|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  26  / 1 / 2016                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عجبي من بعض الخبراء !!!

د. باسم سيفي
(موقع الناس)

قبل ايام تناقل الاعلام تصريحات المستشار الاقتصادي في مجلس الوزراء العراقي السيد عبد الحسين العنبكي مدعيا اهمية وضرورة تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الامريكي ونقده الشديد لسياسة البنك المركزي في المحافظة على قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار. ان يصرح مسؤول وخبير اقتصاديي، او اي مسؤول، بدون ان يفكر بنتائج تصريحاته بحجة حقه الدستوري بإبداء رأيه مسألة عجيبة اراها عراقية وبامتياز وتعكس ترهل الدولة وعدم محاسبة المقصرين على قاعدة "من اساء الادب أمن العقاب"، حيث ان السياسيين من شيعة علي طورا تعاليم الامام ليكونوا أكثر رحمة وسعة صدر اتجاه المقصرين !!!

يبدوا بأن هذه اللوثة يصاب بها من يأتي الى العراق من مسؤولي الدول الاخرى فهذا السفير السعودي لم يمضي وجوده في بغداد حتى بدأ يشطح على راحته ضاربا اصول الدبلوماسية عرض الحائط وبدأ يعلم العراق اصول الديمقراطية التي تمارس في السعودية !!! اما مسؤولي الدولة التركية، ولعلهم اعطونا لوثة التصريحات غير المسؤولة، فهم يغردون حول العراق في الصغيرة والكبيرة سواء ان كانوا في بغداد او اربيل او انقرة وكأننا لازلنا من رعايا السلطنة العثمانية وعلينا الخضوع لقراراتهم سواء ان كانت حمقاء او فيها شيء من الذكاء، مجحفة او منصفة، لان مصلحة الدولة التركية فوق مصلحة العرب والكرد في تركيا وفي خارجها.

لست ضد تخفيض سعر الدينار من حيث المبدأ، فأنا مع ربطه بسلة من العملات تشمل بالإضافة الى الدولار اليورو الاوروبي واليان الصيني والين الياباني وأيضا عملات دول الجوار الذين تربطنا بهم تجارة واسعة وتبادل مدفوعات كبيرة مثل ايران وتركيا، ولكن في الوضع الحرج والمعقد والشاذ الحالي يفترض بنا ان نهدأ امر سعر العملة ونعمل على تقليل الطلب على الدولار وليس زيادته كما هو الحال عند الحديث عن احتمال تخفيض الدينار. نقدي لتصريحات المستشار ما يلي :

اولا، هناك شيء او عامل اسمه التوقع وسلوك القطيع الذي يعمل عبر المعلومات السرية والإشاعة وما يطرحه الخبراء من تحليلات حتى وان كانت غير صحيحة على زيادة حادة او نقصان حاد على طلب عملة او سلعة عرضها محدود كما في حالة الدولار عندنا في هذا الظرف من انهيار اسعار النفط. وعندما يعرف الناس بأن مسؤول متنفذا او رجل اعمال كبير بدأ يحول دنانيره الى دولارات فإنهم يتبعون سلوكه ويسببون ضغطا كبيرا في طلب الدولار وبالتالي صعود سعره مقابل الدينار وارباك حركة التجارة والاقتصاد. فهل هذا ما يريده السيد العنبكي؟!

ثانيا، الحكومة اعلنت نيتها في الاقتراض الداخلي لعدة ترليونات من الدنانير لتمويل جزء من عجز الميزانية وأيضا لسحب مدخرات الناس من الدنانير المجمدة في بيوتهم بسبب ازمة البنوك وصعوبة سحب المواطنين ايداعاتهم فأصبحوا يخزنون الدنانير في غرف النومي وهذه ظاهرة خطرة على من يمارسها وتضر حركة الاموال والاقتصاد. فهل سيشتري المواطن سندات الحكومة بالدينار اذا التوقع يقول بأن سعره سينخفض؟ وهل يتجرأ العراقيون الساكنين في الخارج على شراء هذه السندات اذا سمعوا تصريحات مسؤول كبير بضرورة تخفيض سعر الدينار.

ثالثا، سياسات طبقة النخبة العراقية اكدت التعيينات الحكومية والرواتب والمخصصات العالية لطبقة النخبة ذوي الدرجات العالية وليس التوسع في الانتاج الوطني الزراعي والصناعي. فأصبح هناك زيادة كبيرة في الاستيراد يمولها ريع النفط المتزايد بالدولار، وهذا يعني بأن تأثير انخفاض قيمة الدينار على التضخم سيكون كبير جدا في العراق حيث انه سيؤثر ايضا على اسعار المنتجات المحلية على قلتها، ومن المشكوك فيه ان يسبب توسعا كبيرا في الانتاج المحلي خاصة على المدى القصير.

ورابعا، ان فرض ضرائب تصاعدية على موظفي الدولة لاسترجاع قسم كبير من الرواتب والمخصصات التي ليست لها علاقة بإنتاجية الافراد بل بالمحسوبية والفساد وسوء السياسة (ويمكن اعتبارها سرقات شرعية من ربع السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر والربع الاخر الذي يجاهد في تدبير معاشه في القطاع الخاص) لهو افضل كثيرا لاقتصاد العراق من تخفيض قيمة الدينار وله فوائد عديدة منها تخفيض الاستيراد فالطلب على الدولار، تخفيض التحويلات الخارجية للمتقاعدين الساكنين خارج العراق ومعظمها نتاج فساد وسوء ادارة ولم يجمعها المتقاعد من عمله، تقليل الفوارق الاقتصادية التي هي مصدر الارهاب وانعدام الامن، والبدء بإخراج العراق من فخ الدولة الريعية واللعنة النفطية وجعل الدولة تعتمد على المجتمع وليس العكس.

العراق يمر بأزمة اقتصادية كبيرة جدا ولا يوجد حل واحد لها بل تتطلب علاجات وإجراءات متعددة وتضحيات اقتصادية من الجميع وبأشكال متعددة. موظفي الدولة وأعضاء النخبة السياسية والإدارية والمهنية هم اكثر المستفيدين من فورة الموارد النفطية خلال 2014-2005 ويجب ان يتحملوا العبء الاكبر من تكاليف الازمة وعلاجها لا ان نوزعها بالتساوي على كافة المواطنين. على مسؤولي الدولة ضبط تصريحاتهم لكي لا يضروا المجتمع بحسن او سوء نية مثل تصريح تخفيض قيمة الدينار في هذا الوقت.



 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter