| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

 

السبت 9/9/ 2006

 

 

العراق : إشكالية الفدرالية والتوازن الإجتماعي..!

 

باقر الفضلي

لعل من أخطر ما يواجه المجتمع العراقي اليوم، ويخل في توازنه الإجتماعي، الذي عاش في ظله العراق قرونا بعيدة في الزمن. حتى أصبح من البدهي القول؛ بأن المجتمع العراقي يشكل نسيجاّ متجانساّ من أثنيات وديانات ومذاهب مختلفة توحدها مصالح مشتركة في العيش بسلام وأمن في كنف الرافدين، وتشدها الى بعضها لحمة المصاهرة والقرابة وتأريخ المحن والمصائب الذي شملت الجميع. ذلك التوازن الذي لم تقوى على الإخلال به أعتى قوى الإستبداد والطغيان، بل على العكس، زادته إتساقاّ ومنحته ثباتاّ وتلاحماّّ عبر القرون التي عاشها العراقيون وهم موحدون؛ كتلة متراصة في مواجهة عاديات الزمن ومخاطر التمزيق والتفرقة الطائفية أوالمذهبية..!

إن هذا الخطر الذي يداهم المجتمع المسالم ويهدد بالإخلال بتوازنه الإجتماعي، لم يأت فقط، وطبقاّ لما يروج له، من هجمة الإرهاب المستفحل والذي تتعاظم مدياته مع الأيام، رغم ما له من آثار مدمرة على المجتمع والبلاد، حيث وقفت ضده كافة مكونات المجتمع بصبر وصلابة، ولا زالت تقدم المزيد من التضحيات والدماء في هذه المعركة المصيرية وحسب، بل إنه في الغالب الأعم خطر قادم من داخل البيت نفسه وبيد أصحابه من بعض أطراف العملية السياسية، من خلال سياسات وصراعات داخلية ومقترحات مشاريع قوانين، إن كتب لها النجاح فإن نتائجها- لا سامح الله- ستكون وبالاّ على وحدة التوازن الإجتماعي، ومآلها الى تمزيق وحدة نسيج المجتمع العراقي ..!

بل ثمة ما يؤكد ذلك، هي تلك المشاريع التي تطرح في الساحة السياسية اليوم، والتي يروج لها كثيراّ بإعتبارها الطريق الوحيد لإنقاذ البلاد من شر الإرهاب؛ تلك المشاريع التي تتعكز على الشرعية الدستورية في تشكيل الأقاليم، وتنسب لنفسها، بما تمتلكه من أكثرية برلمانية "مدعمة"، حق التقرير في أمور مصيرية جرى تثبيتها في الدستور، من قبل أنصار نفس هذه المشاريع، وفي ظل ظروف غير مؤاتية على الصعيدين السيادي والأمني؛ تلك المشاريع ورغم شرعية ما تستند إليه وهو الدستور، فإنها على مستوى الواقع العملي من يقف وراء خطر الإخلال بالتوازن الإجتماعي المذكور , وتمزيقه..!

فالإرهاب مهما بلغت أشكاله ومنابعه، فله أجنداته المختلفة وأهدافه المتباينه ومقاصده المتعددة، وليس بخاف على الجميع إن الإرهاب نفسه ليس هدفا لذاته، إن لم يكن ورقة بيد لاعبيها للوصول الى تحقيق الغايات والمآرب المرسومة؛ وليس بخاف أيضاّ، أن الجهات التي تمارس الإرهاب قد تعددت مصادرها ومنابتها وباتت من الكثرة بحيث إختلطت أهدافها ومراميها. فإذا أخذ المرء بما يقال عن علاقة التمسك بمشروع "الأقاليم" أو بما يسمى "فدرالية الوسط والجنوب" وتبريره بالقول: "من أجل الخلاص من الإرهاب"، فمن البدهي الإستنتاج بأن الإرهاب هو أحد الاوراق التي يجري التعكز عليها، لضعف الأسباب الأخرى التي يمكن التعويل عليها في ذلك..! وحينما نص الدستور على تشكيل (الأقاليم) لم يأخذ في أسباب التشريع، الإرهاب بإعتباره أحد الأسباب الباعثة على وجود النص..!

أما فيما يتعلق بالإسناد الدستوري المعول عليه لمقترح تشكيل (الإقليم)، وهو ما جرى طرحه في جلسة البرلمان الثالثة ليوم 7/9/2006 فقد أظهرت المناقشة ومنذ لحظاتها الأولى مدى عمق الإختلاف في وجهات النظر بين الكتل النيابية حد إضطرار رئيس المجلس النيابي، تحويل الجلسة الى سرية..!؟ وفي مقال سابق بعنوان (الدستور: فدرالية الوسط والجنوب) كنت قد وضحت موقف الدستور من هذه المسألة لما لها من أهمية بالغة وما قد يترتب عليها من تداعيات سلبية غير محمودة العواقب على الصعيد الإجتماعي، أجد من المناسب الآن، وبعد هذا الإصرار على طلب المناقشة البرلمانية السريعة للمقترح وإحتمال إقراره، إعادة تضمين نص المقال المذكور للسبب أعلاه. الغاية من ذلك هي التأكيد، على أن القراءة الشكلية (السياسية) وحدها لنصوص الدستور دون الوقوف عند المضامين، ينتهي في النتيجة الى تشريع أو التمسك بمشاريع سياسية تبدو من الناحية الشكلية مقبولة دستورياّ ولكنها في محتواها مخالفة لجوهر النص الدستوري ومقاصده الحقيقية. وإن مجرد ذكرها في الدستور لا يمنح الحق بوجودها إذا لم تستوف شروط ذلك الوجود وأسبابه وهذا ما جرى تناوله في المقال أدناه..!
إن مجرد القراءة "السياسية" وليست الفقهية العلمية لنصوص الدستور، إنما يراد منها تحقيق هدف سياسي واضح المعالم، من خلال التمسك بأغلبية برلمانية ولدت في ظل ظروف غير مؤاتية، إتسمت بديمقراطية شكلية لا تعكس حقيقة الأهداف التي تواخاها الشعب العراقي من تأييده لمجمل العملية السياسية، التي بنى عليها الكثير من الآمال..!؟

إن إي إقدام من قبل البرلمان على إقرار مقترح "فدرالية الوسط والجنوب" في ظروف العراق الراهنة، وفي ظل هذا الإنقسام العميق حول المشروع بين مكونات المجتمع، سيكون في تقديري (تلك القشة التي قصمت ظهر البعير)، وبقدر ما يعتقده أصحاب المشروع من مزايا وحسنات ترتبط بمشروعهم، فإن الواقع ينطق بعكس ذلك..! الأمل أن الجميع من أعضاء البرلمان وفي معرض الشعور بالمسؤولية السياسية التأريخية، أن يضعوا نصب أعينهم مصلحة الشعب العراقي والوطن، فهم داخل البرلمان لا يمثلون أحزابهم ومنظماتهم السياسية وحسب، بل إنهم ممثلي الشعب، وهو شعور ينبغي أن يسيطر على الجميع، قبل الإقدام على إتخاذ قرارات مصيرية بهذه الصورة العجلى، بل العمل على تجنيب البلاد المزيد من الإحتقان الطائفي والإحتراب ، وهذا ما نتوخاه من الجميع..!


مقال ذو صلة :
ألدستور: ”فدرالية الوسط والجنوب”..!