|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  12  / 1 / 2016                                 د. باسم سيفي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الازمة المالية فرصة جيدة لإيقاف التبذير والفساد والبدء ببناء العراق الانتاجي

د. باسم سيفي
(موقع الناس)

المؤرخ العظيم ارنولد توينبي بلور للبشرية نظرية "التحدي والاستجابة" لفهم تقدم وتراجع المجتمعات والحضارات ومختصرها ان المجتمعات البشرية تمر بأزمات وتحديات متنوعة تضعها امام خيارات متعددة، والمجتمع الذي لا يستجيب للأزمة/التحدي او يستجيب بشكل خاطي يضمحل او ينتهي، اما المجتمع الذي يستجيب للأزمة/التحدي وبشكل صحيح فيتعافى ويزدهر حيث ان الازمة لا تستعرض المشاكل فقط بل كذلك تستعرض الامكانيات التي يمكن ان تستغل لصالح المجتمع. هذه الفكرة نراها اليوم تطبق في كثير من الشواهد على مستوى الافراد والشركات والمنظمات بالإضافة لمستوى المجتمعات والأُمم.

منذ السقوط وبالأخص خلال السنوات الخمس الماضية عشنا فورة نفطية فيها تزايدت ايرادات النفط بما لا يقل عن 30 % سنويا وتزايدت معها صراعات قادة المكونات للحصول على اكبر قدر من كعكة الريع النفطي ونسينا تقريبا المحرومين والإنتاج الوطني الغير نفطي. في السنة الاولى من الاحتلال وتخليصنا من الدكتاتورية وضعنا الامريكان على جادة الرواتب العالية للمسؤولين وتعيين المحاسيب والفساد وعدم الاهتمام بالإنتاج الوطني بحجة السوق والتجارة الحرة. ميزانية العراق لعام 2014 والتي لم تقر كانت بحجم 170 ترليون دينار عراقي وهو رقم قياسي بل خرافي اذا ما قارناه بميزانيات العراق عبر تاريخه الحديث وميزانيات سوريا ولبنان والاردن مجتمعة، ومع ذلك كان فيها عجز في التمويل يزيدعن 20 تريليون دينار. الميزانية وبنودها تقول بأن الدولة العراقية تصرف معظم ايرادات النفط على موظفيها وصرفياتهم ونثرياتهم ليقدموا خدمات متنوعة للمجتمع العراقي، اما الانتاج فعلى القطاع الخاص البطل! ان يضاعف جهوده وينتج ما يحتاجه المجتمع من غذاء وسلع صناعية ويوفر عملا للملايين من الايدى العاملة العاطلة.

ما نسمعه من اخبار وإشاعات معقولة ونشاهده من وثائق وتأليفات ممكنة يشير الى وجود تبذير بعشرات الترليونات من الدنانير رغم ان الباري توعد المبذرين والمسرفين وساستنا مسلمين ومن احزاب اسلامية. منظمة الشفافية الدولية لازالت تضع العراق في اسفل البلدان سجلا في الفساد. رغم ان طريقة قياس ذلك يمكن مجادلته خاصة وحب العراقيين للشكوى إلا انه من المشكوك ان يوجد كثرة من العراقيين ممن لم يشهدوا وضعا فيه رشا وفساد. وزير تخطيط سابق صرح بأن ثلثي العاملين في الدولة العراقية بطالة مٌقَنعة، اي لا يوجد عمل حقيقي لهم، ورئيس مجلس الوزراء اعلن وجود 50 الف "فضائي" في الجيش وإذا حسبنا ما يمكن ان يكون كذلك في وزارات ودوائر الدولة الاخرى من فضائيين وحوشية المسؤولين ممن يحضر فقط لاستلام الراتب او يحضر احيانا فلا استبعد ان يتضاعف الرقم مرتين. فضائح كثيرة نسمع بها وتؤكدها مصادر موثوقة تمول من ميزانية الدولة ويمكن تقليصها بشدة من إيفادات مفبركة وضيافات حاتمية وعناية بصحة وعافية المسؤولين ومشتريات مشكوك بها وسخيفة، مثل قناني البلاستيكية القبيحة التي تظهر منتظمة امام كل كرسي في صور الاجتماعات الرسمية. كثيرة هي الصرفيات المشبوهة التي تمول بمال النفط حسب الاصول والفصول والتعليمات.

وهناك ايضا فضائح من الوزن الثقيل او فوق الثقيل في الميزانية او لا تدخل الميزانية ومنها الرواتب والتقاعد والامتيازات العالية لشريحة كبيرة من الحاصلين على درجات وظيفية عالية او خاصة، ومنهم من يكلف اكثر من عشرة ملايين دينار في الشهر. مع الاخذ بنظر الاعتبار لتكاليف المعيشة، المؤهلات، الانتاجية، ودخل الفقراء، لا أعتقد بوجود اشخاص كثيرون في الدولة العراقية يستحقون راتب شهري يزيد عن المليونين ولا تقاعد يزيد عن المليون. من هذا المعيار أُقدر بشكل غير علمي! ان العشرة آلاف من الاكثر راتبا وكلفة يسحبون من الميزانية دون حق حوالي ترليون دينار سنويا، وهذا المبلغ يكفي لدعم او اعطاء راتب قدره 200 الف دينار في الشهر ل 400 الف عامل حرفي يصارع على البقاء في عمله. مصاريف كل من الرئاسات الثلاث ومع التقاعد الدسم سيصل قريبا الترليون دينار، ان لم تكن مصاريف احدهم تجاوز ذلك الان، هل من شفافية في هذه الامور؟ أما الوزن الاثقل من الفضائح هو ما لا يسلمه اقليم كردستان من موارد النفط والكمارك والضرائب الى الحكومة الاتحادية ليدخل الموازنة العامة وحسب ما هو مثبت في الدستور ويقدر بعدة ترليونات سنويا.

الانخفاض في اسعار النفط يجب ان يشعر به الجميع وبالأخص المسؤولين وذوي الرواتب العالية والتقاعد الغير منطقي لكي يساهم ذلك في ادراك مشكلة الاعتماد على الريع النفطي الغير دائم وضرورة العمل على اخراج العراق من اللعنة النفطية التي دخلنا فيها او ادخلنا فيها مرة اخرى بعد ان هيمنت على العراق في الزمن الدكتاتوري. الريع النفطي لن يستمر طويلا مقارنة مع تاريخ العراق ولابد من استثمار معظمه في مشاريع انتاجية تجعل العراق قادرا على التواصل لأجيال وقرون قادمة. وأن نبعثره الان على التعينات الحكومية والرواتب العالية لجزء من الشعب العراقي في حين ترزح الاغلبية تحت العوز والعيش الكفاف يجلب الكوارث على العراق حاليا ومستقبلا.

ميزانية عام 2015 ستكون بحدود 100 ترليون دينار او اقل اذا لم تمول بعجز او استدانة وهو باعتقادي خطأ فادح يبعدنا عن اخذ التحدي بجدية والاستجابة له بشكل صحيح. ما هو مطروح الان من ميزانية ونقاش حولها خطوة جيدة باتجاه ازالة مظاهر البذخ والصرفيات الغير ضرورية ولكن ذلك لا يكفي ويجب توفير الموارد الضرورية لدعم القطاع الصناعي والزراعي بقوة وأيضا دعم الشرائح الفقيرة من المجتمع والعاطلين والعاملين في القطاع الخاص.

وهذا يحتاج الى اجراءات أكثر جرأة وفعالية من التقطيع والتخفيض هنا وهناك وأهمها :
1. وضع نظام كمركي فعال يوفر ترليونات عديدة ويحمي ما تبقى لدينا من زراعة وصناعة.
2. وضع نظام ضريبة دخل تصاعدية لاسترجاع ما يمكن من استرجاعه من رواتب عالية وتقاعد غير منصف.
3. ضبط نظام التموينية والضمان الاجتماعي وحصرها بالمستحقين فعلا.
4. ضبط ما يصرف للمحافظات وإقليم كردستان وما يجب ان يسلم للحكومة الاتحادية من ايرادات حسب الدستور والقوانين الاتحادية.
5. اصلاح المؤسسات الاقتصادية وجعلها مشجعة للانتاج الصناعي والزراعي وبالاخص منظومة الرواتب والتقاعد.
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter