| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

 

الأثنين 7/8/ 2006

 

 

الدستور: ”فدرالية الوسط والجنوب”..!

 

باقر الفضلي

((عسى أن تكرهوا شيئاّ وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاّ وهو شر لكم))

بأي من هاتين ألوصيتين يمكننا نحن ألعراقيين ألتمسك..؟؟!
وما هو هذا ألشيء ألذي على ألعراقيين أن يحبوه أو يكرهوه؟؟!

يطرح أليوم وبإلحاح غير مسبوق، وفي حمى من ألقتل وسفك ألدماء، ومواجهة مباشرة مع ألقوات ألمسلحة، وبمزيد من ألمفخخات وألقنابل ألناسفة، وفي أجواء من ألإستعراضات ألعسكرية من لابسي ألأكفان وحاملي ألسيوف، وفي صخب ألحديث عن ألمصالحة ألوطنية، في مثل هذه ألأجواء ألملبدة بغيوم ألخوف من ألمستقبل، يطرح قادة ألأئتلاف ألموحد ، شعار "فدرالية ألوسط وألجنوب" بإعتباره مطلباّ جماهيرياّ يسنده ألدستور..!
"ألفدرالية" إذاّ هي ذلك "ألشيء" ألذي على ألعراقيين أن يحتضنوه ويحبوه أو أن يكرهوه وينبذوه..! وتوصيفها بألوسط وألجنوب ، هو فقط لتفريقها عن (إقليم كوردستان) لأنه يقع في شمال ألعراق جغرافياّ، وألذي إعتاد ألأخوة ألمنادون بشعار "فدرالية ألوسط وألجنوب" إعتباره "فدرالية" ويقع معهم ألكثيرون في هذا ألخطأ ألمفاهيمي ألموضوعي..!؟
كما ولا أعتقد أن ألأخوة في أقليم كوردستان يرتضون أن يختزل وجود ألأقليم، ك( كيان قومي، جغرافي- سياسي ، إجتماعي- إقتصادي)، إلى مجرد علاقة قانونية مع ألحكومة ألمركزية وحسب، وبالتالي فإن ألحديث عن "ألفدرالية" لا ينصرف ألى وجود ألأقليم نفسه بقدر ما يعني طبيعة ألعلاقة ألقائمة بين ألأقليم وتلك ألحكومة.وعليه فإن وضع "ألفدرالية" بإعتبارها علاقة قانونية، كمرادف لمفهوم (ألأقليم)، أمران لا يستقيمان ، بل ويعبر ذلك إما عن جهل بألمفاهيم ومعانيها، أو إستخدام ألأشياء في غير محلها لأمر لا يعلمه إلا أصحابه، إذا أفترضنا ألإحاطة بمدلولات ألمصطلحات من قبل مستخدميها ، وهذا ما لا نريد ألشك فيه..!
ومن هذا ألسياق، يصبح ألقول ب"فدرالية ألوسط وألجنوب" قول مبني على فهم خاطيء للمصطلح نفسه، فمصطلح (ألفدرالية) لا يمكن أن يعني كياناّ جغرافياّ- إجتماعيا بقدر ما يعني ألعلاقة ألحقوقية- ألقانونية بين ألكيانات نفسها وألحكومة ألمركزية ألمنبثقة منها (ألإتحاد)، فهي علاقة منظمة لإدارة ألسلطة في ألبلد ألمعني ذي ألكيانات ألمتعددة، أي بمعنى آخر ؛ (( "شكل من أشكال ألحكم تكون ألسلطات مقسمة فيه دستورياّ بين حكومة مركزية ووحدات حكومية أصغر، كألأقاليم. ويكون كلا ألمستويين من ألحكومة تتقاسمان ألسيادة في ألدولة. "))
إذن فإن تعدد ألأقاليم في ألوطن ألواحد، هو ألأساس ألذي يوفر ألحاجة ألى إرساء قواعد شكل ألحكم ألفدرالي، ويتم ذلك من خلال عملية ألرضى وألقبول ألتي يعلنها مواطنوا تلك ألأقاليم في ظل ظروف متكافئة من ألديمقراطية وألسلم ألإجتماعي وألأمن وألطمأنينة. كما وأن هذا ألشكل من نظام ألحكم يمكن أن يحصل بين عدة دول تستوجب مصالحها ذلك، وضمن نفس ألشروط..!
ومن هنا يمكن إجمال ذلك بأن؛ ((الفيدراليةهي اتحاد اختياري بين ولايات أو دول أو أقوام تختلف قوميا أو عرقيا أو ديانة أو لغة أو ثقافة حتى تتحول إلى شخصية قانونية واحدة او نظام سياسي واحد مع احتفاظ أجزاء هذه الشخصيةالمتحدة بخصوصيتها وهويتها ويوجد تفويض للكيان المركزي للاتحاد بالبعض من الصلاحيات المشتركة مع الأحتفاظ ببعض الصلاحيات لهذه الاجزاء او الولايات. بما يعني توافر الاستقلال الذاتي للولايات المكونة للاتحاد ولهذا اهم ما تتميز به الدول الفيدرالية او الاتحادات الفيدرالية هو الاستقلال الذاتي لكل ولاية او دولة مشتركة في الاتحاد.))

نظام ألحكم ألذي يتحدث عنه ألدستور ألعراقي ألدائم، وألذي تستند إليه ألأطراف ألتي تطرح شعار "ألفدرالية"، هو نظام حكم إتحادي، فدرالي، كما وتحدث ألدستور عن (ألأقاليم) كمكونات لهذا ألأتحاد.
وعلى صعيد ألواقع ألحالي، فإن ألعراق أليوم، يعيش في ظل حكم إتحادي فدرالي، يشكل فيه (إقليم كوردستان) أحد طرفي ألعلاقة ألفدرالية ألقائمة حالياّ على صعيد نظام ألحكم، و(ألإقليم ألعربي)، يمثل ألطرف ألثاني في تلك ألعلاقة، وإن كلا ألطرفين بوضعهما ألحالي يشكلان ألكيان ألسياسي لدولة ألعراق. ولا يعني هذا إغفال وجود ألأقليات ألقومية ألأصغر، ألتي يجب أن يكون لها من ألحقوق ما لغيرها من ألقوميات ألأكبر. وهذا حق يجب أن يكفله ألدستور، وفق صيغ وأشكال دستورية لنظام ألحكم. وبدونه فإن أي إتحاد فدرالي بين ألقوميات ألأكبر سيكون مفرغاّ من جوهره ألديمقراطي ألمبني على رضى ألجميع، ومن بدهيات ألأمور أن تتحمل تلك ألأقاليم مسؤولياتها ألدستورية وألإنسانية في ألتعبير عن ذلك من خلال ألتطبيق..!
أما ألجوهري في هذا ألشكل ألجديد لنظام ألحكم ألحالي في ألعراق؛ فهو أنه ولأول مرة يجري فيها ألإقرار دستورياّ بوجود ألأساس ألأثني ألمختلف للنسيج ألسكاني في ألعراق، وتجسيد ذلك في شكل ألعلاقة ألفدرالية ألقائمة ألآن بين ألأقليمين. إذن فألأساس ألقومي هو ألذي يقف خلف تشكل ألأقليمين وليس أساس آخر غير ذلك..! ورغم سبق ألأعتراف بألتعدد ألقومي في ألعراق، إلا أنه لم يأخذ حيزه في ألتطبيق ، كما هو عليه ألآن..!
نفسه ألأساس ألمذكور، ينبغي أن يكون ألأساس ألقادم لأي تفكير آني أو مستقبلي، حينما يجري ألحديث عن تشكيل لإقليم جديد، هذا إذا ما أردنا أن نقرأ ألدستور قراءة موضوعية مبنية على التعرف بألأسس ألتي حكمت ألأخذ بمبدأ ( ألفدرالية) كشكل جديد لنظام ألحكم في ألعراق..!
وحينما منح ألدستور لأي محافظة أو عدة محافظات ألحق في تشكيل إقليم جديد / ألباب ألخامس/ ألفصل ألأول/ ألمواد (113-118) فإنه لم يغفل ألقاعدة ألتي يجب أن يؤسس بموجبها ألأقليم ألمعني، وحدد ألأمر بأحكام ألدستور نفسه.(ألمادة 114/ ثانيا)
وحيث أن المثل ألحسي لهذا ألأمر يتجسد موضوعياّ ودستورياّ في تشكيل أقليم كردستان نفسه بإعتباره ألأنموذج ألمستوفي لشروطه ألدستورية، وبألتالي فإن أي تشكيل لأقليم جديد ينبغي أن يجري وفقاّ للأسس ألتي بني عليها إقليم كردستان، وألتي أشرت إليها في أعلاه. فإن توفرت نفس تلك ألشروط ألتي أسس بموجبها (إقليم كردستان)، وبشكل خاص ألعامل ألأثني-ألجغرافي، في أي محافظة أو عدة محافظات يصبح بدهياّ إمتلاكها حق تأسيس إقليم وفقاّ لإحكام ألدستور..!
وأحيانا يجري ألحديث، تشبيهاّ بأمثلة أخرى كألولايات ألمتحدة ألأمريكية أو غيرها كمثال على ذلك، فإن إختلاف ألأمر هنا، هو أن ألأقاليم أو (ألولايات) في هذه ألإتحادات، كانت موجودة أصلاّ قبل تأسيس ألإتحاد ككيانات منفردة، مع تشريعاتها ألمستقلة.

ومن خلال ما تقدم فإن ألقراءة ألخاطئة لمواد ألدستور ألمبينة أعلاه، بتفسيرها شكلياّ ودون ألنظر ألى ماهيتها ألجوهرية، قد أوحت للبعض؛ بأنه من ألممكن لأي محافظة أو عدة محافظات إذا ما إتفقت، طلب تأسيس إقليم ما ، حتى وإن إفتقد لأسس تأسيسه. وهذا ما نعتقد بأنه ألخطأ ألذي قد وقع فيه ألأخوة ألرافعين لشعار "فدرالية ألوسط وألجنوب"، رغم ما يعتقدونه من حق قد كفله ألدستور..!
فحيث أن سكان ألوسط وألجنوب هم جميعاّ إن لم نقل ألأغلبية ألعظمى منهم، عرب يقطنون كل مساحة ألأرض خارج (إقليم كردستان)، فهم بالتالي، يمثلون مواطني ألأقليم ألعربي ألذي يدخل في علاقة فدرالية مع إقليم كردستان وإن كلا ألإقليمين يمثلان دولة ألعراق سياسياّ وإجتماعياّ وإقتصادياّ وجغرافياّ..!
وما يطرح أليوم من ألمطالبة بتأسيس إقليمي (ألوسط وألجنوب)، فإنه وكما أعتقد، لا يمتلك ألأساس ألقانوني ألذي يدعمه ألدستور، وليس ذلك من باب ألمعارضة للطلب نفسه، بل لأنه مبني على أساس، (ألمذهب الديني) للطائفة، وألمبني على أساس ألأغلبية ألمذهبية ألقاطنة في كلا ألمنطقتين (ألوسط وألجنوب)، ولا أجد في هذا ألأساس ألذي إعتمده ألأخوة أصحاب ألمشروع ألمذكور ما يصلح دستورياّ لإعتماده. وإلا فأي أساس يمكن ألتذرع به غير ذلك..؟!
وحتى في حالة إعتماد ألأساس ألديني أو بشكل أدق ألمذهبي، كأساس لهذا ألمشروع وإعتباره سنداّ موضوعيا لإقامة "ألأقليمين" وألتي يدعونها خطأّ ب"ألفدرالية"، فإننا في هذه ألحال سنقع في إشكالية دستورية موضوعية، تتعلق بشرعية إلأتحاد ألفدرالي نفسه، أي بشرعية تأسيس( إقليم كردستان) وأسباب ذلك ألتأسيس..! فألشعب ألكوردي بأغلبيته يدين بنفس ألديانة ألتي تدين بها ألأغلبية ألعربية في منطقة ألإقليم ألعربي، بل ويذهب نفس ألمذهب في مسألة ألمعتقد ألمذهبي. وبهذا ألمعنى تصبح منتفيةّ أساساّ، ألحاجة ألى إقامة إقليم كوردستان، إذا ما أخذنا بألمبررات ألتي يقدمها أصحاب مشروع ألأقليمين، أي ألإختلاف ألديني أو ألمذهبي، إذا ما إعتبرناه أساساّ للإختلاف ألديني..ّ!
إن ألأسس ألتي شكل بموجبها (إقليم كوردستان) لا يجمعها جامع مع ما يتفضل به أصحاب ألمشروع ألمذكور، لأنها أسس واقعية ومدعومة بكل ما للشعب ألكوردستاني من حقوق تأريخية في تقرير مصيره، نفسها ألحقوق ألتي يتمتع بها ألشعب ألعربي، وبالتالي فلا وجه للمقارنة أو ألشبه بين ما يدعو أليه ألأخوة أصحاب "ألفدراليتين" وبين ما هو عليه (ألإقليم ألكوردستاني) وهذا كثيراّ ما يطرحوه، وذلك للأختلاف ألجوهري بين أسس ألتكوينين..!؟
"فألفدرالية" ألتي يدعو أليها ألأخوة أصحاب ألمشروع، وألتي تتطلب بدأّ تأسيس أقليمين جديدين، لا أظنها في تقديري، ورغم فقدانها لأساسها ألدستوري، ستساعد على حل ألمشاكل ألقائمة أليوم وألتي أصبحت ألكابوس ألمطبق على ألجميع، بقدر ما ستبعثه من مشاكل جديدة، أقلها تمزيق ألنسيج ألسكاني للطائفة ألواحدة نفسها، خاصة إذا ما علم ألمرء، بأن أطراف ألأئتلاف ألسياسي للطائفة غير مجمعة على لب الشعار، ومنها من يقف علناّ ضده. ولا أريد هنا أن أتطرق ألى ألتداعيات ألمستقبلية ألتي قد تؤدي ألى تعميق ألأنقسام وزيادة ألإحتقان ألطائفي بين ألطوائف ألدينية ألمختلفة. آخذا بألإعتبار حسن ألنوايا لأصحاب ألمشروع، ومصلحة ألوطن وألمواطنين عموماّ ومستقبل ألعراق ووحدته وإستقلاله..!
فألبديل ألأصلح في مثل هذه ألظروف ألمعقدة ألتي يمر بها ألعراق أليوم، هو عكس ما يوحي به ألأخوان أصحاب مشروع "ألفدراليتين". وسبيل ألخلاص من ألأحتقان ألطائفي لا يمكن أن يتم من خلال ألهروب ألى ألأمام، بل بألعمل على كل ما يساعد على ألتقارب بين ألطوائف، من خلال ألحوار ونبذ العنف، وألتخلص من ألأحتكام ألى ألسلاح عن طريق ألأستقواء بألمليشيات ألمسلحة من أي طرف كان، ودعم ألسلطة ألمركزية في مشروعيها (ألمصالحة ألوطنية وحل ألمليشيات ألمسلحة).

خلاصة ألقول؛ أنه ليس كل ما يعتقده ألمرء يبدو صالحاّ دائماّ، للتمسك به كخيار لا بد منه في معالجة ألمشاكل ، حتى وإن بدى ذلك ألشيء في ظاهره مقبولاّ ولا غبار عليه، ولكن حساب ألنتائج ألمدروسة هو ما يعول عليه في ألغالب. فالفدرالية بكل معانيها ألأيجابية في ألتوحد وألتعاون وألتماسك بين ألشعوب وألطوائف وألأديان، هي نفسها يمكن أن تكون عنصر تمزق وتشرذم وتباعد، حيثما أستخدمت في غير مواضعها وظروفها ألمناسبة، أو أقسر إستخدامها قسراّ على من يهمهم أمر ألعيش في ظلها، وتحت كنفها، ناهيك إن كانت لا تمتلك أسس شرعيتها ألدستورية، فتغدوا وبالاّ وجحيما على تلك ألأطراف ألتي وجدت نفسها بغتة تحت طائلتها. فليس من ألمنطقي أن يقوم ألمرء بتجزأة (ألموحد)، من أجل أنيخلق قاعدة لتأسيس (ألمركب) ..!
وليس بدون معنى أن تنزل ألحكمة ألآهية، داعية ألى ألتبصر، قبل ألإقدام على دعوة لشيء ، دونما حساب ما قد يترتب عليه من عواقب وأخطار..!