|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  8  / 3 / 2014                                 عبدالمطلب عبدالواحد                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قراءة في كتاب محطات مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي *

عبد المطلب عبد الواحد

الكتاب يقع في 480 صفحة من القطع المتوسط، للكاتب جاسم الحلوائي إصدار دار الرواد المزدهرة للطباعة والنشر، ويضم بين دفتيه 26 فصلاً تتوزع على عدد من العناوين الفرعية وتتضمن الصفحات الأولى الإهداء ثم ما قبل المقدمة والمقدمة، وينتهي الكتاب بتثبيت المراجع المعتمدة (24) مرجعاً، كما ذيل عدد من الصفحات بهوامش وافية، لا يمكن لقارئ الكتاب الاستغناء هوامش الشروحات.

ولد المؤلف الرفيق جاسم محمد الحلوائي في مدينة كربلاء عام 1932
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي 1964-1985 وعضو سكرتاريتها 1973- 1978.
أعتقل في العهد الملكي البائد وتعرض للتعذيب مراراً وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات وأطلق سراحه، في إثر ثورة 14 تموز 1958 المجيدة، بعد أن قضى نصف محكوميته.
أعتقل في عام 1965 وتعرض لتعذيب بشع لمعرفة السلطات الأمنية بأنه كان سكرتيراً للجنة منطقة بغداد، وهرب من المعتقل بعد ستة أشهر من اعتقاله مع المناضل المعروف عمر علي الشيخ.
عضو الحزب الشيوعي العراقي منذ عام 1954 ولا يزال .

الكاتب يُعَرِف الكتاب على أنه قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي ( عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي )، ولذلك فهو يختار أهم المحطات التي تناولها سباهي في الأجزاء الثلاثة من كتابه، المكونة من 60 فصلاً تشتمل على 1554 صفحة من القطع الكبير، لكي يزيل الحلوائي الالتباس والغموض من ناحية، ويستعرض ويحلل وينقد ويصحح من ناحية أُخرى، معتمداً على الوثائق والمصادر والاتصالات المباشرة مع الشخصيات المشاركة في صناعة هذا التاريخ، ومستنداً على ذخيرته السياسية والفكرية، كونه عاصر جانباً هاماً من الأحداث التي ارتبطت بتاريخه وساهم بفاعلية فيها بحكم مسؤولياته القيادية في الحزب، كما سبق له الكتابة عن جوانب من تاريخ الحزب في كتابه الصادر عام 2006 والمعنون (الحقيقة كما عشتها) عن سيرته الذاتية، وبذلك فإن عنوان الكتاب والتعريف به على الغلاف الخارجي يتلاءم تماماً مع محتوى الكتاب. ويمكن تصنيف الكتاب على أنه نوع من أدب السيرة التاريخية، لكنه لا يخص سيرة شخص بمفرده بل سيرة حزب، خاضت جموعه غمار النضال الصعب من اجل حرية الوطن وسعادة الشعب.

الكتاب يؤشر الصعوبات الجدية التي اكتنفت كتابة تاريخ الحزب على الرغم من أنها كانت من صلب اهتمامه منذ المؤتمر الوطني الثاني، وقد حالت الظروف الذاتية وصعوبة التناول الموضوعي للأحداث دون ذلك، ولذا فان قيادة الحزب بعد عملية التجديد التي دشنها الحزب منذ المؤتمر الوطني الخامس، شجعت المبادرات الفردية لهذه المهمة وقد اضطلع بها الرفيق عزيز سباهي واستطاع بجدارة أن يضع بين أيدي القراء والباحثين لأول مرة مصدراً ثرياُ يغطي ستة عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي المرتبط بإحكام بتاريخ الدولة والمجتمع العراقي.

وعلى الرغم من أن الكاتب، في مقدمة كتابه يغدق الكثير من الثناء على ما قام به سباهي من انجاز في تدوين تاريخ الحزب إلا أنه يوثق ابتداء من الفصل الأول مروراُ بكل المحطات المفصلية لتاريخ الحزب، قضايا أخضعها سباهي للدراسة والنقد من منظوره الشخصي أولا ومن المنطلقات الفكرية التي سادت بعد مرحلة ما يعرف بالعلنية والتجديد في حزبِنا والحركة الشيوعية واليسارية إجمالا، وهو أمر مخل في الدراسات التاريخية، لكي يضع الحلوائي الأمور في سياقها التاريخي، محافظاُ بذلك على الربط الدقيق بين حميمية علاقته بالحزب وموضوعيته كباحث وكاتب في التاريخ.

يبتدئ الكاتب بمرحلة التأسيس وقيادة الرفيق فهد، حيث يؤكد عبر الوثائق أن 31 آذار 1934 هو التاريخ الدقيق لتأسيس الحزب خلافا للتواريخ المفترضة في كتاب سباهي، كما يعرج على الكراس الشهير (حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية)، والذي جسّد أسس بناء الحزب ونهجه الفكري والتنظيمي في تلك المرحلة، بصرامة شديدة،على الطريقة الستالينية، حيث كانت السمة العامة للأحزاب الشيوعية. ولتصويب الأحكام يشدد الكاتب على أننا عندما ننتقد الأخطاء في تاريخ الحزب علينا معالجتها وفق السياق التاريخي لعصرها لكي نتجنب الخلل في منهجية البحث. ومن غير الصحيح إصدار أحكام بمنطق اليوم على تلك الفترة التاريخية دون الإشارة بأن هذه الأحكام تعود لوعينا الحالي . وينطبق هذا الأمر على نشاط الحزب بين الجماهير وتنظيماتها النقابية والديمقراطية في أوساط العمال والفلاحين والطلبة والنساء وخصوصاً خلال العقد الرابع من القرن الماضي.

ويوضح الحلوائي بأن النقص في عمل الحزب في النقابات العمالية وكذلك في جميع المنظمات المهنية والديمقراطية في تلك الفترة، والذي استمر لاحقا أيضا، كان يكمن في نزعة الحزب في الهيمنة على المنظمات الديمقراطية والمهنية والانفراد بقيادة الجماهير الشعبية، ولم تكن هذه النزعة طارئة وإنما كانت من صلب إيديولوجية الحزب والحركة الشيوعية العالمية آنذاك. وإن الحرص على مبدأ وحدانية المنظمة الديمقراطية أو المهنية الذي كنا ندافع عنه يصب في هذا الاتجاه. إن هذه النزعة كانت موجودة في المواد الخمس الأولى من النظام الداخلي القديم .
 
فالحزب، حسب النظام الداخلي القديم، هو هيئة أركان حرب الطبقة العاملة، فهو قائد النقابات العمالية والمنظمات الديمقراطية بدون منازع. ونزعة الهيمنة على النقابات هي تطبيق أمين لما جاء في المادة التاسعة من شروط الأممية الثالثة الداعية إلى"كسب النقابات إلى جانب الشيوعية، وقد جرى تعديل مواد النظام الداخلي التي مر ذكرها في المؤتمرين الوطنيين الثاني والثالث للحزب. وبدأ الحزب بالتخلص من هذه الأيديولوجية منذ مؤتمره الوطني الخامس.

ويستعرض الكتاب التطور الحاصل في مفهوم الدولة ووظيفتها وفق المنهج الماركسي اللينيني السابق من كونها أداة للهيمنة الطبقية، فيوضح ما تتمتع به حاليا من استقلال نسبي بحكم وظائفها المتعددة لكل أفراد المجتمع.

وعن موقف الحزب الشيوعي من القضية الفلسطينية يؤكد الرفض القاطع لخطة التقسيم و دعم تشكيل "عصبة مكافحة الصهيونية" التي كانت تضم جميع الشيوعيين اليهود. ويصف "العصبة" بأنها إحدى مفاخر الشيوعيين العراقيين اليهود ومفاخر الحزب الشيوعي العراقي، الذي ربى أعضاءه بثبات على فكرة العداء للحركة الصهيونية ولفكرة الوطن القومي الصهيوني في فلسطين العربية، ويشرح التداعيات التي رافقت تغيّر موقف الحزب من معارضة قرار تقسيم فلسطين إلى تأييد التقسيم بعد أن تحوّل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى واقع فعلي على الأرض، واعتراف الاتحاد السوفيتي بدولة إسرائيل حيث أن هذا الموقف يعكس بوضوح خضوع الايديولوجيا للسياسة.

في الفصلين الأول والثاني يتناول الكتاب تاريخ الحزب منذ مرحلة ما قبل التأسيس ولغاية إعدام قادته التاريخيين فهد، حازم، صارم في 1949. ويؤشر إلى نهوض الحزب بعد انتكاسة 1949 والتعاطف الجماهيري الذي حظي به، حيث كان على رأس الفعاليات الجماهيرية التي أدت إلى انتفاضة تشرين 1952.

في عام 1955 انتخبت اللجنة المركزية سلام عادل سكرتيراً للحزب وأقرت خطة عمل للتخلص من النزعة اليسارية الانعزالية في التعامل مع القوى الوطنية والمنظمات الجماهيرية وتحقيق وحدة الحزب بانضمام كل من منظمتي راية الشغيلة ووحدة النضال إلى الحزب.

كما يعطي لاحقاً حيزاً كبيراً من الكتاب لمقدمات ثورة 14 تموز، السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ويشير إلى المناخ الدولي والإقليمي وينطلق من أن لهذه الفترة أهمية خاصة في تاريخ العراق المعاصر، ويفند افتراض يقول بأنه كان من الممكن للعراق أن ينمو ويتطور سلميا ولو ببطء دون ثورة 14 تموز.

عقد الحزب الكونفرنس الوطني الثاني 1956، واصدر وثيقة برنامجية قدمت خدمة كبيرة للحزب وللحركة الوطنية في ظروف قاسية، ودفعتها خطوة كبيرة إلى الأمام وكانت في صلب الجهود لإقامة جبهة الاتحاد الوطني، والتي شكلت القاعدة السياسية لانتصار ثورة 14 تموز. كما كانت انتفاضة تشرين 1956 آخر تمرين نضالي كبير للشعب وقواه الوطنية قبل ثورة تموز.

ساهم الحزب بشكل مباشر في ثورة تموز وانتصارها وفي تحقيق منجزاتها، وكان النهج السياسي والفكري والتنظيمي للحزب بعد ثورة تموز والموقف من تطور الثورة وطبيعة السلطة مثار جدل وتباين في الآراء في قيادة الحزب وفي المكتب السياسي تحديداً، وعموما فان عام 1959 حظي باهتمام الكاتب لضخامة وأهمية أحداثه، فهو عام البدء بتطبيق قانون الإصلاح الزراعي وانبثاق قانون الجمعيات الفلاحية، عام مؤامرة الشواف في الموصل بكل تداعياتها المؤلمة وأحداث كركوك، إضافة إلى الصراع بين القوميين والشيوعيين الذي فجره مبكرا شعار الوحدة الفورية، وهو العام الذي تشكلت فيه بدايات انتكاسة الثورة. وافرد فصلا عن الحزب الشيوعي والقضية الكردية في عهد قاسم.

وبشأن انقلاب شباط الفاشي في عام 1963، يوثق الكاتب خطة الانقلاب وخطوات التنفيذ والدور البطولي للحزب الشيوعي ضد الانقلاب، كما يتناول انتفاضة معسكر الرشيد في 3 تموز63 ومحاولة التخلص من الضباط الشيوعيين السجناء عبر ما سمي بقطار الموت، ثم انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 الذي نقل السلطة من البعث إلى الضباط القوميين، حيث استطاع الحزب إعادة بناء نفسه. وفي آب 1964 تبنى اجتماع ل.م ما عرف بخط آب و الذي جرى تعديله لاحقا بسبب المعارضة الواسعة لكوادر الحزب وقواعده، وفي عام 1965 ظهرت بوادر للنهوض الجماهيري و تم إجهاضها بسبب انشقاق القيادة المركزية، ولمواجهة الانشقاق عقد الحزب الكونفرنس الثالث في كانون الاول1967.

ويعرض الكاتب للقارئ كيفية تعامل الحزب مع انقلاب حزب البعث الثاني في 17 تموز1968، اتفاقية آذار 1970، الحملة الإرهابية ربيع 1970 التي استمرت إلى صيف 1971، والمؤتمر الوطني الثاني في أيلول 1970، معركة تأميم النفط عام 1972، الحوار حول ميثاق العمل الوطني والظروف التي أحاطت بإعلان الجبهة مع حزب البعث في العام 1973، إعلان الحكم الذاتي في آذار 1974، اتفاقية الجزائر عام 1975، المؤتمر الوطني الثالث للحزب عام 1976، موضوعة التطور اللارأسمالي، إمكانية ارتداد البعث في الوثائق الصادرة عنه.

انهيار الجبهة مع البعث وانتقال الحزب إلى المعارضة في أواخر السبعينات، الكفاح المسلح ، الحرب العراقية الإيرانية والموقف منها ، مقدمات ونتائج إحداث بشت آشان، المؤتمر الوطني الرابع للحزب في العام 1985، معارضة الحزب لغزو الكويت، مساهمته في انتفاضة آذار1991، الديمقراطية والتجديد في الحزب والمؤتمر الوطني الخامس في العام 1993 ،والإعلان عن تحويل منظمة إقليم كردستان للحزب الشيوعي العراقي إلى الحزب الشيوعي الكردستاني - العراق، باعتباره مظهراً من مظاهر التجديد في الحزب.

الكتاب إجمالا يتعدى الهدف المرسوم له كقراءة نقدية لكتاب سباهي، ويمكن التعامل معه كمصدر إضافي للباحثين ولكل المعنيين بتاريخ الحزب، بحكم الكم الجيد من الإضافات الموثقة بالأدلة، كما أن العرض البانورامي للاحداث بتفاصيلها الدقيقة دون إغفال المناخ العام لظرفها التاريخي وترابطها مع بعضها وتعاقبها كأسباب ونتائج لبعضها أيضاً، يضفي عليها الوضوح والصدقية كأنعكاس للفعل الاجتماعي في زمان ومكان الحدث. ومن اجل المزيد من الوضوح اضطر الكاتب إلى التكرار في أحيان كثيرة ولكني لم أجد ذلك مخلاً في أسلوب السرد.

يقدم الكتاب شهادة ملموسة لمحاولة كل من قيادة فهد وسلام عادل، لأن يتوصل الحزب لتقديم اجتهادات نظرية لقراءة الماركسية برؤية وطنية عراقية، على الرغم من أن شروط الأممية الثالثة لم تترك مجالا للأحزاب الشيوعية للإبداع النظري.

ويوضح الكاتب بأن التمسك الصارم بالتعاليم اللينينية الداعية إلى تطوير الثورة الوطنية الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية، والتفاوت في طريقة تكييفها بما ينسجم مع استراتيج وتكتيك الحزب من قبل الهيئات القيادية، كانت سببا في التشويش على سياسة الحزب في منعطفات مهمة من تاريخه، وعلى الانتقال المرن من أسلوب كفاح إلى آخر أو الجمع بينها عندما تقتضي الضرورة.

الكتاب يجلو الغبار عن عدد من القضايا والوقائع التي تعرضت للتشويه بفعل الدعاية المعادية للحزب الشيوعي العراقي، ومنها، استقلالية الحزب في رسم سياساته في مختلف مراحل تاريخه ولم يخضع يوماً لتبعية ما، وكان للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق دورا استشاريا وتأثيرا معنوياً في اغلب الأحيان. ويوفر الأدلة من المصادر المحايدة التي تنفي مسؤولية الحزب عن أحداث كركوك. ويؤكد عدم وجود محاولة من الحزب لاستلام السلطة في عام 1959.

كما يرصد الكاتب بدقة حركة الكادر الحزبي في الهيئات القيادية العليا وعلى وجه الخصوص، الترشح إلى اللجنة المركزية والمكتب السياسي، و الحصول على العضوية فيهما، أو الانتقال إلى موقع أدنى، محدداً قوام هذه الهيئات منذ التأسيس ولغاية المؤتمر الوطني الخامس بالأسماء والتواريخ.

ولدى محاولة الكاتب محاورة رأي سباهي القائل بان (خط آب انعكاسا لازمة الايدولوجيا التي بني عليها كيان الحزب وتثقيفه،....)، يعتبر الحلوائي ذلك تعميما يخطئ كل سياسة الحزب، وربما أن صياغة سباهي للفقرة، تعطي هذا الانطباع إلا انه لم يقصد ذلك على الإطلاق.

الكتاب ثمرة لمنهجية صارمة في البحث والتقصي الدؤوب عن التفاصيل الصغيرة للوقائع، ووضوح في الرؤية، بانسيابية وسلاسة في لغة التعبير.
 

 

* المطالعة التي ألقيت في الأمسية التي أقامتها منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الدانمارك بمناسبة الذكرى ال 80 لتأسيس الحزب وذلك يوم الجمعة المصادف 7 آذار 2014.
 


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter