| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

 

الخميس 14/6/ 2007

 

 


العراق: مقومات مسلسل الجريمة..!!


باقر الفضلي

ليس هناك من شك، بأن ما جرى من إعتداء إجرامي مستنكر ومدان على مرقد الإمامين العسكريين ع في سامراء يوم 13/6/2007، يدخل ضمن مسلسل الجريمة الإرهابية المنظمة، التي تخطط لها وتنفذها بعض القوى السياسية، التي تتخذ من الإرهاب أحد وسائلها التكتيكية الرئيسة في تحقيق أهدافها السياسية والمتمثلة في مطامحها لفرض مشروعها السياسي في أي بقعة جغرافية من الأرض تهيؤها لها ظروف الصراع في اللحظة المعينة..!
وليس غريباّ أيضاّ أن تجد منظمة مثل منظمة (القاعدة) ومنظمات أخرى شبيهة، ملاذاّ آمناّ لها في العراق، مستفيدة من حالة الفراغ الأمني من جهة، ومن خلل القاعدة الهيكيلية للبناء السياسي الجديد، المتمثلة بالطائفية الدينية المذهبية من جهة أخرى..!
إن هذين العاملين بالذات، بالإضافة لعوامل وأسباب أخرى لسنا بصددها الآن ، قد منحا فرصاّ كبيرة أمام مثل تلك المنظمات في أن تحدد منطلقاتها وتعين أهدافها بصورة أكثر يسراّ مما هي عليه في أماكن أخرى..! فعلى سبيل المثال، كان لتداعيات الفراغ الأمني بعد الإحتلال في عام 2003، دوره الرئيس في فتح الطريق أمام كوادر وأعضاء هذه المنظمات في التسلل الى داخل العراق وبناء شبكاتها السرية وقواعدها العسكرية في أماكن عديدة من العراق؛ في الأرياف وحول المدن والقصبات، كما هيأ لها سبل تأمين المسالك والطرق المناسبة للإمداد اللوجستي من المعدات والرجال عبر الحدود، وبمساعدة ودعم معروفين، بعيداّ عن أية رقابة فعالة؛ ساعدها في ذلك أيضا، فيض من الحواضن من "إفرازات العهد الجديد" ، التي هيأت لها المقام والبقاء ..!
كما ومن جانب آخر ، فقد ساعدت، وبشكل فعال، هيكلية البناء الطائفي المذهبي على الصعيد السياسي والإجتماعي، في أن تهيء أفضل المناخات الجيوسياسية للمنظمات التي تنتهج الإرهاب، لأن تمارس تكتيكاتها على أرض الواقع وبنجاح كبير؛ فقد خدمت هيكلية التقسيم الطائفي المذهبي والتي تم تكريسها من قبل سلطة الإحتلال – بريمر- وحضيت بالتأييد والدعم من قبل كتل ما يدعى "بالإسلام السياسي"، إن لم تكن هي ورائها، أقول قد خدمت هذه الهيكلية الجديدة، إيديولوجيا الفكر المتطرف والمتعصب لهذه المنظمات ، ودفعتها في أن تستخدم التقسيم الإجتماعي الطائفي الجديد للسكان ، لتنطلق من نفس الأسس التي بني عليها التقسيم المذكور، مستخدمة أبشع وسائل التحريض ونشر بذور الفرقة والكراهية والتناحر بين أبناء الطائفتين..!
وبالتالي ومن حيث أن تكتيك الأرهاب في نظر أصحابه، هو من أنجع الطرق لتحقيق ذلك، لذا فإنه يصبح من نافل القول، أن تلجأ مثل تلك المنظمات وغيرها الى تفجير المراقد المقدسة والجوامع والحسينيات من كلا الطائفتين، لا بقصد التدمير لذاته وحسب، بل لخلق الظروف المؤاتية، لزرع بذور الفتنة وتمهيد الطريق لنشوب الحرب الأهلية، مدركة ما للمقدس والمأثورالديني والمذهبي من تأثير نفسي وأيحائي كبيرين..! ومن وراء كل ذلك فرض منهجها و فكرها التعصبي المؤطر بالدين أخيراّ، للتسلق الى السلطة..!؟
فليس عبثاّ أن تلجأ منظمات تؤمن بالإرهاب كوسيلة، الى تكرار أعمالها الإجرامية ، طالما وجدت الفرصة سانحة أمامها والظروف مؤاتية لتحقيق مشروعها، وطالما أن الأسباب الموضوعية التي ساعدت على وجودها وديمومتها لا زالت قائمةعلى أرض الواقع، بل وفي طريقها للتأصل والثبات. وهذا ما كنت قد أكدت عليه مراراّ وأشرت الى إحتمالية وقوعه، والتي كان آخرها قيل أيام عند تفجير مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني *..!

لا تكفي وحدها عبارات الإستنكار أو الشجب، ولا حتى عبارات الغضب واللعنة، لأن تقلع الإرهاب من جذوره، أو أن تصنع حجباّ وأدعيةّ للناس من شرور تداعياته؛ فألإرهاب المستفحل في العراق لم يأت من فراغ، ولا هو طاريء علق بالأرض بغتة؛ إنه ظاهرة حية وبأشكال متعددة، تقف ورائها منظمات سياسية بلبوس ديني، وترفع شعارات تستأنسها فئات واسعة من شعوب البلدان التي تنشط فيها، حافزها في ذلك، الظروف الإقتصادية الإجتماعية المتردية التي تعيش قي ظلها هذه الشعوب، والمستويات المتدنية في التعليم والثقافة وهيمنة الأوهام والخرافة وسيادة الأمية، مقرونة بالكبت والحرمان، الذي طالها قرون عديدة؛ شعوب لا زالت الميثولوجيا الدينية تهيمن على عقولها لدرجة تدفعها أحيانا الى إزهاق الروح تحت تأثير الوهم والإعتقاد بفرض "الواجب المقدس"..!؟
فالحديث عن الإرهاب كمجرد ظاهرة موجودة وحسب ، دون التعمق في التعرف على ظروف تواجدها، وعوامل ومسببات هذا التواجد وديمومته وإستفحاله، لا يمكن أن يوصلنا ذلك الى الحقيقة، ولا حتى بإمكانه أن يسعفنا في تلمس الطرق الصحيحة لدرء أخطاره والقضاء عليه. بل وعلى العكس من ذلك، سنبقى ندور في دائرة مغلقة من التحذير والترقب والإستنكار والإدانة. وفي جميع الأحوال فلا نجد أمامنا غير طريق مسدود ...!!؟
فالإرهاب، الظاهرة التي تحمل في باطنها كل تداعيات واقع الصراع الدولي بين العولمة وطرق وأساليب إنتشارها، كإتجاه يشق طريقه وسط عالم لا زالت تحكمه قيود وعوامل التخلف الإقتصادي والثقافي ، وبين شعوب هذا العالم؛ بين صراع وتنافس الدول الصناعية على مصادر الطاقة، وبين حالة النهوض التي تشهدها بعض من الدول المصنفة على حساب العالم الثالث. فإنها الظاهرة تفسها وكأحد إفرازات مجمل تلك الصراعات، والتي جري إختزالها الى مجرد ما يسمى ب "الحرب على الإرهاب" طبقاّ لتداعيات أحداث 11 سبتمبر2001 ، إنما تعبر عن مواقف الرفض العنيف لكل ما له صلة بمعالم و مظاهر العولمة الجديدة، وكل ما يمت بصلة الى معالم الدول الصناعية المتطورة وفي مقدمتها أمريكا والدول الغربية، من مظاهر التقدم العلمي والتكنلوجيا الحديثة، رغم أنها لا تمتنع من إستخدام منتجات ذلك التقدم العلمي في عملياتها التكتيكية، حتى أطلق عليها في نطاق السوسيولوجيا، وكما يتردد كثيراّ ، ب "صراع الحضارات"..!؟
وليس من غريب القول، أن تتعدد صور وأشكال هذه الظاهرة وتمتد مساحة إنتشارها مناطق واسعة في أرجاء المعمورة، لتشمل منطقة الشرق الأوسط تخصيصاّ، الغني بموارده الطبيعية وفي مقدمتها النفط..! كما ومن البدهي أن تتلبس الخطاب الديني، وتعتمد الموروث السلفي ، إدراكاّ منها لقصور الحالة الإجتماعية والإقتصادية المتدنية لشعوب المنطقة والإنغلاق الثقافي الذي تعيش في ظله، وتوفر الأرضية المناسبة لهذه الخطاب ..!
وهذا لعمري، هو الخطاب الأكثر إنسجاماّ والأقوى تأثيراّ على أمزجة هذه الشعوب، والذي أصبح المحرك الرئيس في توجه تلك المنظمات، مستغلة تلاشي أو ضعف الخطاب العقلاني المعاكس ، بعد أن تعثر الخطاب العلماني الديمقراطي المبكر وتعددت كبواته، إرتباطاّ بضعف قاعدته الإقتصادية الإجتماعية، وهشاشة مكونات أصوله الثقافية، لسبب حداثتها في التكون ومن ثم التبلور في تقاليد وأعراف يعتادها الناس ويجبلون عليها لتصبح جزءّ راسخاّ من تراثهم ومسالكهم اليومية، مما يصعب المهمة أمام هذه المنظمات ويقطع الطريق عليها في تجنيد الشباب وراء إجنداتها المغامرة..!!
خلاصة القول ، وإبتعاداّ عن الإستطراد في البحث، وبعيداّ عن الغضب والإنفعال ؛ فإن إستمرار إغماض العين عن واقع الأرضية التي سهلت تواصل الإرهاب وديمومته؛ بما يفسره إستمرار التمسك بنفس أسس البناء السياسي القائمة اليوم؛ من تفضيل التقسيم الطائفي المذهبي والعرقي للمجتمع على أسس مبدأ المواطنة، والأخذ بنظام المحاصصة كبديل لنظام الكفاءة والمقدرة، والتلكؤ في إنهاء وجود المليشيات المسلحة للطوائف المختلفة - وهي أمور أسرفنا وغيرنا، في تكرارها والتأكيد على أهميتها- إنما يدفع ، في الحقيقة، أكثر وأكثر في طريق الإنزلاق بإتجاه الفتنة والحرب الأهلية، ويمنح فرصاّ جديدة أمام المنظمات التي تتبنى الإرهاب كوسيلة، لأن توغل في الإستمرار بتكتيكاتها الإجرامية..!؟

* http://al-nnas.com/ARTICLE/BFadli/28kelani.htm