|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  2  / 3 / 2017                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

"ولا يكونن المحسن والمسيء عندك في منزلة سواء،
فان في ذلك تزهيدا لأهل الاحسان في الاحسان وتدريبا لأهل الاساءة على الاساءة"

د. باسم سيفي
(موقع الناس)

هذا ما قاله الامام علي لمالك الاشتر عندما ولاه مصر، فما بال حكام العراق يغفرون ويدعمون المسيئيين ممن ساعد ودعم داعش ويعاقبون ويهمشون من حارب داعش ويقف مع القوات الامنية العراقية؟ هذا الذي نجح في تمثيل السنة من خلال الاموال والخطاب الطائفي وعمل على محاربة العملية السياسية الديمقراطية وان كان مشاركا فيها (احدث انواع السياسة، رجل بالحكومة ورجل بالمعارضة) والذي ساهم في جلب داعش وتسلطهم على اهل السنة يصول ويجول في المصالحة الوطنية والتسوية التاريخية التي دعى اليها من يدعي تمثيل الشيعة في الاونة الاخيرة؟! وهذا السني والمسيحي والشيعي والايزيدي والشبكي والكردي والتركماني الذي تحمل ما تحمل من داعش الهمجي ولبى نداء الوطن والمرجعية وقدم الدماء والمال في محاربة داعش يركن جانبا مع "طبطبة" على الظهر؟!

عدم الالتزام بمقولة الامام في عراق ما بعد سقوط الطاغية، ومعناها اليوم اصبح شائعا في كل دساتير وقوانين العالم المعاصرة، يعني هدم القيم الاخلاقية التي يستند عليها المجتمع العراقي وتركه لمستقبل مجهول مشؤوم تسوده المصلحة الشخصية الانانية دون اي اعتبار للتعاليم الدينية والانسانية في التميز بين الخطأ والصواب وبين الشر والخير. فحفلات تبرئة سراق كبار وتهريبهم خارج العراق وعدم مقاضاتهم وفق القوانين والاعراف الدولية يعني تمجيدهم واعلاء شأنهم على ما حصلوا عليه من مغانم وبنفس الوقت تحقير وتصغير شأن النزيهين الذين رفضوا المشاركة في السرقات التي جعلها الامريكان واصحابهم من العراقيين من الامور السهلة والمتيسرة خاصة مع وفرة العائدات النفطية، فمن يغتني بالحرام سبع وذكي ومن يرفض ما بي خير وغبي او ساذج. وعندما تسود هذه النظرة في تقييم المهمل والمخلص في العمل، المجرم والمدافع عن الحق، الانتهازي والمبدأي، والوضيع والنبيل، فاقرأ على المجتمع السلام حيث طغيان السلبية والغربة والقرف وعدم الرغبة في المشاركة لتغير واقع سيئ الى افضل.

طبقة النخبة الشيعية والسنية والكردية في السياسة والادارة والمهنية التي استلمت قيادة العراق بعد سقوط الطاغية فشلت في ادارة العراق وموارده البشرية والطبيعية بشكل جيد وادخلته في نفق الفخ الريعي واللعنة النفطية في الزمن الديمقراطي ايضا. فبدلا من الاهتمام باقتصاد البلد وتأكيد تحقيق معدلات عالية في التنمية والنمو الاقتصادي عمل اعضاء النخبة على تثبيت وضعهم وجني الرواتب والامتيازات الكبيرة لانفسهم من خلال تعيينات الولاء والمحاسيب، فالشيعي الموالي لقائد/سياسي شيعي يذهب اليه ويعيينه والسني الموالي لقائد/سياسي سني يذهب اليه ويعيننه وهلم جرى في الطوائف والاثنيات والمناطق والافخاذ، وهكذا تتعزز الولاءات والتكتلات في مرافق الدولة ويصبح الفساد طريق النجاح خاصة وعدم العقاب يصبح شبه مضمون ويتحول مفهوم التوافق النبيل في ايجاد ما ينفع الجميع في التنمية الى مسخ يعني خذ هذا واعطني ذاك وغطي لي على هذا الفساد واغطي لك على ذاك، وكذلك مفهوم المحاصصة الذي يفترض ان يعني تمثيل ومشاركة الجميع الى "عيين صاحبي وأعيين صاحبك". يكفي ان نعرف بان دخل عضو في مجلس النواب العراقي وكثير من اصحاب الدرجات الخاصة يبلغ اكثر من 50 مرة دخل ارملة او كادح او عاجز ممن هم تحت او قرب خط الفقر، يشكلون الان حوالي ربع او ثلث السكان، لكي نستنج بان النخبة قد اقصت العدالة في المجتمع العراقي.

الازمة المالية وتقدم داعش وجه صفعة قوية لطبقة النخبة اجبرها على التراجع الموقت والقبول ببعض التنازلات عن مكاسبها وبعض الاصلاحات الشكلية والسماح لتقدم قوى صاعدة في المجتمع متمثلة في سياسيين وكوادر ذوي ايادي بيضاء انغمروا في صمود ومقاومة الحشد الشعبي الوطني لداعش الارهابي الذي تمكن من السيطرة على ثلث العراق خلال اسابيع. هذه القوى وان خرجت من المنبر الحسيني سرعان ما ثبتت القضية الوطنية في توجهات الحشد الشعبي وفتحت الابواب والاذرع لدخول اعضاء نجباء من مختلف المكونات العراقية في صفوف الحشد الشعبي ومحاربة عصابات داعش الهمجية في المناطق التي سيطروا عليها بفعل الخيانة والترهل. ما عمله الحشد الشعبي الوطني في التصدي لداعش وشحذ همم القوات العراقية للقتال جبار وعظيم وفخر العراق الذي يجب ان ُيستغل من اجل تقويم العملية السياسية والمسار الخاطئ ومجيء نخبة جديدة تعمل لصالح الشعب وتؤكد اهمية الخروج من فخ الدولة الريعية واللاعدالة وتهديم قيم المجتمع.

الدماء العراقية التي ضحى بها الحشد الشعبي طوعا من اجل العراق التعددي والعملية السياسية الديمقراطية يمكن ان تكون رمز الوحدة الوطنية وراية تجمع الجهود في الاصلاحات الجذرية من اجل نهضة العراق الاقتصادية والاجتماعيه والسياسية، فعصر الانحطاط الذي اجبرنا فيه في عهد البعثية الشمولية والدكتاتورية الصدامية وايضا بدرجة كبيرة في عهد ديمقراطية النهب والمصالح الانانية والخروج عن تعاليم الامام علي اعلاه يجب ان ينتهي. ولكن مع الاسف نرى من يريد بقاءنا فيه فما معنى ظهور نغمة مظلومية السنة والكرد وانشاء اقليم الموصل على ايدي من هم مدعومون من قبل الحكومة التركية وقد بدأوا بتحريض الشارع الموصلي ضد القوات العراقية التي حررتهم من داعش، من كرد البرزاني الذين يريدون ترحيل ازمتهم الداخلية في سوء الادارة والنهب وعدم الشرعية الى خارج الاقليم واللعب على عواطف الكرد بالبطولات الفارغة وجنة الاستقلال التي تطرق الابواب ومن قادة سنة احترقت اوراقهم في مساعدة داعش في احتلال المناطق السنية واذلال اهلها ومنهم مطلوبين للعدالة في بغداد.

انه والله عار على الشعب العراقي ان لا يستوعب تجربة الحشد الشعبي في المقاومة الوطنية والنصر ليس فقط على داعش والبعث الصدامي بل ايضا على من يقف خلفهم في التمويل والدعم وحتى بالتفرج لابقاء العراق في التشرذم والانحطاط وتراجع القيم النبيلة وان لا يستفاد من هذه التجربة في تعزيز الاصلاحات الجذرية واختيار المتمكنين والمخلصين لقيادة العراق ومؤسساته في المرافق والمستويات المختلفة وعلى رأسها مجلس النواب العراقي الذي هو الان ماكنة الانحطاط او النهوض العراقي، خاصة ونحن على ابواب انعطافات تاريخية وانتخابات تشريعية فيها على العراقيين انتخاب ممثليه في مجلس النواب ممن هم اهل لها وعازم على تخفيض رواتبه وامتيازاته الى النصف ليتفرغ في اتخاذ القرارات النافعة للشعب العراقي بكافة مكوناته وطبقاته وليس فقط طبقة النخبة وموظفي الدولة ومنتهزي الفرص. يوجد اليوم مئات الالاف ممن يستلمون رواتب ومخصصات عالية لا يستحقونها ويسببون ارباكا كبيرا لاقتصاد البلد والثقة في قيادييه والعملية السياسية الديمقراطية. هذه الامتيازات يجب اعادة النظر بها واسترجاع قسم منها من خلال اهم قانون يحتاجه العراق حاليا وهو قانون الضريبة التصاعدية وما يترتب عليه من اجراءات تنظيمية كبيرة تمس عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

سارقو الشعب في طبقة النخبة السياسية والادارية والمهنية لا يريدون اصلاحات جذرية ولا ضرائب تصاعدية ولا انهاء التوافق والمحاصصة ولا تطبيق القانون لمنع المسيئين واجتثاث الفساد ولا انهاء المناكفات وتفارق المكونات. هؤلاء وبالتعاون مع قوى خارجية لا تريد خيرا للعراق وترغب في ابقاءه متخلفا تحت وطئة الدولة الريعية واللعنة النفطية لديهم الان، ومع قرب تحرير كل العراق من داعش الهمجي الذي بلع البعث الصدامي الذي بدأ يخرج من داعش مع اندحار الاخير وبروائح ومقترحات نتنة قديمة وحديثة، بابين يدخلون من خلالهما في تنفيذ مأربهم وابقاء سطوتهم على المجتمع العراقي. الباب الاول ترميم جدران البيت الشيعي والبيت السني والبيت الكردي (لاحظ قدسية الوحدة التي تعطى في كلمة البيت) المتهاوية، والباب الثاني مشروع المصالحة الوطنية او ما يسمى بالتسوية التاريخية او غيرها من الاسماء يباع من خلالها سلع فاسدة. نجاح المشروعين يحتاج ولوج باب مهاجمة وتهميش الحشد الشعبي الوطني لاطفاء انواره على العراق ومنها نور المقاومة والتضحية والانتصار ونور الاصلاح والتفائل وامكانية القضاء على الترهل والفساد.

هذه المشاريع الثلاث تحوي قدرا كبيرا من كلمات حق يراد بها باطل، فتهميش معظم السنة والكرد والشيعة وارد من حيث اللاعمل واللاتنمية وسوء الادارة والفوارق الفاحشة، ولكن ان يستغل هذا الموضوع مرة اخرى في بقاء من تسبب به وساعد عليه لهو امر خطير. وتحقيق السلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية ضروري للتركيز على التنمية وبناء اقتصاد انتاجي يقدم حياة كريمة لكل المواطنين، ولكن هل يمكن تنفيذ ذلك مع من لا يريدونه ويفضلون الصراع والمناكفة لاستحواذ القيادة وجني المال والجاه الحرام؟ ثم ان المليشيات خطرة على العراق والسلاح يجب ان ينحصر بيد الدولة، ولكن أليس من حق الشعب العراقي وبالاخص في هذه المرحلة التاريخية وبعد كل ما جرى من سوء الادارة بعد سقوط الصنم ان يبني منظمته التي هي من روحه واثبتت وتثبت الدفاع عنه بنكرات ذات بطولية ويستفاد منها لتغير سيئات الواقع الحالي؟ على قادة العراق الشرفاء وبالاخص في الحشد الشعبي ان يتمعنوا في هذه المشاريع ويستخدمو الذكاء والاخلاص للناس والله لكي لا نفقد الفرصة التاريخية في وضع العراق على جادة النهوض تحت سراج الاسلام الانساني والعلمانية والديمقراطية.

مشروع اعادة بناء البيوت المنهارة
لم يكن شيعة العراق ولا سنتهم ولا كردهم متجانسين يوما فتعدديتهم كبيرة مثل تعددية العراق ففيهم الغني والفقير، العامل والبرجوازي، والسافل والملائكة، ومن يتبع هذه الطريقة اوتلك في عبادته وحياته. انهاء الدكتاتورية الصدامية كان يفترض ان تقود لتركيز الجهود نحو تحسين حياة الناس في كل المكونات والمناطق من خلال سلام مجتمعي يضمن حرية كل المواطنين وتنمية في المجالات المختلفة وبالاخص القطاعات الانتاجية والخدمية التي توفر عملا ودخلا لكل المواطنين القادرين على العمل بغض النظر عن انتماءهم المذهبي و القومي والمناطقي. في هذا الاطار تسود الهوية العراقية ويصبح المعيار الديمقراطي في تقديم الساسة والمسؤولين لحاجات الناس المادية والمعنوية اساس المحاسبة التي يمارسها الشعب مع قادته. لكن الشرخ الذي اوجدته البعثية الشمولية والدكتاتورية الصدامية في المجتمع العراقي وجد من يعززه ويستغله لجر العراق نحو مسيرة تنازعية ولاتنموية عمادها خلق قاعدة للقادة الجدد تعتمد الولاء والمصلحة الشخصية. فجاءت اهمية بناء البيت الشيعي والسني والكردي لكي يدفع بمواطني هذه المكونات باختيار من يدعي او يصرخ بتمثليهم وضد الاخرين وان كان هدفه المصالح الشخصية ولا يملك القدرة والامكانية للمساهمة في قيادة البلد بشكل ناجح.

بعد التجربة السيئة لسنوات ما بعد سقوط الطاغية اقتصاديا وامنيا وسياسيا واجتماعيا واداريا تهدمت جدران البيت الشيعي والسني والكردي وبانت اختلافات ليست بالهامشية بين قادة واحزاب المكون الواحد واصبحت الحاجة واضحة لبروز قادة جدد هواهم عراقي وتنموي لكل المواطنين اكثر مما هو مكوناتي وذاتي اناني ولهم القدرة في تبوأ القيادة السياسية ويعملون لمصلحة الناس اكثر من مصالحهم الشخصية، ولظهور تكتلات جديدة عابرة للمكونات وترفض سياسات التوافق والمحاصصة التي ثبتت ووسعت نخبة فاشلة في قيادة العراق. كثيرون من قادة الشيعة والسنة والكرد حان وقت ازاحتهم وتقليل مداخيلهم وامتيازاتهم ولكنهم يأملون البقاء من خلال اعادة تأهيل بيوت المكونات لتكون مرة اخرى بمثابة خلق عدو خارجي لرص صفوف الداخل في المكونات وابعاد المقاومين والرافضين لما جرى للعراق والشغيلة الكادحة في المكونات من تدهور.

بين زعامة دولة القانون وزعامة السيد الصدر وزعامة السيد الحكيم برزت جدران يصعب تسلقها فلكل رؤى وطموحات مختلفة وبنفس الوقت يتحرك الشارع الشيعي ويتطلع الى قيادات جديدة لا تهمش حقوقهم الشرعية في العمل والحياة الكريمة وقد برزت مثل هذه القيادات بفضل الحشد الشعبي وتحرك السياسيين الرافضين للتوافق والمحاصصة وهيمنة رؤساء الكتل. وفي الجانب السني نرى الشرخ الواضح بين كتلة النجيفي وكتلة الجبوري وكتلة الكربولي وغيرها وبنفس الوقت يتحرك الشارع السني نحو قيادات جديدة وقفت معه في محنة سيطرة داعش الهمجي على مناطقهم واعطت التضحيات للتخلص منه وبالتعاون مع الحشد الشعبي الوطني والقوات الامنية العراقية ويمكن ان يكونوا عونا لهم في التنمية للجميع وخلق فرص عمل. اما في الجانب الكردي فالبيت الكردي صار بيت البرزاني والحزب الوطني الديمقراطي الذي وضع الاحزاب الكردية الاخرى والتي تمثل ثلثي كرد العراق على الرف وانفرد في سيطرته واهداره لموارد النفط وفي رفضه قانون الموازنة الاتحادية ورفع شعارات الاستقلال الديماغوجية. وفي نفس الوقت نرى تحرك الشارع الكردي ضد طبقة القيادة التي اساءة ادارة الاقليم وهناك رغبة قد تكون متزايدة للعودة الى حضن العراق بدلا من الجلوس في حضن تركيا اوردغان.

مشروع المصالحة والتسوية التاريخية
لا يمكن لصاحب وجدان حريص على السلم والوفاق الاجتماعي ان يرفض مشروع نبيل يهدف الى ازالة الاحقاد والكراهية بين اطياف المجتمع العراقي، ولكن المشروع المطروح حاليا وظرفه لا يبدو في توجهاته وتجاذباته في الشد والرفض والموافقة والشجب يصب في تعزيز السلم الاجتماعي حتى وان كانت معظم فقراته مواد جيدة وجمل جميلة يمكن لاي سافل ان يدعمها اليوم وينقضها غدا. هذا المشروع باب جيد لدخول من تسبب في اوضاع العراق المزرية معترك الحياة السياسية والاجتماعية مرة اخرى وتبيض الوجوه الكالحة التي بات سقوطها وتهميشها وشيكا. ويلتقي المشروع بشكل واضح مع مشروع البيوت السابق ذكره مع بعض التجميل بتنحية بعض الوجوه الاكثر سوادا وادخال وجوه اقل سوادا من خارج وداخل الحدود. كثيرون هم من تسائلوا وبحق، المصالحة والتسوية مع من ولمن ولم العجلة ونحن على ابواب تغيرات كبيرة؟! التسوية التي تجمع في خيمتها الذئب والحمل والجلاد والضحية وتجحف حق المواطنين المضطهدين وتضحيات الوطنيين لا تجلب خيرا للبلاد.

خيرا في التسوية الوطنية اذا جلبت وجوه مجتمعية بارزة في القيادة الدينية والاكاديمية والمجتمعية وليس فقط السياسية، ولها نفس الحوار والايجابية وليس الخصام والسلبية وتحول وثائق التسوية وحواراتها الى مشروع جديد ينقل العراق من حالة دولة المكونات الى دولة المواطنة وحقوق الانسان وعدم التميز بين العراقيين في العمل والمراكز. شرا في التسوية اذا استخدمت كمنبر لتعزيز الاختلاف والاستقطاب واذا جلبت وجوه انتهازية تعيش على تأكيد الاختلاف والنزاع لتتبوأ مركزا في قيادة مكون تحقق فيه اطماعها وليس مصلحة مواطنيها ومنها من سقط وفشل ومع ذلك تجري محاولة ابرازه مرة اخرى. التسوية الوطنية يجب ان لا تغطي على وتهمش جهود العراقيين والقادة المخلصين في كافة المكونات في تصحيح المسار العراقي والابتعاد عن سياسة التوافق والمحاصصة وتبني سياسة التنمية وموارد النفط للجميع والقرار وفق الاغلبية.

التسوية الوطنية يجب ان تعيد او تخلق ثقة الشارع العراقي والمهمشين في خارج تعينات الرشى ومحاسيب الدولة بالمسؤولين في كافة المستويات، من الدولة المركزية والمحافظة وحتى القضاء والناحية/البلدية، والقطاعات من اكبر وزارة لاصغر مكتب عمل، وهذا لا يتم الا من خلال اختيار مسؤولين وقادة مجربين ومعروفين في الوطنية والقدرة والنزاهة ولا يتهافتون على الرواتب والمخصصات غير العادلة وتعيينات الولاء والفساد بل همهم خدمة الناس التي هي من خدمة الله. التسوية الوطنية يجب ان تحارب الفساد والفاسدين بجدية ووضوح وتتبنى سياسات تقلل وبشدة من الفوارق الكبيرة في الدخل من خلال تخفيض الرواتب والامتيازات العاليه وفرض ضرائب تصاعدية فلا مجال لفاسد او حتى نظيف تعين في الدولة العراقية لاشهر او حتى سنين معدودة ليستلم اكثر من 2 او 3 مليون دينار تقاعد في الشهر. التسوية تحتاج الى سياسات تنموية تخصص اكثر من نصف ايرادات الدولة من النفط على المشاريع التنموية في كل المجالات وبالاخص الانتاجية وتوفر العمل للمواطنين في كل المستويات وبالاخص في مناطقهم السكنية ففي كل ناحية وقضاء هناك حاجة للخدمات وهناك قطاع خاص يمكنه التوسع اذا كانت هناك ظروف مشجعة. فهل سيتبنى فرسان التسوية التاريخية لما بعد داعش لهذه المشاريع؟ ام سيحافظون على الحالة الراهنة عبر المؤتمرات والاجتماعات والتصريحات الرنانة والوثائق البائسة؟

مشروع مهاجمة وتهميش منجزات الحشد الشعبي
من لا يقر بفضل الحشد الشعبي في محاربة الدواعش والبعثيين الصداميين منذ طرقهم ابواب بغداد واربيل عام 2014 والانتصار عليه من خلال الارادة والتضحية، او يقرها لسانا فقط، لا يمكن الاعتماد عليه في تحقيق مصالحة مجتمعية وفي وضع العراق على طريق الاصلاحات الجذرية والتنمية للجميع التي تنهي وضع العراق العراق المأساوي في التدهور الحضاري لعدة عقود. برز الحشد الشعبي من الرفض الحسيني للذل والهوان والتكفير ولكنه سرعان ما شمل النجباء من الاطياف العراقية واصبح بحق قضية وطنية تسعى لتحرير الناس والارض من دنس وهمجية داعش في القتل والسبي والاذلال بإسم الفكر الوهابي الذي يدعي الانتماء الى الاسلام رغم انه فكر تكفيري عدو الرحمة والجمال والانسانية. صمود وارادة النجباء في الحشد الشعبي وانتصارهم على داعش بث نور على العراق في التصدي والاصلاح في كافة مرافق الدولة وكان اولها المنظومة الامنية التي تحولت بين ليلة واخرى من اجهزة فاشلة مندحرة الى قوة ضاربة كفوءة.

اطفاء نور الحشد الشعبي الوطني في العراق واجحاف حق المضحيين الوطنيين اصبح من المهام العاجلة للكثيرين ممن لا يريدون انهاء مسيرة الانحطاط العراقي ومن افتقد البصيرة في رؤية دور الحشد الشعبي الايجابي في المنعطف العراقي الحالي واهمية التعاون عبر اطياف العراق لمصلحة الجميع وبالاخص المواطنين المضطهدين والمحرومين في كل المكونات. هجوم البعض من قادة السنة على الحشد الشعبي واتهامه بالقسوة والاعمال المنكرة، المعارضة التي شهدناها لقانون هيئة الحشد الشعبي، الاصرار على عدم اعطاء دور للحشد الشعبي في تحرير الموصل والمشاركة في مسك الامن بعد داعش ليس فقط في اقضية الموصل بل كافة اقضية العراق، تصريحات وزير خارجية السعودية حول طائفية الحشد الشعبي وتبعيته لايران، ودور الاعلام المرتزق الذي اصبح يلصق كلمة الشيعي او المدرب من ايران بالحشد الشعبي، يمكن ان تكون البداية لمشروع مهاجمة وتهميش منجزات الحشد الشعبي والذي يرتبط في وجوه ودرجات متعددة بالمشروعين السابقين. هذا ويمكن ملاحظة البدأ بتحرك الاموال عبر الحدود لدعم بعض الاطراف وتجميل بعض الوجوه او ازالة اثار داعش منها وايضا عقد الاجتماعات خارج العراق وبدعم خارجي لمن يسمون بقادة السنة لبحث مشاريع مقبورة لما بعد داعش وتحرير الموصل.

ما يقف ضد هذا التوجه اربعة ممارسات تبناها قادة الحشد الشعبي في وعي وانضباط عالي. اولها، التحول بسرعة من الشيعية الى الوطنية حيث بدأ دعم واحتضان قوى سنية ومسيحية وتركمانية وكردية مع ظهور داعش واصبح عملهم الاساسي تحرير الارض والانسان بالتعاون مع القوات الامنية والمحلية العشائرية ثم الانسحاب وتسليم المناطق المحررة الى القوى المحلية. من اوائل تكوينات الحشد الشعبي كان سني وشيعي في الضلوعية عام 1914. ثانيها، عدم الانجراف في مرض المليشيات في توظيف القوة العسكرية لمنافع شخصية وفئوية لا تلتزم بحكم الشرع والقانون. ثالثها، عدم استغلال عملهم الجليل في تغير واقع ديموغرافي وتغيير التركيبة السكانية ولا في فرض المذهب الشيعي ولا الترويج له. ورابعا، الانضباط العالي في عدم التنافس بين فصائل الحشد رغم تعددها وتنوعها وفي عدم السماح للتجاوزات الفردية منها والمنظمة رغم قوة مسألة الثأر والانتقام في المجتمع العراقي.

ما العمل، وهل ستمهد الانتخابات التشريعية القادمة لنهضة العراق؟
العراق بحاجة ماسة الى تطبيق قول الامام علي الذي اخترناه عنوان لهذه المقالة فلا يمكن ان نتقدم بدون محاسبة المسيء والسارق والمجرم وبدون مجازات وتشجيع النزيه والمقتدر والمخلص للناس والوطن، وبالاخص في هذه المرحلة الحرجة من الصراع بين من يريد النهضة العراقية وبناء دولة المواطنة تحت الخيمة العراقية وبين من يريد استمرار الانحطاط والدولة الريعية والتشرذم وسوء الادارة تحت الخيمة المكوناتية والطائفية والمناطقية الداعية للمناكفة الاجتماعية والسياسية وللتوافق الابتزازي ومحاصصة النخبة والمحاسيب. فشل ونهضة البلدان يعتمد على كفاءة مؤسساته السياسية التي تقود المؤسسات التشريعية والتنفيذية والرقابية. تحدي العراق في النهضة العراقية هو بناء المؤسسات المشجعة للتنمية ومكافئة المنتج والمحسن ومعاقبة المسيء والمتقاعس.

المخلصين والنزيهين في السياسة، وبالاخص من دعم وعمل مع الحشد الشعبي الوطني ويؤكد وبجدية ضرورة الاصلاح الجذري وضمان حقوق المواطنين في كافة المرافق والمناطق، وفي النفوذ، وبالاخص العلماء من اهل السنة والشيعة والاثنيات المتعددة الداعمين للعملية السياسية الديمقراطية والمطالبين بادارة جيدة للعراق فيها لا تجحف حقوق الضعفاء والمواطنين، وكذلك المثقفون الاحرار المخلصين للعراق وشعبه، وليس لجيوبهم ومن يدفع، الواعون لحجم الهجمة الشرسة الدعائية والاكاذيب الملفقة لزعزعة ثقة الناس حتى بالقادة المخلصين، يقع على عاتقهم حمل ثقيل في هذه المرحلة الحرجة من الانعطاف العراقي والفرصة التاريخية في تعزيز ثقة المواطنين بالعملية السياسية الديموقراطية وامكانيتها في تصحيح المسار العراقي من خلال انتخاب السياسيين الوطنيين النجباء ذوي القدرة والنزاهة.

عمل اهل الوجدان في السياسة والنفوذ وبالاخص القادة الميدانيين وغير الميدانيين للحشد الشعبي والداعمين له يمكن ان يشمل ما يلي:

اولا، وعي ما يجري حول وفي المشاريع الثلاث اعلاه من تحركات ومؤامرات والعمل بوضوح وشدة لابطالها والافضل في المهد قبل اسفحالها ولعل اهمها ابطال الاعلام المعادي المرتزق الذي اصبح يصول ويجول في نشر الاكاذيب واحباط الهمم، وبنفس الوقت الضغط على الاعلام الوطني للقيام في واجبه باعلاء شأن الحشد الشعبي الوطني واعماله في التضحية من اجل الانسان العراقي واعمال الشخصيات والقوى الوطنية في بناء دولة المواطنة لعراق موحد بدلا من دولة المكونات.

ثانيا، تأكيد وحدة العراق وتآزر مكوناتها في تنظيمات الحشد الشعبي وتشكيلاتها في كافة او معظم الاقضية العراقية بواقع 500-1500 منتسب لكل قضاء وحسب نفوسه من غيارى سكان الاقضية الذين اثبتوا امانتهم واستعداهم للتضحية في سبيل الناس في مناطقهم وفي كل العراق وبغض النظر عن انتمائهم المكوناتي. تعزيز العمل الاداري والمجتمعي والاقتصادي على مستوى الاقضية قد يكون ضروريا لتنشيط الادارة المحلية وتوسيع المشاركة وتوزيع الصلاحيات.

ثالثا، صمود وانتصارات الحشد الشعبي عزز ونظم ظهور المطالبة بالاصلاحات الجذرية في السياسة والادارة والاقتصاد والتي دعمتها وطالبت بها المرجعية الدينية الرئيسية في العراق وقد حان الوقت لقادة الحشد الشعبي ومناصريه تبني مشروع محاربة الفساد واقامة الاصلاح الجذري ونصرت المحرومين والمستضعفين بالاضافة الى واجب تحرير العراق من دنس داعش والمشاركة في حفظ الامن وعلى مستوى الاقضية قي مرحلة ما بعد داعش.

رابعا، يمكن القول بان الحملة الانتخابية للمجلس التشريعي القادم قد بدأت وان كان بشكل غير علني من خلال مثلا المؤتمرات الطائفية في الخارج او استغلال المظاهرات في الشارع العراقي، وهذا ما يفترض ان يجعل من قادة الحشد الشعبي والكتل والاحزاب المناصرة له ان يحذروا فقدان او تراجع زخم وشعبية الحشد التي حققها بتضحياته وامانته خاصة مع تشديد الحملات ضده ومحاولات منعه من المشاركة في تحرير ومسك الارض في اقضية الموصل والمحافظات الاخرى.

خامسا، البدء باعداد مرشحين كفوئين ونزيهين ووطنيين لشغل اكبر عدد ممكن من مقاعد مجلس النواب القادم لجعله مجلسا قادرا على التشريع الجيد واختيار الافضل في التنفيذ والرقابة الفاعلة. هؤلاء المرشحين والمرشحات يجب ان يكونوا مستعدين لتخفيض رواتبهم ومخصصاتهم الى النصف لان ذلك يعني استعدادهم لاتخاذ قرارات صعبة للمصلحة العامة وعلى حساب مصلحة الخاصة والنخبة. ان نعتمد القضاء لانتخاب النواب واعضاء مجلس المحافظة والقضاء سيشكل قفزة نوعية في اختيارممثلينا في المجالس المختلفة.

سادسا، الاحزاب والكتل والشخصيات الداعمة للحشد الشعبي الوطني والمدعومة من قبله في الانتخابات القادمة عليهم الاعلان بصراحة برنامج اصلاح جذري يخرج العراق من فخ الدولة الريعية من خلال تخصيص على الاقل 10% من ايرادات النفط لدعم كل من الزراعة والصناعة في كافة الاقضية والمحافظات وتشريع نظام ضريبة دخل تصاعدية تحقق نوع من العدالة في المجتمع وايضا تخصيص راتب شهري قدره 200 الف دينار ل 4-5 مليون عامل وعاملة في القطاع الخاص، وان يتم ذلك على مستوى القضاء.

سابعا، تطبيق قانون الاحزاب وعدم السماح لتسويف بنوده وبالاخص فيما يخص التمويل وسجل العضوية والالية الديمقراطية في عمل الحزب وايضا تشريع قانون جيد للانتخابات يضمن تمثيلا افضل على المستوى الفردي والحزبي/الكتلة وهو ما يمكن ان يكون اذا جعلنا القضاء المركز الرئيسى للانتخابات وليس المحافظة، فيه ننتخب من يمثلنا في مجلس النواب والمحافظة والقضاء.

وثامنا، اعداد الحشد الشعبي الوطني في كافة الاقضية للمشاركة في ثلاث مهمات ضرورية لوضع العراق على جادة النهوض الاقتصادي والاجتماعي وهي مسك الامن المحلي واشاعة سلطة القانون، محاربة الفساد المالي والاداري في مؤسسات القضاء ونصرت المواطن المظلوم، وتوزيع الرواتب على العاملين في القطاع الخاص بعدل وانصاف وبدون تحايل.
 

 



 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter