| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

                                                                                       الجمعة 13/4/ 2012

 

اللقاء الأنصاري في يوتوبوري
إستعادة للتأريخ، وتجديد لعلاقات لم تنقطع !
(2)

داود أمين

إستيقظنا يوم السبت على ضجة الفاطرين، ولم يكن أغلبنا قد نام بضعة ساعات، فالشخير في غرف النوم وأسرتها ذات الطابقين، كان يتضاعف بعد ليلة سهر طويلة وحافلة بالموسيقى والغناء، وكذلك ( بما لذ وطاب )! صوتي كان قد غاب، رغم إنني لم أكن مساهماً فعالاً ولا حتى نصف فعال، في كورس غناء ليلة أمس، شربت عدة كاسات شاي حار، وتناولت ( المجموعة الكاملة ) من حبوب الضغط والسكر والكوسترول والقلب، مع بيضة وقليل من الجبن.

غرف البناية الوسطى والبنايتين الثانيتين كانت تبعث بشاغليها نحو قاعة الفطور، ورفاق الخدمة الرفاقية يضعون ترامس القهوة والشاي فتفرغ مباشرة، بعد وضعها على الطاولات، فيجددون وضع غيرها وهكذا، بعد الفطور وحوالي الساعة الحادية عشر صباحاً، طُلب من الجميع مغادرة القاعة، وتطوع عدد من الرفيقات والرفاق للتنظيف، وإزالة عدوان الليلة السابقة، وعندما أصبحت القاعة تليق بفعاليات يوم جديد، حيث صُفت الكراسي حول طاولات لامعة، وظهرت لوحات الكاركتير واللوحات التشكيلية للفنانين الأنصار(ستار عناد وعباس العباسي وأسعد) زاهية فوق جدرانها وعلى الطاولات، ثم بدأ عرض مئات الصور الأنصارية على شاشة كبيرة، وكانت فرصة للرفيق (أبو إنعام) لبيع عدد من سيديات الصور التي تُعرض لصالح فرع الرابطة.

بعد غداء البامية المطبوخ بإجادة، إستمرت الحوارات الثنائية والثلاثية بين الحاضرين، وتبادل الكثير فيما بينهم ارقام التلفونات والإيميلات، وتجددت علاقات كانت مبتورة أو مهملة، وإتفق البعض على مشاريع ثنائية،  فنية أو إعلامية أو شخصية، وكانت الكاميرات شغالة لتثبيت لحظات قد لا تتكرر، حتى حل موعد العرض المسرحي، لمسرحية (البابلي الأخير) للنصير والفنان المبدع حيدر أبو حيدر، والغريب إن العرض كان في الهواء الطلق خارج القاعة، ووسط برد قارس وثلج لا زال يطوق المكان! والأغرب إن الفنان حيدر أبو حيدر ( مؤلف ومخرج وممثل المسرحية ) كان نصف عاري، فالثوب البابلي الذي يرتديه لا يغطي سوى نصف جسده، وفي وقت كنا فيه نصطك برداً، ونحن مدثرون بملابسنا الثقيلة، كان صوت حيدر يأتينا، من فوق التلة العالية واضحاً ومؤثراً، وكانت الموسيقى المصاحبة للعرض والخطة الإخراجية والإكسسوارات والزي والإجادة في التمثيل، تضفي جميعاً على العرض، متعة وفرادة غير معهودة، وكان الجمهور مشدوداً طوال زمن العرض، والكاميرات تُثبت في أيدي الكثيرين، فصول هذا المشهد المُبهر.

دخلنا القاعة بعد العرض المسرحي، وعلى الشاشة كان هناك فلم يتحدث عن زيارة الفريق السينمائي لرابطة الأنصار، لمقر الفوج الثالث في منطقة برواري بالا، وبعد العرض تحدث عضو الفريق السينمائي، الرفيق حاكم كريم ( أبو نادية قامشلي ) عن الفلم بإعتباره بروفه شخصية له، وهي لا علاقة لها بالفلم الأساسي الذي صوره زميلاه أبو ليث وفاروق داود، كما تحدث عن الصعوبات، وعن أهمية التمويل، لمشروع هام وجاد، كالمشروع الذي يتصدون لإنجازه، وقد أبدى الكثير من الحاضرين ملاحظاتهم ومقترحاتهم الهامة حول هذا الموضوع .

بعد الفلم شاركت في لقاء خاص، دعا له النصير أبو الوسن، لمجموعة من الأنصار العاملين في المجال الثقافي والإعلامي، وجرى حوار هام وجاد من أجل تفعيل الموقع  الألكتروني وغرفة المحادثة الصوتية والفرقة المسرحية التابعة جميعاً للرابطة، وتم الإتفاق على ضرورة تكوين لجنة ثقافية إعلامية مركزية، ترتبط بها مجموعات متخصصة، في مجالات ثقافية وإعلامية شتى، للنهوض بموضوعة كتابة تأريخ حركتنا الأنصارية، وإظهار الوجه المشرق لمبدعي الحركة في مختلف مجالات الثقافة المتنوعة، وكنت من المتطوعين لعضوية لجنة كهذه.

في السادسة مساءا تجمعنا في القاعة مجدداً، وكانت للرفيقة مرام ( بشرى برتو ) ولي فرصة للحديث عن الإعلام الأنصاري، وتجربة صحيفة ( نهج الأنصار ) التي عملنا فيها معاً، وتجارب الإعلام الأنصاري الأخرى وإعلام الحزب المركزي ، الذي كان يصدر ويُبث من مواقع الأنصار وبجهود الأنصار، وقد أثارت الموضوعة الكثير من الآراء والملاحظات والإستفسارات الهامة، ولأكثر من ساعة من الزمن.

بعد العشاء كانت الإستعدادات جارية على قدمين وساقين لتمضية ليلة أنصارية، لذلك  غيرت مكان الأمس، وجلست في الجهة اليمنى من القاعة، لأكون قريباً من مركز الضجة! ولكن الضجة كانت في كل مكان، فمن غنى يوم أمس كرر نفسه هذه الليلة، ومَن لم يغني أمس جرب صوته الآن. الرفيقات، بقيادة الرفيقة سمر، تجمعن قرب يسار الباب وشكلن فريقاً غنائياً مشاغباً ولذيذاً، فكن يتناوبن الأغاني، فما أن تنتهي نوروز حتى تبادر أنوار، ثم تلتحق تانيا، فتعقبها عايدة فلينا فأفاق فناديا فهدى فعشتار فأم نصار فأم نادية وغيرهن، وقد أخذن حصة الأسد بجدارة وإستحقاق، ولم يكن أمامنا نحن الرجال، سوى المشاركة في ترديد ما يجدن به من أغنيات! ومع تلك الأغاني التراثية التي تذكر بالزمن الجميل، كانت أعداد الراقصين تزداد وتتنوع، إلى الحد الذي نسيت فيه حكمتي ووقاري، عندما وجدت نفسي بينهم!

ولم تخلو هذه الليلة الأنصارية العجيبة من الشعر فبعد النصير نجم خطاوي، الذي قرأ قصيدة جميلة، بادر النصير عباس سميسم لترديد مواويل رائعة للحاج زاير، ثم قدم النصير ( أبو بسام ) ليغني بصوته الجميل أغنيات الجنوب العذبة، ليزداد معها عدد الراقصين، إبتداءاً من عايدة وأبو ولاء ، أم نصار وأبو صارم وغسان وتانيا وسمر وابو تموز وزوجته.

 وكانت مفاجأة الليلة، أن يكون  اليوم هو يوم عيد الميلاد الثامن عشر للشابة الجميلة ( أندلس ) إبنة النصير أبو روزا سماوة، وقد فوجيء الجميع وهم يشاهدون النصير زياد، وهو يحمل صينية شموع مضيئة ويتجه بها لوسط القاعة، ووسط زغاريد وهوسات ونقر دفوف ودرابك، أطفأت أندلس شموعها، وغنى الجميع (هبي برث دي ، وسنه حلوة يجميل ) وإستقبلت الشابة أندلس وأهلها التهاني بهذه المناسبة السعيدة، وشاركت هي وأخوتها والكثير من صديقاتها ومعارفها ومن هم في سنها، في الرقص مع الموسيقى الغربية ومع اغان عراقية راقصة.

ثم جاء دور النصير ( أبو حسنة ) ليعيدنا لأيام بهدينان ولأوائل ثمانينات القرن الماضي، حيث كان زعيماً لا يبارى لفرقة الخشابة البصرية، إذ أمسك بالطار ، وراح يغني ( على شط بحر الهوى غركت مراكبنه ) و(يسمار كولوله) و ( الروح ما تحمل سكم ترفه ) وكان أبو محمد القيسي يرافقه في العزف على الخشبة، وكذلك كاوة وحيدر أبو حيدر، مما دفع أبو ليلى وإيمان وكريم علي وأبو سيف وسمير طبلة وأبو حيدر ونادية وتانيا وأبو إنعام وحازم إيطالي وأبو كاوة ونجلة وغيرهم، للمشاركة في الرقص، ولم يهدأ الصخب المنظم واللذيذ، إلا مع النصيرة لينا وهي تغني لفيروز ( لا تسألوني ما إسمه حبيبي ) وبالطبع لم يتجرأ أحد ليسألها!

وفي حدود الثالثة صباحاً تسللت لسريري محاولاً النوم لبضعة ساعات، بعد تلك الليلة الأنصارية العجيبة، وتلك المشاعر التي فاضت خلالها، بالمودة والحب والرغبة الشديدة للحياة والمرح، من قبل أناس زاملوا الخطر، وعاشوا سنوات طويلة على حافة موت حقيقي، دون أن يتسلل إلى نفوسهم خوف أو يأس أو جزع.

يوم الأحد كان الفطور كما في الأمس، والشاي عندي وجبة رئيسية فيه، التعب باد على الكثيرين، وصوتي يقترب من الغياب، فمشاركتي اللاشعورية وغير المخطط لها، في كورسات غناء ليلة أمس أتت أُكُلها وأغلقت نصف البلعوم! وجبات المغادرين بدأت تتوضح، والأعداد تناقصت، الغرف تم تنظيفها من قبل شاغليها، والساعة الثانية عشر موعد لتسليم البناية.

 ما يقال عن فعالية كهذه، يمكن إجماله في مبادرة ونكران ذات وتطوع وتخطيط، وكان لفرع يوتوبوري للرابطة، ولمجموعة من أصدقاء الفرع، وبينهم عدد من غير الأنصار، وفي مقدمتهم السيدة الرائعة ربيعة شلاش، الدور الكبير في نجاح أوسع وأكبر فعالية أنصارية، يتم تنظيمها منذ إنتهاء الحركة الأنصارية، فلهم كل الشكر والتقدير، مع أمنيات أن يتم تنظيم فعاليات ثقافية أوسع وأشمل في المرات القادمة، وبودي التأكيد على إنه كان لمشاركة الرفيقات أثر كبير في النجاح الواضح للفعالية، فقد كنَّ لولب الحركة والنشاط، كما يكتسب حضور الجيل الثاني من أبناء الأنصار وبهذا العدد المتميز أهميته القصوى، في إيصال رسالتنا وتأريخنا المنسي لأبنائنا، وأعتقد إن الحاضرين من الجيل الثاني كانوا سعداء ومسرورين، وهم يرون عمق علاقاتنا، ومدى الحميمية التي سادت بيننا .

 

اللقاء الأنصاري في يوتوبوري إستعادة للتأريخ، وتجديد لعلاقات لم تنقطع ! (2)
 

 

 

free web counter