|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  21  / 9 / 2017                                 داود أمين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

باريس - اللومانتيه (رسالة فرح تتجدد كل عام)

داود أمين
(موقع الناس)

هذه المرة قررت ان لا أغيب عن المشاركة. فمهرجان صحيفة اللومانتيه لا يمكن إغفاله او تناسيه، فهو حدث اممي تلتقي خلاله بكل انواع البشر، القادمون من كل قارات العالم، حيث الأزياء والوجوه واللغات متنوعة ومختلفة ، لكنها موحدة في ابتسامة وفرح ، وفِي إيصال قضية .

خيمتنا العراقية الوحيدة في المهرجان، خيمة (طريق الشعب) المساهمة الثابتة منذ تسع واربعين سنة، كانت كما هي في كل مرة، في نفس موقعها وحجمها، بتعديلات طفيفة من الداخل، تعديلات اجريت لتحتضن المعارض التشكيلية للفنانين ظافر العزاوي وإياد الزبيدي وخالد الصالحي، حيث زينوا بألوان ومضامين لوحاتهم جانبي داخل الخيمة، من جهتي اليمين واليسار. يوم الخميس، اَي قبل بدء المهرجان الرسمي بيوم، يكون عادة يوما عراقيا بامتياز داخل خيمتنا ، فالجموع تتقاطر لتلتحق بمن سبقها من العاملين المتطوعين والقادمين من مختلف البلدان.

عريف الحفل الرفيق (محمد الكيم) الشاب المفعم بالحيوية والنشاط، يفتتح البرنامج بكلمة شاعرية رقيقة، داعيا في نهايتها الحاضرين للوقوف دقيقة حداد، على ارواح شهداء الحزب، ومن فقدناهم من رفاق واصدقاء ثم ينهي الكلمة بالدعوة لمشاركته في نشيد (موطني) حيث شاركه جميع الحاضرين. الرفيق خالد الصالحي، مسؤول منظمة حزبنا في فرنسا، ألقى كلمة المنظمة المكرسة للحديث عن غياب الرفيق (عزيز محمد) السكرتير الأسبق للحزب. بعدها قدمت فرقة (ينابيع) التابعة لرابطة الانصار الشيوعيين والقادمة من السويد، قدمت مسرحية قصيرة تتحدث عن البطلة الشهيدة (ام ذكرى) والمسرحية من تأليف الرفيق اشتي وإخراج الرفيق سلام الصكر، وتمثيل الفنانة نضال عبد الكريم واشتي.

الرفيق حسين النجار، عضو اللجنة المركزية للحزب تحدث عن الوضع السياسي في العراق، متناولا الحراك الجماهيري، ووضع القوى المتنفذة الان، وقد حاوره واستفسر عدد من الرفاق والاصدقاء، فاجاب بوضوح وصراحة عن تلك الاستفسارات .

وكان ختام هذا اليوم العراقي الخاص، عشاء عراقي مميز اعتادت الرفيقة (ام فرح) وزوجها الرفيق (ابو فرح) ان يعدانه سنويا في مثل هذا اليوم، ولجميع الحاضرين.

مفاجأت اليوم الاول للمهرجان

وصلت كعادتي مبكرا لمكان المهرجان، الحركة لم تُزل قليلة داخل شوارع المهرجان وفِي خيمتنا أيضا! توجهت لخلف الخيمة، حيث تعمل رفيقاتنا ورفاقنا، في إعداد أوليات ما سنبيعه هذا اليوم في خيمتنا. وكانت مفاجئتي هذه المرة ان ارى العزيز سامي عبد المنعم، يرتدي صدرية نايلون بيضاء، ويمسك بين أصابعه سكينا باشطا، ينحر به حبات الطماطة، ويقطعها برقة وعذوبة ، في حين ان تجاربي السابقة مع سامي ، هي انزوائه في ركن قُصي مع كؤوس نبيذه وحبات فستقه ! ولا علاقة له بطماطة او بصل او خس! الى جانب سامي جلست الرفيقة فوزية العلوجي تشاركه تقطيع الطماطة وتستمع لانتقاداته!

اما الرفيق رشيد غويلب فهو أيضا يمسك سكينا حادا يعالج به رؤوس البصل، نازعا قشورها ومقطعا لاوصالها، يشاركه العمل الرفيق (ناظم يزيدي) بيشماغه الأحمر البهديني! ام فرح والرفيقة ملاذ الخطيب القادمة من مدينة النجف، تساهمان أيضا في تقشير وتقطيع البصل. على بعد أمتار ينبري فتى وسيم، يدعى (قائد) وهو يزيدي قادم لأول مرة من ألمانيا للمساهمة في المهرجان، ينبري لتحريك خلاطة اوتوماتيكية داخل خليط عجيب من مواد مختلفة، وبإشراف وتوجيه من ملك الفلافل المتوج من سنين الرفيق (ماجد فيادي) ،الرفاق عدنان وصباح وخالد، وهم من منظمة فرنسا، يمارسون مختلف الاعمال، يكملون النواقص، ويتابعون الضيوف القادمين من مختلف البلدان. ابو سلام التميمي يضع مفتاح غرفة المواد حول رقبته، مستجيبا لكل نداء يصله، فهو ينقل لحما مفروما، للذين يشيشون الكباب، كما ينقل انواع الزلاطات لمختلف الأقسام ، وربما سيبيت لحراسة الخيمة كما يفعل في كل مرة! كما انه يهز كتفيه وهو يمر بين الراقصين!

اعود لداخل الخيمة فارى الرفيق ابو اسامة بصدريته البيضاء وهو يواصل تشييش أسياخ الكباب، مواصلا عمله ساعات طويلة دون كلل او ملل. وأمام موقد الشاي تقف الرفيقة سوسن تعالج فحم الموقد وتراقب محتوى قواري الشاي العراقي اللذيذ، الرفيق ابو أكرم ورفيقين اخرين قادمين من هولندا يتناوبون على منقلة الكباب، ابو فرح وسلام على المنقلة المجاورة حيث أسياخ الدجاج المتبل! قدر الفلافل يغلي بمحتواه، ويمد الرفيقات والرفاق الذين ينبرون لبيع لفات الفلافل بالناضج واللذيذ. والى جوارهم كشك الكتب والكراريس، الذي تطوعت له فائزة المشاط وياسمين الطحان.

الرفيقة بشرى علوان مدمنة حضور المهرجان، تقوم بمختلف الاعمال، كما تفعل كل سنة، تشاركها هذه الصفة الرفيقة سلام، التي ترافقها بنتيها، وبالطبع زوجها الرفيق محمد الكيم. الدكتورة سلمى سداوي تدور بين الحاضرين، طالبة التوقيع على نداء للتضامن مع النساء العراقيات، كما انها وزوجها يتابعان برنامج الخيمة بحرص وجدية. دبكة كردية بدأت صغيرة من داخل الخيمة، ولكنها كبرت عندما خرج الراقصون امام الخيمة، حيث ساهم الفرنسيون والأفارقة والعرب مع رفاقنا .

المقام العراقي وفراشة العراق أمل خضير

عصر اليوم الاول كان يوما عراقيا بامتياز ، فقد وصلت الفرقة العراقية الموسيقية من الوطن، وهي تضم عازفي ناي وطبلة وكمان وكيبورد، مع ثلاثة من المطربين الذين اشعلوا فضاء الخيمة باصواتهم الصادحة بالنغم البغدادي الأصيل. والذي شد، ليس العراقيين فقط، بل العرب والأجانب، الذين ازدحموا امام واجهة الخيمة، تشدهم هذه الموسيقى العذبة، وهذه الأصوات الأصيلة المرافقة. ثم كانت قمة هذا اليوم عندما اعتلت الفنانة الرائعة (أمل خضير) خشبة المسرح لتقدم اجمل الأغاني العراقية الحميمة، والمرتبطة بفترة الستينات والسبعينات، وكان التجاوب معها في أقصى درجاته، الى الحد الذي جعلها هي أيضا تهتز مع أغانيها، مشاركة مستمعيها ومشاهديها رقصهم ومتعتهم. لينتهي اليوم الاول من المهرجان بمثل هذه الأجواء العراقية الزاخرة بالفرح والبهجة .

توقيع كتاب وشعر وغناء (عنوان صغير). كما في كل عام فالسبت هو يوم استثنائي في المهرجان، حيث قمة النشاطات وزخم الجمهور يكون في هذا اليوم، وخيمة طريق الشعب ليست استثناءا عن هذا الجو، اذ مع العمل الأساسي والهام، المرتبط بإعداد ومتابعة الشاي العراقي المخدر على الفحم، في قوارينا العراقية المألوفة، ومراقبة اشياش الكباب وتكة الدجاج المبهرة بخبطة توابل عبقة، وهي تلتهب فوق اسياخها، وحيث الفلافل تتراقص في قدر الزيت المغلي وتنضج لتنتقل لسندويشات في اكف الطالبين.

أقول عدا ذلك فالبرنامج الثقافي لخيمتنا قدمني لتوقيع كتابي الأخير (إعلام الحزب الشيوعي العراقي خلال فترة الكفاح المسلح) وقد تحدثت تحت هذا العنوان عن الثقافة والإعلام الأنصاري، مشيرا لجوانب وميزات وحجم هذا النشاط الهام ، ثم قمت بتوزيع الكتاب وكتبي الاخرى مجانا على الحاضرين .

وبعد مادتي قرأ الشاعر سامي عبد المنعم قصيدته المعروفة (قيم الكاع الركاع من ديرة عفج) والتي نسبوها خطأ الى الشاعر مله عبود الكرخي، الذي لديه قصيدة بنفس العنوان!

بعدها قدم الدكتور(حسين علي هارف) ميلودراما بعنوان (يا حريمة) وهي تتحدث عن جندي مزمن اسمه عبد العباس، عاش نصف قرن بين ١/٧/١٩٥٨ و ١/٧/٢٠٠٨ . وكان عملا مسرحيا مؤثرا اختصر فيه المؤلف كل وجعنا العراقي المزمن .

بعد ذلك انطلقت من خيمتنا مسيرة نسائية حاشدة، حاملة اللافتات والشعارات وهي تنشد (خبز حرية. دولة مدنية) مع نشيد (جنة يا وطنة) وطافت في شوارع المهرجان متلقية الدعم والتأييد والمساندة من الجمهور . بعدها عادت الفرقة الموسيقية القادمة من العراق والتي تضم نهاد محمد وستار الساعدي وماجد سرور وحسين سعد ومديح رشيد، لتقدم عددا من الأغاني العراقية الترائية، مع معزوفات موسيقية. ثم اعتلت فراشة العراق (أمل خضير) المسرح مجددا لتغني (شلك علي يازمن وشرايد) و(أنا ياطير ضيعني نصيبي) و (احاول أنسى حبك) و (أنا مجنون ببو نونة) و (يا نبعة الريحان) و (خالة شكو شنهي الخبر) و (هذا الحلو كاتلني يعمه) وغيرها من العديد من الأغاني العراقية المعروفة، والتي دفعت العشرات من العراقيين والفرنسيين وغيرهم للرقص والمشاركة. بعدها عادت الفرقة الموسيقية مجددا لتقديم مطربيها في وصلة رائعة من المقام العراقي الأصيل .

عرض الأزياء كان النشاط الفني والثقافي الذي أعقب الفترة الموسيقية ، حيث استعرضت مجموعة رائعة من الشابات ازيائهن العراقية والتراثية والمبتكرة، بمصاحبة موسيقى مناسبة ، شادة الجمهور لروعة المعروض وجمال وأناقة العارضات . اخر ايام المهرجان كان يوم الأحد ، وخلاله كانت خيمة طريق الشعب تواصل نشاطها المعتاد، فالرفاق والرفيقات المسؤولون عن البيع يواصلون عملهم امام مناقل الشاي والكباب والتكة وقدر الفلافل، الذي تطوع الرفيق اشتي والرفيق للتصدي هذه المرة له، علاء محاسب الخيمة وقاطع تذاكر كل سندويش يخرج من الخيمة، يجلس في مكانه المعتاد امام طابور المشترين، الدكتورة رابحة، القادمة من مدينة فرنسية بعيدة، تجلس الى جانب زوجها، تشجعه على المهمة التي يتولاها سنويا في تشييش الكباب، ومساعدة رفيقه ابو اسامة. لينا الفرحان، الفنانة التشكيلية المقيمة في جنيف، لم تحضر هذا اليوم، فقد عملت في الايام السابقة في مختلف الشئون ، ويبدو انها أجهدت .

رفاق كثيرون اخرون، حتما غفلت عن ذكر أسمائهم، لجهلي بها او بسبب النسيان، المادة الرئيسيّة والهامة لهذا اليوم كانت ندوة عن اختطاف الصحفية العراقية (افراح شوقي) حيث قدمها الصحفي (عماد جاسم) ثم تحدثت الصحفية المختطفة، كيف تمت عملية اختطافها، والتعذيب الذي تلقته على أيدي مختطفيها، والاتهامات الموجهة لها من قبلهم، والجو النفسي الصعب الذي عاشته، خلال التسعة ايام التي قضتها في المعتقل، قبل إطلاق سراحها، نتيجة الضغط والتضامن المحلي والعالمي، الذي ساندها ووقف الى جانبها. وقد ساهم عدد من الحاضرين في التعقيبات والمداخلات، بعد الندوة قرأ الرفيق اشتي قصيدة طويلة عن الشهيد كامل شياع.

ومن الجدير بالذكر ان الرفيق سمير طبلة، كان يقوم طوال ايام المهرجان ببث مباشر لتفاصيل ما يجري في خيمة طريق الشعب على الفيسبوك، حيث يتابعه المئات من المشاهدين .

لقاءات متعجلة على هامش المهرجان

في خيمة طريق الشعب توفرت لي فرصة ان استطلع آراء بعض الرفاق والاصدقاء ومعظمهم ممن يحضرون لأول مرة، وكان لقائي الاول مع الصديق الشاعر عدنان الزيادي، القادم من الدانمارك، قلت له ما هي انطباعاتك عن خيمتنا فقال : أنا اشهد لأول مرة تجمعا عراقيا بمثل هذه الروح الجماعية في العمل وتأدية المهام، لقد فوجئت بما رأيته، لذلك غمرتني وتغمرني فرحة كبيرة بما أراه . اما عن مقترحاته للسنوات القادمة فيؤكد الشاعر عدنان الزيادي ان الأناشيد والغناء هي الأكثر استقطابا للجمهور ، كما ان البث المباشر لها ولبقية نشاطات الخيمة على الفيسبوك وغيره هامة جدا.

الرفيق قايد خضر شاب يزيدي يعيش في ألمانيا وهو أيضا يشارك لأول مرة في مهرجان اللومانتيه، سألته عن انطباعاته عن خيمتنا فقال : أنا هنا التقي لأول مرة بشخصيات هامة ومعروفة، وقد استفدت من وجودهم، وهنا اجد العمل الجماعي هو السمة الغالبة على الجميع، فالكل يعمل وكأنه بعمل لبيته. قلت لقايد وهل ستعكس ما رأيته لزملائك؟ فاجاب بالطبع فقد التقطت الكثير من الصور التي ستساعدني في إيصال معلوماتي ، من المهم تغيير أفكار الشباب، المنغمر اغلبهم ألان في اللطم ومواكب العزاء.

كما سأتحدث لرفاقي في منظمة ألمانيا عن خيمتنا وعن المهرجان عموما، فهنا تجد كل جديد في الأزياء والموسيقى والطعام واشكال البشر.

الرفيقة ملاذ الخطيب القادمة من مدينة النجف الأشرف والتي تحضر المهرجان لأول مرة، قالت انها تشعر بفرح غامر في خيمتنا وفِي مشاركتها في المهرجان، فالعمل في الخيمة جماعي ومشترك والكل يساهم حسب اختصاصه وما يتطوع لأدائه ، اما عن المهرجان فهو عيد اممي رائع، وكل المشاركين فيه يدعون للعدالة والحريّة والمساواة .

وعن مقترحاتها للعام القادم وهو عام الخمسين لمشاركة طريق الشعب في المهرجان، قالت الرفيقة ملاذ : من الضروري ان يجري التبكير بوضع برنامج منوع يمزج بين السياسة والثقافة، وان يقدم كل من لديه مقترح او رأي أفكاره ومقترحاته للهيئة المشرفة على تنظيم المهرجان. وهي بدورها ستنقل ما رأته لهيئة تحرير مجلة الشرارة التي تعمل بها ولرفاقها ورفيقاتها في منظمة النجف.

الرفيق ابو سلام التميمي المساهم كل عام ومنذ سنوات عديدة في المهرجان ، قال ان مشاركة الفنانة أمل خضير والمطربين الآخرين القادمين من العراق، كانت هامة وأساسية فقد شدوا ليس الجمهور العراقي فقط، بل الجمهور الأوربي أيضا، كما ان مساهمة الصحفية افراح شوقي، في فضح ما تعرضت له على يد الميليشيات المنفلتة ، كان له وقع مؤثر على الحاضرين .

اما عن اقتراحاته فيقول ابو سلام: الإكثار من المطبوعات العراقية، وان يكون قسم منها باللغة الفرنسية لتصل مضامينها للجميع، ويرى ضرورة عرض جزء من آثارنا العراقية ، الموغلة في القدم، كآثار بابل وآشور وسومر داخل خيمتنا، لكي تُمحي صورة عراق الحروب والقتل والخراب، الراسخة في الاذهان. ولكي تعود السياحة لبلدنا.

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter