|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد 11/6/ 2006                                 عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

في الذكرى الخامسة والعشرون لفقدانه

أبو سرحان.... المناضل والشاعر الشهيد

عبد القادر احمد العيداني *


ألوك آنه الزبون حمود ...
خيط بريسم امحله
اللي سوة حمود وسواني
انه الكهوة واهوالدلة
جفيت سنيني بسنينة .....وعشت لجلة
وجزينه من العمر حلمين

(مقطع من قصيدة زبون حمود) للشاعر الشهيد أبو سرحان

البصرة تلك المدينة البائسة وبوابة العراق المطلة على خليجه ..مدينة النخل والنفط وشط العرب واغاني البحر ومواويل الغناء الخليجي إنها مدينة المشاهير من المثقفين والأدباء والمفكرين في شتى مناحي الحياة..... هذه المدينة التي هي كالعملة تحمل وجهين الأول هو وجه الخير والعطاء والإبداع ..والثاني أنها مدينة البؤس والفقر والحرمان . هذا الواقع تمخض عن ظهور الحركات والأحزاب الثورية التي ناضلت طيلة عقود من اجل تحرير وسعادة الشعب من واقعه المر حيث المحتل الأجنبي وصنائعه من العملاء يسرقون خيراته في وضح النهار بلا حسيب أو رقيب ...
في مثل هذا الواقع المرير تولد وتتوسع الحركات الثورية حيث تجد حاضنتها في الأحياء الشعبية الفقيرة الملاصقة لمركز المدينة والتي تحيطها كالسوار في المعصم . محلات المناوي باشا والكزارة وبريهة والخندق والرباط ونهير الليل والسيمر والفرسي والصبخة والمعقل والحكيمية في هذه الأجواء وتحديدا في محلة الحكيمية تفتحت الدنيا لمولود جديد يرى نور الحياة في عام 1946انه الشهيد ذياب كزار سالم الغزي (أبو سرحان) ....
وبسبب توسع المدينة وافتتاح العديد من شوارعها الجديدة وبهدف القضاء على أماكن تجمع الناس الخيرين هدفت السلطات الغاشمة على إزالة الكثير من المحلات بحجة القضاء على الأكواخ والصرائف في المدينة فقامت بترحيل أهالي منطقة الحكيمية وكذلك الكثير من المناطق الشعبية إلى محلة الفيصلية التي أسست حديثا وهي تبعد حوالي (7كم ) شمال غربي البصرة كانت عائلة المرحوم كزار سالم من ضمن العوائل الفقيرة التي سكنت الفيصلية (الجمهورية فيما بعد ) وكان ذياب لا يتجاوز عمره في تلك الفترة الخمسة سنوات . يتحدث صديق طفولته وشبابه الحاج شراد شريف الذي هو أيضا هجرت عائلته من الحكيمية إلى الفيصلية قائلا ان آبائنا أدخلونا بالكتاتيب التي كانت منتشرة في ذلك الوقت ويديرها الشيخ أو الملا لغرض تحفيظ القرآن الكريم حيث تم لهم دراسة أصول التلاوة والتجويد وكان من المعتاد انه في نهاية كل دورة لحفظ القرآن على ظهر القلب تجري للطفل المتفوق احتفالية بسيطة تسمى (زفة الختمة) يشارك فيها بالإضافة إلى الأطفال المتخرجين العديد من أطفال المحلة وشبابها في بعض الأوقات حيث توقد الشموع ويوضع أغصان شجر الآس والحلويات (حامض حلو) في الصواني ويتجولون في أزقة محلة الفيصلية هكذا عاش وختم القرآن الكريم ، أبو سرحان والأطفال تحيط به في جو أيماني صادق حيث اكمل حفظ القرآن الكريم جرت له الزفة والأطفال ينشدون .... ( طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ) .
ومن ثم التحق الشهيد ذياب كما أكد ذلك الحاج شراد في مدرسة الأمير الابتدائية وتخرج من الصف السادس ابتدائي بنتيجة باهرة وهي احتلاله موقع الناجح الأول على طلبة العراق ....
وما ان بدءت مرحلة الصبا والوعي الثوري من الواقع المرير الذي يعيشه الشعب و مع بدء (ثورة 14تموز1958) إلا وان وجد ذياب نفسه يشترك في خضم التظاهرات الشعبية المؤيدة للثورة وهو فتا يبلغ من العمر اثنا عشر عاما وبعد انتكاسة الثورة بسبب مؤامرة (8شباط) الدموية وجد ذياب ورفاقه من شباب المحلة ومن ضمنهم الحاج شراد شريف في قلب الحزب الشيوعي وهو يعيش فترة الجزر الثوري والإرهاب والاعتقالات والمجازر الدموية لكل المناضلين ...
تم اعتقال هذه الكوكبة من الشباب من قبل عصابات الحرس القومي فكانت المواقف الرجولية والتحدي البطولي لهؤلاء المناضلين وكانت والدة الشهيد ذياب تذهب لزيارته في سجون الطغاة كل شهر وعند عودتها إلى محلة الجمهورية تهلهل وتزغرد في أزقة محلتها فتجتمع حولها نسوة المحلة وهي تحمل بين يديها ثياب ذياب الملطخة بالدماء نتيجة التعذيب البربري لحكام البعث المجرم بعد ذلك تنقل أبو سرحان في العديد من مواقف الامن والسجون بدأ من موقف البصرة وتمت أحالته إلى المجلس العرفي العسكري في عام 1964 ليحكم عليه (7سنوات) وعند خروجه ورفاقه من قاعة المحكمة منقولين إلى سجن نقرة السلمان لقضاء مدة الحكم اخذوا يهتفون بالنصر للحزب الشيوعي العراقي وبعض الشعارات الطريفة التي حاولوا ان يخففوا منها عن الواقع الذي هم فيه ومنها ..
(( ألما يزور السلمان عمرة خسارة))  .
في سجن نقرة السلمان الرهيب وهو يضم في تلك الفترة العديد من خيرة أدباء ومثقفي ومبدعي العراق كسعدي يوسف والفريد سمعان ومظفر النواب وخالد الخشان وفيصل السعد وفاضل ثامر ودينار السامرائي وسميع داو ود وبديع عمر نظمي وجاسم المطير بالإضافة إلى خيرة السياسين والمناضلين الذين صقلتهم المنافي والسجون والاظطهاد فزادت من أيمانهم بقضيتهم العادلة عمقا للتضحية في سبيل الشعب  .
بعد ذلك تم نفل أبو سرحان إلى سجن العمارة لتكملة مدة حكمه وكانت عائلته تذهب أليه كل شهر من البصرة الى العمارة مع صديق طفولته وشبابه شراد شريف لغرض زيارته والتي يجمعون تكاليفها بشق الانفس فما كان من شهيدنا الأوان يرسل قصائده الجديدة مهربة من السجن بين طيات عباءة والدته أو مع صديقه شراد لغرض الحفاظ عليها خارج السجون بعيدا عن أعين السلطات الغاشمة بعد ان خرج من سجن العمارة كان شباب محلة الجمهورية في استقباله لسلامته من سجون الطغاة وبعد ذلك واصل ذياب مسيرته النضالية والأدبية بين شباب مدينته البصرة حيث تفتحت مواهبه اكثر فاكثر واكتمل نضوجه ووعيه الثقافي .
في بداية السبعينيات من القرن الماضي كان أبو سرحان الشاعر الشعبي الذي لا يشق له غبار حاضرا في اغلب التجمعات الشبابية والأدبية وهو يلقي من غرر قصائده الرائعة التي تمتد في عمق التاريخ لتأخذ من فلكور شعبنا الكثير من الحكم والمواعظ بأسلوب غنائي شعبي لينجز قصائده السياسية والعاطفية وهذا ليس بغريب على ابو سرحان بعد مروره بتجربة السجون التي عمقت من وعيه الوطني والشعري .فكانت مقهى منكاش في محلة الجمهورية مكان التجمع الدائم لأدباء المحافظة وخاصة الشعراء الشعبيين من أمثال الشهيد فالح الطائي والشهيد فوزي السعد والشهيد هادي الشاوي والأديب والصحفي عبد البطاط والشاعر الشعبي جبار اللامي (ابو ضياء) وعلي الكعبي وعطا عودة الشهد وكامل السعد ومهدي عبود السوداني والكثير من الأدباء والمثقفين فكانت هذه المقهى أشبه بمنتدى أدبي وثقافي يشارك فيه الحضور من محبي الثقافة والشعر الشعبي وهم يستمعون من أفواه الشعراء تلك المطاردات الشعرية والقصائد الشعبية وكان أصدقائهم شعراء المحافظات يقصدون هذا المقهى التي أصبحت معروفة في كل أنحاء العراق حيث يلتقون مع شعراء البصرة ويشاركونهم اماسيهم الشعرية التي تمتد الى ساعات طويلة من الليل ليتزودوا بعد ذلك بزادهم الثقافي مع الجديد في عالم الإصدارات والكتب من مكتبة الجمهورية ..
شارك شاعرنا الشهيد في إحدى مهرجانات المربد في بداية انطلاقها فقرء رائعته المشهورة (ابنادم) فهزت القاعة تصفيقا لهذا الشاعر الذي كسر القيود السائدة في تصنيف الادباء الى درجات على ضوء علاقاتهم التي تشوبها في اغلب الاحيان العلاقات الخاصة والتسلطية كان من ضمن الحاضرين في هذه المهرجانات المربدية المرحوم الشاعر اللبناني عمر ابو ريشة فأخذ يردد مع نفسه الكثير من كلمات الثناء والمدح بحق ابو سرحان من خلال الدموع التي تساقطت على وجنتيه وهو يقول ان هذا الشاعر سيكون له المستقبل الباهر في عالم الشعر والقدح المعلى في شؤون الشعر الشعبي في منتصف سبعينيات القرن الماضي غادر ابو سرحان العراق الى لبنان بتكليف من أعلام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فكان شعلة متوهجة من الأيمان بالعمل الثوري في صفوف الكفاح المسلح للشعب الفلسطيني عاد بعد ذلك مرة ثانية الى العراق وبعد فترة قصيرة غادر العراق عائدا الى لبنان وبعد سفرته الثانية هذه انقطعت أخباره عن أهله وأصدقائه حيث تضاربت الروايات عن مصيره منها من قال انه اعتقل من قبل ميليشيات الأحزاب اليمنية المسلحة وحزب الكتائب ولقى مصرعه واستشهد في سجون هذه الميليشيات فأصبح مصيره مجهولا لحد الان ...
وبمناسبة مرور ربع قرن على غياب الشاعر المناضل ابو سرحان نطالب نحن اخوته وأصدقائه ومحبيه من القوى والأحزاب الخيرة اللبنانية وفي المقدمة منها الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمات المقاومة الفلسطينية بالبحث عن مصير هذا الرجل الذي اصبح فقدانه لغزا محيرا لدى الادباء والمثقفين العراقيين ... اصدر الشهيد ابو سرحان ديوان (حلم وتراب) في عام 1972وهو باقة من الشعر الشعبي العراقي تضم ستة عشر قصيدة نفذ هذا الديوان من المكتبات بسرعة مذهلة حتى لم يستطيع اكثر الشعراء الشعبيين العراقيين من الحصول على نسخة واحدة منه ألا بشق الانفس .
وانجز الشاعر مجموعته الثانية بأسم ديوان ( الواحات) عام 1976 ولم توافق وزارة الثقافة والأعلام آنذاك على طبعه لعدم انسجامه مع التوجهات البعثية وتوظيفها لخدمة أغراضه الإجرامية وكانت من ابرز قصائده في هذا الديوان قصيدة (خيوه بنت الديرة) وللشهيد أغنية مهداة إلى الحزب الشيوعي العراقي بمناسبة عيد ميلاده الأربعين ولم تنشر من قبل واليكم هذه الرائعة لأبو سرحان أغنية مهداه الى الحزب الشيوعي العراقي في عيد ميلاده الأربعين  :
بيت الحــــزب بساتين
وجه الحـــــزب نياسين
بيت الحزب هلاهل
وجه الحزب سنابل
بيه كمرة وبيه شمس
بيه مدرسة وفلاحين
للفقره والمحرومين
بيت الحزب بساتين
وجه الحزب رياحين
وانجز الشهيد ذياب كزار (ابو سرحان) أوبريت (ما بيع طوكي) لحنه السيد كوكب حمزة وبمشاركة طالبات ثانوية المعقل وقدم على مسرح بهو الإدارة المحلية في البصرة وله من المنجزات أوبريت (السابله) إخراج المرحوم الرائد المسرحي الذي استشهد في محراب الفن إبراهيم جلال ولم تتم الموافقة على أعداده من قبل وزير الثقافة والأعلام المقبور طارق عزيز وكذلك من نشاطاته البارزة بالاشتراك مع الشاعرين علي العضب وخالد الخشان أوبريت (بيادر خير) وهذا الأوبريت يعتبر نقطة التحول في التطور الفني في العراق في مجال أعداد الاوبريتات ..
وللشهيد العديد من القصائد المغناة بأجمل الأصوات الغنائية في العقد السبعيني من القرن الماضي فغنى له العديد من المطربين والمطربات نستعرضها بشكل سريع كالآتي ..
1- حاصودة غناء مائدة نزهت تلحين كوكب حمزة
2- همه ثلاث للمدارس يروحون غناء مائدة نزهت
3- كرستال غناء أمل خضير
4- لاله لول لوه الأعداد والتوزيع الموسيقي للفنان حميد البصري
5- ويلي يل المحبوب غناء ابن نخيل البصرة فؤاد سالم
6- شوك الحمام غناء المطرب فاضل عواد
7- مهظومة شدات الورد غناء المرحوم ستار جبار ونيسة
8- الكنطره بعيده غناء سعدون جابر
9- خيوه بنت الديرة غناء سعدون جابر
10- بوسط روحي حضنتك طيف الحان وغناء طارق الشبلي
11- تطرد وحشة الفركه الحان وغناء طارق الشبلي
مع المعذرة لمن فاتني ذكر مشاركته مع الشاعر الشهيد ابو سرحان ..
ان استشهاد ورحيل الشاعر المبكر وهو في قمة عطاءه الشعري ونضوجه الفكري ترك فينا غصة كبيرة لانستطيع تعويضها بأي شكل من الأشكال ولايسعنا ان نصبر ونقول ان رحيله خسارة للأدب العراقي ولأهله ومحبيه ..
ختاما شكرنا الى السيد حسون كزار أخ الشهيد والسيد شراد شريف صديق طفولته وشبابه في المساهمة في هذا المنجز الذي نتمنى ان يرفد أرشيف الأدب الشعبي بالكثير من المعلومات عن شاعرنا الشهيد (ابو سرحان) ذياب كزار سالم الغزي  .

*
كاتب وأعلامي -  البصرة

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter