|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  10  / 1 / 2018                                عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

من ادب السجون *

(1000 يوم في سجن نقرة السلمان)

عرض : عبد القادر احمد العيداني
(موقع الناس)

صدر للسجين السياسي لطفي شفيق سعيد , الذي كان خلال الحكم الجمهوري , الاول في العراق ملازم أول , علماً انه كان من المشاركين في تفجير ثورة ( 14 تموز 1958 م ) من خلال وجوده في اللواء التاسع عشر الذي كان يقوده الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم .

لطفي شفيق من مواليد بغداد عام 1932 م وخريج الكلية العسكرية الملكية عام 1956م وهو عضو نقابة الصحفيين العراقيين وعضو مركز النور للثقافة و الاعلام وعضو مؤسس لجريدة 14 تموز الناطقة بلسان التجمع القاسمي واحد محرريها البارزين .

ان الاعوام الثلاث التي قضاها في غياهب سجن نقرة السلمان عقب انقلاب 8 شباط 1963 م مرت عليه الكثير من الاحداث و المحطات النضالية بين جدران السجن سطرها بشكل رائع من خلال فكره المتقد وعلاقاته مع اخوته السجناء و المعتقلين .

ان اول ما يثير الانتباه للقارئ الكريم صورة الغلاف الاولى و التي كانت غير مناسبة ولم يوفق السيد المؤلف بعرضها من خلال كونها صورة تمثل مديرية شرطة البادية الجنوبية والتي تقع ايضاً في قضاء السلمان وهي ليست السجن الذي عاش فيه المؤلف ثلاثة سنوات بلياليها وايامها الدامية ,

علماً ان مديرية شرطة البادية الجنوبية تحولت في ثمانينيات القرن الماضي بديلاً عن سجن نقرة السلمان الذي الغته السلطات البعثية في اوائل العقد السابع من القرن الماضي , فتحولت مديرية شرطة البادية الى سجن و منفى للتبعية الايرانية الذي كانوا يعيشون في العراق عشرات السنين وكذلك للكثير من ابناء الشعب الكردي و الاكراد الفيلية وبعض معارضي الحكم البعثي خلال الاعوام الماضية شاهدت الكثير من وسائل الاعلام و الفضائيات جهلاً منها بالوقائع تشير الى ان قلعة البادية الجنوبية كونها سجن نقرة السلمان ,

علماً ان سجن نقرة السلمان يتكون من قلعتين شمالية وجنوبية بناها كلوب باشا عام 1928م لصد الهجمات الوهابية الاتية من نجد و الحجاز مستهدفة القضاء على العتبات المقدسة في كربلاء و النجف وقد تطرقت لهذه الامور في كتابي من اعماق السجون ( نقرة السلمان قيود تحطمت) الصادر عن مؤسسة السجناء السياسيين عام 2013, ففي عام 1942م تحولت القلعتين الى سجن سياسي وتم سجن اول وجبة من المعارضين للحكم الملكي من ابناء الشعب العراقي وبعض شيوخ العشائر الوطنيين امثال السيد علوان الياسري , الشيخ عجة الدلي , الشيخ فتيخان ابو ريشة , الشيخ صكبان العبادي , الشيخ سواد الحسون ,خليل كنة , فائق السامرائي , العقيد سعيد يحيى , اكرم احمد الربيعي , شناوة كرد و أخرين ,

و اطلق سراحهم من سجن نقرة السلمان بعد ان قضوا فيه سنة واحدة وفي عام 1949م استقبل السجن اول مجموعة من السجناء الشيوعيين وكان عددهم حوالي (200سجين) جاؤوا بهم نقلاً من سجون بغداد و الكوت و بعقوبة كان من ضمنهم زكي خيري , عزيز الحاج , نافع يونس , عزيز محمد , آراخاجادور , جمال الحيدري , حسين احمد الرضي (سلام عادل) وكذلك عدداً من ابناء الطائفة اليهودية بينهم ابراهيم ناجي شميل , يعقوب اسحاق , حسقيل قوجمان ,

وكان مسؤول على التنظيم الحزبي المحامي سالم عبيد النعمان و معه لجنة التنظيم المكونة من محمد حسين ابو العيس , علي شكر , يوسف زلخا , رشيد عارف .

وفي عام 1952م تم بناء عشر ردهات ( قواويش) بسبب زيادة عدد السجناء السياسيين و لم تستطع القلاع احتوائهم وذلك بسبب انتشار الوعي الوطني في العراق.

جاء في مقدمة كتاب ( 1000 يوم في سجن نقرة السلمان) الغاية من اصدار هذا الكتاب هو من اجل ايضاح هول المصيبة و الكارثة التي حلت في البلاد , حيث لم يكن سجن نقرة السلمان معروفاً لدى غالبية الناس قبل انقلاب الثامن من شباط 63 بالرغم من انه احتوى بعد انتكاسة ثورة 14 تموز في عهد عبد الكريم قاسم و انحدارها المريع و ابتعادها عن القوى الوطنية بسبب الدكتاتورية العسكرية و الفردية التي تشرنق عبد الكريم قاسم فيها اصبح معتقل سجن نقرة السلمان المكان الملائم لأبعاد الكثير من العناصر الوطنية و الشيوعية امثال الشهداء المحامي حمزة سلمان و مهدي حميد وذكر المؤلف اسم الشهيد محمد حسين ابو العيس وهذا غير صحيح علماً ابو العيس كان سجيناً في العهد الملكي عام 1949 ولم يكن معتقلاً في العهد الجمهوري في سجن السلمان .

لقد قضى المتعلقون بعد 8 شباط 1963 من ابناء الشعب العراقي احلى سنوات اعمارهم بين جدران السجون و المعتقلات على امتداد الوطن وحشر الالاف منهم في ظروف غير انسانية و قاسية , وتحدث المؤلف بشكل مسهب عن موقع سجن نقرة السلمان الذي يقع في صحراء قاسية سواءً في الصيف او الشتاء يبعد عن اقرب مدينة وهي السماوة بحدود 150 كلم عن السجن , ويقول المؤلف انه الان في الخامسة و الثمانين من عمره وكان حين اعتقاله في التاسع و العشرين من عمره واودع في سجن معسكر الرشيد العسكري رقم (1) بعد انقلاب 8 شباط وتم احالته الى المجلس العرفي العسكري الاول في شهر حزيران عام 1963 وتم الحكم عليه بخمس سنوات وسيق في شهر حزيران من عام 1963 الى سجن نقرة السلمان.

لقد نشر في صفحة 37 من كتابه صورة لبعض سجناء نقرة السلمان ولم يستطيع التعرف على اشخاصهم وهم الوقوف من اليمين فالح احمد عبد القادر من اهالي بعقوبة , ابراهيم مطلك , زهدي حميد , عباس المظفر , كاكا كريم , اما الجالسين من اليمين محمد عبد الرضا ( كبد) يليه انا عبد القادر احمد العيداني , ثم الملازم الاول احمد صبحي الخطيب و أخيراً المؤلف لطفي شفيق سعيد.

يذكر الكاتب الشهداء الذين توفوا في سجن السلمان وهم الرئيس الاول ( رائد) يحيى نادر وصلاح الدين احمد , و العقيد الحقوقي نوري الونه , ويذكر الشهيد الرابع وهو المعلم و المربي يحيى قاف وذكر ان اسم ابيه قاسم بينما اسمه الصحيح يحيى عبد الواحد ,
علماً انه استشهد بعد ان تم نقله الى سجن الحلة ( يوم الاثنين 17 نيسان 1966م) وكذلك لم يذكر الشهيد هادي طعين القائد العمالي ورئيس نقابة الميكانيك في محافظة البصرة , الذي استشهد بسبب اصابته بمرض التدرن الرئوي.

وفي فصل آخر يتطرق الى معالم سجن نقرة السلمان حيث سكن في قاووش (رقم 3) الذي كان مسؤوله المرحوم داود الخشتي وكيف كانت ليله الاولى في السجن واكتظاظ الردهات بالسجناء وفي صباح اليوم الثاني تم الافطار بشوربة العدس مع قطعة من الخبز حيث يتم تناول الطعام على شكل مجموعات كل خمسة في مجموعة واحدة تجمعهم (القصعة المعدنية) وبعد الافطار الصباحي تجول في السجن ليشاهد معالمه كالمطبخ و المخزن و العيادة الطبية وكذلك سور السجن العالي الذي تعلوه الاسلاك الشائكة ووجود ربايا حراسات لشرطة السجن وكذلك وجود خزانات حفظ الماء تستلم ماء الابار بواسطة سيارة حوضية لنقل الماء من خلال ثقب في جدار السجن ,

واستعرض خلال تجواله في السجن القديم ( القلعة الحجرية) وسرعان ما راوده شعور بانه دخل احد الحصون او القلاع المشيدة و المظلمة ابان القرون الوسطى في اوربا.

وبعد مضي شهر على وجوده في سجن نقرة السلمان وفي يوم الخامس من تموز 1963 انداحت البوابة الحديدية الخلفية للسجن لتندفع من خلالها الاجساد الموهنة و المتعبة والتي اكتست وجوههم صفرة الموت و القلق و الالم مع طبقة كثيفة من رمل الصحراء وكان هؤلاء معتقلين في سجن الرشيد رقم (1) حيث تم حملهم بقطار الموت المزفت بالقار تحت اشعة تموز اللاهبة والبالغ عددهم (1000ضابط) وتوزعت هذه الكتلة البشرية على قواويش وردهات السجن , واصبح السجن يحتوي على اكثر من 2500 سجين مما اصبحت حصة كل سجين من القاووش هي (15سم ×2م) لا يستطيع المنام فيها بشكل مريح ومن اجل معالجة امور افرشة السجناء كانت هناك ورشة ندافة تختصر الفراش الى اقل حد ممكن .

وفي السادس من تموز وصل الى السجن 403 معتقل من البصرة في الطريق الصحراوي من خلال (قافلة الموت) وتطرق السجين لطفي شفيق سعيد الى انتفاضة معسكر الرشيد وحركة حسن سريع التي استهدفت العمل للقضاء على حكم البعث الفاشي في يوم 3 تموز 1963 ويذكر الكثير من الوقائع بشكل مفصل وهي مستلة من كتاب (البيرية المسلحة) تأليف كريم علي سعيد.

وبعد ذلك احضرت سلطات البعث فصيل من الحرس القومي بأمرة الجلاد سليم الزيبق وبدءت هذه الزمرة تقض مضاجع السجناء وتهدد حياتهم بقعقعة السلاح وصراخهم وتصرفاتهم الصبيانية وانتشروا فوق ربايا السجن وعند بواباته حيث لجأوا الى تجميد ادارة السجن واصدروا اوامرهم بأغلاق القاعات و الشبابيك ومنع خروج السجناء الا فترات قصيرة في اليوم الى الحمامات و المرافق الصحية .

واستمرت اساليبهم الهمجية بحق السجناء السياسيين الى ان حل يوم 18 تشرين الثاني 1963 وهو يوم الانقلاب عليهم من قبل شريكهم في الجرائم عبد السلام عارف وزمرته من طاهر يحيى ورشيد مصلح و آخرين و الذين سبق و ان شاركوا بالتآمر على السلطة الوطنية التي كان يقودها عبد الكريم قاسم حيث بدء افراد الحرس القومي وهم بكامل عدتهم و اسلحتهم وهم يتراكضون بشكل يبدوا عليهم الرعب و الخوف حتى تم القاء القبض عليهم من قبل افراد شرطة البادية الجنوبية بما فيهم آمرهم المجرم سليم الزيبق وتم تجريدهم من اسلحتهم وتجهيزاتهم العسكرية بعد ان اشبعوهم ضرباً وتوثيق ايديهم خلف ظهورهم عندها فتحت ابواب القواويش وكذلك تم فتح المجال لسجناء القلعة الحجرية بالتجول في ارجاء السجن , حيث تنفس السجناء الصعداء بعد تلك الاشهر القاسية التي اذاقهم زبانية الحرس القومي مر العذاب والتضييق على معيشتهم داخل الردهات.

عند هذه اللحظات اختفت اصوات زبانية الحرس القومي واستطاع السجناء النوم ليلاً بجو يسوده الهدوء بعد ان تم تخليصهم من اصوات الحرس القومي واصواتهم الليلية الاستفزازية و القرع على التنك , وسادت السجن حالة من الهدوء النسبي واخذ السجناء يرتبون حالهم ليؤسسوا جمهورية السجناء السياسيين في نقرة السلمان وبذلك يعتبر ما يقدمه السجناء في نقرة السلمان يعد ملحمة من ملاحم الصمود و البطولة..

وتطرق المؤلف في فصل آخر الى استشهاد البطل صلاح الدين احمد وذلك من خلال عملية هروبه التي رتبها بالتنسيق مع تنظيم السجن وباشراف المرحومين سامي احمد والضابط الطيار خالد حبيب , لكن مع الاسف كانت نهايتها مأساوية احس السجناء منها بغصة ودموع وهم يفقدون رفيقاً باسلاً لم تسعفه الظروف للتخلص من زنازين الطغاة.

ومن الاحداث المهمة الاخرى التي مرت على السجناء هو مجيء زمرة من ضباط وزارة الداخلية و الامن العامة لغرض اذلال السجناء السياسيين ومن خلال نبذ الفكر الشيوعي واعطاء البراءة لكنهم اصطدموا بجدار فولاذي من السجناء فعادوا خائبين من حيث اتو ومما زاد من تماسك السجناء وعدم خضوعهم للمغريات تلك القصيدة المؤثرة للشاعر مظفر النواب التي عنوانها (البراءة) وهي منشورة في مجاميعه الشعرية.

وبعد ان اوشكت الايام الالف على الانتهاء في سجن نقرة السلمان تم نقل السجين لطفي شفيق سعيد الى سجن الحلة لتكملة مدة سجنه و البالغة خمس سنوات.
 

* منقول عن مجلة الشرارة النجفية

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter