| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

باسل أودو

 

 

 

الثلاثاء 8 /7/ 2008



أزمة فكر أم أزمة مفكرين ؟
(2)

باسل أودو - الدنمارك

إنّ أهم ما يجب ان يبتعد عنه المفكر ، هو إغراءات الإندماج بالسلطة السياسية ، وما تؤدي إليه من تواطؤ معها كل السلطات تبحث عن مفكرين ، يبررون لها ، يدافعون عنها وعن سياساتها وأفكارها ، لذلك نجد كل السلطات تجهد من أجل إغراء المفكر بمختلف الطرق ، وإبعادهم عن أن يكونوا عينا مراقبة وصوتا معارضا .

وهذا لا يعني أن يكون المفكر معارضا دائما لكل شئ ، وكأنه يقف مقابل المؤيد والمبرر الدائم ، بل أن يكون مراقبا دائما ومعترضا أمينا لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى إعاقة التقدم ، أو إذلال المجتمع ، وتطوير ودفع نحو الأمام لكل ما هو جيد .

إن دعوات بعض مفكرينا ومثقفينا ، ومطالبتهم المستمرة بتثمين ما يقدمونه بإمتيازات مادية ، يصب في إتجاه الرغبة في الإندماج بالسلطة ، والسلطة لا تمانع طبعا في تقديمه ، ولكن بشروط ، حتى وإن لم تطلبها ، إلاّ أن لها وقعها المؤثر على المفكرين والمثقفين في عملية إبداعهم .

السلطة ترشي ، وتريد مقابل رشوتها دفاع عنها ، ولكن المفكر يمنح الفكر ولا يريد مقابله سوى رؤية تقدم  مجتمعه كأعظم أجر يتقاضاه .

لذلك على المفكرين والمثقفين أن يكونوا حذرين ، كي لا تتحول الكلمة الشريفة الى سلعة يتاجرون بها بحقوق وتطلعات وامال شعوبهم ، رغم ما يعانونه من ضيق .

فأن يقبل المفكر رشوة السلطة شئ ، وأن يفرض عليها إمتيازات له تساعده على الإبداع الفكري من غير شرائه شئ اخر . فمهة المفكر والمثقف الشريف هي البقاء دائما مدافعين عن حقوق شعوبهم وعينا مفتوحة دائما لمراقبة السطة وتصرفاتها .

ولنا في واقعنا العراقي ، أمثلة في صمود ونجاح الكثير من مفكرينا ومثقفينا بوجه الإغراءات ، فمواقع ألكترونية وصحف ومجلات وكتّاب ، يعانون الأمرّين في عملهم وهم يعملون على إيصال الكلمة الشريفة والفكر الصادق المتقدم والرأي المخلص السديد ، عبر صفحات تلك الوسائل ألتي تحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي ، ولكنها ترفض من ألذين يهدفون الى تحويل وحرف مساراتها وأهدافها ، أي رشوة ، وتتمسك بجمهورها المتلقي والمدافع عنها في دعمها .

لذلك نجد (( الصراع )) الفكري على صفحاتها يؤدي دائما إلى صياغات فكرية متقدمة ، لو إستمرت بعيدا عن التعصب وتمسكت بالإنفتاح المتبادل ، فلسوف تنتج بالتأكيد فكرا متماسكا في هذا الموضوع أو ذاك أو في كل المواضيع .

فالسلطة هي الثبات الدائم ، أما الفكر فهو الحركة والتقدم الدائميين ، لذا التعارض الدائم بين السلطة والفكر ، ولذا الصراع الدائم بينهما ، المفكر يدفع إلى أمام ، والسلطة تريد الثبات ، وفي هذا الصراع (( يسقط )) بعض المفكرين في حفرة السلطة ، ويصمد ويتجاوزها اخرون .

فتحوّل المفكر الى مبرر للسلطة ومدافع عنها يوقعه في مشكلتين ، الأولى فكرية وهي إبتعاده عن مهمة الفكر الأساسية في توجيه وتنظيم المجتمع ، والثانية جعل فكره ونفسه هما المسؤولان عن أخطاء السلطة وليس السلطة نفسها . ممّا يؤدي بالسلطة إلى تحميله سياساتها وأخطائها ، وبذلك يكون المفكر والمثقف قد سقطوا إجتماعيا في الحالتين .

الحوارات الدائرة الان حول بعض القضايا المصيرية ألتي تهم مستقبل بلدنا ، يشوبها بعض الإنفعال وبعض التعصب . ورغم جدية وإخلاص الفكر المطروح من البعض ، إلاّ أن المشكلة في هذا الفكر هو إستمرار الإعتماد الأزلي على النظرة والتحليل الجاهزين من جانب البعض ، وتغيير البعض الاخر خمسة وستون درجة من أصل تسعين من نسبة التغيير ألذي طرأ على أفكارهم وبالتالي تحليلاتهم للواقع الموضوعي ، مبقين على النسبة الباقية للمرونة الفكرية .

فالإتجاه السائد الوحيد في رفض المعاهدة العراقية – الأمريكية ، هو الرفض القاطع أو القبول الضروري . ولم يُنتج فكر ثالث حلا ، إتجاها بين الإتجاهين . فاتجاه الرفض له مبرراته المعتمدة على أفكار مقبولة وتأريخ وممارسات واقعية صحيحة ، ألاّ أنه لا (( يجرؤ )) على تقديم البديل الواقعي ، لمعرفته بأن البديل الوحيد لن يتحقق إلاّ بوجود قوة شعبية على الأرض تفرضة وبالوسائل الحضارية ، إضافة الى توافر مجموعة من العوامل الموضوعية الداخلية والخارجية . وإتجاه القبول للمعاهدة له مبرراته الموضوعية أيضا ، فهو يتعامل مع الواقع ، إلاّ أنه يرى الواقع الساكن وكأن له دوام الإستمرار والخلود ، وينسى أو يتناسى بأن الواقع في حركة دائمة .

لذلك لا بد أن تنتقل الحوارات والأفكار إلى مرحلة متقدمة لإنتاج بديل واقعي يضمن الحرية والتقدم لشعبنا والسيادة لبلدنا ، إضافة إلى نقل الحوار من كلمات وأفكار متعارضة ، إلى صياغات تفرض على السلطة التنفيذية ، وبمختلف وسائل الضغط الحضارية . ولنا في رفض السلطة لبعض النقاط في الإتفاقية ، بسبب الضغط الشعبي ، مثلا مشجعا على ذلك .

في هذا المثال ، يستطيع مفكرونا ومثقفونا ، إثبات صحة ووجوب أن الفكر والكلمة للشعب وحده ، وأن لا يسمحوا (( للخربطات )) المؤقتة أن تؤثر على وجهة تفكيرهم . وأن لا يسمحوا لضنك العيش والحاجة المادية أن تحرف فكرهم نحو الإبتعاد عن حقوق شعبهم وبلدهم ، حتى لو أدى ذلك إلى صمتهم طواعية أو إسكاتهم قسرا
، فسيكون صمتهم أقوى من أي صوت ، وسيظل الملتفون حولهم يدافعون عن صوتهم ، ولن يتخلوا عنهم .

إنّ الصراع بين الأفكار قديم قدم التأريخ الإنساني ، إلاّ أن أدوات إدارة الصراع وأسلحته ، تتغير مع التغيّر المستمر للواقع وتقدمه ، وأساليب ممارسة حق الإختلاف تغيرت أيضا ، وبها تغيرت المجتمعات أيضا صعودا أو نزولا ، بقدر قربها أو بعدها عن الأساليب العنفية والتدمير الشامل للاخر أو إستبعاده وإقصائه .

وقديما قال نيتشة (( إني أعتبرك قادرا على جميع الشرور ولذلك أطلب منك الخير . حقا كم هزئت من أولئك الضعفاء ألذين يعتبرون أنفسهم صالحين لمجرد أن لا مخالب لهم )) .


¤ الجزء الأول


 

free web counter