|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  31  / 7 / 2015                                د. علي الخالدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هذه هي أمريكا
(3)

د. علي الخالدي

إحسانها سم ، يتذوق شعبها شيئا منه
صادف تواجدنا في بوسطن إستعدادات الشعب والحكومة بعيد اﻹستقلال ، وهو عيد فدرالي يتمتع به اﻷمريكيون بعطلة رسمية .(إستمرت هذا العام مدة ثلاث أيام لكونه صادف السبت) ، يحيون فيه مراسيم إعتماد وثيقة ، إعلان إستقلال أمريكا عن بريطانيا ، في الرابع من أيلول ( تموز ) من عام 1776 . وسط أجواء فرح ، يرتسم على وجوه كافة مكوناته العرقية ، ومرح يخفي كل النوايا العرقية واﻹثنية ، ويسوده التآلف والمحبة كما بدى لنا ، ذلك ﻷنه ليس هناك في رزنامة الشعب ، ما يشير الى إقامة إحتفالات لهذه الطائفة أو تلك ، فأعيادهم يُحددها القانون ، وتقام تحت حمايته ، وهو يصون منح الحقوق والواجبات للجميع وبالتساوي . مما يشيع الطمأنينة بين مكونات الشعب بإعتماد الكفاءة في إدارة شؤون البلاد.

ترتبط بالعيد وبشكل بارز مراسيم خاصة بالمسيرات واﻷلعاب النارية والكرنفالات والمعارض ، التي تقام في الساحات والحدائق العامة ، وفي الهواء الطلق تشاهد هنا وهناك الحفلات الموسيقية ، والمسرحيات . فيه يتم جمع شمل العائلة ، وتقام المناسبات العامة والخاصة .

قادنا حب اﻹطلاع الى البناية التي أطل من شباكها الوسطي توماس جيفرسن ثالث رئيس للويلايات المتحدة اﻷمريكية ، وهو احد الخمسة الذين كتبوا الدستور ليقراء وثيقة إعلان اﻷستقلال عن بريطانيا ، والتي وافق عليها الكونغرس في الرابع من يوليو . هناك شاهدنا جمهرة من الناس حولها ، تستطلع مراسيم قراءة الوثيقة ، و أود أن أشير الى أنه بهذه المناسبة ، الطفل الذي يولد فيها ، يُلَبس العلم اﻷمريكي مع قبعة العم سام ، وحفيدي اﻷول كان من ضمنهم .

كنا نستشعر اﻹستعدادت الشعبية للإحتفال بعيد اﻹستقلال ، عبر الفرح والمرح الذي تصوره لك الوجوه الغير متناظرة السحنة ، والتي يستدل منها على تعدد إنتماءها العرقي ، باﻹضافة لشكل وألوان ملابسهم ، وقد جمعتهم مناعة حب الوطن ، وصهرتهم روح اﻹنتماء اليه ، بممارسة ما توفر من الديمقراطية بشكل حسي . بغض النظر عن أساليب إستعمال القوة المفرطة عند تفريق قوات اﻷمن ، المشكلة من كافة اﻷعراق ، الغاضبين على سياسة وفعاليات الرأسماليين والشركات اﻹحتكارية ، إلا أن هذا لن يثني الشعب من التضامن مع الشعوب التي تستهدفهم سياسة قادتهم ، التي ظاهرها تقديم المساعدة واﻹحسان ، و نشر الديمقراطية ، ومنح قروض ذات ريع , يرهق كاهل الحكومات حتى يتم تسدسيها ، وبشروط مجحفة تمس حياة المواطنين كرفع الدعم عن السلع الضرورية ، وزيادة الضرائب والخصصة ، بينما باطنها سموم تشل تقدم الشعوب وتزيد من إرتباط حكوماتها بمخططات تُخضعها كليا لمشيئتها ، في تنفيذ مخططاتها السياسية في هذه البلد ، وتلك المنطفة .

ولكون الشعب اﻷمريكي (كما لمسته) يطمح بالتعايش السلمي مع شعوب العالم ، فهو يتصدى لتلك السياسة ،ولتسلكات حكامه ، الذين تفرضهم عليه الشركات اﻹحتكارية عبر المال ، ومع معرفته المسبقة من أنه لن يسلم من تذوق شيئا من سموم تلك السياسة ، ومن إزدواجية المعايير والمواقف لحكامها الرأسماليين في دعم اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية ، ومن فقد الشرف والغيرة و أضاع الضمير بالتساهل والمساعدة على نهب خيرات بلده لصالحهم من الحكام في بقاع عديدة من العالم

دهشنا عند زيارتنا لمتحف جامعة هارفارد، ورأينا أﻹنسجام بين الطلبة واﻷستاذ الذي دار بهم بأقسامه المتعددة وهو يشرح لهم ما تحكيه فنون وتراث شعوب عديدة ، ومن بينها شعبنا العراقي وحضارته البابلية والسومرية . التي فرحت بكونها محفوظة وسالمة وبعيدة عن أيدي العابثين والغير مدركين لقيمتها الوطنية والعالمية بإعتبارها تراث عالمي وليس عراقي فحسب .

لقد مسحت هذه الزيارة كل الشوائب التي علقت بذهني عن الشعب أﻷمريكي ، سيما وأنه قد تخلص من سياسة التمييز العنصري ، فعلاوة على أنه لم يتذوق مآسي وويلات الحربين العالمتين والتي خاضها خارج حدوده . يبقى نهج قادته الرأسماليين المنبثق من قوانين إقتصاد السو ق ، بما يخلقه من ظروف تحد بشكل مستمر من إستمرارية رفاهيته ، وتعرقل صفوة البحبوحة والتعايش السلمي بين مكوناته العرقية تدريجيا مما يؤدي مستقبلا الى أن تكون أمريكا غير قادرة على جذب العلماء والمفكرين الذين يقفون وراء تطورها العلمي والتكنولوجي ، سيما وأن الشعب بدأء يتحسس أنعكاسات سياسة قادته القائمة على نهب خيرات الشعوب والتدخل في شؤونها الداخلية ، بشكل واضح  .

 



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter