|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  4  / 10 / 2020                                عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

سليم عزيز السراج ... هل هو مجنون حقاً

عبد القادر احمد العيداني  *
alidanykhader@yahoo.co.uk

في مدينة الجمهورية في محافظة البصرة , بأزقتها ومحلاتها وناسها المعدمين والذين لا يمتلكون الا الطيبة و النخوة و الاخلاق الصادقة , هذه المحلة انجبت من رحمها العديد من الادباء و الشعراء والمثقفين , وقدمت للوطن و الشعب العديد من الادباء والشهداء كفالح الطائي وفوزي السعد وذياب كزار (ابو سرحان) و ادهم حسين وهادي الشاوي بالاضافة الى الرعيل الثقافي على مدى السنين كالراحل صلاح جياد وفيصل لعيبي وقصي الخفاجي وحاتم العقيلي وكاظم الحجاج وجمال الفريح والكثير الكثير غيرهم .

هذه المحلة في صورة مدينة انجبت شاعراً ورساماً ومسرحياً من طراز خاص , يعرفه الشارع الثقافي البصري منذ عشرات السنين الماضية وهو يتجول في ازقة وشوارع العشار و البصرة القديمة ولم يظل فرع او زقاق من محلة الجمهورية لم تطأه قدماه , هاتفاً ومردداً اشعاره متأبطاً مجموعة من اللوحات الفنية في اوراق بالية او شبه ممزقة او كتاب عاري الغلاف من كثرة حمله , وهو يهذي في بعض الاحيان بكلمات متقطعة لا يعرف كنهها الا من التصق بالراحل (سليم السراج) ذلك الانسان البويهيني الذي يردد بعض الاحيان معي انه معجب برواية قصة مدينتين لجارلس ديكنز وكذلك يؤكد اعجابه بمنجز حسب الشيخ جعفر وعبد الوهاب البياتي ومحمد خضير وكذلك كان مولعاً بالمسائل العلمية وبسبب قلة الطاقة الكهربائية في البلد كان يفكر في استخلاص الطاقة الكهربائية من امواج الخليج ويتحدث بالعلوم اكثر من بعض العقلاء .

سليم السراج .. عرفه ركاب باصات نقل الركاب التي تنقل المواطنين بين المحلات وهو يلقي كلماته الرنانة وافكاره السياسية ضد سلطات البعث الفاسد حتى ان البعض يتخوف من الجلوس جنبه وهو يعلن انه ماركسي ويهتف بسقوط الطغاة ,

ومن الايام المشهودة للراحل ايام الحرب العراقية الايرانية انه في عصر احد الايام اعتلى انقاض من التراب يقابله في تلة اخرى مجنون اخر من محلة الجمهورية و هو الراحل (عبد الله حسوني) فيهتف سليم بسقوط ميشيل عفلق فيرد عليه عبد الله بسقوط (عبد الجبار شنشل) مما يحدو بالمتجمهرين الانقضاض من هذا الحشد خوفاً من عيون السلطات .

سليم السراج .. رجلاً متهم بالجنون كما وصفه الاديب البصري (داود الربيعي) وقد لاقى المرحوم شتى صنوف العسف والتعذيب خلال اعتقاله في سجن الرضوانية على اثر انتفاضة شعبان المجيدة عام 1991 حكى عنه بعض المعتقلين انه كان الصوت الهادر في ادانة الحكام وهو بين جدران سجونهم ولا يهابهم .

وبعد اطلاق سراحه عانى التشرد والضياع والتسكع وفاقداً اثمن جوهرة للأنسان الا وهي (العقل) وسار على خطى حسين مردان وعبد الامير الحصيري وجان دمو .

قال الاديب الناقد حاتم العقيلي عنه "انه فضلاً عن كونه كاتب مسرحي لديه مخطوطات لروايات عديدة اندثرت مع موته في الخرابة التي يعيش بها ولم يتبنى احداً اثاره المسرحية والشعرية والروائية و الفنية .

هذا الماركسي الذي اتانا بصورة الوجودي ترك اثره لدى صديقه القاص قصي الخفاجي الذي ابدع في تصوير سليم بقصته (وقت سري) من حيث الشقاء والبؤس وانفاسه المتعبة ليضعه في خانة الجنون اللا ارادي في حياة مليئة بالشقاء و البؤس .

كان الراحل ينشر اعماله الشعرية والبعض من قصائده في مجلتي (مرآة الامة و الرسالة) الكويتيتين وعندما تنشر له هذه المجلات لا يجد في جيبه ثمناً لشرائها فأعطيها له مجاناً وقد قدم لي قصيدة مهداة منه قال ارجو ان تنشرها في مجلة (مرآة الامة) لأني لا امتلك ثمن الطابع البريدي لأرسالها والقصيدة موجودة لدي بخط يده وهي مرفقة مع المقال , وبعد ان تناهشته الامراض بالاضافة الى جنونه الذي انساه ناسه ومحبيه وهو يعيش في خرابة ويرتدي اسمال بالية وحيداً مقطوع عن الناس االى ان اسلم روحه الزكية الى بارئها وترك الف غصة و غصة لدى معارفه ومحبيه واندثرت اعماله الفنية والادبية ولم يعرف مصيرها ..

لك الخلود ايها الراحل سليم عزيز السراج ..


 

* باحث في شؤون سجن نقرة السلمان
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter