|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  12  / 12 / 2014                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

سرقة شرعية في ممتلكات الدولة والحق العام

د. باسم سيفي
(موقع الناس)

في ظل الضعف في تطبيق القانون والقواعد المجتمعية وانتشار الفساد المالي والإداري ظهرت في العراق اشكال متنوعة من التجاوزات التي تسمح للأفراد ان ينتفعوا على حساب الملكية العامة والحق العام. فهذا يبني على ارض لا يملكها وقد يمر تحتها انبوب نفط او غاز وهؤلاء يتفقون على رواتب وامتيازات عالية وغير معقولة لأنفسهم !! وهذا يوسع من بنايته بالأخذ من الشارع او الرصيف المخصص للمشاة او مد الطوابق العليا على الفضاء العام للشارع او الرصيف وهؤلاء يستغلون العطل الطويلة ويبنون دكاكين بدون اجازة بناء لتصبح امر واقع بعد ايام بمباركة المهندس المسؤول ومسؤول البلدية الذي لا يحب النظام والقواعد !! وهذا يقيم على الرصيف محلا او موكبا او كراجا وهؤلاء يحوّلون اراضي زراعية الى سكنية ويبيعونها بأسعار خيالية وكأن تصنيف العقار والأرض من قبل الدولة لا معنى له ومد الكهرباء والماء والمجاري مضمون بفعل الرشى وشراء الاصوات الانتخابية !! المصيبة ان كثير من هذه التجاوزات/ السرقات تصبح شرعية بسبب قرار او عدم قرار يصدر من الدولة والقائمين على حماية حقوقنا العامة.

ما يفقده العراق من ماء لدول الجوار ونفط في اقليم كردستان لا يعتبر سرقة شرعية بل سرقة غير قانونية إلا اذا باركته الحكومة العراقية بقانون او التزام بشكل اتفاق او قرار وزاري. ان يفقد العراق ثلثي المياه التي كانت تردنا في الفرات لا يمكن ان يكون شرعيا وفق الاتفاقيات والمعاهدات والممارسات الدولية التي تعالج اوضاع او مشاكل المياه المشتركة او الدولية. سرقة تركيا لمياهنا في الفرات وقريبا في دجلة يمكن ان يصبح شرعيا اذا اقرته المحكمة الدولية او بشكل او اخر تخون الحكومة العراقية الأمانة التي على عاتقها من خلال اتفاقية لصالح تركيا ويقر مجلس النواب ذلك او تفعل الحكومة ما فعلته في الزمن الدكتاتوري وهو السكوت. ونفس الشيء ينطبق على التصرف في نفط العراقيين (بضمنهم الكرد) في اقليم الكرد لان المادة الاولى من الدستور حول النفط والغاز تقول بأن النفط والغاز ملك لجميع العراقيين في كافة المحافظات ولا توجد اي مادة اخرى تلغي او تستثني المادة الاولى فهي بالتالي فوق المواد الاخرى. وان كان هناك اختلاف في تفسير بعض المواد بخصوص الادارة المشتركة فيجب حلها من خلال المحكمة الدستورية وهذا لا يمكن ان يتجاوز على حق الملكية لكافة العراقيين بالنفط والغاز الموجودة في المحافظات والأقاليم العراقية. لذا فإن حاولت الحكومة العراقية شرعنة سرقات النفط العراقي من قبل مسؤولين في حكومة الاقليم عن طريق التهريب او البيع المباشر وبدون شفافية في المصروفات والإيرادات فستُعَرّض نفسها للمحاسبة من قبل مجلس النواب والمحكمة الدستورية عند الشكوى حسب الاصول القانونية، وهناك ايضا حساب التاريخ والدين.

من اهم السرقات الشرعية نراها في الرواتب العالية للمسؤولين وذوي الدرجات الخاصة وكذلك ما تحدده النخبة لنفسها من امتيازات وتقاعد. ما يستلمه المسؤولون بالرئاسات الثلاث من رواتب وتكاليف تزيد عن عشرة ملايين دينار في الشهر لا يمكن ان تكون معقولة وعادلة عندما تستلم الارملة والمعاق والعاطل عن العمل مبلغ لا يزيد عن 150 الف دينار في الشهر او عندما لا يستلم زملائهم في اوروبا وامريكا نصف هذا المبلغ ويدفعون عليه ضرائب. هذه الفوارق الهائلة في الدخل في العراق والتي وضعها الامريكان في بداية حكمهم المؤقت للعراق بعد السقوط لأغراض ليست بريئة هي مصدر التهميش والارهاب والفساد ولا يمكن ان تجلب استقرارا للعراق لكي يتوجه نحو المشاريع الانمائية والانتاجية التي هو بأشد الحاجة اليها الآن لتشغيل الملايين من الايدي العاملة العاطلة. لذا لابد من مراجعة سلم الرواتب والتقاعد والامتيازات في الدولة العراقية ليكون فيه شيء من العدل والانصاف فما موجود الان باطل في باطل وبعيد عن التعاليم الاسلامية.

ومن السرقات الشرعية الشائعة قيام وزارات وهيئات ومجالس الدولة ببيع ممتلكاتها بسعر بخس لا يقترب من سعر السوق ويتم ذلك وفق السياقات القانونية مثل بيع اراضي او شقق او بنايات تابعة للدولة بمزاد علني ولكن يقيد بطريقة من الطرق ويصبح احتكاري، وهذا يمكن ان يحدث في مشتريات الدولة أيضا، او من خلال تشكيل لجنة تحدد الاسعار وفق معايير معينة ويتم التساهل في هذه المعايير او بعض منها مثل سعر السوق او السوق الافتراضي. التساهل قد يكون معقولا وشرعيا مثل تمكين ذوي الدخل المحدود من تملك الشقق البسيطة التي يسكونها او غير معقول وغير شرعي مثل تمكين ذوي دخل جيد من تحقيق ارباح كبيرة بشراء شقق غالية، وهو ما سمعناه من تمليك شقق وبيوت في المنطقة الخضراء لموظفي الدولة الساكنين فيها ومعظمهم ممن كان لديه او لا يزال لديه بيت خارج المنطقة الخضراء. هذا البيع اوقفه مؤخرا مجلس الوزراء ولا نعرف حجم الخسارة والضرر الذي سببه البيع السابق ونأمل من مجلس الوزراء ان يستمر بالنظر والتحقيق في الصفقات الغير معقولة والمشبوهة.

من المواضيع التي ستطرح على مجلس الوزراء قريبا ويمكن ان يصبح سرقة شرعية كبيرة هو بيع شركات القطاع العام (وعددها كما اعتقد يتجاوز الستون شركة) الى القطاع الخاص وهو ما يسمى بالخصخصة التي ينادي بها اللبراليون الجدد بغض النظر عن نتائجها لأنهم مؤمنون بأن القطاع الخاص دائما افضل وأكفأ من القطاع العام في ادارة المشاريع الاقتصادية. هذه الشركات كانت نشطة وفعالة وتزود السوق العراقية بمنتجات صناعية عديدة ولكنها انتكست في التسعينات بسبب الحصار وتدهورت بدرجة كبيرة بعد السقوط بسبب فتح الاستيراد على مصراعيه وعدم الاهتمام بهذه الشركات ومصانعها، وأصبحت عبأ على الدولة في دفع رواتب العاملين فيها ولكنها مع ذلك يمكن ان تساهم في النهضة الصناعية العراقية اذا كانت الحكومة الحالية والحكومات القادمة جادة في احياء الصناعة العراقية من خلال دعم الصناعة وفرض رسوم كمركية مناسبة وإعادة هيكلية هذه الشركات وجعلها ذات ملكية مشتركة بين القطاع العام والقطاع الخاص او حتى بيعها للقطاع الخاص بشرط استمرارية الانتاج وعدم شمول اراضي هذه الشركات في عملية البيع.

ما يحدد قيمة الشركات هي الاصول التي تملكها من اراضي وبنايات ومكائن وأجهزة وأيضا المعرفة والتقنية والحقوق المسجلة ومستقبل ما تنتجه الشركة. بسبب التدهور الصناعي لسنين عديدة اصبح اهم ما موجود في شركات القطاع العام العراقي الغير نفطي هو الاراضي التي بحوزتها والتي ارتفعت اسعار معظمها بعشرات المرات وهي كما اعتقد السبب الرئيسي خلف رغبة القطاع الخاص بشراء هذه الشركات. ولا استبعد بأن الكثير ممن سيقدم على شراء هذه الشركات هم من اصحاب رؤوس الاموال الذين ينشدون الربح السريع وليست لهم علاقة بالصناعة وسيقومون بقطع اوصال الشركة التي يشترونها ويبيعون اراضيها او يبنون عليها بنايات سكنية او تجارية. لذا على الدولة والحكومة عدم التفريط بالمصلحة العامة واخذ الضمانات باستمرار عمل الشركة التي ستباع كلها او جزء منها وان تسحب معظم اراضي الشركة وتخصص لإقامة المصانع عليها او استخدامها للمصلحة العامة.

في بغداد وأطرافها توجد اراضي شاسعة هي اما اراضي زراعية مستغلة او مملوكة من اشخاص وعوائل او وقف او أراضي مملوكة للدولة وشركاتها. مع التوسع العمراني الهائل في بغداد وإزالة معظم البساتين التي كانت داخل بغداد وفي محيطها اصبح من الضروري ان نبقي هذه الاراضي لكي تستخدم للمصلحة العامة ولا نسمح بتحولها العشوائي الى اراضي سكنية تقضي على ما تبقى في بغداد من مساحات خضراء تتنفس من خلالها المدينة المكتظة بالناس والسيارات الملوثة للبيئة والبناء الاسمنتي الذي يرفع من درجات الحرارة. اتوقع ان يكون حال معظم المدن العراقية لا يختلف عما هو في بغداد من ناحية البناء العشوائي وتقلص المساحات الخضراء وبالأخص البساتين. لذا من الضروري ان لا نفرط بأراضي الدولة والأراضي الزراعية داخل وفي اطراف المدن وان يحصر استخدامها في البستنة والتشجير لتوفير الخضر الطازجة والفواكه لسكان المدينة وتحسين البيئة المحيطة، وأيضا لإقامة المصانع التي تشغل الايدي العاملة المتوفرة بكثرة في المدن خاصة وان معظم المصانع الحديثة انخفضت تلوثاتها بدرجة كبيرة. تأجير اراضي الدولة وشركاتها بأسعار رمزية وعقود طويلة المدى لاستخدامها في الزراعة والصناعة انفع للمجتمع وبدرجات عديدة من بيعها للقطاع الخاص لاستخدامها على اساس الربح الشخصي الاكبر وليس منفعة المجتمع.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter