| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأحد 6 / 10 / 2024 عبدالمطلب عبدالواحد كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
الوان العار
عبدالمطلب عبدالواحد
(موقع الناس)عنوان رواية الراحل ألبير قصيرى (1913 ـ 2008م)، الروائي والكاتب الذي ولد في مصر وعاش في باريس وكتب بالفرنسية، وعبر في مجمل اعماله الأدبية والفكرية عن حبه لمصر، وعن معاناة وهموم الشعب المصري.
شخصيات رواية الوان العار ترمز الى الحالة الاجتماعية التي آلت اليها مصر بعد ما سمي بمرحلة الانفتاح، والصادرة عن الدار القومية في 2011، يتناول فيها بلغة وحبكة جميلة التدهور السياسي والاقتصادي والبيئي، والثقافي والأخلاقي، وتشوه القيم المجتمعية، ومحنة المواطن العادي في بحثه الدائب لمقاومة الخراب المتراكم المعجون بشتى الوان العار، ولو من خلال سلاح السخرية والنكتة، اللتين يبدعهما الوعي الجمعي للفئات الشعبية كشكل من اشكال الرفض والتحدي عند استعصاء الازمات .
وبالنظر الى ان التجربة السياسية في العراق التي تأسست بعد 2003 على انقاض عار الدكتاتورية البغيض، هذه التجربة الديمقراطية شكلا، والمبنية على المحاصصة الاثنية والطائفية مضمونا، قد تفننت في تطوير مديات العار عبر العشرين عاما الماضية، مرتدية اثواب العفة المهلهلة التي لم تعد تستر عوراتها دون ذرة حياء، ولا مسحة وجل من احتمالات بطش تفجر التفاعلات في مرجل التاريخ المؤجل الى حين، ماضية بالمجتمع نحو بئر عميق من اشد الوان العار قبحا.
وللاطلاع على مستوى التشابه والاختلاف بين عارنا في بلاد الرافدين وعارهم في ارض الكنانة، سأعرض للقارئ النص القصير المكتوب على غلاف الرواية، والذي سيغنينا عن كل شرح.
" تتنوع الوان العار وتتعدد اوجهه باختلاف الزمان والمكان، خيانة الوطن عار، الفرار من الجندية عار، القتل عار، ممارسة البغاء عار، السرقة عار، كلها جرائم أخلاقية مشينة وبغيضة وحقيرة تنال من شرف الانسان ومن سمعته امام القانون وامام الرأي العام.
في هذه الرواية يسلط البير قصيرى على "الوان العار" التي اجتاحت ارض الكنانة في عصر الانفتاح، والتي تركزت في شره تكديس الثروات بأساليب ملتوية، والذي جعل اللصوصية غير مقصورة على النشالين، هؤلاء اللصوص غير القانونيين، بل امتدت لتشمل رجال الاعمال والاغنياء وصيارفة البنوك الذين يصفهم الكاتب باللصوص القانونيين.
ترسم الرواية صورة الانهيار والانحدار والفوضى في شوارع القاهرة مع روح الفكاهة التي تكفل وحدها لاهلها بقاءهم على قيد الحياة وهم محتفظون بكرامتهم. خلفية تبرز عليها عدة شخصيات منهم أسامة النشال المؤمن بضرورة اسهامه في إعادة التوزيع العادل للثروات، وكرم الله الذي يعيش في المقابر الى جانب آلاف غيره اتخذوا منها ملاذا لعدم مقدرتهم على حل مشكلة السكن."
اما نحن فان مشكلاتنا بنيوية عميقة الجذور، وان عارنا كما ونوعا يفوق حدود التصور، واللصوصية في بلاد الرافدين ليست قانونية فحسب، واللصوص ليسوا افرادا، انهم يتربعون على عرش اهم مؤسسات السلطة، واللصوصية مؤسسة متماسكة تتحكم بمفاتيح القرار في قلب الدولة العميقة.
والمفارقة الهامة ان مرحلة الانفتاح المصرية اطلقت العنان للتدين السياسي والعنف السياسي على أوسع نطاق، لاشاعة الخوف ولتكميم الافواه، ولمصادرة الحقوق والحريات، والتضييق على نشاط القوى الديمقراطية والعلمانية واليسارية، والعمل بكل الوسائل الممكنة للحد من تواصلها مع الجمهور. تماما كما تزامنت محاولات إشاعة الديمقراطية في العراق بعد 2003 مع ركوب أحزاب الإسلام السياسي على كافة مفاصل السلطة وتوظيفها في الاحتراب الطائفي وتمزيق اللحمة المجتمعية وإشاعة التخلف، والهيمنة على موارد الدولة وابتلاعها لصالح قيادات وشخصيات سياسية مازالت تدعي انها تمثل الإرادة الشعبية رغم عزلتها عن جمهورها وافتضاح زيفها، وعمق الازمات والاختناقات في الاقتصاد والمجتمع والثقافة وكافة مناحي الحياة، وهشاشة الدولة التي يرزح المواطن المقهور في ظلها حتى اللحظة الحاضرة.