|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  22  / 6 / 2016                                د. علي الخالدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

إنكم بتغيير اﻷسماء اﻷثرية لن تحصدوا سوى نقمة العالم

د. علي الخالدي
(موقع الناس)

إضطهاد المكونات العرقية لشعبنا كان دائما مرتبط باضطهاد اﻷنظمة لعموم الشعب العراقي ، وكانت اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية توزع ظلمها بعدالة على كل الجماهير المطالبة بالعدالة اﻹجتماعية فيذوب إضطهاد المكونات التي تدعو الى المحبة والسلام ونبذ العنف بغفران الخطايا والعطاء وغيرها من الصفات السامية التي تمارسها مكونات شعبنا العرقية هي من كانت وراء تسامي القيم اﻹنسانية .

في وادي الرافدين ، رغم اﻹضطهاد الذي عوملت به على مر العصور ، ومنذ ذلك الزمان إتخذت أشكال إضطهاد المكونات العرقية في الشرق اﻷوسط أنماطا متنوعة من التصفية الجسدية الى خلق ظروف إرغامهم على الهجرة باﻹستيلاء على ممتلكاتهم الثابتة والمنقولة ، التي إتخذت شكلا واسعا حتى تكاد بعض البلدان أن تخلو منهم .

، زاد من معاناتهم ومآسيهم إحتلال داعش لمدنهم وقراهم في سهل نينوى ، ومصادرة بيوتهم ، فبدأت هذه المكونات وأغلبيتها من المسيحيين والصابئة المندائيين واﻷيزيديين يفتشون عن أماكن آمنة بأي بقعة من العالم توفر لهم شروط مواصلة حياتهم الطبيعية ، حيث بعد تولي اﻷحزاب اﻹسلامية دفة الحكم إزدادت قسوة ، زادها بلة ، إحتلال داعش لمناطق تواجدهم في سهل نينوى ، التي شحذت معاولها لتهدم الكنائس واﻵثار التي تدل على عمق حضارتهم ، تحت سمع وأنظار السلطة الحاكمة ، والمرجعيات الدينية اﻹسلامية التي إلتزمت الصمت .

قبل أيام خرج علينا أحد أعضاء اللجنة التحضيرية لمهرجان اﻹمام الحسن السنوي في بابل ، بدعوة تغيير تسمية محافظة بابل الى مدينة اﻹمام الحسن بن علي ، عرفاننا على أحتضان أهالي مدينة الحلة لزائري مرقد اﻷملم الحسين ، مؤكدا في تصريحه على أن الدعوة ستجدد لتغيير إسم محافظة بابل الى مدينة اﻹمام الحسن ،وعلى الرغم من نفي نفس المصدر هذا التصريح ( ماكو دخان بدون نار ) ، ومما يثير إستغراب مواطني بابل أن تثار هكذا دعوة ، وسكان ذي قار يبذلوا جهودا مضنية لجعل أور واﻷهوار تحت وصاية اليونسكو ، ويؤكدها سكوت المعنين بالتراث والثقافة في الحكومة ، التي يهيمن فيها رجال الدين على مفاصل المراكز الثقافية ، مما أثارت إستغراب وإستنكار المواطنين وخصوصا ابناء الحلة الفيحاء عاصة محافظة بابل ، مما يدل على أن وراء هذه الردة الحضارية من يريد فصل إرتباط السومريين والكلدان والسريان عن زمان ومكان تواجد حضارتهم ، والذي يقف وراءه تصاعد خطر إستفحال قوى اليمين الديني الفاشي المتآخي مع داعش في معاداة الديانات غير اﻹسلامية ، تلك القوى التي أصبحت تمثل أكثر شرائح الرأسمالية الكبيرة الطفيلية إستبدادا وعنصرية ورجعية ، وخاصة عند تمكنها من السيطرة على مفاصل الدولة ، فنهبت البلاد ونسقت مع بعضها ﻷختطاف مردودات التغيير لحساب دول الجوار وإغراق العراق في لجة التناحر الطائفي والصراع المذهبي ، ومع هذا يصروا في تصريحاتهم بأنهم إسلاميون  .
يقول الكردينال الأهوتي اﻷلماني ليمان ما معناه … يخطيء من يعمد الى تبرير العنف ووقف ضد حرية اﻹنسان … فكل خطاب بإسم الدين يدعو الى العنف ، ويفرض قيود على الناس ويعطل حريتهم هو خطاب ﻻ يمت بأي شكل الى الدين ( هذا هو نهج السلفيين الذين لم نسمع تكفبرهم من المرجعيات اﻹسلامية على مختلف مذاهبها ) الجملة اﻷخيرة من وضعي .

لم يبق للعراق ما يفتخر به سوى من صمد تجاه التهجير القسري الذين تربطهم آثارهم بأرض الوطن ، ومع هذا يحاول مبرهجي المناسبات المذهبية ، تغيير أسماء اﻷماكن اﻷثرية المعروفة عالميا ، بغية أنكار أحقية إفتخارنا بها أمام شعوب العالم ، وطمس مآثرها في مسار التحضر العالمي .

لقد سبقهم سكان الحلة القدمى ممن يمقت التاريخ بالتطاول على بابل وسرقت طابوقها الذي زينوا به بيوتهم ، لمتانته ولما يحويه من نقوش بابلية وكتابة مسمارية ، ومنهم جدي حيث بنى دارين في محلة التعيس بالحلة ، لهذا تعذر عليك ياصديقي ابا فرح ( الصحفي عدنان حسين ) شراء بيت قديم لكون بعض طابوقه تحجر على مر عشرات القرون  .

سيُدخل المتزمتين من رجال الدين المعنيين في متاحف لندن واللوفر وبرلين ,وامريكا ( خاصة جامعة هارفارد ) في ورطة من امرهم في العالم ، حيث تعرض آثار بابل وأور ونينوى ، فعندما تغير أسماء أماكنها اﻷصلية بجرة قلم . فماذا سيكتبوا عليها من اين جاءت هذه اﻵثار ، واﻷسماء الجديدة حديثة بالقياس لتاريخها ، و كيف سيقنعوا زائري متاحفها بذلك ، ومن يتوق لمشاهدة أماكنها اﻷصلية من الباحثين في اﻵثار، فهل تغيير اسماءها قادر على مسح ذاكرة من عايشها وصعد على ظهر أسد بابل ، الذي أصبح شعار مدينة الحلة .

أنكم بتغيير اﻷسماء اﻷثرية لن تحصدوا سوى نقمة العالم  .
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter