|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  28  / 12 / 2020                                  عبدالزهرة حسن حسب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الاجتهاد .. وخطر تسييسه

عبدالزهرة حسن حسب
(موقع الناس)

من الحكمة والعقلانية أن توفر بعض الاجتهادات المبرر الشرعي لسلوك الإنسان، عندما يواكب تطور الحياة دون الإخلال بثوابت الشريعة، لكن الواقع الملموس بعد الاجتماع في سقيفة بني ساعدة لحظة وفاة النبي محمد (ص) والذي تمخض عن ظهور الإسلام السياسي.

وقسّم لاحقاً الأمة الإسلامية الى طوائف متمذهبة. وهذا يعني ان الاجتهاد أصبح سياسياً وليس دينياً. ومن الأمثلة على تسييس الاجتهاد. في مصر وفي مطلع القرن العشرين. بعدما انتشرت المفاهيم الديمقراطية، وآمن بها المثقف المصري وطالب بتطبيقها، أصدر الأزهر فتوى اطلق عليها المصريون في حينها فتوى (بدعة الديمقراطية) اذ اعتبر الأزهر الديمقراطية بدعة، وكفّرها وكفر من آمن بها. وفي العراق في منتصف القرن العشرين، صدرت فتوى شبيهة بفتوة الأزهر لكن اختلف المراجع الدينية فيما بيتهم حولها إذ امتنع كثير منهم عن تأييدها وعلى رأس المراجع الرافضة لها هو (الصدر الأول) حيث اعتبرها فتوى سياسية وليست دينية.

التناقض في الحياة سبب في تطورها، والتناقض بين الأفراد والفئات المجتمعية أمر ضروري لتطورها لكن التناقض في العقيدة أمر مرفوض وسبب في ابتعاد الناس عنها. كما أن تناقض العقيدة مع مستجدات الحياة خلال تطورها مرفوض هو الآخر. لأن العقيدة في حال تناقضها مع مستجدات الحياة تكون عاجزة عن تقديم الخير للإنسان. هذا ما أدركه رجل الدين المسيحي (مارتن لوثر) فأعلنها صرخة مدوية استجاب لها العلماء والفلاسفة والمفكرون والمثقفون وعامة فقراء المجتمع المسيحي، فتجددت العقيدة المسيحية وأصبح الأنسان المسيحي المؤمن صادقاً في أيمانه لا منافقاً. عابداً لربه لا عابداً للكنيسة، وخلاصة ما حصل تحولت العقيدة المسيحية الى خير الإنسان. فتنور عقله وارتقى شأنه وتطور بلده.

وعلى العموم تؤكد الأديان لاسيما المنزّلة منها انها جاءت لخير الإنسان. لكن ما يجعلها شراً عليه هو الداعية المروج للفكر الإسلامي لأنه انسان متخلف، اشار الى ذلك (ضياء الشكرجي) في كتابه (ربع قرن من عمري مع الاسلام السياسي) بقوله: "بعدما لبست العمامة، وما يسمى بزي العلماء. الذي صار أكثر من لبسهُ هم من الجهلاء والمشعوذين والمخرفين".

وللمرجع الديني اللبناني (محمد حسين فضل الله) نفس الرأي في تخلف الداعية في محاضرة له في مؤتمر (التبليغ والمبلغين) اذ قال: (ان اكثر المبَلَّغين هم أكثر علماً من المبلِّغِين، أحدهم يبقى سنتين في الحوزة ويضع العمامة على رأسه فيقول انه عالم. وهو لم يستطع خلال هاتين السنتين التعرف على مستوى جهله)

الداعية الذي أشار الى مؤهلاته ضياء الشكرجي ومحمد حسين فضل الله لم يكن قادراً على فهم روح الإسلام، ولم يتعامل معه كعقيدة دينية بل تعامل كأيديولوجية سياسية اذ كان خطابه الإسلامي مدافعاً عن مصالح الطبقة الحاكمة مبرراً لها جرائمها وظلمها للناس. ولأنه تعامل مع الإسلام كنظام سياسي فقد جرده من القيم الإنسانية التي تتعارض مع مصالحه ومصالح الطبقة الحاكمة. وفرض على الإسلام الاجتهاد السياسي الذي يبدو وكأنه متأصل في العقيدة.

يتجلى الإسلام السياسي في ظواهر كثيرة وقد لا أكون مخطئاً اذا قلت انما يحصل في الوطن العربي من حروب اهلية تقودها عصابات القاعدة وداعش والمنظمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بها هو نتاج الاجتهاد السياسي. ولكن ما أريد الحديث عنه هو التشدد في فرض الحجاب وفتوى جهاد النكاح.

المتابع للأحداث يتذكر جيداً ان جهاد النكاح اجتهاد فرضته متطلبات الحرب الطائفية في سوريا، أما الحجاب فقد تزامن غلو المطالبة بفرضه مع ولادة احزاب الإسلام السياسي وكأنه هدف سياسي لبناء وتطور بلدانها.

دعاة الحجاب يقولون انه الزي المناسب للمرأة المسلمة والمكمل لأيمانها. والأكثر تشدداً يرون في المرأة غير المحجبة مرتدة عن الإسلام فيوجبون تكفيرها ثم قتلها . وما أكثر من قتلن بهذا الأسلوب الظلامي. أما دعاة جهاد النكاح فيأمرون المرأة أن تتعرى أمام مجموعة (ستة، سبعة، وربما أكثر اذا تطلب الأمر) من الأشخاص المتخلفين القذرين الذين لم يلامس الماء أجسادهم لعشرات الأيام يطلقون عليهم اسم المجاهدين ويقولون ذلك اكمال لإيمانها أيضاً.

خلاصة ما يطلبون من المرأة ان لا تظهر شعرة واحدة من شعر رأسها للآخرين إكمالا لأيمانها وظهورها عارية أمام الآخرين أكمال لأيمانها أيضاً. أي تناقض هذا؟ انه معبر عن التخلف بكل معانيه وإساءة للإنسان ولكل القيم الإنسانية. هل تعرضت أمم العالم كما تتعرض لها الأمة الإسلامية على أيدي أحزاب الإسلام السياسي؟

لا يصدق غالبية الناس تطبيق فتوى جهاد النكاح، لكن أحداث الموصل حولت الشك الى يقين وأصبح تطبيق الفتوى المذكورة واقعاً ملموساً، في المناطق التي تسيطر عليها داعش. حيث مارس رجل داعش الجنس مع أي امرأة يختارها سواء أكانت متزوجة او غير متزوجة. يتم الاغتصاب بالتهديد أو الضرب.

ان هذه الجريمة الجنسية لا تمارس حتى في المجتمعات التي تتعامل مع الجنس كوجبة غذاء. وخلال تاريخ الإسلام الطويل لم يمارس فرض الحجاب بالقوة ولا جهاد النكاح. اذ لم تقتل المرأة لأنها رفضت لبس الحجاب. رغم ان المرأة شاركت الرجل في الفتوحات الاسلامية الا انها لم تشاركه كبغي. ولنا في الخنساء إنموذجاً.

السؤال الذي يحتاج جميع الناس الى معرفة جوابه. هل العقيدة الإسلامية نصوص جامدة لا تتجاوب مع مستجدات الحياة؟ كما تجاوبت معها العقيدة المسيحية. يقول المنظّر الإسلامي والعلماني التوجه ضياء الشكرجي في موضوع مرونة الشريعة ومواكبتها لمستجدات الحياة (صحيح ان في الشريعة ما لا يطرأ عليه تغير، مهما طرأ من مستجدات ومن ظروف استثنائية ألآ ان هناك في نفس الوقت مساحة واسعة تتحرك عليها الشريعة بمرونة لتلبي مستجدات الحياة وتواكب حركة العصر. هناك مجموعة من القواعد الفقهية والأصولية كقاعدة (اخفّ الضررين) أي درء أقوى الضررين بالأضعف وقاعدة (المصلحة المرجحة) وغيرها من القواعد الثانوية.

يؤكد هذا القول ان بعض النصوص القرآنية تميل الى التشدد وبعضها يميل الى المرونة رغم ان النصين يعالجان نفس الظاهرة كما في الآيتين الآتيتين :
(ما كان لمؤمن ولا لمؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم) يمثل هذا النص حالة التشدد في تنفيذ ما الزم به المؤمن نفسه. والآية الثانية التي نصها : (لا إكراه في الدين) تمثل المرونة اتجاه غير المؤمن الذي لم يلزم نفسه بما التزم به المؤمنون.

اذن المشكلة ليست في الدين الإسلامي، بل المشكلة في رجل الدين ورجل الحزب الإسلامي. كلاهما يرفض ان تتجدد العقيدة نفسها لمواكبة تطور الحياة. دون الإخلال بثوابت الشريعة خوفاً على التراث الظلامي المتراكم عبر التاريخ المديد. والذي وفر له الهيمنة على الناس وقيادتها وفق ما تريده مصالحه بعيداً عن المصلحة العامة ومصالح الجماهير.
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter