|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  3 / 12 / 2009                                 عادل أمين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

النوايا الصادقة على المحك

عادل أمين

القانون الإنتخابي الذي جرت بموجبه إنتخابات عام 2005 يتراءى للمتتبع الآن بأنه كان بالرغم من كل شوائبه قانوناً صالحاً لإعتماده في إجراء إنتخابات عام 2010 وبدون إثارة هذه الزوبعة حول التعديلات التي أدخلت عليه ، إن ما أحدثه القانون والتعديلات التي جرت عليه ونقض السيد طارق الهاشمي لبعض من فقرات تلك التعديلات وردود الأفعال التي اُثيرت حول هذا و تلك وتأويلاتها وتهويلاتها من قبل وسائل الإعلام، خلقت حالة من التشاؤم ورسمت لوحة قاتمة حول مستقبل العملية السياسية ـ الديمقراطية الجارية في البلاد، وحُمل الموضوع اكثر من طاقته ، حيث فتحت التراشقات الكلامية بين الكتل البرلمانية الباب واسعاً (لبعض) المحللين السياسيين العراقيين والعرب من( ذوي المرامي السيئة ) ، من أن العملية السياسية معرضة برمتها إلى" الإنهيار وسيدخل العراق في نفق مظلم والعودة به ، إلى المربع الأول...الخ " من هذه التعابير التشاؤمية التي تخلق حالة الإحباط واليأس عند المواطن العراقي، ولا يخفي قسم من هؤلاء تشمتهم بما يجري في العراق وما تصاحبه من التوترات، ولا يخفون ايضاً تمنياتهم وفرحهم بأن يصبحون يوماً على خبر الإنهيار التام لمجمل العملية السياسية في العراق ، وهل يتصور(هؤلاء) من أن العملية السياسية والديمقراطية الجارية بهذه الهشاشة ، بحيث تنهار بهذه البساطة أمام أول عثرة سياسية، وهي عثرة قانونية ؟ ألم يحسب المشرع حساب ذلك ؟ وإلا لِمَ وضعت نصوص قانونية في الدستور العراقي حول مجلس الرئاسة وحق نقض تشريعات البرلمان، وفقرات أخرى حول أمور خلافية أخرى ربما ستظهر في فتراتٍ لاحقة ؟ .

إن الصراع بين أطراف العملية السياسية ، هو صراع لأجل السلطة وكل طرف في العملية يسعى لرسم ملامح مستقبل النظام السياسي القادم في العراق، حسب إجتهاده ومصالحه ، وهو أمرٌ معروف للقاصي والداني وغير قابل للتخفي، وهي حالة لا يمكن تسميتها إلا بالطبيعية ، في بلد كالعراق متعدد القوميات والأديان والطوائف والمذاهب والطبقات والشرائح الاجتماعية ، وهو حق مشروع لكل طرف في السعي للحصول على المكاسب السياسية على أن تجري في إطار الثوابت الوطنية العراقية ،ولا خوف منه طالما يجري ذلك الصراع بالطرق السلمية والشرعية الدستورية بالرغم من كل ما يحيط تلك الشرعية من اللغط ، و ان ما جرت من المشاحنات الأخيرة حول القانون الإنتخابي وتعديلاته ، لم تكن إلا من تجليات ذلك الصراع السلمي والدستوري ، فلماذا كل هذا الخوف والتطير مما يجري من الصراعات ، وتهويلها الى صور مرعبة وكأن العراق على شفا الهاوية و سيسقط في أول عاصفة سياسية تهب عليه ، وأن طريق الديمقراطية مغلقة في وجهه لا يمكن له ولوجها ، هل رأى أو سمع أحدنا هكذا نوع من الصراعات السياسية وعلى الملأ بين اطراف مختلفة في دول ذات انظمة شمولية ؟ أو حتى في ظل الأنظمة الدكتاتورية التي تدّعي " الديمقراطية " ومجالسها ذات التسميات البراقة كـ" الوطني ، الشعب ، البرلمان أو الشورى ...الخ " ؟! ألم تجري الحالات المشابهة لوضع بلدنا في دول ديمقراطية أخرى من الصراعات بين الكتل البرلمانية ؟! هناك دول برلمانية عريقة تعيش هكذا ازمات لأشهر عديدة ،من دون أن تثير الجدل المريب وضرب الأخماس بالأسداس من قبل المحللين .

انها حالة صحية أن يتواجد في البرلمان تنوع يعكس النسيج العراقي ومكوناته ،وهم في صراع سلمي دستوري، وأن من حرص الوطنيين والغيورين على وطنهم ان يستمر هذا التنوع والصراع الحضاري ومن دون إقصاء الآخر، وكلنا نطمح إلى قانون إنتخابي نموذجي، يضمن مصالح وحقوق جميع المكونات العراقية ويلبي طموحها، لكن هذه الحالة ليست بيسيرة في حال تنوع التكوينة العراقية .

الشعب العراقي خرج تواً من آتون اشرس دكتاتوريات العصر الحديث مذهولاً و ما زال يعيش هول الصدمة، وهو متحرر من سجنٍ كبير ليشاهد العالم إلى أين وصل ، وأين هو الآن هذا من جهة ، ومن جهة آخرى لم تُمارس في العراق أية عملية ديمقراطية ليس منذ تأسيس الدولة العراقية فحسب، لا بل منذ أن خُلقت هذه البقعة على الكون ، والآن بفعل القوى الخارجية أتيحت له ممارستها وفي وقت مبكر، أي بظرف سنتين بين سقوط النظام وبين الأنتخابات، وهي فترة خارج الوقت الزمني بالنسبة لتأريخ العراق، ومن البداهة أن تكون الحالة غريبة ومثيرة بالنسبة للكثير من المواطنين العراقيين، ولبكر الحالة وفرادتها أُسيئ فهم جوهرها و تمت ترجمة ممارستها بشكلٍ خاطئ من قبل الأغلبية ، وانتخابات عام 2005 وما أفرزتها من نوعية البرلمان شاهد على ذلك.

إن الإحتقانات الطائفية والمذهبية و القومية (بالرغم من بغضها) ، والتي يعول البعض عليها في ايصال العملية السياسية والديمقراطية الى طريق مسدود ، ما هي وليدة اليوم وإن برزت على السطح السياسي بشكلٍ مكشوف وبهذه الصورة الآن ، بحكم العلنية البرلمانية والديمقراطية وحرية الرأي والصحافة والأحزاب ...الخ، لقد كانت موجودة بين الأقطاب السياسية في الفترات السابقة وفي ظل الأنظمة الدكتاتورية ، وهي تحصيل حاصل لعقودٍ من الإضطهاد القومي والطائفي والمذهبي والسياسي ، ولا يمكن لها من إفشال العملية السياسية ، وإن ساهمت في تعثرها و بلورتها لأخلاقية الحذر والخوف وعدم الثقة بين أقطابه السياسية بمختلف اتجاهاتها ، ألا أنه لا يمكن في نفس الوقت من خلق الأوهام بالقضاء عليها خلال بضعة سنوات ما لم يصاحبها الجهد الدائب من قبل الجميع ، خاصة أن الأشخاص الذين يديرون العملية السياسية ويلعبون دوراً اساسياً فيها ، هم من نفس الأجيال بلحمها ودمها التي أكتوى قسم منها بجحيم فترة الارهاب وما خلفتها من المآسي والويلات والقسم الآخر كان مساهماً فيها ، ولم تمض فترة زمنية معقولة تمحي أو تسوف ذكريات تلك الفترة المظلمة من تاريخ العراق ،ولم تأت بعد ، الى سدة الحكم تلك الأجيال التي لم تعش أهوال تلك الفترة المأساوية ، ليكون من السهل عليها أن تخلد إلى الإطمئنان على مستقبلها ، إلا أن ما هو مشرق ، أن هذه الإحتقانات ظلت بأشكالها محصورة في نطاقها الضيق بين قيادات الأحزاب السياسية ولم تعم الشارع العراقي بالرغم من كل المساعي المحمومة لأطراف داخلية وقوى خارجية ،لا الحرب الأهلية وقعت ولا العراق تقسم ،وعلى المخلصين السعي لإزالة تلك الإحتقانات، والعمل بالتأني والصبر والتغاضي عن الأمور التي لا تستحق اشهار سكاكين البعض على البعض ، وهل تستحق ممارسة السيد الهاشمي والبرلمان لحقيهما الدستوري سواء اتفق المرء معهما أو اختلف ، كل هذه الزوبعة الإعلامية ؟! وكل هذه المخاوف على العراق وعمليته السياسية والديمقراطية ؟!

وبعيداً عن التشاؤم أو التفاؤل لمستقبل العملية السياسية ، هنا يتبادر الى ذهن المرء سؤالٌ ، لِمَ هذه العجلة في المطالبة باجراء التعديلات على القانون السابق ؟ وخلال فترة زمنية قصيرة نسبياً ، ما هي بواعثها وما هي الجدوى منها كي تثير هذه الزوبعة وتسعر حمى الاحتقانات ؟ هل هي لرفع الحيف عن من لحق بهم الضرر في القانون السابق، أم لتكريس الهيمنة وتشديدها في التعديلات ؟ في الحالتين التعديلات غير عادلة ، لا هي رفعت الحيف ولا هي خففت الهيمنة ، فكل شيء جرى عكس المرام ، فالمتضرر من القانون السابق ازداد ضرراً ، والمهيمن إزداد هيمنةً !! فالعودة إلى القانون السابق، الذي جرت بموجبه انتخابات عام 2005 ، أهون ألف مرة من التعديلات الي أُجريت عليه ،والآن تُسمع أصوات هنا وهناك تطالب أو تتمنى بالعودة إلى القانون السابق ،ويظهر أن الأغلبية البرلمانية التي تتمسك بزمام الأمور لجأت إلى لعبة و طبقت المثل العراقي (راويه الموت يرضى بالسخونة) وهي لعبة لا تساهم في استقرار الوضع شاء أصحابها أم أبوا ذلك ولا تساهم ايضاً في تمثيل جميع المكونات العراقية في المؤسسة التشريعية ولا تعميق فكرة الديمقراطية وترسيخها، فاذا كانت هناك نوايا مخلصة وصادقة لترسيخ الديمقراطية وإخراج البلاد من محنتها، فعلى هؤلاء الترقي إلى مستوى المسؤولية، وليس السباق على المكاسب الضيقة والآنية، والتي لا يكتب لها النجاح في العراق المتعدد المكونات ، ألم يكن بالإمكان التريث فترة زمنية آخرى لحين استتباب الأمن وخلق الثقة والإطمئنان المتبادلين بين أقطاب العملية السياسية؟ ولحين أن تترسخ بعض المفاهيم الديمقراطية في أذهان الجماهير بحيث يكون من الصعب العودة عنها ، وحينئذ المطالبة بإجراء التعديلات ليس على قانون الإنتخابات فحسب ، لا بل حتى على الكثير من القوانين التي صيغت على عجل في الفترات السابقة ؟ إن أرقى الديمقراطيات في العالم ما تزال تجري بين آونة وآخرى تعديلات على قوانينها التي تضبط العملية الديمقراطية ، أي بعد مرور عقود عديدة من السنين يكتشفون هنا وهناك نواقص أو فقرات بحاجة إلى التعديل ، ومجتمعاتها أقل تنوعاً مما نحن عليه .

هنا توضع النوايا المخلصة والصادقة لإخراج العراق من دائرته المفرغة على المحك ، فليثبت من أراد ذلك !!



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter