|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  27  / 12 / 2016                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الفدرالية والاقاليم، "الباب اللى تجيك منه الريح سده واستريح"

د. باسم سيفي
(موقع الناس)


مثل بقية اعوام ما بعد السقوط لم يرحنا عام 2016 من قرف المطالبة بالاقاليم وتهديدات حكومة اقليم كردستان وقومجيين لصوص بالاستقلال من اجل استغلال عواطف الناس وخداعهم بالجنة الموعودة بالاقليم او الدولة المستقلة. منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في بدايات القرن الماضي انسجم العراق مع تقسيم اداري يتكون من الدولة المركزية وفيها عدد من المحافظات (متصرفيات) والمحافظات تحتوي على عدد من الاقضية والاقضية عدد من النواحي، النظام مبني على اساس حجم المدن والتجمعات والعلاقة بينهم. فالاساس هو الدولة العراقية بحدودها التي وضعت بعد الحرب العالمية الاولى وتفكك الدولة العثمانية وهي تقريبا الحدود التاريخية الطبيعية للعراق منقوص منها ماردين والحسكة والمحمرة. اما التقسيم الى محافظات فأخذ بنظر الاعتبار الجانب التاريخي والانسجام السكاني الجغرافي وكثافة السكان وطبيعة انتمائهم وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية والدينية. وعلى نفس الاسس تقريبا تم التوزيع الى اقضية ونواحي.

نظام الادارة كان مركزي شديد ولكن مع تزايد السكان بدرجة كبيرة تصل الى المضاعفة كل عشرين سنة تقريبا ونمو كبير للمدن والقرى وزيادة تعقيدات الحياة وتنوعها مع نمو اقتصادي وتنموي متعدد الوجوه وأيضا حدوث تغيرات ديموغرافية كبيرة مثل توسع المناطق الكردية وتقلص المناطق السريانية المسيحية، ازدادت الحاجة لشكل جديد من الادارة وتوزيع حصة اكبر من الموارد والصلاحيات نحو المحلي ومن المركزي. هذا التوجه من المركزي الى المحلي عززه ويعززه انتشار وتقبل عالمي للافكار الديمقراطية وحقوق الانسان والاقليات والمساواة والمشاركة، وايضا زيادة الفرص من توسع المنافع الشخصية والانانية والفئوية/المناطقية الاقتصادية منها والاجتماعية. هذا التوجه نحو اللامركزية يحمل كثير من الفوائد في معالجة كثير من قضايا الناس مع بيروقراطية اقل وحلول افضل خاصة اذا تمتع المسؤولين المحليين بقدر جيد من الامكانية القيادية والاخلاص، ولكن علينا ان نكون حذرين من المغالات في هذا التوجه فكثير من الامور لابد من مجابهتها وادارتها مركزيا.

مع سقوط الدكتاتورية استبشرنا خيرا بقدوم حكم العقل والقرارات المدروسة والادارة الحكيمة ومنها كان مشروع الفدرالية وتشكيل الاقاليم الذي ثبت بدستور ليس من المستحيل او الصعب تغيره او حتى الغائه وكتابة دستور جديد يعكس بشكل افضل فكرة العقد الاجتماعي بين العراقيين. عشر سنوات او اكثر مضت على تنفيذ المشروع ومن الضروري ان نقف لتقيمه لنعرف ايجابياته وسلبياته. بصراحة وباختصار لا ارى في المشروع سوى تدمير العراق واستغلال اهله من قبل نخبة فاشلة مهتمة بمصالحها اكثر من اهتمامها بمصالح شعبها والمكون/الجهة التي تمثله. فلا الكرد ولا العرب بشيعتهم وسنتهم ولا السريان ولا التركمان شهدوا حياة كريمة رغم انتهاء الدكتاتورية وارتفاع الانتاج النفطي من مليون برميل باليوم الى حوالي 5 مليون برميل باليوم، ومنه مليون برميل او اقل باليوم ينتج او يسوق او يسرق من قبل النخبة الحاكمة في اقليم كردستان.

الفدرالية سمحت لقادة الكرد بفساد واسع اثرى فيه اعضاء النخبة وبسوء ادارة من طراز متميز لموارد كردستان وبالاخص النفطية منها فأصبح اقليم الكرد اكثر ريعية من الدولة الاتحادية رغم الاستقرار النسبي التي تمتع بها الاقليم منذ سقوط الدكتاتورية بل وحتى قبلها، بعكس ما واجهته الحكومة الاتحادية من ازمات كادت تطيح بالسلم الاجتماعي العراقي، وكثير منها بسبب بدعة الاقاليم. نعم اصبح الاقليم يتصرف كدولة مستقلة ذات نفوذ قوي في الدولة الاتحادية وتستغلها اقتصاديا وتوسعيا ولكن هذا الوضع لن يدوم فسرعان ما ستتحطم النشوة بالدولة القومية على الصخرة الاقتصادية والواقع الجيوسياسي خاصة وان عصر الدول القومية والزعامات التاريخية القومجية والمستبدة في زوال وعصر دول المواطنة والتنمية والشفافية في تقدم.

الفدرالية وضعف الدولة الاتحادية سمحت لقادة اقليم كردستان باستغلال نفط وغاز الاقليم بشكل مخالف للدستور الاتحادي ومخرب للسياسة النفطية الاتحادية المؤكدة على منع توقيع عقود استخراجية على اسس المشاركة، حسب ما اقره الدستور العراقي بان النفط والغاز ملك لكافة العراقيين في كافة المحافظات ولأن معظم الحقول العراقية من النفط والغاز هي حقول مكتشفة ومعروفة وليس هناك عامل مجازفة كبير في استغلالها، حيث ان بعض الشركات العالمية النفطية اصبحت تريد عقود نفطية مع الدولة الاتحادية مثل التي وقعتها كردستان وبشكل مخالف للدستور (عقود شراكة تدر ارباحا خيالية لشركات النفط وبالاخص مع صعود اسعار النفط). لن استغرب ان اظهر المستقبل ان بعض الشركات النفطية ساهمت بتمويل داعش والارهاب بالعراق من اجل مجيء حكومات ومسؤولين لهم هوى ومصلحة شخصية في عقود المشاركة التي ستسرق من حقوق العراقيين وتشرعن عقود الاقليم غير الدستورية.

الفدرالية دفعت معظم قادة الكرد في الدولة الاتحادية وحكومة الاقليم بالتعالي والعجرفة وسلوك عقلية المنفعة الفئوية وان كانت على حساب الاخرين في الدولة الاتحادية وحتى التعاون والتنسيق مع حكومات تعادي الحكومة الاتحادية او لا تتعاون معها ولها مصالح متعارضة مع الحكومة العراقية، فالرقص مع ملك آل سعود والسلطان اردوغان لم ولن ينفع الدولة العراقية ولا الشعب الكردي ولا حتى الرافضين للعملية السياسية الديمقراطية فسرعان ما ستتغير الاوضاع لغير صالهم ويكتشفون بأنهم اضروا بمصالح ملتهم ولم يكونوا سوى قشمر ومطايا يركبها اعداء العراق مثلما ظهر بشكل واضح مع داعش. من المؤسف ان نرى ممثلي الكرد في مجلس النواب العراقي لا يهتمون بالقضايا التي تهم الشعب العراقي في كافة المحافظات والاقضية والنواحي وجعلوا انفسهم حراس على مصالح المكون الكردي فقط.

الفدرالية وتجربتها في كردستان جعلت لعاب كثير من القادة الانتهازيين والمصلحيين من مدعي الحرص على مصالح الناس في محافظات العراق ان يسيل لما يمكن ان توفره لهم الاقاليم من سلطة وجاه ومال واصبحنا نسمع اصوات نكرة مثل "نفط البصرة للبصرة" و"ماي الفرات للرمادي او للسنة" واليوم وحتى قبل الانتهاء من داعش الهمجي وتحرير الموصل مثل ما حررت صلاح الدين والانبار من دنسهم اصبحنا نسمع مطالبات باقليم الموصل وتقسيمه الى محافظات اثنية لمصلحة سفلة يدعون تمثيل مكونات الموصل المتعددة والمتعايشة رغم المحن التي حدثت بها بين فترة واخرى، ولكن همهم رعاية مصالحهم الشخصية وتدمير العراق. فمن سرق اموال صدام (وهي بالحقيقة اموال الشعب العراقي التي سرقها الطاغية وأودعها في الخارج لضمان مستقبل زاهر! له ولاصحابه وعائلته) ومن تعاون او ساهم بشكل من الاشكال في سقوط الموصل والمحافظات السنية بيد داعش ومن لف لفهم من الارهابيين والبعث الصدامي، يتباكى اليوم على ما سيحدث لاهل الموصل بعد داعش ويقدم نفسه كمنقذ وممثل لاهل الموصل من خلال مشاريع خارجها عسل وداخلها سم زعاف.

هذا وقد سببت مشاريع الاقاليم وتقوية سلطة المحافظات الى تقويض السيادة العراقية من خلال تدهور سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية التي اصبحت مرتعا لفوضى التهريب والفساد ويعكس في الواقع انهيار الدولة العراقية لان عدم السيطرة على المنافذ الحدودية يعني استحالة تنفيذ السياسات الاقتصادية والامنية التي يحتاجها البلد في عمليات بناء اقتصاده الوطني. ايرادات الرسوم الكمركية هي لتمويل المشاريع التنموية وليست لاغناء الفاسدين في المحافظات التي تسيطر على المعابر الحدودية وفرض الرسوم الكمركية على ما يستورد من سلع هو لتحديد الاستيراد وتشجيع المنتج المحلي وليس لانشاء اقتصاد التهريب والفساد والخروج عن القانون. فبدون سيطرة كاملة ودقيقة للدولة العراقية على منافذ الحدود يعني انتقاص في السيادة الوطنية يجب عدم السماح له بالاستمرار من خلال رفض الامر الواقع الذي فرضه وضع مشوه من فهم غير واضح للفدرالية وزيادة غير مفيدة في اللامركزية، ومن خلال استعادة صلاحيات الدولة المركزية في ادارة المراكز الحدودية وضبط ما يخرج من العراق وما يدخل اليه.

علينا في العراق ان نعود الى رشدنا وان نفهم بأن العراق بلاد الرافدين التي وحدها الطين والزراعة الاروائية ثم نشوء المدنية فالثقافة الدينية والادبية والسياسية الرافدية. أقوام دخلت واستوطنت العراق وحكام تغيروا ولغات اندثرت واخرى تقدمت ولكن بقيت ملحمة كَلكَامش اغنية العراقيين لقرون وألفيات رغم تنوع الاصول واللسان وبقى العراق موطن الاقوام والمكونات المتعددة والمتعايشة. العراق اعطى هوية ثقافية بيئية سياسية لمواطنيه رغم تعددهم الاثني والديني لا يمكن تجاوزها مهما ابدع السفلة في اثارة النعرات الطائفية والاثنية فالمصير المشترك للعراقيين لابد ان يفرض نفسه مهما تفاقمت المحن والصراعات التي يهيجها اعداء العراق خاصة وان الادارة المشتركة للمياه اصبحت اكثر ضرورية من السابق وبرزت في العصر الحديث ضرورة الادارة المشتركة للنفط والغاز حيث عبور المكامن النفطية والغازية الحدود الاثنية والطائفية والادارية.

مياه دجلة والفرات هي الحياة لبلاد الرافدين والعراق ومن الضروري ادارتها مركزيا نظرا لازدياد ندرتها والحاجة اليها لاغراض متعددة تتجاوز كثيرا الحاجة التاريخية للزراعة، خاصة وان تركيا وايران وسوريا في سباق مع الزمن لاستغلال اكبر كمية ممكنة من المياه التي كانت تاريخيا تصب في العراق. الادارة الفاشلة لموارد النفط والغاز في اقليم كردستان وما صاحبها من فساد كلف الامة العراقية والشعب الكردي الكثير، بل انها ادت الى تدهور اقتصاد كردستان لدرجة عدم التمكن من دفع رواتب موظفيه رغم تكبيل الاقليم بقروض خرافية تقدر بعشرات الالاف من ملايين الدولارات ورغم استلام عشرات اخرى من ملايين الدولارات من الحكومة المركزية. وقريبا تقف حكومة الاقليم على حافة افلاسها وانهيارها ولن ينفعها اثارة المشاعر القومية والمتاجرة في جعجعة الاستقلال ورسم حدود الدم فالعامل الاقتصادي بدأ يتكلم والضمير الكردي بدأ يتحرك لمحاسبة من اثرى على حساب الشعب الكردي والعراقي.

العراقيون الاصلاء هم من سينقذ كرد العراق ولكن ليس قبل ان يحاسب كرد العراق قادته على ما اقترفوه من سرقات وتدمير للحمة الوطنية العراقية. وعلى الجميع ان يكونوا حذرين من محاولات البعض من ساسة العراق الفاسدين من مد يد العون للطغمة الكردية الفاسدة.

مع الاسف ان كثير من قادة الكرد نظروا الى العراق والمحافظات الجنوبية كبقرة حلوب يأخذون منها ما يقدرون عليه بدون التفكير باطعامها والعناية بها، بل وحتى حرضوا المحافظات الاخرى بنسخ تجربتهم والمطالبة ليكونوا اقاليم تتحدى المركز وتضع تفكيك العراق على المحك العملي، ولنا ان نتذكر رفع صور مسعود البرزاني من قبل "ثوار" الغربية الذين جلبوا داعش للعراق. ومع ذلك ورغم تطوع كثير من السفلة والمصلحيين للترويج لمنافع اقامة الاقاليم وضخ اموال طائلة من قبل السعودية واذنابها لشراء الذمم في هذا المشروع التدميري للعراق، وايضا لسوريا، نرى معظم العراقيين بسنتهم وشيعتهم يرفضون فكرة اقامة الاقاليم والفدراليات.

فالشعارات الرنانة والخطب الجوفاء والمال القذر جاءت بداعش الذي عمل ما عمله من جرائم وهمجية بكافة المكونات العراقية وأكثرهم تضررا كان اهل السنة الذين جاء داعش لانقاذهم بواسطة من ادعى ولازال يدعي تمثيل السنة ويدعوا لتشكيل اقليم الموصل واقليم المحافظات الغربية. شيعة العراق ليسوا صفويين بل من طين العراق واهله الذين تشيعوا للامام علي وابنه الحسين قبل 1400 سنة، وسنة العراق لا يربطهم رابط لا بداعش ولا المذهب الوهابي الذي يقف خلفه. بل ان الحقيقة التاريخية تقول بأن سنة العراق رفضوا المذهب الحنبلي (الاب الشرعي للمذهب الوهابي) بسبب تشدده وتبنوا المذهب الحنفي المعروف بسماحته والمذهب الشافعي المعروف بحبه لآل البيت.

على ساسة العراق ومثقفيه ونخبته الوقوف بجرأة ضد الفدرالية والاقاليم مع تأكيد المواطنة وضرورة توزيع الصلاحيات والموارد على مستويات ادارية هرمية اعتدتنا عليها لعقود عديدة وهي المحافظات والاقضية والنواحي حيث تحتم تعقيدات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية وتزايد دور الدولة والمؤسسات الاجتماعية في حياة المواطنين توزيع كثير من عمليات صنع القرار على اساس لامركزي ومحلي يؤدي الى بيروقراطية اقل وقرارات انضج وأكثر فعالية واقرب للمواطن. فان كان مستوى الدولة المركزية هو المكان الافضل لصنع التشريعات والادارة العامة للدولة من امور دفاعية وحدودية واقتصادية ومتعلقة بالسياسة الخارجية وادارة موارد المياه والنفط فان مستوى المحافظات هو المكان الافضل لادارة الزراعة والصناعة والامور الخدمية في الصحة والتعليم والاسكان والمواصلات في مستوياتها العليا، في حين يمكن لمستوى القضاء ان يكون المكان الافضل لصنع القرار في مسائل الامن والامان والقضاء بين الناس وايضا في مسائل الضرائب وتنظيم العقار وامور المجتمع بشكل عام، ولمستوى الناحية / المحلة المكان الافضل لادارة الخدمات المباشرة للناس من دور العجزة وخدمات اجتماعية ومتعلقة بالعمل وتوفير المعيشة الى رياض الاطفال والمدارس الابتدائية وامور البلدية ومراكز صحية وايضا ترفيهية / ثقافية.

ان تتعاون بعض المحافظات او الاقضية او النواحي في مجالات معينة لتحسين الاداء او لتقليل تكلفة ضمن النظام الاداري المقترح اعلاه يجب ان يسمح به ويشجع ولكن يجب ان لا يكون على حساب اخذ الصلاحيات والموارد من المستوى الاعلى. فان ارادت عدد من المحافظات بتمثيل دبلوماسي/قنصلي في بلد اخر فلتتحمل تكاليف ذلك وان لا تكون بديلا لتمثيل العراق، وان ارادت عدد من الاقضية في محافظة واحدة او اكثر ان تقوم بمشروع مشترك فلها ان تقوم بذلك اذا اعتمدت على مواردها في ذلك ولا يتعارض المشروع مع الاصول القانونية وتوزيع الصلاحيات. يمكن ان نفكر بان توزيع الصلاحيات وموارد الدولة العراقية يكون تقريبا 40% للدولة المركزية، بضمنها الاستثمارات الستراتيجية وصناديق الاجيال القادمة، و 20% لكل من مستوى المحافظة والقضاء والناحية.

ليكن لكرد العراق في المحافظات الثلاث اربيل ودهوك والسليمانية حق الانفصال وتأسيس دولتهم القومية وان يصوتوا على ذلك كل عشر سنوات. فان اختار مواطني هذه المحافظات الانفصال فمع السلامة وليدبروا امرهم مع قادتهم الاشاوس بدون تدخل العراق ودعمه الاقتصادي، وان اختاروا في احدى المحافظات او كلها البقاء كمواطني محافظة عراقية فأهلا بهم كمواطنين من الدرجة الاولى في الدولة العراقية لهم من الحقوق والموارد وعليهم من الواجبات في عراقهم ومحافظتهم وقضائهم وناحيتهم ما للمواطنين في كافة المحافظات والاقضية والنواحي العراقية. الخيار الثاني يعني انهاء دولة الاقليم المستقلة عمليا وعودة سيطرة الدولة المركزية على الموارد الطبيعية والنفط المسروق والمراكز الحدودية وتطبيق القوانين التي يشرعها نواب العراق. اما حدود الدم التي يرغب البرزانيين في وضعها فانها لتجارة رخيصة سيدفع ثمنها كرد العراق حيث باستطاعة العراقيين رسم حدود دم تتوجه شرقا وشمالا، فمعظم المناطق التي تعتبر كردية في ايامنا هذه لم تكن كذلك قبل مئة عام.

الحقوق القومية والانسانية لكرد العراق، وكرد تركيا وايران وسوريا، لن تأتي وتتطور من خلال العنجهيات وصراع الاقوام في المنطقة والمتاجرة الرخيصة بتأسيس الدولة القومية الكردية بل من خلال بناء دول المواطنة والتنمية والتعاون بين اقوام شرق المتوسط والتي تنفع جميع المكونات والاثنيات المتعددة في المنطقة، الحديثة منها والضاربة في القدم، لممارسة ثقافاتها ومعاملتها كمواطنين من الدرجة الاولى. فعصر الحروب وانشاء الدول القومية قد انتهى كما هو واضح من تطورات الواقع الاوروبي خلال العقود الماضية حيث بدأت الدول القومية الاوروبية التي تأسست بالحروب والدمار ومعانات الانسان بالتنازل عن كثير من سلطة القرار ورموز الدولة، مثل العملة التي ناضلت من اجلها وسكبت الدماء للحصول عليها، الى الوحدة الاوروبية المشتركة. هذه القراءة الانسانية تبناها القائد الكردي عبد الله اوجلان قبل سنين عندما دعى الكرد وحزب العمال الكردستاني بوضع السلاح جانبا والنضال مع شعوب المنطقة بشكل عام وشعوب الدولة التركية بشكل خاص في التنمية وبناء دولة المواطنة التي تسع وتحتضن كل الثقافات والشعوب على اسس العدالة والحرية والمساواة والتنمية للجميع.

هذا التوجه النبيل بدأ يتزحزح مع ظهور قادة قومجية من طراز اوردغان والبرزاني يحلمون بدخول التاريخ كزعماء عظام من خلال توجهات ديماغوجية تفتقد الامانة والاصالة ولا ينظرون الى ما يجلبونه من مئاسي ودمار لشعوبهم بسبب سياساتهم الشوفينية. فهاهم يضعون اتفاقات وستراتيجيات سرية، يدعمون تقدم داعش في سوريا والعراق ليحاربوه الان بعد ان ذاقوا منه ما لم يتوقعوه، ويهمشون المؤسسات الديمقراطية في تركيا وفي كردستان العراق. وبمستوى اقل نرى ايضا بروز قادة عراقيين في المحافظات والدولة المركزية من طراز اثيل النجيفي وطارق الهاشمي (كلاهما حصل ويحصل على دعم اربيل وأنقرة لهم ويمكن تسميتهم بجدارة "فرسان الاقاليم")همهم تصاعد التشنج المكوناتي والمقاطعاتي ولا يترددون في ممارسة وسائل وسخة وخيانية من اجل الوصول الى اهدافهم المصلحية وان كانت على حساب من يدعون تمثيلهم.

حان الوقت لسياسيي ومثقفي العراق النجباء ان يأخذوا موقفا حاسما من فكرة الفدرالية والاقاليم التي حولها المصلحيون الى مسخ يدور حول الابتزاز والمتاجرة بالعواطف ويبعد العراق عن بناء دولة المواطنة والتنمية. وكفى متاجرة بالاقاليم والاستقلال وعلى قادة الفساد وسوء الادارة وبالاخص في اقليم كردستان اعلان استفتاء كرد العراق على الاستقلال بدلا من التهديد المقرف والمستمر باعلان الدولة الكردية وجعل العلم الكردي يرفرف في الامم المتحدة.

 

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter