|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  14 / 9 / 2020                                 عادل أمين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل مصطفى الكاظمي رجل هذه المرحلة في العراق؟

عادل أمين
(موقع الناس)

عند استلام مصطفى الكاظمي مقاليد السلطة التنفيذية، والعراق في وضع لا يحسد عليه، وهو يسير في خطوات متسارعة نحو الهاوية، إن لم يكن قد وقع فيها، أود هنا ان اتوقف لحظة واستعيد فيها الوضع السياسي بدءاً بالأيام الأولى، لسقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري، وتتبع مسارات القوى السياسية التي أحكمت سيطرتها على الوضع وتطوراتها اللاحقة. من خلال متابعتي لممارسات القوى والكتل السياسية هذه، لم أجد ولم المس لدى اغلبها التي وضعت قبضتها على مقاليد الحكم، سواء عن طريق الفبركة للهلع الطائفي، أو بمساعدة "الأصدقاء" الأمريكان (الذين تمت تسميتهم فيما بعد بالمحتلين بعد ما استتب لهم الأمر) لم أعثر لديها على أي مشروع لبناء الدولة، أو إعادة بنائها على انقاض الدولة التي انهارت بفعل الاحتلال (أو كما يسمى أحياناً التحرير)، وأكتفت بالشعارات العامة التي كانت ترفعها أيام كانت في المعارضة وفي دول المهجر، وكان يكتنف أغلب تلك الشعارات الغموض والضبابية، وتركتها فيما بعد، وانشغلت بوضع اليد على ما تبقى من أموال الدولة المنهارة، البنوك والمؤسسات الحكومية و المكاسب المادية أينما وجدت، وانهالت عليها كالذئاب الجائعة التي وجدت فريسة لها، معتبرة إياها أموالاً مشاعة لكل من هب ودب، وليس من ممتلكات المجتمع العراقي، ومهدت لهذا النهب بحماسة دعمها القرار الامريكي بحل الجيش العراقي ومؤسساته الأمنية، لخلق الفوضى لتمرير افعالها، هذا من جانب، ومن الجانب الأخر، ولتعزيز مواقعها وإدامة سيطرتها بدأت بقرع طبول الطائفية والتحشيد لها، بذريعة المظلومية، في حين أن هذه المظلومية تلظت بها كل الشعب العراقي، وليست طائفة واحدة ، ولجأت إلى تقسيم المجتمع العراقي، وخلق الفتنة الطائفية والمذهبية والأثنية واشعال معاركها، وترجمت أغلب تلك القوى، الدعوة النبيلة لمشاركة المكونات العراقية ومساهمتها في بناء النظام السياسي الجديد وإدارته، إلى نظام المحاصصة المقيتة، ودقت الأسفين بين تلك المكونات، وحاولت تأليب بعضها على البعض، ومحاولاتها البائسة لإعادة تجربة صدام حسين ضد الشعب الكردي، أما في أمور بناء الدولة، فقد أوصلوا العراق بالفساد المالي والإداري لدرجةٍ وضعت البلاد على حافة الافلاس، بالسرقات والاختلاس، وتفننوا بهدر المال العام، وعطبوا الأوضاع الزراعية والصناعية لغرضٍ في (...)، وتسارعوا لتقوية قبضتهم على زمام الحكم بتشكيل المجاميع العسكرية لحمايتهم وسلطتهم، وبسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والامية التي استفحلت وطغيان حالات التخلف والشعوذة والخرافة، وشيوع ظاهرة المخدرات وتجارتها، اندلعت التظاهرات الجماهيرية في اغلب المحافظات والمدن العراقية للمطالبة بالوطن الذي سُلب منهم وحق المواطنة والعيش الكريم، قتل فيها المئات من المتظاهرين السلميين، وانتشرت حالات الاغتيال واختطاف المدنيين، وانتشار السلاح المنفلت واستدامة الفوضى...الخ من المشاكل التي استنزفت طاقة البلاد والعباد، في ظل هكذا الظروف استلم مصطفى الكاظمي دفة الحكم في العراق، وخزينة الدولة خاوية، وفي ظل الإرث الثقيل للحكومات التي سبقته والتي يئن البلاد من ثقلها.

من نافلة القول التأكيد من ان الكاظمي جاء بتوافق إيراني ـ أمريكي إلى سدة الحكم، ومن خارج المنظومة الحزبية وكتلها السياسية، لكنه غير بعيد عنهم، وغير مدعوم من تلك المنظومة، وفي نفس الوقت يحظى برضى بعضها، إلا أن الظروف السياسية في البلاد وفشل الطبقة المتنفذة والطارئة على الوضع السياسي في إدارة الحكم، وانشغالها بالمصالح الحزبية والفئوية الضيقة، والصراعات على المكاسب والمنافع، والخشية من توسيع رقعة الانتفاضة الجماهيرية على مصالح الفئات الحاكمة ومن يقف وراءها وبالتالي تغيير المنظومة السياسية الذي سيقلب الوضع رأساً على عقب على الطبقة الحاكمة، كل تلك الظروف والأوضاع التي أشعلت العراق هي التي افرزت الكاظمي وحملته إلى رئاسة الوزراء، والكتل السياسية المتنفذة على دراية بذلك.

هل سيكون الكاظمي رجل المرحلة؟ وهل سيدخل تأريخ العراق كونه الرجل الذي أوقف انهياره بعد سقوط صدام حسين؟ بغض النظر عن كل ما كُتب عن خلفية هذا الرجل، ومن المآخذ على ارتباطاته السياسية أو عدمها، وهو محكوم بخطوطٍ حمراء من طرفي المعادلة (الإيرانية ـ الأمريكية) إلا أنه يحاول وبالجهود الشاقة والحثيثة وبهدوء وذكاء وبعيداً عن التهور أن يجتاز تلك الخطوط الحمراء الموضوعة له من طرفي العادلة بما يصبُ في مصلحة العراق، فهو يشق الطريق وسط الألغام المزروعة من قبل خصومه نحو تقليم حجم ونفوذ الـ (لا الدولة) وإعادة هيبة الدولة العراقية، الهيبة المقصودة بحماية الحريات المنصوص عليها في الدستور، وفرض القانون داخلياً لحماية المجتمع، حيث أمنه واستقراره، وتوازن العلاقات العراقية، اقليمياً ودولياً، ويحاول في نفس الوقت تعزيز القرار السياسي العراقي المستقل بالقدر المسموح له والقادر عليه، وتقليص نفوذ الدول الاقليمية في البلاد، وتنفيذ مطالب المنتفضين المشروعة وتقديم قتلتهم إلى القضاء، وإجراء الانتخابات المبكرة والنزيهة، وإصلاح ما يمكن إصلاحه خلال فترة حكومته، وهو في كل تلك المسارات يواجه المقاومة المستميتة من القوى والمجاميع التي تتضرر مصالحها من بناء الدولة القوية والعصرية وذات السيادة وتملك كامل مقوماتها. واستطاع بفترة وجيزة وببعض الإجراءات الشجاعة، من كسب جزء من الشارع العراقي، وخاصة جماهير الانتفاضة الذين أسقطوا الحكومة السابقة، فهو بحاجة إلى دعم التيار المدني وجماهير الانتفاضة أكثر فأكثر، ورغم صمت الكتل السياسية المتنفذة والعارفة بخبايا الأمور بين طرفي المعادلة، إلا أن تلك الإجراءات تقض مضجعها، وهي تتحين الفرص والثغرات للانقضاض على أي تغيير، وستدافع دفاعاً مستميتاً عن مكاسبها، وباعتقادي موازين القوى في الوقت الحالي في العراق، لا تساعد الكاظمي لأكثر من هذا، فهل هو الشخصية التي تفرضها أوضاع العراق لوقف تدهوره في المرحلة الحالية، والحصول على ما يمكن من الحصول عليه من التغييرات؟ باعتقادي نعم.

 

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter