|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  5  / 10 / 2016                                 باقر الفضلي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الأردن - أبعاد ودوافع جريمة إغتيال المواطن الأردني ناهض حتر..!!؟(*)

باقر الفضلي
(موقع الناس)

إن الحديث عن الجريمة، ليس بالأمر العابر، او الخاطرة التي يمكن أن تجد طريقها الى النشر بمجرد رغبة الكاتب، إن لم تكن في حقيقتها، نوع من المغامرة أو المجازفة التي يقدم عليها الكاتب ليكشف من خلالها أبعاد الحدث نفسه، وما قد يترتب عليه من تداعيات لاحقة، أو روابط قد تؤدي الى ملابسات مجهولة، قد تدفع الى تأزم سياسي أو إجتماعي...!؟

كما إن إستنكار وإدانة الجريمة، هما من البدهيات التي لا ترقى اليها الشكوك، خاصة حينما تكون تلك الجريمة، من الجرائم التي تتعرض الى حياة الإنسان، ناهيك عن أبعادها السياسية والإجتماعية والقانونية؛ فجريمة إغتيال المواطن السياسي الأردني ناهض حتر، قد أثبتت بانها رسالة موجهة الى جميع النخب الوطنية المثقفة لشعوب المنطقة، ومنها الشعب الأردني النبيل، بما فيها السلطات الحكومية المسؤولة؛ وهي من جانب آخر، تصب في نفس المنحى الذي تتعرض له تلك البلدان، من محاولات التفسيم والتجزئة المتواصلة، ومن هجمات التطرف والإرهاب الذي يتلقى جميع وسائل الدعم، والإسناد من قبل من يرسم سيناريوهات تلك الهجمات، أو من يحاول فرض هيمنته وتسلطه على مقاديرها، من بعض الدول الإقليمية والغربية، ناهيك عن المستفيد الأول من وراء ذلك..!؟

فجريمة إغتيال السياسي والكاتب الأردني، الشهيد ناهض حتر، من الجرائم الفارقة، التي تعكس طبيعة الصراع الدائر في المنطقة، والتي تستهدف في جوهرها وظاهرها، ليس مجرد حياة الإنسان حسب، بقدر ما تستهدف، جوهر حريته في التعبير، وإستهداف موقفه من العقد والإشكاليات السياسية التي تواجه الوطن، أو موقفه من مخاطر التجزئة والتقسيم، الذي تسعى اليه قوى التقسيم لتفتيت الكيانات الوطنية، وتمزيق لحمة شعوب تلك البلدان، وإسكات الأصوات الوطنية، الأمر الذي ما فتأت بلدان مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان وليبيا ومصر، تتعرض له بإستمرار، وتقدم بسببه آلاف الضحايا، تحت ذرائع شكلية، تأخذ في صورها الظاهرية، أشكالاً من التطرف الفكري أو المذهبي، او أي شكل آخر من الأشكال والوسائل، التي تحقق من خلالها، أهدافها المرسومة..!؟(1)

فإستنكار وإدانة الجريمة، رغم ما لهما من تأثير معنوي على الصعيد الوطني والإجتماعي، فهما يعبران من جانب آخر، عن رفض قاطع للجريمة نفسها، بإعتبارها إنتهاك صارخ لكل القوانين والشرائع الوضعية أو السماوية، في نفس الوقت الذي يضعان فيه أمام السلطات الأمنية والقضائية حيثما وجدت؛ مسؤوليتها في كشف من يقف وراء الجريمة، وضرورة وأهمية إستتباب الأمن وحماية المواطنين..!؟

ولعل التعكز على الأسباب التي جرى تداولها كباعث على الجريمة، فهي مهما بلغ مستوى تأثيرها على الآخرين، ومستوى ردود الفعل التي يمكن أن تنجم عنها، فإنها في جميع الأحوال، لا تبرر، لأي كائن مَنْ كان، أن يمنح نفسه صلاحية التنفيذ لقرار إتخذه بنفسه بحق الآخرين، تحت ذريعة الإقتصاص أو أي مبرر آخر، إن لم يكن مدفوعاً من قبل من سولَ له فعلَ ذلك،..!؟(2)

إن جريمة إغتيال السياسي الأردني ناهض حتر، وفي جميع الأحوال؛ تظل تحتفظ بكل صفاتها كجريمة قتل متعمد مع سبق الإصرار والترصد، اما الدوافع التي تقف وراء الجريمة، فبقدر ما حاول الشخص المتهم من التنصل من أية دوافع لفعلته المنكرة، فإن الجهات التحقيقية والقضائية، هي وحدها من يناط بها أمر تقرير ماهية تلك الأسباب وطبيعة الدوافع التي تقف وراء الجريمة، هذا في الوقت الذي لا يمكن فيه قبول أي تبرير للأعمال الإستفزازية من جانب آخر، والتي تدفع بإتجاه ردود الأفعال المتسمة بالعنف، من أي جهة كانت، والتي تصبح في تداعياتها، من الدوافع والبواعث والحجج والذرائع التي يجري التعكز عليها لقبول طريق الإنتقام، وتبرير ردود الفعل المتسمة بالعنف، وهذا ما يجري التعكز عليه في مثل تلك الحالات، من قبل من يجد فيه وسيلةً ناجعة للإقناع..!؟(3)

لقد كان إغتيال المناضل السياسي، والمثقف الأردني الشهيد ناهض حتر، خسارة لا تعوض للشعب العربي الأردني، ولكافة الشعوب العربية، ,وبالذات لنخبها المثقفة، وإنتهاك صارخ لحرية التعبير، والحرية الإنسانية بشكل عام، وهو من جانب آخر، يعكس جوهر وطبيعة الصراع الأقليمي والدولي الدائر في المنطقة، وبالتالي فالنخب المثقفة، هي الأكثر تعرضاً والمستهدفة دائماً، لما تتميز به من قدرة وإمكانية فضح ما تبطنه القوى التي لا يسعدها أن تجد من يقف في مواجهتها في ذلك الصراع، تلك القوى التي هي على إستعداد لأن تستخدم كل ما بحوزتها من الوسائل لإنهاء دور تلك النخب، أو كل من يتصدر الساحة، لفضح خططها ومساراتها المتشعبة، حتى لو إستدعى الأمر، لبوسها معتقدات وظمائر الناس وحسن نواياهم..!؟

فأين يا ترى، تكمن الرابطة السببية بين القاتل والضحية في هذه الحالة..؟ خاصة بعد أن أصبحت الدوافع للفعل المشين، وكما ورد في إعتراف القاتل نفسه، واهية وغير مبررة، خاصة وأن المتهم يشير في [[قوله في التحقيق امام المدعي العام للجنايات الكبرى انه لا ينتمي إلى أي حزب أو تنظيم داخل أو خارج الأردن، وإنما ما قام به عمل فردي، وانه لا يحمل فكرا تكفيريا، بحسب إفادته]]المصدر السابق

كيف يتسنى للمرء أن يربط بين ما قام به القاتل من فعل القتل، وبين الضحية التي لا تربطها بالقاتل أية رابطة، حسب إدعاءه، حتى تكون وعلى سبيل الإفتراض، من الأسباب التي يمكن أن تقف وراء الدفع لجريمة القتل..!؟

لا يمكن للمرء في النتيجة، غير البحث في العلاقة بين الطرفين من خلال أبعادها الأخرى، فيما إذا ما كان في التصور والتهيؤ الذي إنتاب القاتل، من خلال الإختلاف في الرأي بين الطرفين، إذا ما سلم المرء بما جرى تداوله في الإعلام، هو الذي دفع الطرف القاتل الى القيام بفعل القتل، إعتقاداً منه، بأنه قد قام بمهمته، تنفيذاً لما أوحى به له تصوره القاصر، بأنه إنما يقوم بعمله "المرفوض إجتماعياً"، وفقاً لذلك الإيحاء ونزولا عند رغبة جامحة لديه في الإنتقام من ذلك الإختلاف في الرأي بين الطرفين، دون أي إعتبار لقانون أو عرف أو شريعة، مهما كان شكلها ومصدرها، فهو في النتيجة إنسان خارج عن السياق الإجتماعي، وبعيد كل البعد عن أي ضابط قانوني أو نظام إجتماعي، هذا إذا ما سلم المرء ببعده الكامل عن أي إرتباط له مع الآخرين طبقاً لإعترافه الشخصي، وهذا يظل أمر إفتراضي بأي حال من الأحوال..!؟

إذن فان المرء بالنتيجة، سيكون أمام الباعث الفكري للجريمة الذي أوحى للفاعل تنفيذ فعله الآثم، وهو من النوع الأكثر خطورة بالنسبة للمجتمع الإنساني، إذ أنها لا تكتف بإزهاق روح وجسد الإنسان الخصم، بل تذهب بعيداً لإجتثاث كل من يحمل أو يشارك الضحية في الفكر أو في التصور المعاكس، لما يتصوره أو يعتقده الطرف الآخر، ومن هنا فإن جريمة إغتيال الشهيد ناهض حتر؛ تعتبر من الجرائم الفارقة، التي تجد في إستمرارها هدفاً بذاته، وبالتالي فهي تشكل، من حيث النتيجة، خطراً دائماً على أي مجتمع أو شعب يعاني من صراع الإفكار، خاصة منها، تلك الأفكار والآراء المتطرفة، أو تلك البلدان، التي تخوض الصراع ضد عدو يستهدف مصير ذلك الشعب، في إنسجامه وفي تلاحمه ووحدته، أو في توقه الى التقدم والحداثة وصعود سلم الحضارة والتطور والمدنية، ناهيك عما إذا ما كان ذلك التطرف مدعوماً أو مسنوداً من قِبَلِ مَنْ له مصلحة في تحقيق تلك الإهداف..!؟؟

فالجرائم التي تكون دوافعها في الغالب، آراء مغايرة، وهي في إغلبها ذات طابع فردي عند التنفيذ أو الإستهداف، هي من أخطر الجرائم التي تتعرض لها الشعوب ومنذ القدم، وقلما يجد لها الباحث أسباباً أخرى غير ماتقدم، كما ويغلب على منفذها، الدافع العاطفي والنفسي، والحماس المقرون، بالتعصب والتطرف والمغالاة، في تبرير ما أقدم عليه من جرم لا يقره القانون، وتلك هي الطامة الكبرى التي تتعرض لها شعوب المنطقة، لإقترانها بمستوى الوعي الإجتماعي المتدني، وبالتخلف الإقتصادي بشكل عام، والصناعي على وجه الخصوص، ناهيك عما تتعرض له من إستباحة قوى التدخل الأجنبي والإرهاب، الأمر الذي يجري إستغلاله، وتعميق وجوده في المجتمع، من قبل من تلتقي أهدافه ومصالحه وتتقاطع مع إستمرار تلك الحال؛ وإن المنطقة العربية بالذات، وبعض بلدانها وكما تقدم، هي في مقدمة من يخضع لتلك الظاهرة الخطيرة اليوم..!!؟

إن جريمة إغتيال المناضل الأردني ناهض حتر، ومهما كانت طبيعة الدوافع التي تقف ورائها، لا تخرج بعيداً عن هذا الإطار، الذي بات يلقي بضلاله على سائر بلدان المنطقة، وإسباب ذلك لم تعد مجهولة، كما وإن مسلسل الضحايا لن يتوقف، طالما بات ذلك الصراع، بكل أنواعه الدولية والإقليمية والمحلية، عاملاً ديناميكياً محركاً في المنطقة، وأحد أهم عوامل عدم إستقرارها المتواصل..!!؟؟


2016/9/27
 

(*) http://ar.rt.com/i1zj
(1) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=254133
(2) https://arabic.rt.com/news/842520-اعتراف-قاتل-ناهض-حتر-لجريمة/
(3) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=456170










 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter