| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

باسل أودو

 

 

 

الأحد 1 /6/ 2008



بحثا عن حقيقة بعض المحرّمات الأسلامية - 2

الخلافة الأسلامية

باسل أودو - الدنمارك

بات من الضروري في زمننا هذا ، وأنطلاقا من ثقافة الرأي والرأي الاخر ، أن يتم إعتماد فكرة الأيضاح  والإيضاح المقابل ، عبر تناول مجموعة من الأحداث والمواضيع الحسّاسة ، وألتي حرم الناس من تفاصيلها الحقيقية بسبب طروحات متحيزة ذات مصالح انية وطبقية وإيديولوجية ضيّقة .

تناول مثل هذه المواضيع ، وبفكر محايد ، من الممكن أن يساهم في خلق قاعدة تعامل فكري مرن بين الأطراف ، قد
يتطور إيجابيا ليشمل جميع جوانب المجتمع وتقاليده ، والعمل على نقد ظواهره وموروثاته السلبية ، معبّدا الأرضية
المناسبة الصلبة لإقتلاع كل ما من شأنه تعطيل أو إيقاف حركة تطوره .

إنّ إضافة زمن تأخيري جديد على الزمن الفائت ، سيزيد حجم الهوّة ، الواسعة أصلا ، بين ما نحن عليه وما وصلت إليه الحضارة الأنسانية عبر قرون . فالإسراع في تفجير الأطر القديمة لمجتمعنا ، سيساعد على اللحاق بركب التقدم والحضارة ، عبر التصدّي للبناء الفكري لإنساننا ، وبناءه بناء علميا سليما فاعلا متجاوبا مع العصر .

ونظرا لما للفكر الديني ، عامة ، والإسلامي والطائفي منه بشكل خاص ، من سيادة وتأثير على مجتمعاتنا عموما ، ولما له من دور مؤثر جدا في السيطرة الى حد بعيد على عقل وشعور إنساننا وتوجيهه ، لذا أجد من الضروري النقاش معه أو مع بعض نواحيه ، بعد أن أصبحت نصوصه تُستغل بشكل تدميري وهمجي ، عبر مؤسسات و منظمات وكتّاب و دعاة ، و بوعي متعمد ، لتخريب عقول الناس والقضاء على ما تبقّى من العقلانية والعلم ، رجوعا الى مجتمعات البداوة والقبيلة .

يعتبر تبوأ أول خليفة في الإسلام " أبو بكر الصدّيق " وطريقة إستخلافه ، أول خلاف في الإسلام على السلطة بعد وفاة النبي محمد ، كانت له تأثيراته على العصور اللاحقة وحتى يومنا هذا .

أحسّ النبي محمد بدنو رحيله ، وهو لم يضع بعد تصورا أو شكلا تنظيميا للسلطة من بعده ، أو إسلوبا في إختيار من سيخلفه في نشر الدين وقيادة الجموع . في نفس الوقت ألذي كان ينظم فيه لحملة الى الشام بقيادة أسامة بن زيد الصغير سنّا والمفتقد الى الخبرة العسكرية المطلوبة لمثل هكذا حملات . وضمّ النبي الى الحملة كل من أبو بكر وعمر بن الخطّاب ، في سابقة لم يعهدها المسلمون ولا العرب في غزواتهم . فقد كان فارق السن كبيرا بين قائد الحملة ألذي لم يتجاوز العشرين من عمره ، وبين الصحابيين ألذين كانا في أواخر الكهولة . إلاّ أن الحملة لم تتحرك ، وتوفّي النبي .

كان توقيت الحملة ، وإختيار أسامة بين زيد على رأسها ومشاركة أبو بكر وعمر وبعض شيوخ قريش معهم ، والنبي في تلك الحالة ، مقصودا بإعتقادي ، حيث أنه أراد إخلاء الساحة بعد وفاته لابن عمه علي بن أبي طالب لإستلام زمام الأمور من بعده، ومن المرجّح أن أبو بكر وعمر لم يكونا غافلين عن ذلك ، خاصة وأن توقيت الحملة وطبيعة قيادتها لم يكن معهودا ، وممّا يدعم هذا الرأي تلكؤ إنطلاق الحملة وبالتالي عدم تحركها بسبب الوفاة .

لقد كان علي بن أبي طالب مقربا من النبي ، فقد قال في علي بن أبي طالب وهو في طريق عودته من حجة الوداع " من كنت مولاه فعلي مولاه " ، قيلت عند توقفه عند " غدير خم " وهو موقع على طريق مكة – يثرب . الجمع بين توقيت الحملة وغدير خم ، إضافة لأسباب أخرى ، عائلية ومواصفات شخصية لعلي ، تدعو إلى الإعتقاد برغبة النبي في إستخلاف علي من بعده ، ومنذ قرون والى الان ، يدّعي الطرفان الأحقية !!!!!!! .

أثناء إحتضار النبي محمد ، كان متواجدا معه ، أبو بكر وعمر وعلي ، وتتفق الأخبار على إنّ النبي طلب إحضار " الكتف " (وهو لوح الخروف أو البقرة للكتابة بعد الصقل) ، لكتابة وصيته ، الاّ أن عمرا إعترض ، وأغلب الظن في إعتراضه كان الخشية من إستخلاف علي ، إستنادا للوقائع السابقة الذكر ، علما أن علي لم يبلغ حينها الثلاثين .

لم يصر النبي على كتابة الوصية ، لأسباب ليس من السهل ألإتفاق على التكّهن بها . توفّي النبي ، ولمّا شاع خبر وفاته ، كان بعض من الأنصار (الأوس والخزرج) ، قد إجتمعوا في سقيفة قس بن ساعدة ، للتداول فيمن سيمسك زمام الأمور بعد وفاة النبي ، وبلغ الخبر عمرا ، فأرسل بطلب أبو بكر الصدّيق ومعه ذهب الى السقيفة أبو عبيدة الجراح وأصحابهم القرشيين ، من دون علي بن أبي طالب .

كان مرشح الأنصار ، سعد بن عبادة من الخزرج ، وإستند الأنصار في محاججتهم ، الى كونهم السباقون الى الإسلام ونصرة النبي ، بعد أن خذله قومه . ولم يكن للمهاجرين مرشّحا معلنا بعينه ، حتى بدأ السجال بين الطرفين ، وإستغل القرشيون فيه الخلافات القديمة بين الأوس والخزرج (الأنصار) لشق صفوفهم وإضعاف موقف سعد بن عبادة ألذى كان مصرا على تولّي الخلافة ، ومن جانب الصحابة كان عمر بن الخطاب بنفس إصرار سعد ، بل أكثر ، وهذا أمر لا يزال موجودا في بلدنا ، رغم التطور الحضاري العالمي في إسلوب إستلام السلطة . على كل وبعد العديد من المناورات الناجحة لأبو بكر وعمر ، تمّت تسمية أبو بكر ليكون أول خليفة لرسول الله . وتمّت بيعته من قبل الحاضرين ، وتوالت الوفود لبيعته الاّ عليا وسعد . ولا نعلم إن كان النبي محمد في لحده راضيا عنها ونائما قرير العين .

في هذه الأجواء القبلية تمّت الخلافة ، لتثبّت مبدأ أصبح سائدا فيما بعد ، بأن الخلافة لقريش وليست لعائلة النبي أو لمواصفات شخصية معينة تتوفر في إنسان ما بغض النظر عن إنتمائه القبلي أو أسبقيته في الدين أو تبعيته القومية (سلمان الفارسي) أو لون بشرته . علما أن عليا ألذي لم يكن وعائلته راضيا عن طريقة الإستخلاف تلك ، وعند إستخلافه بعد مقتل عثمان بن عفان ، قد كتب الى معاوية بن أبي سفيان ...." وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن إجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك رضا لله . فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه الى ما خرج  منه " (
نهج البلاغة) .

وفي هذه الأجواء أيضا تمّت تسمية القائم على أمور المسلمين ب " خليفة رسول الله " ولم تستخدم ألقاب عاصرت زمن المسلمين من مثل ألقاب قيصر وكسرى والنجاشي ، وكان إختيار لقب " خليفة رسول الله " ذو دلالات أعطت للخليفة السلطة المطلقة .

" وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة " (
البقرة 30) . الفرق بين خلافة الرسول لله وخلافة رسول الله ، أن الأولى تمّت بشكل مباشر من الله ، أمّا الثانية فتتم من أتباع الله ودينه ، الاّ أن تفسير لفظ الخليفة واحد في الحالتين فهو ألذي " ينوب عن الله تعالى في إجراء أحكامه ، وتنفيذ إرادته ، في عمارة الكون وسياسته " ، وبالتالي فالخليفة ليس خليفة رسول الله فقط بل خليفة الله أيضا ، وإستمرارا إلى يومنا هذا ، مع تغير الألقاب قليلا .

هنا تكمن دلالة إختيار هذا اللقب ، لمنحه الصلاحيات المطلقة ، ألتي تبيح له كل ما يقوم به من إجراءات ، سواء في التشريع أو التفسير أو الإفتاء أو الضرب على المعارضين ألذين يتهمون بالخروج عن دين الله وبالتالي عن الإجماع .

هذه الصلاحيات المطلقة الممنوحة إعتمدت على النصوص القرانية وتفسيرات الفقهاء . ولم يتم الإنتباه إلى أن تلك النصوص قد صيغت في ظروف وأوضاع هي غير الظروف ألتي عاشها الخلفاء الراشدون البالغة مدة خلافتهم الإجمالية ثلاثون عاما ومن أتى بعدهم وما رافقهم من تغيرات . فبعد التوسع المساحي ومتطلباته ، وزيادة عدد المسلمين وإحتياجاتهم ، كان لابد من الإستجابة لهذا التطور ، في النواحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، كما كان يحصل في عهد النبي ، حين كانت تطور ايات أو تنسخ ايات كإستجابة لظروف مستجدة ، حتى أن القران الكريم قد روجع مراجعة شاملة في السنة الأخيرة قبل وفاة النبي . ولم يستفد لا المسلمون في الخلافة الراشدية من هذه الإنتباهات من قبل النبي ، ولا الكثير من مسلمينا الحاليين . وظلّ الإعتماد على النص كما هو من غير النظر إلى مدى ملاءمته للواقع وحركته وتطوره ، وجعله نصّا متحركا معه ، ما خلق بعد فترة ، وخلال الحقبة الراشدية ، معارضات ، إلا أنها لم تكن بالضرورة تمتلك حلولا أو رؤى هي بالضرورة أكثر ملاءمة للواقع ، ولكن ظروف تواجدها خارج السلطة ، دفعها الى إستغلال الإنحرافات الفكرية والمعاناة الإقتصادية لأغلبية كبيرة في المجتمع الإسلامي ، وتوظيفها في خدمتها ، (وهذا ما يحصل عندنا الان وتتبناه بعض الأطراف) ، الاّ أن هذا لا يمنع من أنها كانت تبتغي الإصلاح والتغيير بهذا الشكل أو ذاك .

ممّا تقدم نجد ، إنّ الإسلوب ألذي إتّبعه أصحاب النبي وأنصاره في إختيار ولي أمرهم ، كان الى حد ما موفقا كطريقة ، مبعدين إسلوب القتال في السيطرة على الحكم والإمتيازات ، ومن الممكن القول أنه إسلوب النبي محمد نفسه بين أعضاء مجتمعه على الأقل ، حيث كان من الواضح إعتماده إسلوب الحوار بين المتخاصمين ، بدليل عدم حدوث إنشقاقات بين أو صراعات مسلحة بين أعضاء (حزبه) . ويا حبّذا لو كانت هذه السياسة شاملة في كل الأمور ، وخاصة في إسلوب نشر الدين ، وأن كان تم الإبتعاد عن السيف وقتها وعن البندقية الان في فرضه .

إن الإعتماد الأعمى على النصوص ، أية نصوص ، لا يقود الى حلول لمشكلات قد تكون النصوص غفلت عنها ، أو لم تتناولها بالدراسة الكاملة والمتعمقة ، وأن يتم النظر إلى الحياة كونها في تغير وتصاعد مستمر . لذا تكون المراجعة الدائمية ، بغرض التقويم أو التجديد أو حتى نسخ ما لم يعد ملائما ، تعد ضرورية للتطور .

إنّ ما أثبتته الحضارات أسبقها ولاحقها ، يجعلنا نتيقن بأنّ تغيير ظروف الإنسان الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ، لابد أن يرافقه عملا دؤوبا لتغيير وتطوير ثقافته ونظرته للحياة والعالم .
 

¤ بحثا عن حقيقة بعض المحرّمات الأسلامية (1) - الخمر والنبيذ
 


 

free web counter