|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  5  / 2 / 2017                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

يا مثقفي العراق، ولولتكم ولطمكم وسلبيتكم
ادخلتكم في جوقة من يريد استمرار انحطاط العراق

د. باسم سيفي
(موقع الناس)

شيوع الروح السلبية في المجتمع العراقي ظاهرة متميزة وخطيرة يجب الوقوف عندها وعلاجها وبالاخص في هذه المرحلة التي نشهد فيها منعطفات مهمة في تطور العراق ترسم مصيره بين استمرار الانحطاط والعجز والتدهور والتقاعس في حياة العراقيين وبين النهوض الحضاري الذي يستحقه العراق بما لديه من تراث وموارد بشرية وطبيعية. رغم الانتصارات على داعش، تحلحل الوضع الاقتصادي بفضل صعود اسعار النفط، تحسن في نشاط الاجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية ومنها المحاسبات والاستجوابات المكثفة لكبار المسؤولين واجراءات ادارية جيدة من قبل الحكومة وكثرة من الاحكام القضائية في قضايا فساد، نرى كثرة من مثقفينا ومنهم كتاب مرموقون يصولون ويجولون في سلسلة من التعميمات السخيفة مثل "كلهم فاسدين" والادعاءات التسقيطية مثل "هذا كيت وكيت" بدون ادلة فيها قدر من المصداقية، بل وحتى ترويج اكاذيب غبية وواضحة يصنعها من يريد ابقاء العراق في وحل التخلف والريعية.

لست من اصحاب نظرية المؤامرة في الصغيرة والكبيرة بل على قناعة بان ساسة العراق اليوم هم المسؤولين عن الاوضاع العراقية وعما سيؤول اليه مصير العراق وليس امريكا او غيرها، ولكن ما اراه من تسويق واشاعة منظمة للتشائم والسلبية يجعلني في قناعة بوجود قوى ترسم وتعمل وتمول هذا التوجه لمنع او لعرقلة وقوف العراقيين على ارجلهم ومسك الامور في ايديهم. شبكات صناعة اخبار الكذب والمعلومة المفبركة تنتعش بدرجة كبيرة حاليا للتغطية والتعتيم على كل ما هو ايجابي ويعكس نصرا كبيرا او صغيرا على اعوجاج يحتاج الى الاصلاح، فهل يعقل هذا التهجم الشرس واللين على الحشد الشعبي الوطني القادم من كل العراق لمحاربة داعش وانقاذ العراق والمناطق السنية من شرهم ووصفه بالمليشيات والصفوية التي تنتهك الارض والعرض رغم انهم تركوا كل المناطق التي حرروها من الاوباش للقوى المحلية، عدى بعض المناطق الحساسة امنيا؟! وهل يعقل هذا التهجم على المالكي من اطراف وزوايا متعددة والرجل ترك رئاسة الوزراء بدون جعججة ومشاكل؟! المصيبة والكارثة ان يتلقف المثقفون العراقيون هذه الصناعات ويلوكونها ويعتمدونها في تحليلاتهم ونشر افكارهم بدون تفكير صغير او كبير بما سيتركه ذلك من اثر على نفسية الناس.

بعضكم روج، ولازال يروج كاسطوانة مشروخة، بان سرقات المسؤولين وفسادهم اهدر 800 مليار دولار من اموال الشعب، فان كان ايرادنا من النفط خلال العشر سنوات الماضية يقرب من هذا الرقم فمن دفع رواتب الموظفين والجنود ومشتريات الدولة الداخلية والخارجية؟! كثير منكم جلس في حضن هذا وذاك يدافع ويتقاتل عن باطل واضح ومنكم من جعل مسعود البرزاني مقدسا او رمزا لا يجوز نقده او محاسبته على سوء الادارة والسرقات ومخالفة الدستور العراقي. كثير منكم يروج ضد هذا الشخص وتلك المؤسسة او يعمم بشكل فج اعتمادا على اقاويل وفبركة بدلا من التحقيق وتقديم الحجة متناسيين بان الانسان بريء حتى تثبت ادانته. اما عن نسيان الفرق بين النقد البناء والنقد الهدام وطمس الاعمال والاخبار المفرحة والايجابية فحدث ولا حرج، فقد اصبحنا وكأننا امة الولولة واللطم والشكوى واصبح العجز والنواح في جيناتنا بدلا من التشخيص وابداع العلاج والتغيير والفرح في الانجاز وايجاد الحلول وان كانت ناقصة.

مهما قلتم في تسقيط القضاء وحكم القانون، بدلا من اعلاءه واحترامه فهو عمادنا وملجأ المظلومين منذ 4000 سنة، نرى القضاء العراقي اليوم يحكم ويبت بالوف من قضايا الفساد وبعدل، وفي تفسير القانون والدستور بت في قضايا جدلية كثيرة وقد حكم لعلاوي في قضايا وضده في قضايا اخرى وحكم لصالح المالكي وحكم ضده وحكم للعبادي وحكم ضده. مهما قلتم في دكتاتورية المالكي فالرجل لم ينزلق في مخالفة الدستور ورضخ لقول القضاء وفي زمنه جمع العراق من الاحتياطي ما قرب من 80 مليار دولار نفعتنا كثيرا في مجابهة الازمة المالية، فلم الهجوم الشرس عليه ومن اطراف فاشلة ساهمت في تدهور العراق؟ ومهما قلتم في انبطاحية العبادي فالرجل لم ينزلق في المساومة على مصالح العراق وتوقيع عقود واتفاقات مشبوهة بل ساهم في تقليل التشنج بين الفرقاء ودفع عمليات الاصلاح الى الامام، ولو بتلكأ، وفي زمنه انفرجت المحاسبة نسبيا وصدرت قرارات واجراءات لا بأس بها ادت الى الانتصارات على داعش والى معالجة الازمة المالية بدون تداعيات كبيرة مثلما حصل في اقليم كردستان رغم انهم ينتجون من النفط لحسابهم حوالي 20% من الانتاج العراقي الكلي.

تقول الحكمة بان الامل في الشفاء من مرض نصف العلاج وان التفاؤل في اي عمل شرط مهم في تحقيق النجاح في ذلك العمل "اعزموا وتوكلوا"، هل سمعتم برياضي يدخل متشائما سباقا متكافئ ويفوز؟ التفكير الايجابي اصبح الان ممارسة واعية وعلمية من خلاها يحاول الانسان تحقيق النجاح والسعادة. ان نقول نصف الكأس فارغ او نصف الكأس ممتلئ وصف لحقيقة واحدة ومع ذلك يعكس القولين نفَسين متعارضين، في الاول تسود الروح التشائمية والحزن على النصف الذي بعثرناه او خسرناه وفي الثاني تسود روح تفائلية وفرح على النصف الذي لازال لدينا. صحيح ان الاول يمكن ان يقود الى السوداوية والشلل والثاني يمكن ان يقود الى الرعونة وعدم الحذر ولكن مع ذلك لابد من نوع من التوازن بين الاثنين اذا اردنا علاجا جيدا لمشكلة او تحدي. ان نزرع التشائم مصيبة وان كان على اسس مفبركة فالمصيبة اعظم.

بقدر ما هناك من قبائح وسلبيات في عراق اليوم هناك اضعاف من الجماليات والايجابيات التي تستحق الذكر والتقييم ومن النذالة ان نطمسها ونهملها وكأنها غير موجودة. صحيح هناك فساد وفاسدين ولكن هناك نزاهة ونزيهين ايضا والمحاكم تقوم بالبت والحكم في كثير من الحالات عند توفر الدليل. احتفالية المتنبي الاسبوعية بهجة عظيمة قد لا ترى لها مثيلا في عواصم الدنيا فيها يستعرض العراقيون حبهم للحياة من خلال المحاضرات والشعر والرسم والاغاني والكتب. صحيح هناك كثير من الاوساخ في الشارع ولكن هناك ايضا طفلة تكنس امام دارها وهناك طفل يصر على رمي علبة فارقة بحاوية القمامة. ورغم كل الاخفاقات والمشاكل والعنف العراق الان اكثر البلدان ديمقراطية في العالم العربي فيه يمارس الجميع حرية التعبير وابداء الرأي وممارسة الشعائر. الوضع الاقتصادي تحسن كثيرا لمعظم الناس وتضاعف استهلاك الكهرباء واصبح الموبايل سلعة يقتنيها حتى الفقير ولكن مع الاسف اعتمدت هذه البحبوحة الاقتصادية على النفط وزادت من هوة المداخيل وسمحت لشريحة واسعة من سكنة الخارج للفط ما يمكنهم من تقاعد دون حق ولعدد كبير من طبقة النخبة ومن اثرى ان يحولوا مدخراتهم الى الخارج وان يعيشوا هناك معتمدين على ما يأتيهم من دخل من العراق.

في نظريته "التحدي والاستجابة" يحلل المؤرخ ارنولد توينبي سلوكيات امم كثيرة في مجابهتها لتحديات خارجية او داخلية طارئة مثلما هي من هجوم خارجي او ثورات داخلية او تراكمية مثلما هي في المشاكل البيئية وتؤدي بها اما الى الصمود والابداع وايجاد العلاج فالتقدم والتوسع بفعل الارادة او الى الخنوع والسلبية الذي يعقبه التراجع والانكماش وحتى الاندثار مثلما حدث لكثير من الامم عبر التاريخ الانساني. امم لا تقاوم العدو وتقبل بالاحتلال وتخسر وامم تصمد وتقاوم العدو وان نجح في احتلالها ولكنها تربح بل وحتى تدمج المحتل بها او تمتصه ويصبح المحتلين مواطنين اصلاء. هل سمعتم بامة في جزيرة قتلت في يوم واحد كل خنازيرها التي اعتاد مترفيها الاستمتاع بلحومها لانها تأكل وتخرب زرع الناس فتنجح هذه الامة بالاستمرار والتواصل وتحقق السلم الاجتماعي بين الناس وبينهم والبيئة الطبيعية؟ وهناك من الامم من قطع اشجار جزيرته واندثر مع اندثار الغابة.

في تاريخ العراق للعشرة الف سنة الماضية ومنذ نشوء الزراعة فيه مرت على اهله كثير من الازمات والتحديات الكبيرة استجابوا وربما لمعظمها بشكل جيد من خلال الصمود والابداع والابتكار التقنني والتنظيمي والثفافة الراسخة. فالزراعة نفسها جاءت من قلة الغذاء في الجمع والصيد وري المزروعات جاء مع تحديات التغيرات المناخية والجفاف. نشوء المدن جاء من توسع القرى وتعدد الحاجات الزراعية وبالاخص في تنظيم الري، ونشوء الامبراطوريات جاء من صراع المدن-الدول والحاجة لادارة اكبر كان اكبرها الامبراطورية التي بناها سرجون الاكدي والتي شملت كل او معظم مناطق وادي الرافدين واستمرت في تجدد رغم الانقطاعات والخسائر لالفيتين ثبت خلالها وضع ثقافي وتقني مستقر في عموم البلد رغم تعدد البيئات الطبيعية والاقوام فيه، وقبل النهاية انتجت فكرت التوحيد في ما يسمى العصر المحوري والتي حولت اهل العراق تدريجيا الى المسيحية ثم الاسلام. السومريين جاءوا مسالمين او بالقوة للعراق فامتصهم اهل العراق و"طينوهم"، الكاشييون جاءوا محتلين من الشرق وتطينوا واضمحلوا او رحلوا، والاموريين جاءوا من الغرب والشمال كقبائل رحل ربما مسالمين فكان ان احتواهم الطين والمدن العراقية واصبحوا من اكبر مبدعيه على يد ابنهم حمورابي الذي قد يكون قد بدأ نشر اللغة البابلية من السريانية الغربية بالاكدية العراقية من خلال تشريعاته والامبراطورية التي بناها.

الاستجابة الجيدة والناجحة لتحدي ومعضلة تجابه الامم لا تأتي من عدم ولا من نواح وولولة وعدم مبالات بل تحتاج الى نخبة وقادة يعون المشكلة، يتحملون المسؤولية، ينشرون روح الصمود والامل في النجاح، وينذرون انفسهم لعلاجها، الى خبراء يؤتمن على عملهم ومعارفهم وما يقترحون، والى مزاج شعبي فيه قدر من الصمود والتفائل والايجابية. نواح اور لم يخرجها من خرابها ولكن نواح تموز اعاد الامل في الحياة وعودة الزرع والضرع للعطاء وذكرى الحسين تجدد الصمود بوجه الطغيان والامل بالاصلاح وبحياة افضل يحكم فيها العدل والرحمة. ونحن نجابه اليوم في العراق تحديات كبير نرى الحاجة لقيادة نزيهة وكفوءة وتتحمل المسؤولية ولأهل علم حقيقي (ليس من سوق مريدي) يشخصون الخلل ويقترحون العلاج بأمانة وابداع ولروح شعبية تؤمن بامكانية التغيير ويسودها النفس الايجابي وليس السلبي والتقاعسي.

منذ احتلال المغول لبغداد عام 1258 والعراق لم يستطع استعادة عافيته وفرض استقلاله ناهيك عن ريادته للمنطقة، صحيح انه امتص بدرجة واخرى احفاد المغول من بويهيين وغيرهم فشيعهم وسننهم وبغددهم ولكنه ظل اسير القوة الصفوية الصاعدة في الشرق والقوة العثمانية الصاعدة في الشمال التي هيمنت على العراق حتى اوائل القرن الماضي. كان يمكن لاصلاحات داوود باشا ومدحت باشا في القرن التاسع عشر ان تضع العراق على جادة النهوض ولكن الباب العالي اصر على ازاحتهم وفرض جباية الضرائب على الولايات العراقية، الامر الذي سحب فائض الانتاج لصالح تركيا وليس الاستثمار في العراق. في القرن العشرين كان هناك تحركين في نهضة العراق مدعومين بفوائض النفط. الاولى في عهد الملك فيصل الاول اجهضت بتدخلات الانكليز والعسكر وغياب الرؤية الجامعة، والثانية في عهد عبد الكريم قاسم واجهضت بتدخلات الامريكان والصراع الشيوعي - القومي/ البعثي وكلا الحزبان عادا او لم يهتما لا بالديمقراطية ولا بالرأسمالية الوطنية.

حاليا نرى نضوج الظروف لتحرك قوي نحو النهضة العراقية تهيئه الديمقراطية ووعي الشعب العراقي وتيسره موارد النفط ويعوزه القيادة الحكيمة التي تفكر بالتنمية للجميع وليس فقط مصالحها وحصة مكونها. الازمة الشيعية-السنية والتركيز على مصالح المكونات والقادة اخرتنا عشر سنوات ولكن يوجد الان وعي وادراك بفشل النخبة وباهمية الاقتصاد والتنمية والخروج من الدولة الريعية وضرورة التوزيع العادل للموارد وعودة الامل والثقة بامكانية التغير من خلال الاصلاح وبالاخص بعد الانتصارات على داعش بعد ان دفعت السياسات الفاشلة الى زعزعة الثقة بالسياسة والمسؤولين والديمقراطية. مع انتصارات الحشد الشعبي ووقوف الاجهزة الامنية على ارجلها وتنامي الهوية الوطنية كان المفروض الان ان نشهد تحرك جاد وقوي في الشارع والدولة نحو الاصلاحات الجذرية ولكن موقف مثقفينا السلبي سواء ان كانوا في الدولة العراقية او خارجها وسواء كان موقفهم مدفوع الثمن او لجهالة وغباء يضعف ثقة المواطن بالعملية السياسيه الديمقراطية واهمية المساهمة الايجابية في التغيير والاصلاح واختيار من يمثلنا على اساس القدرة والاخلاص للشعب وليس جيوبهم.

خطورة موقف المثقفين السلبي يأتي ايضا من تطابق ودعم قادة واعضاء في طبقة النخبة ممن اسهم في سوء الادارة واثراء النخبة على حساب الشعب والتنمية ويحاول الان تسويف الاصلاحات بأساليب متعددة منها الاصرار على الاملاء بخصوص تعينات الوزراء وعلى التوافقية ومنها تشغيل بيروقراطية الدولة والمراكز الاعلامية التابعة لهؤلاء القادة في خلط الاوراق وتسقيطات لا يمارسها حريص على بلده. هؤلاء القادة الفاشلون وطبقة النخبة المترفة التي خلقوها يراهنون على عودة فسادهم وسوء ادارة البلاد بعد ان تمر الازمة المالية وتعود اسعار النفط بالارتفاع وايضا زيادة انتاج النفط لصرف موارد اكبر على مرافق الدولة غير الانتاجية. ما يعيقهم هو انجازات الحشد الشعبي والحركة الجماهيرية المطالبة بالاصلاح ومحاسبة الفاسدين. انهم يشجعون ازدياد تحكم جيوب المثقفين بعقولهم وهنا يصبح كل شيء قابل للبيع والفبركة.

من خلال السياسة والادارة والمهنية والاعلام تصرف الان ولسنين مليارات الدولارات لزعزعة الثقة في العملية الديمقراطية العراقية وما زعزعة الامن ونشر الفساد وروح العجز الا اوجه من هذا التوجه الذي رأيناه يتكثف في الانتخابات الماضية وبدأ يتكثف الان لاستقبال الانتخابات التشريعية القادمة التي فيها يمكن للعراقيين ان ينجحوا من اختيار ممثلين لهم في مجلس النواب ممن هم اهل لها في القدرة والنزاهة والوطنية ويمكن ان يخرجونا مما نحن فيه من تخبط وتخلف وفساد وواقع لا يشجع على التنمية. بامكان مجلس النواب ان يكون مكينة نهضة العراق من خلال اختيار تنفيذيين متمكنين ونظيفين، اصدار التشريعات الجيدة وممارسة رقابة مهنية نظيفة لا تنطلق من المصالح الشخصية والفئوية والتسقيط.

في السياسة نرى شراء الذمم وصرف اموال هائلة وسياسيين بائسين يتبوأون المناصب والقيادة وهم ليسوا اهل لها، وفي الادارة نرى من يقصدون سوء الادارة ونشر التذمر ولا يوجد من يحاسبهم على التقصير، وفي المهنية نرى سكوت عجيب على عدد كبير من الخلل الواضح والممكن اصلاحه مثل هروب الاموال من البنوك العراقية او الترهل في جمع الضرائب، واما الاعلام فقد اصبح احيانا اشبه بالدعارة فمن يدفع تجرى له المقابلات ويتصدر العناوين وينشر افكاره بحرية وان كانت عفنة ومخربة وتستند على اكاذيب مفبركة. اموال الاجهزة السعودية والقطرية والفاسدين من ساستنا اصبحت هي المسيطرة على عقول كثير من مثقفينا لتنفث السم والتشائم والسلبية لدى الناس وتعيقهم من المشاركة والفعل الايجابي للتغيير والاصلاح.

ما نسمعه ونراه من زوبعة خور عبد الله مثال جيد على تعاون اداريين وسياسيين واعلاميين ومهنيين على تسويف قضية مهمة تحتاج الى عمل مدروس تحكمه المصلحة الوطنية وتحويلها الى مصدر للاتهامات والتسقيط وضياع الحقوق. من الواضح لكل منصف ينظر الى ترسيم الحدود العراقية الكويتية والخرائط البرية والمائية والمتعلقة بالجزر ان غبنا كبيرا بحق العراق حدث من اتفاق بريطاني عثماني في بداية القرن الماضي ومن اتفاق صدام وحكومته مع الامم المتحدة في نهايته وتوقيع اتفاقية الذل. في ظل هذا الواقع المجحف، الذي دفع على ما اتذكر بأحد اعضاء اللجنة الاممية الرصينين ان يستقيل احتجاجا على جور القرار، يفترض على العراقيين عدم العمل على تنفيذ الاتفاقية على ارض الواقع ورصد المبالغ لها رغم حاجتنا للاموال في امور اهم ولا ان يستغلوا الامر للمناوشات والتسقيط والدعاية الرخيصة. فان كان مجلس النواب العراقي حريصا على حقوق العراق في المسألة الحدودية مع الكويت عليه وبكافة كتله السياسية ان يعمل على تشكيل وفد برلماني وحكومي وقضائي الى الامم المتحدة والضغط على الغاء القرار 833 وفتح ملف جديد لرسم الحدود بين البلدين بشكل عادل وبما هو لصالح البلدين حاضرا ومستقبلا. رصيد العراق الحالي في الانتصار على داعش وتقديم آلاف الضحايا لمنفعة العالم ايضا يمكن ان يساعد في كذا توجه.

اناشد المثقفين الشرفاء ان يكونوا عونا لشعبىهم في هذه المرحلة الحرجة والحبلى بانعطاف تاريخي يمكن ان يبرز وجه العراق المشرق بدلا من وضعه الحالي الكالح والمليئ بالممارسات والاجراءات الخاطئة والقابلة للتغيير من خلال تبني النقد البناء حيث الايجابية واقتراح الحلول التي تدفعنا الى الامام ونحو التقدم والافضل، وترك النقد الهدام حيث الولولة والتسقيط واشاعة السلبية حتى من خلال الافتراء واختلاق وترويج الاكاذيب. المثقف الذي يريد ان ينفع شعبه العراقي عليه الابتعاد ولو قليلا عن المفاهيم الحداثوية في تأكيد الموضوعية ووصف الواقع والانتقال ايضا الى تغيره وهذا ليس بالضرورة ان يأتي بالثورة والتهديم بل يمكن ان يأتي من خلال الديمقراطية التي اختارها الشعب العراقي حيث المجال واسعا لتبني مئات او آلاف من التحسينات والاجراءات والقوانين والتعليمات الجيدة.

من اجل النهضة العراقية اناشد المثقفين ما يلي:
- لا داعي للنرفزة من هيمنة المتدينين فأغلبهم في العراق علمانيون يتبعون المذهب الشيعي والحنفي المتفتحين على العلم والاجتهاد

- قفوا بجانب العراق وشعبه من خلال النقد البناء فانه انفع للتغيير والاصلاح في الديمقراطية

- توقفوا عن استعمال ونشر الاكاذيب الملفقة بل اناشدكم ان تحاربوها لانها موظفة ضد شعبكم

- تكلموا بنفس يشحذ الهمم وادعوا الى النقاش والمشاركة والتغيير فليس كل السياسيين سفلة ولا كل اعوجاج ثابت

- العراقيون شعب الحياة فرغم تشويه الدكتاتورية واستغلال الدين لمصالح انانية لازالت النخوة والعطاء وطلب العدل سائدا في العراق

- بتحولهم الى الوطنية والابتعاد عن الاملاءات الدينية والى التمسك باحترام القانون وتأكيد التضحية في سبيل الناس اصبح الحشد الشعبي روح العراق ولا داعي لمعاداته

- نظافة مؤسسة الحشد الشعبي الوطني وتضحياته يفترض ان تقدر وتجعلكم تطالبون في اشراكه في مسك الامن المحلي وفي محاربة الفساد في الانظمة المحلية وبالاخص الضرائب والكمارك

اناشد السياسيين الشرفاء ما يلي فيما يخص موقف المثقفين:
- هناك آلاف من الاعلاميين والمتخصصين في شؤون المعلومات والدعاية يعملون في الدولة العراقية ومنظمين في عشرات من التنظيمات التي يفترض ان تدافع عن الدولة العراقية وتطرح ماينفع الشعب العراقي ولكنها الان صم بكم ولا ترى ما يجري من صناعة وترويج الكذب والافتراء والمبالغة بالسلبيات بل وحتى يشاركون فيها. بالجزرة والعصى عليكم ايقاظ هذه المؤسسات/التنظيمات وافرادها لتنجز ما عليها من واجبات لصالح المجتمع خاصة وهناك من الامكانيات الكثير لمجابهة السفلة في صناعة الكذب والترويج له.

- المثقفون طبقة حساسة تجدونها فيكم وحولكم وفي كافة مرافق المجتمع. معظمهم علمانيون ينشدون دولة المواطنة ونشر الجمال والفن والعدل ويكرهون الاملاءات الدينية السخيفة التي لا تحترم الاخر المختلف ولا تعير اهتماما لتعددية المجتمع، فالباري اعطى الخيار للناس في ممارسة دينهم ومعتقداتهم، فلا تستفزوهم من خلال قوانين واجراءات لا يقبلها العقل وتقمع الحرية الشخصية.

- مؤتمرات السياسيين الصحفية التي تهدف الدعاية من خلال مهاجمة تلك الجهة وتلك الشخصية على اسس غير رصينة ورخيصة يجب ان تتوقف ويفضح ويعاقب من يمارسها. فمن غير المعقول ولا اللائق ان يخرج نائب يتقول بهذا وذاك وتلك استنادا لاخباريات ملفقة او صحيحة. فواجب البرلماني التحقيق في الاخبار واخذ المعلومة من مصادرها والتدقيق في الارقام وجمع المستمسكات ثم طرح الملف للاصلاح او العقاب ضمن الاطر والاليات الاصولية.
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter