|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  20  / 7 / 2017                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الانتخابات التشريعية القادمة ستقرر مصير العراق بين النهضة والتنمية وبين استمرار الانحطاط
1/12

د. باسم سيفي
(موقع الناس)

اصبح من شبه المؤكد بأن انتخابات مجالس المحافظات ستندمج مع الانتخابات التشريعية القادمة في نيسان 2018 وكم جميل لو تم انتخاب مجالس الاقضية في نفس اليوم ليكتمل عرس العراقيين بإختيار ممثليهم في هرم الدولة العراقية وان يكون اختيارهم لمن هو اهل لها في القدرة والنزاهة وخدمة المواطن العراقي في حاضره ومستقبله بغض النظر عن انتمائه المكوناتي والمناطقي والفكري. النائب المرتجى هو من يعمل على تخفيض رواتب ومخصصات اعضاء مجلس النواب الى حوالي 5 مليون دينار في الشهر، تشريع نظام ضريبة دخل تصاعدي يساهم بتخفيض اعتماد الدولة على النفط في الميزانية التشغيلية ويسترجع قسما من المداخيل العالية التي وضعها المسؤولين لانفسهم، ووضع برنامج واضح للنهوض بالصناعة والزراعة الوطنية.

1. المؤسسات الجيدة تنهض العراق وتضعه على جادة التنمية والعدالة والامان والرفاهية
ادبيات التنمية والعدالة والحكم الرشيد تصر على ضرورة وجود مؤسسات جيدة وايجابية تنظم علاقات الناس في مرافق المجتمع المختلفة وتشجعهم على العمل والانتاج الذي ينفعهم وينفع المجتمع وعلى الالتزام بالقوانين والقواعد المرعية والسلوك الجيد لمنفعة افراد المجتمع. فالمزارع والمصنع ومنتج الخدمات يمكن ان يزيد من انتاجه ومردوده اذا ما جابه ظروف مشجعة على ذلك (جدوى اقتصادية مناسبة وظروف تحفظ حقوقه وتفرض واجباته بعدل) وهذا ينفع المجتمع من خلال تقديم سلع يحتاجها المجتمع اولا وعمل لايدي عاملة تحقق من خلالها عيشة كريمة ثانيا. ان يلتزم هذا المزارع وذاك المصنع بالقوانين والتعليمات السارية بان لا يغش ولا يلوث ولا يشجع على الفساد والتحايل امور مؤسساتية ايضا ستنفع افراد المجتمع بضمنهم المزارعين والمصنعين الاخرين.

التنمية بحاجة الى سياسات تنموية بشكل مؤسسات تنظيمية، مثل وزارة الاقتصاد والتخطيط والصناعة والزراعة وغيرها لقيادة المجتمع في طموحاته التنموية، وقانونية مثل تشريع قوانين تحقق عدالة في توزيع الموارد المالية والبشرية وتشجع المنتجين بزيادة الانتاج والاحتفاض بما يكسبونه وايضا وضع ميزانية وفرض ضرائب كمركية على الاستيراد تشجع على زيادة الانتاج المحلي في الزراعة والصناعة والخدمات. لم تنهض الصين وماليزيا، وقبلها البلدان المتقدمة، وتحقق معدلات عالية من التنمية والنمو الاقتصادى وعلى مدى عقود بدون سياسات تنموية ناجحة افرزتها مؤسسات جيدة بناها المجتمع ونخبته القائدة التي فكرت وتفكر بمصالح بلدانها قبل ان تفكر بمصالحها الشخصية والفئوية كما حدث في العراق خلال العهد الدكتاتوري الشمولي والعهد الديمقراطي الذي بدأ بامتيازات واسعة لطبقة النخبة واهمال واضح للتنمية في المجالات غير النفطية. التنمية بحاجة الى مشاريع وتخصيصات موارد وقوانين دعم الانتاج والمساعدة في التغيرات التكنولوجية وغيرها العشرات والمئات من المؤسسات التنظيمية والقانونية.

العدالة لا تأتي من فراغ والتعاليم السماوية في معاقبة المسيء واثابة المحسن واشاعة الرحمة ("بسم الله الرحمن الرحيم" التي يكررها كل مسلم عشرات المرات كل يوم) تحتاج الى قوانين وقواعد وضعية نضعها نحن البشر لتطبيق هذه التعاليم الجيدة والنافعة لنا كمجتمع حسب الظروف السائدة حيث ان التعاليم السماوية لم تنزل موحدة وشاملة واختلف الناس في تأويلهم لها حسب طروحات المفسرين وايضا المصالح والظروف الجغرافية والزمانية السائدة. ف "لا تسرق" السائدة في الاديان لا يوجد فيها عقوبات موحدة، ففي الاسلام جاء بقطع يد السارق ولم يحدد مكان القطع، كما ان دين الرحمة والعدل لا يمكن ان يساوي بين من يسرق لجوع ومن يسرق يتيم لغناء. لذا اختلف فقهاء المسلمين في مسألة تطبيق مبدا قطع اليد ولا يوجد الا القليل منهم من يرى تطبيقه في الظروف الحالية. وفي مسألة توزيع الموارد بين القطاعات والمناطق وبين الاستهلاك والاستثمار وبين الاغنياء والفقراء لها جوانب عديدة العدالة التي تحتاج الى مؤسسات لتطبيقها. شيوع العدل يتطلب مؤسسات اهمها القوانين والقواعد وأيضا من يراقب تنفيذها بشكل صحيح ويفصل عند الاختلاف.

الامان لا يمكن تحقيقه بدون مؤسسات قمعية وتشريعية تحتكرها الدولة وتحمي المواطنين من الاعتداء الجسدي وعلى الحقوق والملكية ويكملها مؤسسات عائلية ومجتمعية تنظيمية كانت او اخلاقية تساهم في وضع الاسس للامان، وعند شذوذ البعض لابد من ردع القوى الامنية والقانون. فعالية الاجهزة الامنية ونزاهتها عامل اساسي في سيادة الامان وعدم القلق على الروح والعائلة والملكية ويأتي بعدها الاجهزة القضائية التي تعتمد على الاجهزة الامنية في تنفيذ القانون وحماية المواطنين وأيضا المؤسسات التي تشرع القوانين في تنظيم المجتمع وحل الخلافات فيه. ان يثق المواطن العراقي بالجندي في حماية الوطن ودفع المعتدين وبالشرطي في حمايته في المحلة والناحية والقضاء والمحافظة والشارع والبيت والعمل مسألة ضرورية في استقرار وتقدم المجتمع، وهذا لا يمكن ان يأتي الا من اجهزة امنية تقوم بواجبها بشكل فعال وامين لا كما حصل في انتشار الجريمة والفساد منذ سقوط الطاغية وفي تقدم داعش وسيطرته على ثلث العراق. لقدرة الفرد ونفسيته دور مهم في هذه الامور ولكن دور المؤسسة اهم سواء كان في الجانب التنظيمي او التشريعي.

اما الرفاهية التي ننشدها الان من خلال النظام الديمقراطي فهي ايضا بحاجة الى مؤسسات فعالة تنظيمية وقانونية في العمل الانتاجي والخدمي سواء كان في القطاع الخاص او العام المرتبطة بتوزيع الموارد المالية والبشرية ومنه ايضا توفر بيئة محيطة نظيفة والتمتع بالجماليات وممارسة الشعائر وحرية التعبير. فلحماية المواطن من الفقر والجوع لا بد من تشريعات متنوعة توفر عملا للمواطنين وتشجع على زيادة الانتاج وايضا تشريعات الضمان الاجتماعي لحماية الضعفاء. ولتوفير مستوى صحة ملائم لكافة المواطنين لابد من تأسسيس مؤسسات صحية فعالة تخصص لها الموارد وينظمها قوانين وقواعد تسهل تقديم الخدمات وتجعلها اكثر فائدة للمجتمع، وينطبق ذلك على خمات التعليم والبلدية وغيرها. هذا ويمكن ملاحظة ان رفاهية المجتمع مرتبطة بدرجة كبيرة بكافة او معظم مؤسسات الدولة من مجلس النواب والوزارات وحتى المختار وتنظيمات البلدية في المحلة والناحية وايضا بالقوانين والقواعد والتعليمات، ومنها الرسوم والعقوبات، التي تنظم عمل هذه الاجهزة وتجعلها فعالة وبعيدة عن الفساد.

ثلاثة امور لابد من ملاحظتها في مسألة اهمية المؤسسات الايجابية والفعالة.
اولا، الطابع الهرمي المتراص للمؤسسات وفي قمته نجد مجلس النواب العراقي وفي الوسط الوزارات ودوائر الدولة وايضا تنظيمات المحافظات والاقضية وفي القاعدة نرى من المؤسسات الكثير مما هي باحتكاك مباشر مع المواطن في عمله وسكنه ومعيشته، فقانون جيد في الاعلى لا معنى له اذا لم يطبق في الاسفل او في الواقع ووزير لا تنفذ توجيهاته لا داعي لوجوده. هذا الترابط الهرمي يعكس ضرورة وضع مستويات مختلفة من الادارة يتحكم بها الكفاءة والوسيلة الافضل في خدمة المواطن فالادارات المحلية يمكنها القيام بكثير من الاعمال بنجاح اكبر مما لو قامت بها الدولة المركزية.

ثانيا، الطبيعة الثنائية المترابطة في كل عمل ومستوى مؤسساتي بين منظومة او تنظيم المؤسسة وما ينظم عملها من قوانين ولوائح وضوابط وآليات. فأي وزارة مثلا يجب ان يكون فيها تنظيم يعكس المهام التي يحددها المجتمع لها وأيضا قواعد وتعليمات تنظم العمل وتشجع عليه وعلى زيادة كفاءته. هيكلية التنظيم وقواعد العمل متغيرة ولكن التغيير يفترض ان يكون مدروس في فوائده ومضاره وليس مزاجي وفردي، ومصدره يمكن ان يكون خارجي (المجتمع، مجلس النواب، رئاسة الوزراء) او داخلي في الوزارة نفسها.

وثالثا، المؤسسات الجيدة في القمة والوسط تلد مؤسسات جيدة تحقق نتائج جيدة تعمل على تحسين وتعزيز المؤسسة الاصلية وتكون بمثابة عجلة من التغيرات الايجابية المعززة للتنميه وتحسين امور المجتمع. فترات النهوض والبناء في المجتمع يمكن رؤيتها كعجلة من التغيرات الايجابية وتطوير المؤسسات بما يخدم تقدم تصاعدي في المجتمع من نواحي متعددة. فالمؤسسة الاهم في الدولة العراقية، مؤسسة مجلس النواب، التي تشرع القوانين وتختار السلطة التنفيذية وعليها تقع مسؤولية الرقابة والمحاسبة لمؤسسات الدول، يمكنها ان كانت جيدة ان تصبح ماكنة تنموية تتصاعد فيها التغيرات الايجابية في الدولة والمجتمع.

منذ سقوط الدكتاتورية ولحد لم نستطع بناء مؤسسات جيدة تتحكم بالدولة العراقية وتقود المجتمع في التنمية وتحسين الاوضاع للجميع. اسباب ذلك عديدة ومعقدة، خارجية وداخلية، يبرز منها وبقوة الارهاب والصراع المجتمعي وايضا اهتمام النخبة بمصالحها الشخصية والفئوية وليس مصلحة المجتمع. الازمة الداعشية في احتلال 4 محافظات عراقية والازمة المالية بسبب انخفاض اسعار النفط واللتان حدثتا عام 2014 هزتا المجتمع العراقي وطبقة النخبة الحاكمة وافرزت تغيرات ايجابية يمكن ان تؤدي الى بناء مؤسسات جيدة تنهض العراق وتضعه على جادة التنمية والبناء، ولكن ذلك يحتاج الى ماكنة جيدة متمثلة بمجلس نواب تسوده القدرة والنزاهة ويخضع لاصلاحات جذرية وهو ما على الشعب العراقي تحقيقه في الانتخابات التشريعية القادمة.


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter