| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

باسل أودو

 

 

 

الجمعة 30 /5/ 2008



بحثا عن حقيقة بعض المحرّمات الأسلامية - 1

الخمر والنبيذ

باسل أودو - الدنمارك

اتّسمت  العلاقات بين الافكار في مجتمعاتنا ،  بالأنغلاق المتبادل ،  بسبب وضع خطوط  حمراء على مواضيع يحرَم  التطرق اليها ، ويدخل من يطرحها في خانة الشرك والكفر ،  والترشح  لترحيله الى باطن الأرض ، إن كان محظوظا في طريقة الترحيل ، وإن لم يكن ، فالمحو التام للجسد .

وكانت تبريرات المتنورين ، ولا تزال ، متمسكة بعدم ملاءمة الوقت والظروف ، لطرح الأشكالات والخلافات والأختلافات ، عكس الطرف الأخر ، الذي يصول ويجول بأفكاره وتطبيقاته القسرية . ومرت العقود وزادت الأختلافات  والمحرَمات ، ورسخت أفكار متخلفة ، وأدّت الى ما أدت اليه .

هذا موضوع ، من الممكن أن يكون بداية لتناول مواضيع أخرى محرّم تناولها ، فكريا ، ومحرّم مخالفة تطبيقاتها انسانيا واجتماعيا ،  ولا يهدف الى الأساءة أو الدحض ، بل يهدف الى أيجاد أسلوب جديد في تبادل القناعات والافكار ، بعيدا عن أسلوب القوة والعنف والتجريح والأيذاء ، متوخيا التخلص من نقل الخلافات الفكرية الى خلافات  دموية . عسى أن تسمح الظروف لتناول مواضيع أخرى محرّمة .

قال إبن الأعرابي :  سميت (الخمر)  خمرا لأنها تركت  (فاختمرت)  وتغير ريحها ، وقال سميت بذلك لمخامرتها العقل .

وفي تذكرة الأنطاكي :  شرعا ، يطلق الخمر ، على كل ما يستر العقل ، أي يغطّيه ويفصله لوقت معيًن ومكان ما ، ومنه كلمة الخِمار للبرقع .

والمتداول عن الخمر ، أنه السائل الناتج عن ما يعصر من العنب ، موضوعا في جِرار بعد تصفيته , امّا النبيذ ، فهو عصير ، تم تركه لفترة ما ، حتى فار وظهرت رغوته . والنبيذ أصناف عدة ، المشهور منها حاليا هو (البيرة)  المستخلصة من الشعير .

وللخمر والنبيذ الوان مختلفة ، شاع منها في عصور ما قبل الأسلام وعصر الأسلام ، ألوان الأحمر والأصفر والأبيض .

واعتمادا على النقل التاريخي ، المُعايش مباشرة أو المنقول شفاها عبر الأجيال والمدون بعدها ، فقد كان الخمر شرابا مفضلا في الجاهلية . وفي الجاهلية خمريات للأعشى وطرفة بن العبد ، حتى قيل إنّ ضريح الاعشى أصبح موقعا يرتاده الفتية ويشربوا حواليه ويصبّون عليه الكؤوس .

من المعروف والمسلًم به ، أنّ ايات القران الكريم ، وأكتمال الصياغة النهائية للكتاب ، تمّت خلال السنين المحصورة بين بدء الدعوة ووفاة النبي محمّد . بمعنى إنّ اياته إرتبطت بالظرف التأريخي ومتغيراته وضروراته ، وما اضيف من تعليمات جديدة كان تفسيرات للفقهاء ، إختلفت بحسب زاوية النظر ، وأحيانا المصالح السياسية والأقتصادية . لهذا نجد تغيّر الموقف في القران من قضية ما ، حسب التطور الحاصل في تلك القضية وتداعياتها وتأثيراتها العملية .

في الطور المكّي للدعوة ، ألذي دام ثلاثة عشرة سنة وبعده فترة الهجرة المختلف في مدّتها بين الثلاثة الى الثماني سنوات ، لم تظهر ايات تحرم الخمر ، أي أن المجتمع باتجاهاته المختلفة ، كان يشرب الخمر ، من دون إلزامات .

الى أن جاءت الاية  219  من سورة البقرة " يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما "  والمقصود بالمنافع ، أغلب الظن ، أن العرب منذ الجاهلية كانو يستعملون النبيذ لغايتين ، أولهما الإسكار وثانيهما تحلية مياه الابار المجّة ، إضافة الى التطبيب به .

وفي الاية 43 من سورة النساء " يا أيها ألذين امنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " في الايتين ، المكتوبتين في ظرفين زمنيين مختلفين ، يبدو واضحا اختلاف أسباب التحبيذ على الإبتعاد وليس التحريم ، ففي الاية 219 نجد أن السبب صحي رغم الإثم ، وتم إعطاء الإثم حجما نسبيا بالمقارنة مع النفع ، وقد يكون هذا الحجم أكبر بقليل فقط من النفع . أما في الاية 43 فنجد تطورا واضحا . فمن المعروف أنّ الإفراط  في شرب كميات من الخمر تؤدي ، على الأغلب الى فقدان شاربها إمكانية السيطرة على وعيه وتفكيره ، وبالتالي الى عدم إمكانيته التحكم بما يتفوه به ، ممّا يدعو الى الإعتقاد بحصول إضطراب ما أثناء أداء الصلاة سواء في التلاوة أو في السيطرة على النفس . ممّا دعا الى النهي عن الصلاة في حالة السكر ، ما يدفع الى التفسير بمرونة الايتين في موضوع الخمر . ففي الأولى أوضحت المضار والمنافع وتركت الباب مفتوحا للخيارات الشخصية ، وفي الثانية حصرت النهي في أوقات الصلاة ، أي في الأوقات ألتي تحتاج الى الوعي الكامل ، ويماثلها في المجتمع أوقات الإجتماعات الجادة ، كالمفاوضات أو أداء الإمتحانات ، أو الزيارات الإجتماعية ذات الطابع الرسمي أو اللقاءات السياسية ألتي تحتاج الى الرسميات والوعي الكامل .

في الايتين 90  و  91  من سورة المائدة نقرأ :  "  يا أيها ألذين امنوا إنما الخمر والميسر والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفاحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة . فهل أنتم منتهون "  .

نجد هنا أيضا تطورا جديدا في " العداوة والبغضاء " لم يرد ذكره في الايتين السابقتين ، إضافة الى ، كما في الايتين السابقتين ، يمنح للحرية الشخصية مجالا أوسع في الإختيار والقرار  " فاجتنبوه  لعلكم  تفلحون " . ففي " العداوة والبغضاء " تنبيه لما يمكن أن يؤدي إليه شرب الخمر ، وخاصة الإفراط فيه ، لإشكالات إجتماعية  أو سياسية ، خاصة ونحن نعلم بأنّ بعض من دخل الدعوة الإسلامية ، من الأولين ، كانوا من قبائل متعادية  ومتحاربة لعقود كمثل الأوس والخزرج ، أو من أفراد تفترض العلو على الاخرين كمثل القريشيين ، ممّا دعا الى الخشية من تطور أية إدعاءات بالمفاخرة بين فريقين ، وفي حالة السكر ، أن تتطور إلى فتنة فصراع مسلح يخلق ضعفا في بناء لا يزال في أوّله ، قد يؤدي الى فشل كامل .

إنّ الايات التي كتبت في موضوع الخمر لم تشتمل على عقوبات أرضية ، ممّا يدعو الى الإعتقاد بأن حصر النهي على الخمر كان على الحالات ألتي ذكرت فيها .

ففي القران الكريم ، ايات صريحة تتضمن كلمة التحريم ، كتحريم لحم الخنزير وتحريم زواج المحارم ......الخ  من تحريمات . إنّ التحريم تمّ على يد الفقهاء والمفسرين اللاحقين ، واختلفوا في درجة التحريم حسب قناعاتهم  .

فمنهم من حرّمه نهائيا ، ومنهم من حرّم شاربه لحد السكر موقعا عليه العقوبة . وهو ما معمول به في عصرنا ، فالقوانين تعاقب من أدّى فعل ما وألحق ضررا بالاخرين نتيجة السكر ، لا بمنع الخمر نهائيا ، لأن الضرر من الممكن وقوعه في كل الأحوال .

لذلك من الممكن الإتفاق مع " فاجتنبوه ". وترك الخيار للحرية الشخصية المقيدة بقوانين عدم الإضرار والإعتداء .

 


 

free web counter