وأم وئام من السويد، الشاعر صلاح الحمداني، الذي شهدته يتحمل نصف أعباء الخيمة في سنوات سابقة، حضر كضيف مع زوجته الفرنسية، زكي رضا، الذي يشاركني الغرفة في الفندق، وأحفظ كل أطوار شخيره، وأعرف وضعه الصحي الصعب، دفعه الحماس ليساهم مع ريما وهشام في بيع الفلافل، وبعد أكثر من ساعة، من العمل المرهق، وجدته مطروحاً خلف الخيمة، وهو يرفع رجليه كمن ضُرِب بفلقه! الدكتور سعد وأبو تغريد يواصلان عمل الأمس في بيع الكباب، وأمامهم طابور طويل من المشترين، صباح واصل بيع الشاي مع منال، حتى جاءتهم النجدة من سوسن، الخبيرة في شؤون الشاي. أبو نورس يسخت كعادته كل عام، دون عمل ملموس، جالساً خلف طاولة الكتب، متصنعاً البيع ليتجنب مصيادة ملاحظاتي، وبين قدميه لمحت قوطية لم أدرك محتواها!


آل لعيبي

آل لعيبي ( ليلى وعفيفة وفيصل ) يجلسون خلف الخيمة يتبادلون مع آخرين مختلف الأحاديث، أم فرح وسلوى تلبسان الصدريات والكفوف مع كاسكيتات هذه المرة، جيل ثالث يثبت حضوره في الخيمة، فبيدر إبنة الفنان حميد البصري، التي كنت أعطيها الحليب في اليمن، يرافقها الأن إبنها الصبي، وسلام المهداوي، طفلة الأمس، تصطحب ولداً وبنت، وغيرهم أيضاً فالحياة تمضي والأجيال تتجدد، وأنا أتغافل عن كوني جد لثلاثة أحفاد!


إسبي نوربيرغ

المسجل يطلق أغانيه العراقية التي تحرك البعض، مرة على الخفيف، وأخرى على الأشد، شاب فرنسي أعمى يدلف الخيمة وهو يختض مع الموسيقى العراقية، ويحرك العصا الخاصة بالعميان! ولأن فرصة كهذه لا يمكن أن تفوتني، فقد إستعنت برفيقي عبد الرحمن دارا، لأعرف سر هذه الإطلالة، وكانت الخلاصة إن (إسبي نوربيرغ) البالغ من العمر 25 سنة، يعشق الموسيقى الشرقية، ولديه معرفة بالعراق وكردستان، وقد زار خيمة الجزائريين، المشهورين بالغناء الأندلسي، قبل زيارته لخيمتنا، وإنه من هواة الموسيقى، وسيشترك قريباً في دورة لعلم الحاسبات، وإن ما شده لموسيقانا كونها نادرة، ولا يسمعها دائماً، ولم يكن أمامنا، ونحن نستمع لحماسه لموسيقانا، سوى نفحه بلفة كباب مجانية!.

شاشة التلفزيون الكبيرة كانت تبث أفلاماً ثقافية منوعة، ضمت معارض تشكيلية ومسرحيات ومعارض فوتغرافية للعديد من الفنانين العراقيين، الموجودين في الوطن والخارج، كما تم بث مقابلة صوتية مع الشاعر البصري علي العضب، وقد أجرى هذه المقابلة، والمقابلة التي سبقتها مع القاص محمد خضير، الفنان حازم كمال الدين.

الأغاني عادت مجدداً ومع ( خدري الجاي خدري ) نزلت سعدية وهي تلف جرغدها على طريقة أهل العمارة، وتزين حنكها بدكات مثل رشاش ألماني! ومعها رقصت سوسن بالهاشمي وكذلك سعدي، وحين وصلت الأغاني ل(سودة علي ما خذت حياوي) لم يقصر لا صلاح الحمداني ولا التميمي أبو سلام ولا أبو نصير، وكأن لهم ثأر مع المسكين حياوي!.


البير قوجمان

فوق أحد كراسي الخيمة، لفت نظري منذ يوم أمس، رجل ثمانيني لم أره من قبل، كان فرحاً ومبتسماً ويتطلع بإعتزاز للجميع، ولما كان الفضول سيد مهنتنا، فقد تحرك قلمي فوق حزمة أوراقي، لأسجل مقابلة للعراقي الأصيل ( البير قوجمان ) القادم من المانيا، ليشارك رفاقه وأبناء بلده العراق في خيمتهم الوارفة، البير قوجمان المولود في بغداد عام 1931، في عائلة نجار فقير، دخل مدرسة الرشيد الإبتدائية في بني سعيد، مثل بقية أقرانه من اطفال المحلة، ولم يكن هناك ما يفرق بين العراقيين كما يؤكد لا دين ولا قومية، وسجن عام 1946 وهو في الخامسة عشر من عمره، لإشتراكه في تظاهرات ضد الحكومة، وكان يحضر كل نشاطات (عصبة مكافحة الصهيونية) التي كانت تقام في الصالحية، وكان في التوقيف مع الرفيق فهد قبل إعدامه، ويقول إنه كان ولا يزال عراقياً، وعندما أبعد إلى إسرائيل، ساهم في تنظيم إضراب داخل المعسكر الذي حُشر فيه ، وتم توقيفه في إسرائيل، وإنه أصبح عضواً في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، مع عدد كبير من الشيوعيين العراقيين اليهود، وإنه إستغل دراسته في ألمانيا، ليستقر فيها منذ عام 1961، حيث تزوج بألمانية، ويشعر الأن ودائماً أن العراق هو وطنه وليس إسرائيل، البير قوجمان طُلِب إليه أن يصعد المسرح، وأن يقول مشاعره لأبناء بلده من العراقيين، فتحدث بإنفعال وحب، وإستقبل من قبل جميع العراقيين الموجودين في الخيمة، بمودة وإعتزاز .


الشاعر صلاح الحمداني


الشاعر ماجد مطرود

الشعر كان فقرة اللحظات التالية، الشاعر صلاح الحمداني قرأ بالفرنسية قصيدة رائعة عن بغداد، وكان لإلقائه المؤثر، وصوته المسرحي، أثر كبير في شد السامعين، ثم قرأ قصائد بالعربية وترجمتها بالفرنسية أيضاً، بعده قرأ الشاعر ماجد مطرود المقيم في بلجيكا،  مجموعة من قصائده الجميلة، بدأها بقصيدة (الحب) التي ترجمها وقرأها بالفرنسية محمد السلام، ثم قرأ قصيدة (لا شيء هناك) وقصيدة (النساء) المكونة من أربع مقاطع.


رقص الجيل الثاني

ثم عادت الموسيقى مجدداً، وصعد الجيل الثاني من الراقصين فوق المسرح، هشام عرب وشقيقه مصطفى ومجموعة بولونيا، كما ساهمت ريما وسلام وطه رشيد وأبو نصير أسفل المسرح، ماجد فيادي وزوجته نزلا للساحة أيضاً، بعد أن تركا إبنتهما ليليان تدور على المسرح، راهبة وزوجها لم ينتظرا أكثر، ولسان حالهما يقول ساعة للكباب وساعة ركص مع الأحباب! (مهاباد) التي يمتد شعرها المفتوح قريباً من قدميها، لم تنقطع عن المشاركة في الرقص مرة فوق المسرح ومرات أمامه، ولأن منظر صبية كمهاباد لا يمكن الا أن يثير فضولي، فقد إقتربت منها وقت الإستراحة، سائلاً عن عمرها، الذي قدرته بين الثالثة عشر أو الرابعة عشر، لتفاجئني أنها في الخامسة والعشرين! وحتى أداري غفلتي وخطأ تقديري قلت: وهل هي مشاركتك الأولى في المهرجان؟ أجابت نعم، وأشارت إنها تعيش في مدينة فرنسية أخرى غير باريس، وعرفت بالمهرجان عن طريق أحد أصدقائها، وما شدها في المهرجان هذه الروح التلقائية والوضوح وعدم النفاق، وهذه الثقافة المتنوعة، بين الموسيقى والمعارض والكتب والمطبخ العراقي، وفي الخيمة يجتمع كل العراقيين بغض النظر عن مناطقهم وقومياتهم وأديانهم، وقالت إنها كانت تفضل لو أن العلم العراقي كان مرفوعاً على الخيمة، لأنه علمنا جميعاً، كما أشارت إلى قلة عدد الشباب، وكانت تتمنى أن تجد عددهم أكبر.

مصطفى عرب شاب في السابعة عشر من عمره، كان يدور في الخيمة ممارساً لمختلف الأعمال، مرة ينقل الزلاطة ومرة يبيع الفلافل ومرات يركص، وقفت في طريقه لأسأله من أين هو فقال، إنه من باريس التي وصلها قبل عام وإسبوعين بالتمام والكمال، وإنه يشارك في المهرجان للمرة الثانية، فخالته ياسمين وزوجها عدنان من المشاركين الرئيسيين في المهرجان، وكذلك بقية أقاربه، ومعه في الخيمة أمه وخالاته وأزواجهن، وقال إنه سعيد جداً أن يكون مع المساهمين، وإن ما يراه من نشاطات ثقافية يبعث فيه الفرح، ويتمنى لو أن الخيمة أكبر لتستوعب مزيداً من النشاطات.

خلف الخيمة كانت بلسم عجينة، بصدرية النايلون تنتظر مقابلتي، ولأني أحفظها عن ظهر قلب،  فحتماً كانت تقول لنفسها ، ما معقولة صديقي أبو نهران، وبعد حوالي ثلاثة عقود من الغياب، يبخل علي بكم سؤال! وصدق حدسها فبلسم التي كانت معي في مفرزة مقاتلة أيام الكفاح المسلح في كردستان، والتي كنت عراب زواجها حينذاك، لا يمكن إلا أن تكون ضمن حساباتي في الكتابة، لذلك إقتربت منها سائلاً عن إنطباعاتها عن المهرجان، فقالت : المهرجان جميل جداً فالمشاركة فيه لم تقتصر على رفاق فرنسا، بل من جميع الدول الأوربية القريبة، والصورة التي رسمتها عن المهرجان، قبل أن أحضر، وهي المرة الأولى لي في المشاركة، الصورة كانت جميلة، ولكني وجدتها أجمل الأن، فالروح الرفاقية والتعاون والحميمية والود، هي السائدة بين الجميع، وإقترحت بلسم، لو أن الفعاليات تكون خارج الخيمة، وليس داخلها، وأن نضع طاولة الكتب والمنشورات في الخارج أيضاً، لكي يراها المارة، وعن تفضيلها لبيع الأكل أم العروض الثقافية قالت:  الأمران مطلوبان، فالمطبخ هو أيضاً ثقافة، وهذا الإزدحام الذي تراه على كبابنا العراقي وشاينا المهيل، دليل على إعجاب ورغبة الفرنسيين بطعامنا وشرابنا.

المطر كما تنبأت الأرصاد، سقط بغزارة عصر هذا اليوم، في نفس الوقت، الذي كانت فيه العزيزة بشرى الطائي، تُعد فريقها الفلكلوري للإستعراض، وتضع الرتوش الأخيرة لإنطلاقته في شوارع المهرجان، كل الصبايا والشابات والنساء من مختلف الأعمار، كن في أبهى أزيائهن العراقية المتنوعة، والعقال واليشماغ والزبون والعباءة العربية والشروال والبشتين والجمداني الكردي، يلف أجساد الرجال، ولكن المطر منع تنفيذ الفعالية، مؤجلاً تنفيذها ليوم غد.

المطر رغم أنه حرمنا من الإستعراض الفلكلوري لفعالية دعم المرأة العراقية، إلا أنه لم يكن سيئاً تماماً، فقد حشد داخل خيمتنا العشرات من الفرنسيين، الذين تذوقوا طعامنا وشاينا، وبالطبع ليس مجاناً! كما إن الفريق النسائي الذي كان جاهزاً للخروج، لم يقصر في الإستعراض داخل الخيمة، والرقص على أنغام الأغاني العراقية التراثية، التي شدت جمهور الحاضرين، فشارك الكثير منهم برغبته المحضة، أو برغبة الصديق عبد الرضا حمد، الذي كان يصيد الجميلات، هازاً أكتافه أمامهن، جاذباً من تقع في يده لحلبة الرقص، وكنت أجلس أثناء صيده إلى جانب الدكتورة وداد البيضاوي، مقيّماً بحياديه وعدالة، ما تسحبه شباكه من بنّي وكطان وشبوط، وبعض الجري!

الدكتورة فائزة خطاب عمر، الطبيبة المختصة بالأطفال، وإبنة كركوك، التي تعيش منذ 12 عاماً في هولندا، جاءت مع زوجها المهندس الزراعي سركوت غريب لأول مرة للمهرجان، وهي ناشطة إنسانية، وعضو في منظمة الدفاع عن حلبجة، تتمتع بأممية عالية، وتؤمن بضرورة التضامن بين كل العراقيين، وترى في عرض الأزياء الذي جمع الزي العربي بالكردي ببقية أبناء الشعب العراقي، دليل على وحدة شعبنا، وتمنت لو إن مواد المهرجان وبرنامجه كانا قد وصلا إلى المشاركين في وقت مبكر، لكي يتعرفوا عليه وعلى كيفية المساهمة فيه، وإقترحت أن تكون الكراسي داخل الخيمة خشبية وكبيرة لتتحمل بضعة أشخاص، وأن تكون هناك ندوات ثقافية تناقش مختلف شؤون وطننا، كما ذكرت إن بيع الأكل العراقي كان أمراً جيداً، والإقبال الفرنسي على الشراء دليل على رواجه وجودته.

 فرقة البصري قدمت مجدداً وصلة من أغانيها الجميلة، إنحبكم والله إنحبكم، وياعشكنه وغيرها، وسط إعجاب المشاهدين من عراقيين وأجانب. وقبل أن يبدل مستعرضوا الأزياء الفلكلورية ثيابهم، وينزع طالب الظالمي، القادم من الدانمارك، مع مجموعة من أصدقائه، الذي يشاركوه العيش في مدينة ( نستفد ) الدانماركية، قبل أن ينزع عقاله وعباءته، سألته عن مشاعره فقال : أنا أحضر المهرجان لأول مرة، وبعد ما أعوفه، لأن هاي الخيمة هي عراق مصغر، وأتمنى أن تكبر الخيمة لتكون بطول وعرض العراق! وأن تكون رمزاً وقدوة لوحدة العراقيين، وأنا أشكر أصدقائي بنستفد الذين دعوني للمساهمة في هذا المهرجان، الذي أحببت أن تكون مساهمتي فيه، بلبس الزي العراقي المعروف، وبهذا الزي أنا أمثل إبن الفرات الأوسط. ويرى طالب الظالمي أن الثقافة يجب أن تكون لها الأولوية، رغم أهمية المطبخ والشاي العراقي.

بعدها كانت مادة هامة للفنان والخطاط العراقي المعروف محمد صالح، والذي سبق أن قابلته وكتبت عنه في لومانتيه سابق قبل أعوام، وقد أتحف محمد الحاضرين بسلسلة من رسومه المباشرة وأمام الجمهور، حيث قام بخط عبارات وجمل دالة ومعبرة، بألوانه وأحباره المميزة، لتخرج لوحات تشكيلية بالغة الدقة والإدهاش، وقد أقيم مزاد ممتع داخل الخيمة على تلك اللوحات التي رسمها،  وكانت حصتي أن أفوز بواحدة من تلك اللوحات الرائعة، وقد أهديتها لواحدة من جميلات المهرجان.

ما تبقى من الوقت ولساعة متأخرة من الليل تراوح بين الشعر والغناء الحر والذي ساهم فيه علي الجدة وأبو صابرين القادم من برلين والشاعر سامي عبد المنعم ومحمد الكيم ومجموعة بولونيا، بعدها عدنا لفندقنا في السيارة، لنكمل السهرة داخل الغرفة، مستعدين ليوم غد حيث آخر أيام المهرجان .  


قسم الزلاطة


ام سمير بالهاشمي


صلاح جياد والطفلة


منال والشاي


ابو إيهاب وأبو زينة


رقص في الخيمة


يليها الحلقة الثالثة  

 

 في مهرجان اللومانتيه لهذا العام ، يسار فرنسي يتلاحم، وطريق الشعب ساحة للثقافة العراقية المتنوعة (2)
    


 

free web counter