|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  9  / 9 / 2016                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الى ساسة العراق، من يأخذ 5% او أكثر من سعر بيع الدولار؟!

د. باسم سيفي
(موقع الناس)

اعتاد البنك المركزي ولسنين عديدة ان يبيع الدولار بحوالي 1180 دينار عراقي ولكن معظم من يحتاجون الى الدولار لشراء البضائع من الخارج او لتحويلات الخارج او السفر فانهم يشترونه بسعر يدور حول 1250 دينار من السوق المحلية (الصرافين والبنوك). ان تكون هناك عمولة واجرة للتصريف قدرها 1% او 12 دينار للدولار مفهومة وطبيعية ولكن اين تذهب ال 58 دينار او ال 5% الاخرى؟! مع تسلق الدولار الى 1300 دينار، بسبب قلة ما يعرضه البنك المركزي من الدولارات للبيع وتوجه الادخار نحو الدولار بدلا من الدينار بسبب عدم الاستقرار المالي وتراجع الثقة بالبنوك والدينار العراقي، ازدادت النسبة الضائعة (او المسروقة) الى حوالي 10%.

بسبب الازمة المالية وتقلص الميزانية وسياسة التقشف، التي لم تتعرض بشكل جدي الى تخفيض رواتب ومخصصات ذوي الدخول العالية وبالاخص اعضاء طبقة النخبة من سياسيين ومهنيين واداريين، انخفض الطلب على الدولار وهو الان يدور حول 50 مليار دولار بالسنة حوالي نصفها يذهب لتغطية الاستيرادات من البضائع المختلفة منها الاستهلاكية مثل الاغذية والملابس والاجهزة البيتية والمكتبية ومنها الانتاجية مثل المواد الاولية والمكائن والاجهزة الانتاجية، ومنها ايضا ما يصرف على شراء الاسلحة. والنصف الآخر يذهب لتحويلات الخارج من سفر وبيع عقار ورواتب العراقيين الساكنين بالخارج او دخل حرام يجب اخفاءه او حتى الظاهرة التي انتشرت مؤخرا في الاستثمار في دول الجوار حيث الفائدة العالية والثقة الجيدة في بنوكهم. يمكن للطلب على الدولار ان ينخفض اكثر مع فرض ضرائب تصاعدية تقلل من حدة اللاعدالة في التوزيع/الدخل ومع محاربة الفساد بشكل جدي وتحسين السياسة النقدية وأدواتها.

الساسة الحريصون على اقتصاد بلدهم ومعيشة مواطنيهم يفهمون بأهمية النصف الاول وضرورة توفير العملة الصعبة لتغطيتها، وبالاخص للبضائع الانتاجية التي تزيد من الانتاج المحلي، وعدم السماح لجعلها محركا للتضخم وزيادة الاسعار وهم بالتالي يسعون الى استقرار سعر صرف الدولار مقابل الدينار حول 1200 دينار للدولار. الساسة الحريصون يفهمون ايضا بعدم او قلة اهمية النصف الثاني من اسباب طلب الدولار بالنسبة للاقتصاد العراقي حيث ان ارتفاع سعر الدولار بالنسبة للذين يريدون تحويل الدولار للخارج للسفر او المعيشة خارج العراق او تحويل ارباح او تهريب سرقات لا يضر الاقتصاد العراقي كثيرا بل قد ينفعه لانه يشجع السياحة الداخلية ويقلل من التحويلات الى الخارج.

حوار مع ثلاثة تجار مستوردين احدهم في التأسيسات الكهربائية والاخر في الاجهزة الكهربائية والثالث في قطع غيار السيارات اظهر بأن ثلاثتهم يحولون قيمة ما يستوردونه من خلال شراء الدولار بالسوق المحلية وليس بسعر البنك المركزي والسبب الاجراءات البيروقراطية وشهادة ضريبة الدخل وما يتبع ذلك من فساد وابتزاز خاصة مع الفساد المنتشر في هيئة الضرائب حيث تتوقف كثير من الاجراءات اذا لم يدفع التاجر او المواطن رشى او "اكرامية" مناسبة فهناك الكثير من الحجج لعرقلة معاملة المواطن اجملها او اوسخها تشابه الاسماء وفيها يدخل المواطن دوامة من المراجعات المنهكة والرشا، لذا نرى التجار وفيما عدى الكبار ومن له سند في الدولة لا يصرون على التصريف بسعر البنك المركزي.

حوار مع عدد من الذين يحولون مبالغ الى الخارج وبالاخص ممن باعوا عقار او لديهم التزامات يشير بأن معظمهم يشتري الدولار من السوق المحلية ثم يحوله الى الخارج اما من خلال الصرافين او البنوك. وهذا يعني ان معظم العملة الصعبة التي يبيعها البنك المركزي تذهب للوسطاء الذين يشاركون فيما يسمى بالمزادات اليومية للبنك المركزي لبيع الدولار فيها المتغير ليس سعر الدولار بل الكمية المباعة. معظم المشترين الحقيقين للدولار ليس بامكانهم او يصعب عليهم الشراء مباشرة من البنك المركزي وبأسعاره بل عليهم الشراء من السوق وبسعر 5-10% اعلى من سعر البنك المركزي. ورغم اللجان والتحقيقات والتوصيات في مستويات مختلفة لعلاج المشكلة لازالت المشكلة قائمة وتزداد مع تخفيض ما يعرضه البنك المركزي من دولارات للبيع، ولازال هناك من المتنفذين من يحصل على ارباح سهلة وكبيرة على حساب الدولة والمستهلك واصبحنا نسمع بالصكوك الطائرة والفضائية وبالسياسيين والموظفين واصحاب المال والنفوذ السفلة الذين لا تهمهم المصلحة العامة ولا يمسهم القانون.

البنك المركزي مؤسسة كبيرة ومتنفذه بشكل كبير في العراق خاصة وهو يمول السوق بالعملة الصعبة وهو بالتالي قادر على وضع وضبط قواعد بيع وشراء العملة وكذلك تحويلها الى الخارج او من الخارج الى الداخل. هناك آليات متعددة، منها معروفة لدى اهل الاختصاص ومنها ابداع يلائم الوضع العراقي، تعطي البنك المركزي مساحة واسعة للمناورة لمنع او عرقلة احتكار ورفع اسعار العملة الصعبة. اجراء البنك المركزي الاخير بشأن تمكين المواطنين من اخذ فرق شراء الدولار اذا زاد عن 1200 دينار من البنك المركزي اجراء قد يكون جيدا في الحد من احتكار العملة الصعبة من قبل المضاربين والوسطاء وقد ساهم في خفض سعر الدولار مؤقتا، ولكن نجاح الالية يحتاج ان يكون للاجراء اسنان في المتابعة والمقارنة وتغريم المخالف وهذا امر ليس بالسهل خاصة مع امكانية مناورة المضاربين والوسطاء والتجار ومنهم مدعومين من سياسيين في الوصولات مثلا وادخال البنك المركزي في معمعة تزوير وصولات التحويل والبيع.

بيع كميات كبيرة من الدولارات للمسافرين بالسعر الواطئ ليست سياسة حكيمة وان كانت تنجح في تخفيض سعر الدولار مؤقتا لانها تزيد من الطلب على الدولار الذي نريد تخفيضه بسبب الخلل في ميزان المدفوعات.لذا ومن اجل تقليل حصة او سرقة الوسطاء والمضاربين والمحتكرين وتقليل الضرر على الاقتصاد العراقي من خلال التضخم المستورد نقترح ان يتبع البنك المركزي سياستين نقديتين مختلفتين للتعامل مع توفير الدولار لاستيراد البضائع ام توفيره للتحويلات الاخرى.

في السياسة او الآلية الاولى يتم التركيز على سعر ثابت منخفض مثلا 1200 دينار للدولار ويدفع مباشرة من قبل البنك المركزي للجهة الخارجية المصدرة للعراق مقابل تقديم الوثائق المطلوبة وايضا دفع الرسوم الكمركية او تقديم تأمينات حول ذلك مع وضع الاليات والقواعد المناسبة التي تضمن صحة الاستيراد ودخول المواد المستوردة وحسب النوعية والكمية المحددة الى الاراضي العراقية وعبر مراكز الحدود الرسمية. هذه السياسة ستضمن استقرارا جيدا في اسعار البضائع المستوردة خاصة مع استقرار سعر الدولار عالميا ولو نسبيا، وعليه فان التأثير التضخمي لارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار في السوق المحلية سيكون محدودا نظرا لاستقرار اسعار البضائع المستوردة.

في السياسة الثانية يتم عمل مزاد يومي من قبل البنك المركزي لكمية معينة من الدولارات ويترك السعر ليحدد من قبل المشاركين في المزاد من بنوك وشركات صيرفة مرخصة. السعر يمكن ايضا ان يقدر بدقة معقولة من خلال معرفة السوق العراقية في المجال والعوامل المهمة فيه. الكمية التي تعرض للبيع في المزاد اليومي يحددها البنك المركزي حسب معلومات متعددة مثل حالة الميزان التجاري الخارجي وتقدير حاجة الدولار للاستيراد. سعر البيع يبدأ من 1200 دينار للدولار ويتصاعد حسب الطلب، وحتى لو صعد سعر الدولار هنا الى 1400 دينار فان تأثير ذلك على الاقتصاد العراقي لن يكون كبيرا لان تأثيره على الاسعار وبالاخص للبضائع المستوردة سيكون محدودا وسيقلل الطلب على الدولار للتحويلات الخارجية غير المرتبطة بالاستيراد.

هذا وهناك آليات عديدة اخرى يمكن للدولة من خلال البنك المركزي ووزارة المالية ان تؤثر على سوق الدولار والعملات الصعبة الاخرى مثل تخفيض الصرفيات وزيادة الضرائب على ذوي الدخول العالية وايضا اللجوء الى الدين الخارجي والدفع الآجل والسحب من الاحتياطي ووضع نظام رقابة مالية فعال وحازم، وأيضا التعامل المباشر مع عملات دول الجوار ذات التبادل التجاري الكبير مع العراق. منذ ساسون حسقيل الذي نظم العمل المالي في العراق لصالح الشعب والاجيال القادمة تراكمت في الاجهزة المالية العراقية خبرات لا يستهان بها، وليس من الصعب تشخيص العشرات او المئات من الكوادر المالية الكفوءة التي يمكنها وضع علاجات ناجعة في المجال المالي والاقتصادي اذا توفرت الظروف المناسبة ووضع ساسة العراق اسس مؤسساتية للتعامل مع اقتصاد البلد.

ونود هنا ان نقترح آلية يمكن ان تكون ذا فوائد متعددة للاقتصاد العراقي وهي بيع الدولار بسعر 1200 دينار للدولار لمن لديهم حسابات ودائع توفير في البنوك العراقية، فمثلا ان يتمكن من لديه 10 مليون دينار في حساب توفير خلال الستة او العشرة اشهر الماضية من شراء 1000 دولار بهذا السعر ويزداد المبلغ مع زيادة الوديعة في الحساب. هذا الاجراء يمكن ان يقيد احتكار الدولار من قبل الوسطاء وبنفس الوقت يشجع على التوفير في البنوك العراقية خاصة اذا صاحبه اعلان ضمان الدولة لودائع الناس في البنوك او بعضها ممن تلتزم بتعليمات الدولة وشروط البنك المركزي والتشديد على مسؤولية الادارة في ممارسة عمليات بنكية صحيحة مع تأكيد مراقبة ومحاسبة المحاسبين القانونيين المستقلين.

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter