|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  3  / 5 / 2016                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الانتفاضة البرلمانية بنت الحشد الشعبي، فلماذا تخلى عنها العامري والصدر؟

د. باسم سيفي
(موقع الناس)

بروز داعش الهمجي واحتلاله لثلث مساحة العراق ومعظم المناطق السنية العربية دليل على خراب المؤسسات العراقية في السياسة والامن والاقتصاد والادارة وصفعة قوية لطبقة النخبة من سياسيين واداريين ومهنيين تهددهم بالفناء او اجراء اصلاحات جذرية تضع العراق على جادة البناء والعدالة الاجتماعية بدلا من التدهور المستمر في معيشة معظم الناس خاصة والتفاوت الهائل بين امتيازات النخبة الفاشلة في قيادة العراق وما يحصل عليه معظم المواطنين من دخل وخدمات، خاصة في القطاع الخاص والمؤسسات الانتاجية حيث لم يُبقي الاستيراد المفتوح للعراق شيئا ينتجه. تزايد اعداد الشباب الضائع بين اللاعمل والتهميش وبين واسطة التعيين الحكومي وبفساد ورشى، قنبلة يزداد حجمها ولابد ان تنفجر يوما في وجه ساسة العراق ولن ينفع تسييس الدين والمذهب والقومية.

القنبلة انفجرت جزئيا مع خداع السيد مقتدى الصدر بسحب نوابه من انتفاضة النواب مقابل تقديم قائمة وزراء تكنوقراط ومستقلين والموافقة عليهم من قبل اغلبية في مجلس النواب بقيادة السيد سليم الجبوري ومشاركة النواب الصدريين، والذي ادى لاحقا الى تصويت جزئي (على خمسة وزراء فقط) ثم الى اقتحام المنطقة الخضراء واجتياح مجلس النواب من قبل اتباع السيد الصدر ومعظمهم من الشباب كما تظهر صور الاجتياح واهانة بعض النواب. اهانة مجلس النواب بهذا الشكل والتقليل من هيبة الدولة لا يسر محبا للعراق ونجاح تجربته الديمقراطية ولكن مع ذلك لا يمكن تبرئة مجلس النواب في تسببه ولو جزئيا بحدوث ما حدث من خلال السعي لتسويف الاصلاحات والتلكأ في اقرار وزراء مهنيين ومستقليين، مختارين من قبل لجنة خبراء عراقيين متمكنين ومخلصين للعراق، بحجج سخيفة غرضها تصعيد الازمة.

انبثاق الحشد الشعبي لمقارعة داعش القادم من رحم الظلام والتخلف والانتصارات التي حققها عليه تحت راية العراق ومساهمة كافة المكونات العراقية احدث هزة في الكيان العراقي وضمير الامة تقول له في امكانية التغيير ونجاح التجربة العراقية الديمقراطية وضرورة الصمود وتنفيذ الاصلاحات الجذرية في المؤسسات العراقية. اول من استلم الاشارة وتفاعل معها كان المتظاهرون في معظم المحافظات العراقية مطالبين بتحسين الاوضاع الاقتصادية والخدمية ومحاربة الفساد وانهاء المحاصصة. ثاني من استلم الاشارة وفهم المعضلة اعضاء في طبقة النخبة القائدة ممن طرح ضرورة الاصلاحات الجذرية وتشكيل حكومة لا تخضع لهيمنة قادة الاحزاب وزعماء الكتل، وكان منها اقتراح رئيس مجلس الوزراء في ظرفه المغلق لمجلس النواب بتشكيل وزارة تكنوقراط لاشخاص مشهود لهم بالوطنية والنزاهة وليس فيهم نفس طائفي وتعصب قومي ومستقلين عن الاحزاب والتكتلات المتنفذة.

ثالث من استلم الاشارة وفهم مغزاها وضرورة التحرك بموجبها هم النواب الوطنيون المخلصون للشعب العراقي بكافة مكوناته وليس لمكون واحد والذين انتفضوا في 12-14 نيسان عندما اتضح توجه قادة الكتل والاحزاب في تسويف الاصلاحات ورفض قائمة الوزراء المستقلين وابدالها بقائمة وزراء خاضعين للكتل والاحزاب لن تغير شيئا في البلاد وستبقي المحاصصة الملعونة التي جرت البلاد الى التشرذم والانحطاط رغم امكانيات العراق وكذلك تبقي الفاسدين وغير المؤهلين في مواقعهم القيادية ليستمر نشاطهم في سوء الادارة والفساد بعد فترة استراحة تسودها المواعظ الخطابية في اهمية الوحدة الوطنية والاصلاحات الجذرية والمشاركة الحقيقية وقد يتبعها حملات من الدجل الايماني القومي منها والديني الذي يفرق بين المواطنين ليلهيهم عن الاهتمام في المسائل المهمة لحياتهم ولوطنهم والاجيال القادمة.

لذا يمكن القول بأن انتفاضة النواب هي بنت انتصارات الحشد الشعبي التي جسدت امكانية وضرورة التغيير لوضع اسس جديدة في قيادة الدولة تبتعد عن المحاصصة والتوافق وتنفيذ اصلاحات جذرية في السياسة والاقتصاد والادارة ومحاسبة الفاسدين والمقصرين، خاصة وان معظم النواب المنتفضين محسوبين بدرجة او اخرى على المساندين للحشد الشعبي وكانوا يشكلون فعلا اكثر من نصف عدد النواب الاجمالي قبل انسحاب النواب المحسوبين على منظمة بدر اولا ثم تبعهم بعد ايام نواب التيار الصدري. مع انسحاب هؤلاء النواب وعددهم يزيد عن الخمسين خسر المنتفضون الاغلبية المريحة التي كانوا يتمتعون بها ومن الواضح بأن هذا الانسحاب جاء بإيعاز من زعيمي الكتلتين السيد هادي العامري المشرف العام على الحشد الشعبي والسيد مقتدى الصدر الزعيم الاشهر في مطالب الاصلاح وامكانية اخراج المظاهرات المليونية وتغيير المواقف الفجائية.

والتسائل الذي يجب ان يطرح من اجل وضع خطة عمل مستقبلية للنواب المنتفضين وغير المنتفضين للخروج من الازمة الحالية والانتقال الى الاهم في تنفيذ الاصلاحات الجذرية قبل نجاح المتصيدين في الماء العكر هو لماذا ترك هذين الزعيمين الانتفاضة البرلمانية وهم من اكثر السياسيين، اعلاميا على الاقل، اهتماما بالاصلاحات الجذرية ومحاربة داعش والفساد. الجواب الجاهز والساذج لدى الكثيرين هو الاملاءات الايرانية دون تفكير بمصلحة ايران في ذلك ولمَ لم توقفهم منذ البداية، وهل هناك ذكاء في اتهام من يقدر تجربة جاره الناجحة وطنيا واقتصاديا بالعمالة والدمية التي تحركها خيوط الجار. في 2014 وبعكس السعودية وتركيا كانت ايران سباقة في مساعدة العراق لصد داعش وكل الدلائل تشير بأن ايران لها مصلحة حقيقية ووجدانية في نجاح التجربة الديمقراطية العراقية وصد الافكار التكفيرية الوهابية التي جلبت وتجلب الويلات للقضية الاسلامية والعربية، فلماذا هذا الحقد الاعمى والغبي لايران التي هي بلد جار يأكل ما يزرع ويستخدم ما يصنع ولنا معها اطول حدود واعمق علاقات عبر التاريخ ومنذ السومريين.

تتبع ما حدث يلقي ضوءا افضل على ما حدث ولماذا. فمنذ البداية تجمع عدد من النواب حول ملاحظة محاولات تسويف الاصلاحات ورفض قائمة العبادي الاولى من الوزراء المهنيين والمستقلين وهو ما جمع مزيدا من النواب الغيارى الذين انتفضوا عندما رأوا رئيس مجلس الوزراء يقدم قائمة وزراء اخرى تحضى بالمقبولية من رؤساء الكتل والاحزاب ورفض رئاسة مجلس النواب تصويت النواب على القائمة الاولى. يبدو بان تحرك النواب المنتفضين باتجاه اقالة رئاسة مجلس النواب هو من تسبب في انسحاب نواب العامري او بدر من الانتفاضة في حين صوت نواب الصدر على اقالة قيادة سليم الجبوري واختيار رئيس موقت هو الاكبر سنا لحين انتخاب قيادة جديدة لمجلس النواب. شرعية ما جرى لا يمكن حسمه من قبل اي جهة غير المحكمة الاتحادية ولكن مع الاسف نراها عاجزة حتى الان باتخاذ قرار واضح في الموضوع.

امر انسحاب نواب التيار الصدري من النواب المنتفضين جاء مع خطاب السيد مقتدى في اهمية الاصلاحات وضرورة التظاهر والاعتصام وفي اتهام المالكي بقيادته لانتفاضة النواب من اجل ان يعود لرئاسة مجلس الوزراء، وهو الامر الذي اضر كثيرا بالنواب المنتفضين مع تحولهم الى اقلية خاصة وانهم طرحوا ايضا اقالة رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية بدون التفكير الجدي لما سيتركه هذا من تداعيات. النواب الصدريون انضموا الى تجمع النواب الداعم لقيادة السيد سليم الجبوري الذين اصبحوا يشكلون الاغلبية مع زيادة عددهم بحوالي اربعين نائبا، ولكن مع تقديم السيد العبادي لقائمة وزراء مبهمة في التفاصيل والتصويت على عدد منهم ورفض عدد آخر وتأجيل التصويت انفجر الموقف مع احتلال جماهير التيار الصدري لمجلس النواب ليُعقد المشهد السياسي العراقي الى وضع خطير خاصة وداعش واعداء العراق لازالت لديهم انياب لتنهش بالجسد العراقي.

مطالبات الاصلاحات الجذرية هي من نتاج انتصارات الحشد الشعبي ويجب عدم التخلي عنها بسبب الازمة التي تركتها مع محاولة الفاسدين من طبقة النخبة من تسويفها. حل الازمة الان اراها بيد قادة الحشد الشعبي ليس فقط كقوة عسكرية بامكانها صد محاولة اعداء العراق من استغلال الازمة الحالية خاصة وداعش لازالت في الفلوجة غير البعيدة عن بغداد وهناك من الخلايا الاجرامية والارهابية النائمة واليمكن تشكيلها بالمال ما لا يمكن تقديره مع البطالة وسوء الاحوال المعيشية لشريحة واسعة من الشباب، بل كقوة سياسية وتنظيمية تحوز بتقدير الشعب العراقي بمعظم مكوناته ولها من الانصار في مجلس النواب ما يمكن ان يشكل اغلبية مريحة لتشريعات جيدة ورقابة فعالة عابرة للطائفية وسياسة التوافق التي حولها الفاسدون والمصلحيون الى ابتزاز.

الاصلاحات الجذرية قاسم مشترك بين انبثاق الحشد الشعبي وانتصاراته وبين المهمة الاساسية التي تبلورت حولها انتفاضة النواب ومحورها الاولي تشكيل حكومة وزراء مهنيين ومتمكنين لا يخضعون لهيمنة قادة الاحزاب والمكونات ليتمكنوا من اجرار الاصلاحات الادارية والتنظيمية في وزاراتهم ومن اقتراح التشريعات المناسبة بدون ضغوط الاحزاب وعلى اسس وطنية ومهنية. وهذا الربط يمكن ان يعزز حركة الاصلاحات الجذرية في القوة والسعة والزخم عبر تفاعل القوى الايجابية والوطنية فيما بينها ومع مطالب المواطنين وتطلعاتهم وعدم السماح لقادة الفساد والمصلحة من كسر هذا التفاعل الايجابي عبر فيتو التوافق. انسحاب نواب بدر والصدريين، وهم من المحسوبين على الحشد الشعبي بدرجة او اخرى، من انتفاضة النواب اضعف الانتفاضة ومنعها من التقدم في اقالة الرئاسات الثلاث إلا انهم سيبقون على الارجح في تواصل مع المنتفضين في تنفيذ الاصلاحات الجذرية وعدم السماح بتسويفها.

قادة الحشد الشعبي والنواب المساندين للحشد ضمن النواب المنتفضين وغير المنتفضين بامكانهم الان وبمساعدة ودعم المرجعية الحكيمة اخراج العراق من ازمته الحالية ووضعه على جادت البناء والنهضة من خلال :

اولا، الاصرار على رئيس الوزراء بطرح قائمة وزراء مهنيين ومستقلين عن احزاب وتكتلات مجلس النواب بالتشاور مع لجنة الخبراء التي اقترحت قائمته الاولى وليس مع قادة الكتل والاحزاب. الابقاء على وزيري الدفاع والداخلية حاليا شيئ مفضل خاصة وانجازاتهم ليست سيئة.

ثانيا، الضغط على المحكمة الاتحادية/الدستورية باتخاذ قرار في مسألة القيادة الشرعية لمجلس النواب او اقرار آلية لاختيار قيادة جديدة.

ثالثا، تصويت مجلس النواب على قائمة الوزراء كحزمة واحدة وبشكل علني ليعرف الشعب موقف النواب، والاقرار يكون على اساس الاغلبية (50%+1).

رابعا، المساعدة في القضاء على الفساد واحترام القانون ومنع تخريب الممتلكات العامة.

خامسا، التفكير بحلول دستورية عند الفشل وتفعيل دور المحكمة الاتحادية والقضاء.
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter