| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

باسل أودو

 

 

 

الثلاثاء 8 /7/ 2008



أزمة فكر أم أزمة مفكرين ؟
(1)

باسل أودو - الدنمارك

في الواقع المعقد والمحتوي للكثير من التفاصيل المتناقضة ، يتعرض المفكر المتصدَي لدراسة الواقع وتقديم الحلول للمشاكل ، الى مخاطر عليه تجنّبها كي يتمكن من مقاومة التيار المعادي ومحاولته الدائمة جرفه ، وجعل مكان الفكر المتطور والمتقدم شاغرا دائما .

ولكي يستطيع المفكر أن يقدَم نظريته المتضمنة بدائلا وحلولا لمشكلات مجتمعه ، عليه أن يكون واعيا ودارسا بدقة لمجتمعه وتأريخه . فالمفكر هو غير المثقف كما أن المثقف هو غير المتعلم . فالمفكر هو ألذي يستطيع أن ينقل مجتمعه من حال الى حال أكثر تقدما ، هو ألذي يستطيع أن ينظّم الواقع ، ويتمكن من إخراجه من القديم ودفعه نحو الجديد ، وهو ألذي يعي تماما ، ما هي مهمة مرحلته وعصره ، ويعرف ما هي مهمة جيله ، وما هي معوّقات تقدم مجتمعه .

والمثقف هو الإنسان الذي إستطاع الإستفادة من المعلومات ألتي إكتسبها واستعملها ليشكل بها وعيه ، سواء بذاته أم بواقعه ، الاّ أنه لم يرقى الى مستوى المفكر ، من حيث إمكانية تقديم النظرية ، إمكانية تقديم البدائل الواقعية ، فكل مفكر هو بالضرورة مثقف ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل مثقف مفكر . فالمفكر هو المركز الذي يتجمع حوله المثقفين ، وهذا لا يعني التقليل من أهمية المثقفين ، لأن بمستطاع المثقف أن يرقى إلى مستوى المفكر ، إضافة الى أن عملية التفاعل بين الطرفين منتجة باتجاه تعميق الوعي والإبداع في تقديم كل ما من شأنه تقدم المجتمع .

في واقعنا العراقي ، وخاصة بعد الزلزال الكبير ، يعاني كل من المفكر والمثقف صعوبات تتمثل في السعي الى إستيعاب الواقع الجديد بتعقيداته الداخلية والخارجية ، وإلى إمكانية نقله إلى حال أحسن ، في ظل أوضاع إجتماعية وفكرية مسيطرة تدفع إلى الخلف . هذا الوضع يسبب ، ربما ، أزمة لدى المفكر والمثقف ، أثناء مساهمته في دراسة واقعه وتقديم بدائله . مما قد يدفع ، بالمفكر خاصة ، إلى الإستعانة بالفكر (( الخارجي )) والتجربة الأخرى ، ليقيس عليها أزمات وتعقيدات مجتمعه .

كل النظريات ملك لكل البشرية ، ولكن الواقع الموضوعي المحدد ، ملك مجتمع معين بذاته ، وكما أن من الممكن أن تشترك المجتمعات بسمات معينة ، كذلك من الممكن أن تنفرد بخصوصيات معينة ، ورغم أهمية التسلح  النظري ، إلا أنه لا يعني كليا ، وفي كل الظروف ، كمرجع للحلول .

فالواقع الموضوعي أكبر من أية نظرية ، وهو ألذي يمنح النظرية قوتها وصحتها ، وهو ألذي يمدّها بالأفكار الجديدة وهو ألذي يدفن أفكار أصبحت قديمة فيها ، أو يدفن النظرية نهائيا .

إن المشكلة الأكبر ألتي تواجه مفكرونا ، هي عدم الجرأة على صياغة نظرية ، تنتمي إلى واقعنا ، يؤيدها ويصادق عليها الواقع ، وأن تكون مفروضة من الواقع ، لا أن تفرض عليه ، ولا ضير من الإستفادة من النظريات الأخرى ، كما إستفادت تلك النظريات ممّا سبقها .

وأحد أسباب عدم صياغة هذه النظرية ، هو إستمرار التمسك بهذه النظرية أو تلك ، وبالتالي إعتبارها مقياسا ممّا يدفع بمفكرينا ، يا إمّا الى التعصب الفكري ، أو في أحسن الأحوال التحول نحو الكتابة (( المريحة )) في قضايا يومية (( بسيطة )) ، وعدم إستخدام الكم الهائل من الخبرة والمعلومات في إبداع نظرية ، والأهم من ذلك إبداع وسائل إتصال وإيصال الفكر إلى أكثر العقول .

إن مجتمعاتنا ورثت ولا زالت ترث حصيلة حضارات خارج منطقتها ، والمشكلة أنها تأتينا مكثفة بنتائجها وقوية بتأثيراتها ، ورغم أهمية هذه الحضارات وإمكانية الإستفادة منها ، الاّ أننا نستقبلها بلا مقدمات ضرورية .

من هنا تبرز الحاجة إلى نظرية أو نظريات تساعد مثقفينا ومجتمعنا على إستقبال وتطوير وملاءمة هذه الحضارات مع واقعنا وظروفنا .

وأقول نظرية أو نظريات ، لأن التشارك في البحث عن الإشكالات وإيجاد الحلول المشتركة والمتعددة ، وتعددية تحدّي الدخول إلى الافاق المستقبلية ، مع ضرورة بل وجوب توفر النيّة المخلصة وإحترام تلك التعددية ، هي ألتي تقود إلى بناء مجتمعات مستقرة متطورة امنة .
 


 

free web counter