|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الجمعة 3/8/ 2012                                 عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

من الذاكرة الشيوعية...
سيرة حياة مناضل ...
سليم إسماعيل (أبو عواطف)البطل الجسور

عبد القادر احمد العيداني
alidanykhader@yahoo.com

هذه قصة حياتي واهم الإحداث فيها وما هي إلا قصة من قصص آلاف المناضلين الذين وهبوا حياتهم لشعبهم ووطنهم وتعكس نضال الشيوعيين المتواصل في سبيل حرية وطنهم وسعادة شعبهم .

"الرفيق سليم اسماعيل"
في حزيران الماضي (10/6/2012) فقد الحزب الشيوعي العراقي قائداً فذاً من أبناء الشعب العراقي وطبقته العاملة الرفيق سليم إسماعيل (ابو عواطف) العضو السابق في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي فقد رحل بديار الغربة في ألمانيا عن عمر ناهز السابعة والسبعون عاماً قضى منها حوالي ستة عقود مناضلاً باسلاً في صفوف الحزب والكثير من السنين في سجون ومعتقلات الحكام العراقيين بدءاً من الحكم الملكي والجمهوريات اللاحقة خاصةً بعد انقلاب شباط 1963 وما بعده . وقد نعاه المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي واصفاً إياه بالرفيق الجسور والمناضل الباسل حيث شهدت سوح العمل السري للحزب الشيوعي العراقي مساهمات متميزة وبارعة للرفيق الفقيد مثلما شهدت له حركة الأنصار الشيوعيين في كردستان خلال تسلمه مواقع قيادية كما نعت اللجنة التنفيذية لرابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين ومنظمة الحزب الشيوعي في المانيا الاتحادية الرفيق سليم اسماعيل (ابو عواطف)..

وكان خبر رحيله قد ترك غصة وحزن عميق لرفاقه واصدقاءه سواء من عاش معه ظروف العمل السري او في زنازين ومعتقلات الطغاة . ان هذا القائد المتميز ابن دجلة والفرات والجبل الاشم في كردستان ابن مدينة البصرة وشط العرب رحل عنا شامخاً كشموخ نخيل البصرة وضفاف شط العرب . وبمناسبة اربعينية الراحل سليم اسماعيل نتوقف عند بعض محطاته النضالية سواءَ في الحزب حيث كان يشرف لمرات عديدة على الجهاز الطباعي للحزب او تبوؤه مراكز حزبية قيادية وفي اجهزة الامن او في السجون والمعتقلات حيث تكون هنا التجربة لاختبار صمود الرجال والحفاظ على أسرار الحزب وصيانة الشرف الحزبي من كل شائبة فكان سليم إسماعيل أهلا لها مناضلاً جسوراً وصامتاً صمت الجبال الكردستانية وعميقاً عمق الأنهار العراقية ..

انتمى للحزب الشيوعي العراقي في بداية الخمسينات من القرن الماضي وهو طالباً في المتوسطة في مدينته البصرة من خلال تصاعد الوعي الوطني وهبوب رياح الثورة من اجل التحرر والانعتاق من براثن الحكم الاستعماري وزبانيته من الحكام العملاء .

في عام 1953 تم الحكم عليه بثلاث سنوات مع مراقبة لمدة سنتين من قبل الشرطة حيث أودع سجن الكوت وشارك في الإضراب البطولي للسجناء من اجل تلبية ابسط حقوق الإنسان مما اضطر السلطات نقله مع مجموعة من رفاقه الى سجن بغداد المركزي وبعده الى سجن بعقوبة المركزي الذي بناه حلف بغداد (السنتو) لمحاربة القوى الوطنية والثورية وللنيل من روحهم ووعيهم الوطني وبعد ذلك تم نقله الى سجن نقرة السلمان حيث كانت السجون العراقية تغص بالاف المناضلين من الشيوعيين والوطنيين العراقيين ويظللها روح الحماس والتحدي البطولي من اجل معاملة السجين السياسي معاملة انسانية احتجاجاً على الاعمال البوليسية لحكام السلطات الغاشمة والتي من خلالها فقدنا كوكبة من كوادر الحزب الشيوعي شهداء داخل زنازين الطغاة بالاضافة الى الالاف من الجرحى وبعد ان انهى مدة محكومية خضع للشق الثاني من الحكم الصادر بحقه وهو المراقبة لمدة سنتين قضى قسما منها في معسكر الشعيبة للخدمة العسكرية الالزامية مع العديد من رفاقه الذين فضلوا الخدمة العسكرية على مراقبة الشرطة.

بعد بقاءه فترة قصيرة في معسكر قتيبة بالشعيبة اضطر للهروب من المعسكر واستقر في بغداد في بيت الرفيق الشهيد حمزة سلمان عضو اللجنة المركزية بعد ذلك استلمه الرفيق الشهيد سلام عادل سكرتير الحزب آنذاك ليكن واجبه الحزبي في مطبعة الحزب ضمن الجهاز الطباعي التي كان مقرها مخبئاً في احد بيوت العيواضية وفي احدى المرات خرج من البيت الحزبي لغرض شراء ورق ومواد احتياطية للمطبعة المركزية للحزب في عام 1957 فأعتقل من قبل جلاوزة الامن بمشاركة من المرتد باقر جعفر حيث شخصه لمعرفته به والذي خان الحزب وعمل في جهاز الامن بعد ان كان معتقلا في السجون وكان من ضمن الجهاز الطباعي في ذلك الوقت الشهيدان صبيح سباهي ولطيف الحاج .

وارسل الى قضاء السلمان قرب السجن لقضاء مدة المراقبة المحكوم بها الى ان انطلقت ثورة الرابع عشر من تموز لتحرر السجناء والمعتقلين من سجون العملاء .

في اواخر عام 1962 ابلغ من قبل الحزب للتهيؤ بالسفر الى بلغاريا عبر ايران عن طريق البصرة حيث تقوم قيادة المنطقة الجنوبية بتأمين ايصاله الى حزب تودة الإيراني الا انه للأسف وقع في فخ رتبه له العميل المرتد محمد علي الموسوي الذي كان يعمل مراسلاً بين قيادة المنطقة الجنوبية وحزب تودة في المحمرة وكان الكمين ينتظر سليم إسماعيل بعد عبوره جسر الخورة باتجاه قضاء ابي الخصيب لغرض إلقاء القبض عليه وكانت المفرزة الأمنية بإمرة مفوض الأمن فاضل سلمان .

عندها ادعى الفقيد بأنه ليس بالشخص المعني وان اسمه الحقيقي احمد كمال مصطفى اردني الجنسية بموجب جواز سفر الذي يحمله وانه دخل العراق لغرض الحصول على عمل وبعد ان سدت الابواب بوجهه يحاول السفر الى دول الخليج عن طريق ايران لا اكثر و لا اقل وعند وجوده في دائرة امن البصرة تم تشخيصه من قبل عريف الامن جعفر اغائي بانه سليم اسماعيل وليس الشخص الاردني مما حدا بدائرة الامن بالتعاون مع هذا العريف الى جلب اخيه ووالدته الى دائرة الامن لغرض تشخيصه الا ان اخيه عادل انكر معرفته به لكن والدته اخذت تجهش بالبكاء وبسبب فراقها لولدها سنين طويلة اصبحت القناعة لدى دائرة الامن انه سليم اسماعيل فعلاً ..

فتم ايداعه في معتقل مركز قضاء القرنة وبعد ذلك الى معتقل قضاء المدينة وحينها هجم الريح الاصفر على العراق من جديد من خلال المؤامرة الشباطية السوداء في عام 1963 وهو لا يعرف مصيره مما حداه بالطلب من ضابط المركز باحالته الى محكمة الجزاء لغرض محاكمته بتهمة اجتياز الحدود ثم بعد ذلك تم نقله الى مركز شرطة البصرة واودع في موقف الجرائم العادية وليس في ردهات السياسيين لأن مادة توقيفه هي اجتياز الحدود ..

في تلك الفترة كان موقف رقم (4) يغص بالمئات من الشيوعيين والوطنيين من ابناء البصرة حيث كنت معتقلاً هناك وفي احد الايام اخبرني المرحومين علي عامر من قدماء الشيوعيين العراقيين وكان محكوماً بالاعدام في عام 1963 عندما كان عريفا في الجيش العراقي مما اضطر للهروب من العراق الى البحرين وهناك نشط لتكوين نواة وخلايا الحزب الشيوعي في البحرين وكذلك الكادر العمالي المرحوم علي شعبان عرفت فيما بعد انه ابن عمة سليم اسماعيل وبسبب وثوقهما بي لكوني من العناصر التي لم تطأطأ روؤسها لزبانية الامن والحرس القومي والحفاظ على اسرار الحزب اخبراني بوجود سليم اسماعيل في ردهة (3) وذلك لعدم معرفتي به .. وخلال فتح الردهة لغرض الاغتسال والذهاب الى "المرافق" التي تسمى صحية حيث لا توجد حمامات لغرض الاغتسال وقضاء الحاجات كنت استغل تلك الفترة الزمنية من خلال مرورنا على ردهة (3) للتعرف على سليم اسماعيل وقد وثق بي واصبح صديقا لي امتدت على فترة سنوات طويلة وكنت ازوده بالاخبار السياسية ونشاطات الحزب التي نحصل عليها من خلال الموقوفين الجدد..

في تلك الفترة جاءت مفرزة من الامن بأمرة المجرم المفوض فاضل سلمان يرافقه المرتد محمد علي الموسوي الذي يعرفني من خلال العمل في صفوف الحزب لغرض اسقاطي سياسياً والنيل من شرفي الحزبي وبالرغم من جوله تعذبيهم البربري معي لم ينالوا غايتهم فحملني الشرطة على بطانية الى الموقف لعدم استطاعتي المسير بسبب الكدمات والجروح التي عانيتها جراء التعذيب فعاد جلاوزة الامن خاسئين لكنهم لم يعلموا بان سليم اسماعيل على بعد عشرات الامتار عنهم بسبب جهلهم مصيره واكتظاظ مركز الشرطة بالمئات من المعتقلين بعد عدة ايام تماثلت الى جزء من الشفاء اخبرت سليم اسماعيل الذي كان يتابع موقفي من خلال رفاقي بان العناصر التي اعتقلته هي التي جاءت للتحقيق معي وخاصةً المجرم محمد علي الموسوي وهو من اهالي الفاو والذي كان سبب اعتقال سليم اسماعيل وعند انطلاق انتفاضة معسكر الرشيد الثالث من تموز عام 1963 علمنا من خلال اذاعة بغداد بصوت عال من قبل اصحاب المقاهي التي تقع خلف المعتقل فبادرت فوراً بالتحجج للخروج من ردهة الاعتقال لأمور صحية وبلغت حينها الراحل ابو عواطف بذلك الا انه للأسف لم يشر اليها في مذكراته (الصراع) وقال انه علم بذلك عن وصوله الى سجن نقرة السلمان بسبب مرور فترة سنين طويلة عليها ادت به الى النسيان ..
وعلى اثر الانتفاضة الباسلة بقيادة الشهيد حسن سريع تم ارسالنا الى سجن نقرة السلمان عن طريق قافلة الموت وكان الراحل سليم اسماعيل من ضمن القافلة .

وفي عام 1964 كانون الثاني سجل سليم اسماعيل عيادة طبية لغرض الرقود بالمستشفى في الديوانية حيث كان قضاء السلمان تابعاً الى لواء الديوانية ومن خلال المستشفى هرب الراحل سليم اسماعيل وشرح تفاصيلها في كتابه (الصراع) مع الشهيد (شاكر محمود البصري) عضو اللجنة المركزية للحزب فيما بعد والضابط الطيار (عبد النبي جميل) والمعلم (انيس عباس ناجي) من اهالي النجف وسجناء اخرون وعاد الى الحزب من خلال جهازه الطباعي وعمل في المطبعة وساهم في اصدار جريدة طريق الشعب بعد ان كانت تصدر بطريقة مستنسخة ..

من خلال نشاطه الحزبي ذهب في احد الايام الى احد البيوت الحزبية لغرض جلب الورق فوقع في فخ جديد خطط له زبانية الامن وبعد سلسلة من التحقيق والافادات والاستنطاق وكان موقفه بالنفي بأصرار بطولي معرفته بمعلومات الامن الذي حصل عليها من قبل المتخاذل صالح الرازقي وخلال وجوده في الامن تم اعتقال الرفيق (لطفي حاتم) في عام 1965 وفي جولات التحقيق قال احد المحققين للرفيق لطفي "ان قائدكم صالح الرازقي اعترف على كل شيء وانت لا تعترف ؟! "ومن خلال هذا الخبر وصلت معلومات للحزب بان وراء هذه النكسة المقبور صالح الرازقي وليس ابو عواطف بعد ان كانت الايادي تشير الى سليم انه وراء تلك المعلومات لدى الامن وثبت لهم بان سليم لم ينهار أو يستسلم ..

وبعد ان تم نقله الى معتقل خلف السدة والتخطيط للعديد من الخطط للهروب من المعتقل تم هروب الرفاق جاسم الحلوائي وعمر علي الشيخ وتوفيق احمد ولم يحالف الحظ سليم اسماعيل للهروب بعد ذلك تم نقله الى معسكر الرشيد حيث أودع المعتقل وهو يخطط للهروب ايضا ولم يفلح ونقل بعد ذلك الى معتقل الفضيلية وهناك تم حفر نفق بالتخطيط بينه وبين الرفيق كاظم فرهود (ابو قاعدة) عضو اللجنة المركزية الا ان المحاولة باءت بالفشل في اللحظات الاخيرة للتنفيذ بعدها تم نقلهم الى سجن نقرة السلمان في نهاية عام 1966

وفي بداية عام 1967 تم استدعائهم الى دوائر الامن في بغداد ومن ضمنهم الرفاق كاظم فرهود وسليم اسماعيل وعلى مشارف مدينة السماوة اكملوا الاستعدادات للهروب من خلال فتحات السيارة المشبكة بقطعها بواسطة منشار حديد , وكان اول النازلين من السيارة الرفيق ابو قاعدة وكانت وجهته شمالاً اما الرفيق سليم اسماعيل وعلي عاتي فأتجهوا جنوباً وكذلك هرب الرفيق علي حسين الرشيد ابن خالة احمد حسن البكر فوصل الى كردستان العراق سالماً وكذلك شاكر القيسي نجا من الاعتقال الا ان كاظم فرهود تم اعتقاله بعد عملية الهروب واعيد ثانية الى السجن اما سليم اسماعيل وعلي عاتي فكانت مسيرتهم اسطورية من السماوة الى الناصرية مشياً على الاقدام من خلال القرى والمزارع ومن سوق الشيوخ اعتلوا شاحنة متوجهة الى البصرة مع الاحمال وبعد ذلك عاد سليم اسماعيل الى بغداد والتقى بزوجته ام عواطف بعد ان قضت اربع سنوات في سجن بغداد المركزي والتحق بقيادة منطقة بغداد للحزب الشيوعي ومن ثم الى قيادة المنطقة الجنوبية للحزب .

وفي بداية عام 1968 انتدب للدراسة الحزبية لمدة سنة في موسكو وبعد عودته عاد للعمل في تنظيمات المنطقة الجنوبية وحضر المؤتمر الثاني للحزب عام 1970مندوباً عن المنطقة الجنوبية مع رفيقه شاكر محمود والذي انعقد في كردستان وفي عام 1970 ترشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب خلال اجتماع موسع عقد في كردستان ايضا وعلى اثره تسلم مسؤولية تنظيمات المنطقة الجنوبية وفي عام 1978 ذهب مع مجموعة من الكوادر للدراسة في المانيا الديمقراطية لمدة عام في معهد (كارل ماركس) بعدها عاد الى سوريا ومن ثم الى لبنان وعمل على تنظيم هجرة الشيوعيين الهاربين من سلطات صدام حسين الى العديد من الدول وبعد ذلك سافر الى كردستان العراق للمشاركة في قيادة فصائل الانصار الشيوعي بعد سنين عديدة هاجر الى المانيا مع عائلته وقضى سنوات الغربة وهو اشد التصاقاً بحزبه الشيوعي الى ان نهشته الامراض اللعينة ليرحل عن رفاقه وحزبه وهو قرير العين من خلال تاريخه النضالي والاسطوري .

وداعا رفيقنا الراحل ابو عواطف فنم قرير العين بعد ان وهبت حياتك من اجل اعلاء اسم وتاريخ الحزب الشيوعي ومن اجل تحقيق اهداف المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي ...
دولة مدنية ديمقراطية اتحادية ...عدالة اجتماعية


المصادر:-
1- كتاب (الصراع) من مذكرات شيوعي عراقي للراحل سليم اسماعيل من منشورات دار المدى 2006
2- كتاب شيوعيون من اعماق السجون (معد للطبع) سجن نقرة السلمان للأعوام (1963/1968) لكاتب المقال عبد القادر العيداني
 





 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter