|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  3  / 2 / 2016                                عبدالجبار نوري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

يوم الشهيد الشيوعي / ذكريات مرّة

عبدالجبار نوري
(موقع الناس)

تعوّد الشيوعيون وأصدقاؤهم الأحتفاء بسيرة هذا الحزب العراقي الصميم في أتراحه وأفراحه ، والعجيب أن يكون التنافس في نيل السبق الصحفي مبكرا قبل أوانهِ ، فالأحتفاء بيوم الشهيد الشيوعي بدأ قبل شهر من موعده في 14- شباط 1949 ، وهو يوم الفاجعة لدى أدبيات الحزب والجموع الغفيرة الكادحة من الشعب العراقي حين فقد فيه ثلاثة من قياديه الأشداء ، يوسف سلمان " فهد" وزكي بسيم " حازم " وحسين الشبيبي " صارم " أضافة إلى أعدام يهودا صديق الكادر القيادي في الحزب في تنفيذ حكم الأعدام فيهم شنقا بمحاكمة صورية في العهد الملكي .

الشهيد هو الأنسان الذي يتحدى خشبة الموت ليسمح لحبلها أن يعانق رقبته المقدسة ويوسمها برموز الشرف والوطنية لغايات ساميه مقدسة لأجل الأرض والعرض والمال والوطن بشرعنة قوانين سماوية ووضعية ، فتتحول تلك الشخصنة المميزة ليجد نفسه بين عظماء العالم المضحين من أجل تلك المباديء السامية إلى عالم الخلود الأبدي .

وهذه بعض ذكريات الطفولة المرّة ونحن نسكن محلة باب الشيخ في بغداد ، وشاء القدر أن يرسلني أبي لشراء ( التتن ) من دكان حجي برزو في يوم الفجيعة – 14 شباط عام 1949 ، بعمر عشرة سنوات لم أدرك ما يجري في ذلك اليوم المشؤوم لكني أحسست الوجوم والحزن والأستغراب على أوجه المارة ، وسكوت راديو كهوة (العميان) ، وغياب صاحبها الحاج حمودي ، وبين هوس وشغب الطفولة أندفعتُ بسذاجة طفولية بريئة إلى أن أسأل شخصا خمسينيا جالسا على الرصيف ينفذ بدخان سيكارته بشكل هستيري متسارع وكأنه يريد الأنتفام من شخص ما ( صباح الخير عمو – فأجابني بعصبية يا صباح الخير كول صباح الشر--- ليش عمو ؟ أجاب بابه عدموا " الجعيدة " وسكت وكأنه يطردني بدون نزاكه ، فأسرعت راكضا لبيتنا لأسأل والدي المرحوم عن معنى كلمة " الجعيدة " قال بابه تعني شيخ مال عشيره أو قائد كبير ، وأخبرته بأن يكولون الحكومة أعدمت الجعيدة ، أخذ يتمتم نعم الظلاّمْ !!! وأخفى عني الباقي وفهمتُ بعد سنين كون الطفل لا يخفي الأسرار .

فأخذت هذه الكلمات الجعيده وخطيه وظلاّمْ تدور في ذاكرتي الطفولية إلى تقدم الزمن والتعلم الشيء الكثير من أدبيات الحزب ومدرسته العريقة ، أن ذلك الشخص هو الزعيم المؤسس " فهد " الذي قال يوما: {كنت وطنيا قبل أن أكون شيوعياً ---- وعندما أصبحت شيوعيا صرت أشعر بمسؤولية أكثر تجاه وطني} ، وهو ذلك القائد الفذ الذي أعتقل في الناصرية في شباط 1933 يقف بشموخ وثقة نادرة أمام المحقق قائلا: {أنا شيوعي وهذا معتقدي } ، ويشير الراحل كامل الجادرجي في مذكراته { لقد أشرف السفير البريطاني بنفسه على المحاكمة وتنفيذ الحكم } ، وكذلك وجدتُ في مذكرات الزعيم الوطني " جعفر أبو التمن " يدعوا العراقيين أنْ ينخرطوا في حزب " الأستاذ " ويقصد به الزعيم الخالد " فهد " ولأنّ هذا الرجل واصل طيلة حياته على تكريس الهوية الوطنية والولاء المطلق للعراق ، وعمل على معالجة الهوس الطائفي ، والتعصب العرقي وأزدراء ومحاربة النازية ذلك التيار السائد في وقتهِ ، وأن أعدام هؤلاء القادة المصلحين تعتبر خسارة للعراق وليس للحزب الشيوعي العراقي وحده لكونهم قادة سياسيين من طرازرفيع يمتازون بالثقافة والعصرنة ، وكرسوا ثقافة المواطنة ، ولم يأتمروا بالمستعمر الأجنبي لذا تركوا بصماتهم على الأرشيف السياسي للذاكرة العراقية .

وأختم المقالة ببعض أبياتٍ شعرية لمغرد دجلة الخير " الجواهري "

سلامٌ على جاعلين الحتوف جسراً إلى الموكب العابرِ
سلامٌ على مثقلٍ بالحديد ويشمخٌ كالقائد الظافر
كأنّ القيود في معصميه مصابيح مستقبلٍ زاهر

والمجد كل المجد لشهداء الحزب الشيوعي العراقي وشهداء الحركة الوطنية العراقية


 

السويد / في 3 -2-2016

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter