|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  31  / 10 / 2016                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

نفط وخمر، متى نتوقف عن القرارات الهوجاء واللاعقلانية؟!

د. باسم سيفي
(موقع الناس)

في وسط الفرحة بانتصارات قواتنا وحشدنا على الدواعش الهمج في عمليات تحرير الموصل انفجرت بيننا قنبلتين ذات روائح نتنة. الاولى تتعلق بمفاوضات لتوقيع 12 عقد نفطي في حقول متوسطة والثانية تتعلق بمنع بيع وتصنيع واستيراد المشروبات الكحولية. في كلا المسألتين اختفى العقل فجأة وهيمنت الهوجائية وربما المصالح الشخصية التي وضعت جانبا ضرورة النقاش والتمعن بالتبعات قبل اتخاذ القرار في مسائل مهمة للشعب العراقي حاضرا ومستقبلا.

مع التحرك الجماهيري المطالب بالاصلاح وانهاء الفساد والذي ايدته المرجعية الدينية الشيعية ومع انتفاضة النواب وتشكيل جبهة الاصلاح استبشرنا خيرا واعتقدنا بأن زمن القرارات والتشريعات الهوجاء والفردية والمزاجية قد انتهى وبدأ زمن القرارات والتشريعات العقلانية والمدروسة الخاضعة للمهنية والنقاش، ولكننا صدمنا في الاسبوع الماضي بقرارين لا يمكن للعقل ان يقر بهما وسيجلبان اضرار كبيرة للمجتمع العراقي. الاول اتخذ في اروقة وزارة النفط في عهد الوزير الجديد المهني (التكنوقراط) ويؤكد الرغبة بتوقيع 12 عقد نفطي جديد مع شركات عالمية واقليمية تزيد من طاقة العراق الانتاجية في النفط رغم اننا نفاوض الشركات العالمية لتقليل الطاقة الانتاجية المتفق عليها في العقود الخدمية التي وقع عليها في جولات التراخيص السابقة. قد تكون هناك اسباب وجيهة لتوقيع تطوير حقل واحد او اثنين كونهما حدودية مثلا ولكن 12 حقل!

الثاني اتخذ في مجلس النواب من خلال حشر البعض فقرة تمنع بيع وتصنيع واستيراد المشروبات الكحولية في قانون ايرادات البلديات عند التصويت عليه (شجاب القندرة على الدولمة ولم هذا التحايل؟!) واختفاء دور المستشارين العظام ورئاسة المجلس في تنظيم هذه الامور وعدم السماح للتحايل والشيطنة في عملية تشريع القوانين التي يفترض ان يكون لها شيئ من الاحترام والاخلاقية. قرار منع الخمور له تبعات اقتصادية واجتماعية ودستورية وسياسية وادارية لابد من مناقشتها قبل القرار ولا يمكن تقليد ايران او السعودية بدون تبصر وبصيرة فالعراق ليس ايران او السعودية ومشاكل المخدرات والسوق السوداء والتصنيع البيتي في هذين البلدين ليست هامشية.

في جولات التراخيص الخدمية السابقة وقعنا من العقود ما يُمكن العراق من انتاج اكثر 12 مليون برميل نفط باليوم وعندما توضح ضرر هذا المستوى من الانتاج على الحقول والاقتصاد العراقي بدأنا بمفاوضة الشركات لتقليل الاستثمارات فطاقة الانتاج في القبة.

حاليا ننتج حوالي 5 مليون برميل باليوم وقريبا، خلال سنة او سنتين، سيتمكن العراق من انتاج حوالي 6 ملايين برميل باليوم ويصدر منها حوالي 5 مليون برميل باليوم، وهو المستوى الذي نراه الافضل للعراق لضمان مصالحه على المدى المتوسط والبعيد حسب دراساتنا ودراسات غيرنا. في ظل سياسة تحديد الانتاج لمنع انهيار الاسعار سيكون جيدا جدا اذا وافقت اوبك للعراق ان ينتج ويسوق هذه الكميات، وهذا يحتاج الى حجج مقنعة ومفاوضات ليست سهلة. فما معنى ان نوقع عقود نفطية جديدة ومكلفة؟! وأليس من الافضل التركيز على ادارة وتحسين كفاءة الحقول الحالية التي بامكانها ان تنتج ضعف ما ننتجه الان؟!

لا أعرف طبيعة العقود المزمع توقيعها ولا الشروط الموضوعة ولكني اشم رائحة فساد كبير وكبير جدا خاصة اذا كان هناك توجها لترتيب مفاوضات مباشرة وعقود مشاركة ترفع من فرص الفساد وتسهل شرعنة العقود التي وقعها اقليم كردستان وعائلة البرزاني بما فيها من فساد (وعفا الله عما سلف). توجه العراق في مسألة الشفافية في القطاع النفطي وفق معايير دولية رائع ويعكس الرغبة في اظهار روح الامانة في المجتمع العراقي، ولكن ما يدور حول العقود الجديدة لا ينسجم مع هذه الروح ويتعارض مع مبدأ الشفافية. على السيد الوزير المهني ان يخرج للناس ويخبرهم الاسباب الموجبة للعقود الجديدة وكيفية ادارة المفاوضات وطبيعة العقود ويترك النقاش للشعب ليقرر اهميتها. من الحماقة ان يستمر العراق بالعقود الجديدة وعلى رئيس الوزراء والنواب والنزيهين في وزارة النفط ان يوقفوا الان وليس غدا تطوير العقود الجديدة، وكفى تصيدا للفرص وزيادة لفرص الفساد.

قرار منع وتصنيع واستيراد المشروبات الكحولية يحتاج العقل لتشخيص ومعرفة تبعات هذا المنع ودراسته بشكل جيد وآمل ان لا يكون القرار بداية انطلاق عملية الانتخابات وخلط الاوراق لمنع الناخب من الاهتمام بالمسائل المهمة والمصيرية للشعب العراقي ومنها الاقتصاد والفساد وامتيازات وانجازات الطبقة الحاكمة. يبدو ان القرار بداية المنافسة الرخيصة والمزايدة الوسخة لاحتلال مقعد في مجلس النواب القادم وفرصة للفاسدين باحتلال مقعد في مجالس المحافظات من خلال الزعيق بتأيد قرار منع الخمور او العكس. فإلى من مرر قرار منع الخمور في قانون ايرادات البلديات اود ان اوجه الاسألة التالية والقائمة يمكن ان تطول.

ألا تشعرون بوجود خلل اخلاقي عند اختيار الوسيلة والحيلة لتمرير القرار؟ ألم تسمعوا بصرخة الامام علي عندما طلب بعض اتباعه استخدام اساليب معاوية في شراء الذمم: "أتأمرونني ان أكسب الحق بالباطل"؟
ألا تشعرون بالخجل من ان المرجعية الدينية الحكيمة لم تصفق لقراركم الانتهازي؟
ألا تعرفون بأن الانسان حريص على ما منع وان قراركم سيشجع السوق السوداء وانتشار المخدرات وسيدعم المافيات والفساد؟
لماذا تمنعون الدولة من تحصيل ضرائب مهمة على الخمور والدخان تساهم بمحاربة معاقرة الخمر والتدخين، المضرة للصحة والمجتمع، بطرق سليمة ليس بينها المنع والجلد؟

هل نظرتم الى مشكلة تعارض القرار مع مبدأ الديمقراطية والحريات الشخصية التي ثبتت في الدستور؟
هل فكرتم بمصير عشرات الالاف من العاملين في قطاع المشروبات الكحولية؟ ام انهم مجرد رقم يضاف الى اعداد العاطلين والمهمشين من نتاج سياساتكم المعادية للتنمية في الصناعة والزراعة والخدمات؟
لماذا تتبعون في قراركم ايران والسعودية في تطبيق الاسلام وليس تركيا ومصر؟ و أليس قطع يد السارق ورجم الزاني من ثوابت الاسلام؟
هل قرار منع الخمور مقدمة لسياسات جائرة تفرض نمطا محددا للمواطن العراقي المتنوع هو بالضد من الحقوق والحريات الاساسية المثبتة في الدستور؟
ألا يعني قراركم نكران حق غير المسلمين من التمتع بحقوقهم الدينية والثقافية وسيعزز هذا نزعة هجر الوطن؟
هل انتهيتم من بناء الاقتصاد العراقي واجتثاث الفساد ومعالجة البطالة والفقر؟
هل هذا وقته؟؟؟ !!!
لعن الله من ينغص فرحة العراقيين بالوحدة الوطنية وانتصارات الموصل.

النفط والخمر لعنتان اصبنا بهما ويعملان معا لتعزيز الانحطاط والتخلف. الاول من خلال تدمير الانتاج العراقي واللاعدالة في توزيع موارده والثاني من خلال المتاجرة بمنعه وإلهاء الناس لعرقلة محاسبة المسؤولين عن تدهور الصناعة والزراعة العراقية.

فإذا لم يتم ايقاف عقود النفط الجديدة فأبشروا يا مواطني العراق بإهدار نفطكم في الشمال والجنوب واستمرار هيمنة الطبقة الفاسدة من سياسيين واداريين وتكنوقراط. واذا لم يتم ايقاف قرار منع المشروبات الكحولية فابشروا يا مواطني العراق بقرب منع الاغاني بفقرة في قانون الموازنة، وفرض النقاب على نسائكم بفقرة بقانون الصناعة، وتشريع ارضاع الكبير بقانون يهدف نهضة الزراعة!!!

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter