|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  29  / 4 / 2017                                عبدالجبار نوري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

العلمانيّة / قنطرة العصرنة الحداثويّة

عبدالجبار نوري (*)
(موقع الناس)

المقدمة
الحرية بحسب معناها الأشتقاقي هي عبارة عن أنعدام القسر الخارجي ، والأنسان الحر هو من لم يكن عبداً أو أسيراً .

العرض
العلمانية Secularism هي نظام فلسفي أجتماعي أو سياسي في فصل الدين عن السياسة ، وتهتم بالأساس بأدارة حياة الأنسان على الأرض ، وأنهُ لا يرفض الدين كما يدعي البعض من المتطرفين ، فالفرد من أصل نشأته بحاجة روحية ماسة وضرورة وجود (للوطن والدين) لأن شعور الأنسان الفطري متعلق بين قطبيهما يعزفان معاً أروع قصائد الأبداع في ملاحم ترجمتها ، أنها وليدة الحداثة فهي ظاهرة بديهية وطبيعية في تغيير الأفكار بتغيير الأزمان فهل تبقى الأنهار كما هي عند المنبع ونهاية المصب ، ففي نهايات العشرينات القرن الماضي عند النظر إلى العراق مثلاً لا الرجال هم الرجال ولا الأفكار هي الأفكار بفضل تراكم التجارب وثراء الخبرات !!! إذن تكون العلمانية من معطيات وتجليات الحداثة التي تعني : بناء ومادة وتكنلوجيا عبر مقتربات تنمية أجتماعية وأقتصادية وسياسية تصنع الأنسان وتستشرق المستقبل بخطى واعية ونظرة حصيفة وقدرة على الأبتكار بدون قيود وتكون لها رافعة واحدة هي التعليم ، وأن الدولة الحديثة تقوم على أساس حقيقة المواطنة ويكون محورها الفرد لذا سيكون أثمن رأسمال لكونه هدف النظام السياسي الحديث وصانعهُ وصائغهُ ، يكون المواطنون فيه مصدر السلطات دون تدخل ، الأبتعاد والتحرر من فلسفة اللاهوت السياسي ومحاكم التفتيش والنظم الخلافوية ، وأن العلمانية لا تعمل على رفض الدين كتنزيل سماوي وكظاهرة أنسانية بالغة الأهمية ولا تدعو إلى عدم التديّن ليس هذا هو هدفها ولا غايتها أنما يتساوى الجميع في حق المواطنة وفي أراداتهم التي تتكوّن منها الدولة ، وتقوم على أساس العقلانية التي آثر المفكرون اللبراليون الدنيويون بتسميتها بالعلمانية كما يقول أبو العلاء المعري في هذا البيت الشعري (ضلت الناس لا أمام سوى العقل هادياً في صبحه والمساء) ، وأن أقدم التلميحات للفكر العلماني تعود للقرن الثالث عشر في أوربا عندما دعا " مارسيل البدواني " في مؤلفه (المدافع عن الأسلام) إلى الفصل بين السلطانت الزمنية والروحية ، وأستقلال الملك عن الكنيسة في وقتٍ كان الصراع الديني الدنيوي على أشدهِ ، وقد تشابه بالصراع الذي حدث بين خلفاء بغداد وخلفاء القاهرة ، وبعد قرنين من الزمن أي خلال عصر النهضة في أوربا كتب الفيلسوف وعالم اللاهوت (غيوم أوكامي) حول أهمية فصل الزمني عن الروحي ، وأن العلمانية لم تنشأ كمذهب فكري ألا في القرن 17 ولعل الفيلسوف (سبينوزا) كان أول من أشار اليها أذ قال : أن الدين يحوّلْ قوانين الدولة إلى مجرد قوانين تأديبية وأضاف أن الدولة كيان متطور وتحتاج دوماً للتطوير والتحديث عكس الشرائع الدينية الثابتة ، وأن قوانين العدل الطبيعية الأخاء والحرية والمساواة وحدها مصدر التشريع .

القيم الروحية في العلمانية
أظهرت فكرة العلمانية وتطبيقها فوائد وتجليات أيجابية في أبراز معطيات الأنسنة وتكريس مبدأ السلم العالمي مثل أحزاب الخضر في الغرب الذين يدعون إلى دفن المخلفات النووية ومتابعتها بشكلٍ طوعي ، وأطباء بلا حدود ومتطوعون أغاثة في مناطق الحروب والمناطق الموبوءة بالأمراض السارية والأنتقالية ، وفلاسفة علمانيون أدانوا الحروب وهاجموا رؤساء أمريكا أمثال " برتراند رسل " وسارتر ، وأنشتاين بالرغم من أنهُ موسوي الديانة ، وسيجموند فرويد رفض وعارض قيام دولة أسرائيل كوطن لليهود في أرضٍ ليست لهم .

أسباب الأنتشار الواسع للعلمانية
في نهايات القرن العشرين أصبحت العلمانية من المصطلحات والنظم الفكرية المنتشرة على نطاق واسع ، حيث ظهرت أول أفكارها في فرنسا عام 1879 وأصبح غالبية النواب في البرلمان الفرنسي من العلمانيين ، وتمّ الأعتماد على التشريعات المدنية بدلاً من التشريعات الكنسية للحد من تدخل الكنيسة في شؤون الدولة ، ومن ثُم ظهرت العلمانية في أسبانيا في ظل الحكم الجمهوري في الفترة الزمنية بين 1866 – 1876 ، وفي منتصف التاسع عشر للميلاد أصبحت المكسيك أول دولة في قارة أمريكا تعلن تطبيق العلمانية للدولة ، وأنتشرت بعدها إلى تركيا مع حكم أتاتورك ، وأنها عبرت البحار والمحيطات لتسكن الولايات المتحدة الأمريكية ، وجميع دول أمريكا اللاتينية ، وحتى في آسيا لم نسمع عن دولة دينية ، ولم تقتصر العلمانية على الدول الغربية بل وصلت أفكارها إلى العالم العربي التي أعتمدت القومية واللغة بدلا عن الدين ، فعجلت حوافز ومستجدات إلى ضرورة أستخدام هذا النمط الفكري العقلاني في ديمومة الدولة المدنية الحديثة :

أولا/ فشل نظرية التفويض الألهي والدين السياسي والحكم الراديكالي على مستوى التطبيق النظري أبتداءاً من الحكم الكنسي في القرون الوسطى ثم تبعهُ فشل الحكم الخلافوي الذي لم يستوعب جميع الفئات والملل ثم جربوا حظهم في الأخونة في حكم مصر ولم يأخذ من العمر أقل من سنة ليلفظ أنفاسه وإلى الأبد لوقوع حزب الأخوان الحاكم في فخ عبودية ولي الأمر والتشدد السلفي ونتيجة مزج الدين بالدولة السياسية وتغليفها بفتاوى الظلالة الوهابية والتيمية لآل سعود ظهور التيار الأرهابي التكفيري بأسم تنظيم الدولة الأسلامية في العراق وبلاد الشام والتي مختصرها (داعش) محتلة أجزاء من العراق وسوريا وتكفير الجميع بما فيهم المسلمين والمسيحيين والأقليات بل وشعوب دول الغرب تحت شعار هوس خرافي عتيق قبل ألفٍ ونيُف من السنين الغابرة فكانت من معطياتها الحروب والمجازر والأرهاب والدماء وهتك الأعراض والقتل المجاني في كل بقاع العالم والذي هزّ وأربك المجتمع .

ثانياً/ المحفزات التأريخية في الثورة الفرنسية 1791 إلى أعلان شعار حقوق الأنسان والمواطنة والحرية والمساواة وأن الدستور ضمان التعبير عن طموحات وأرادات المجتمع الأنساني وأن الأنسان لا يمكن أن يكون حراً ألا في مجتمع ، فليس للأنسان حقوقاً ألا بوصفهِ مواطناً ، ولا مجال للأعتراف بسيادة تستند إلى الحق الألهي ولا تستند لسيادة الشعب ، أذ لا علاقة مشتركة بين الناس جميعاً غير العلاقة المشتركة غير القابلة للأنفصام بين كينونتهم البايلوجية وصيرورتهم الأجتماعية وهذا هو أساس الدولة ، فجاء في المادة -1- من الدستور الفرنسي (يولد الناس ويعيشون أحراراً ومتساوين في الحقوق) .

ثالثاً/ نجاح تطبيقها الواسع في الدول الأوربية في أبراز مظاهر العلمانية في الحياة اليومية في الفكر والحياة للحكم والتشريع ، والتربية والثقافة ، والأنثروبولوجيا والأخلاق ، وقد كانت لعصر التنوير عصر النهضة الأوربية أثرا بالغا في سعيها إلى العلمانية بالتبشير إلى تحقيق تلك الأمنية السعيدة الآخروية في الحياة الحالية .

الخاتمة
من أجل المواطنة الحقة والسلم الأجتماعي ---- العلمانية هي الحل ، وما أجملها من أيام أن يكون الدين للديان والوطن للجميع ، ونحن من أنصار العلمانية المدنية نأمل أن لا ينحدر المجتمع البشري إلى حضيض الفزع الكارثي لكتاب الحداثة الذين أستخدموا لغة سوداوية منتهجين أسلوب العرض العلمي أو الأدبي لأثبات توقعاتهم الكارثية للمستقبل المجهول في تمادي وغطرسة الطبقات الحاكمة المدنية بأبتزازها وأستغلالها للديمقراطية واللبرالية والعولمة الحداثوية ، وللأسف أن الموقف الأن شبيه بذلك الموقف الذي نشأ في أزدياد قوة الملوك في القرن السادس عشر ، ها هي أمبراطوريات المال بقيادة الرئيس الأمريكي الشرير ترامب الذي وضع العالم في أول عتبة لحكمه الأهوج على حافة حربٍ كونية لا تبقي ولا تذر بتحرشه مع مجنون كوريا الشمالية والسلاح هذه المرة نوويا وساحتها وضحاياها الشعوب المقهورة المستلبة سلفا ً ---


المصادر والهوامش /

الأسلام على مفترق الطرق - محمد أسد ص 31
مذاهب فكرية معاصرة ( العلمانيه ) - محمد قطب
العلمانية - سامي هابيل
قصة العلمانية - د. راغب السرجاني
مجلة قضايا فكرية - فؤاد زكريا
العهد الجديد - أعمال الرسل
 

(*) كاتب وباحث عراقي مغترب
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter