|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  11 / 5 / 2017                                 عبدالله حبة                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

بحثا عن الفكرة الوطنية

عبدالله حبه - موسكو
(موقع الناس)

لكل أمة فكرة ما تقوم عليها جميع مؤسسات الدولة ، وغالبا ما تعتبر أساس لحمة المواطنين على اختلاف توجهاتهم. وعلى سبيل المثال في هذه الأيام يلتف جميع مواطني روسيا حول موضوع النصر على الفاشية، ولهذا يقام العرض العسكري التقليدي في الساحة الحمراء، بينما تزحف في شوارع جميع المدن الكبرى الروسية طوابير المشاركين في مسيرات " الفوج الخالد" حاملين صور الآباء والاجداد الذين شاركوا في أفظع حرب شهدها القرن العشرون . إنها الحرب ضد النازية الالمانية والفاشية الايطالية والنزعة العسكرية الامبراطورية اليابانية التي دمرت مئات البلدان. وقد دفع الاتحاد السوفيتي ثمنا للنصر فيها أرواح اكثر من 25 مليون نسمة بالاضافة الى خراب المدن والمصانع ومؤسسات البنية التحتية . علما ان الثمن الأكبر دفعه الشعب الروسي ولهذا رفع يوسف ستالين في مأدبة الاحتفال بالنصر نخب الشعب الروسي بالذات وليس الشعب السوفيتي مما أثار دهشة الحاضرين في الكرملين.


مسيرات الفوج الخالد في جميع المدن الروسية بمناسبة ذكرى الانتصار على النازية

ان الروسي الذي يحمل في هذا اليوم صور افراد أسرته الذين حاربوا او قتلوا في هذه الحرب يريد ان يؤكد فيها عزمه على صيانة بيته ومدينته وبلده من الحرب والمخاطر الخارجية أينما كان مصدرها. كما يريد التأكيد على تمسكه بتراثه الحضاري وامجاده الحربية من النصر في معارك الكسندر نيفسكي وبطرس الاكبر، باني سانكت – بطرسبورغ احدى أجمل المدن في العالم التي صمدت للحصار الالماني طوال 900 يوم .. كما يستعيد ذكرى تصدي الفلاحين الموجيك الى جحافل نابليون في عام 1912 بالرغم من ان الامبراطور الفرنسي وعدهم بتحريرهم من قيود العبودية (القنانة)، لكنهم ، لدهشة نابليون الذي وضع في حسابه كسب الفلاحين بالذات الى جانبه، قرروا الوقوف الى جانب قيصرهم والدفاع عن تراب الوطن ...

ويتجلي ذلك أيضا في صمود جنود سيفاستوبول في القرم مرارا امام هجمات الاتراك كما وصف ذلك الكاتب ليف تولستوي في قصصه عنهم.. ويعرف التاريخ الحديث كيف تحول الضباط الروس من الجيش الابيض الى الجيش الأحمر في فترة الحرب الاهلية عام 1918 عندما وجدوا الغزاة الاجانب قد احتلوا اجزاءا من بلادهم مستغلين ضعف السلطة البلشفية المشغولة في الحرب الاهلية آنذاك... أما في عشية الحرب العالمية الثانية فقد طلب ستالين من المخرج السينمائي الكبير سيرجي ايزنشتين اخراج فيلم الكسندر نيفسكي الذي يصور صمود الشعب الروسي ضد هجمات الفرسان التيفتونيين السويديين. كما انجزت في تلك الفترة الافلام وقدمت مسرحيات كثيرة عن بطولات الشعب الروسي في مختلف مراحل تأريخه مثل افلام " بطرس الاكبر " و" سوفوروف " و" الاميرال اوشاكوف" وغيرها.

ان تمجيد مآثر الشعب الروسي يمثل احد مظاهر تكريس الفكرة الوطنية . ففي كل مكان في روسيا توجد نصب وتماثيل الشخصيات التي لعبت دورا بارزا في نهضة روسيا واجتراح المآثر العسكرية . انها تتمثل ايضا في المتاحف الكثيرة واللوحات على البيوت التي عاش فيها هؤلاء الرجال ، ناهيك عن اصدار الكتب والاحتفال سنويا بذكرى الاحداث التاريخية كالنصر على الاعداء او إنجاز اكتشاف علمي او فضائي مثل تحليق يوري غاغارين الى الفضاء.

واليوم يقف غالبية الشعب الروسي وراء قيادة البلاد ليس لأنها أفضل قيادة بل لأن خصوم روسيا قد تكالبوا عليها في الفترة بهدف عزلها دوليا بسبب سياستها المستقلة، وذلك بفرض العقوبات المفتعلة تارة وإثارة مختلف الذرائع للتشهير بها حتى في مجال الرياضة واصطنع هجمات الهاكرز و الثقافة والموسيقى ودعمهم الطابور الخامس وافتعال التدخل الروسي في حرب الرئاسة الامريكية أو قضية اضطهاد اللوطيين في جمهورية الشيشان بحجة الدفاع عن حقوق الانسان .علما انها ليست المرة الأولى في تاريخ روسيا التي تتعرض فيها البلاد للعقوبات والحصار بهدف عزلها وإضعاف تأثيرها على الساحة الدولية. وثمة قاعدة عرفها التاريخ هي انه كلما اشتدت ضغوط الغرب على روسيا توطدت المواقع الشعبية لقيادتها بقدر أكبر مهما كانت هذه القيادة سواء القيصرية او الستالينية او البوتينينة. المسألة كلها تكمن في مدى توغل الفكرة الوطنية في وعي الناس.

وهنا نطرح السؤال : ماهي الفكرة الوطنية لدى العراقي اليوم ؟ اننا ما زلنا نجد في البحث عنها ، واحيانا ننساها ايضا. هل انها في عودته الى تاريخ بلادنا العريق وما شيده الأكديون والسومريون والاشوريون والبابليون والعباسيون..والى بناة الزقورات وبرج بابل ونينوى ونمرود ومدن الحضر وقصر السدير وقصر الخورنق وبغداد المدينة المدورة وسامراء (سر من رأى) .


الفتنة والهوية الطائفية التي تطحن المجتمع العراقي

ان الفلاح العراقي في العمارة والبصرة والديوانية وديالي والموصل يستطيع ان يفتخر بهذا كله، كما بوسعه ان يفتخر بأبطال ثورة العشرين ورجالات الجيش العراقي الفتي في مواجهة بريطانيا في اعوام العشرينيات، ونضالات الوطنيين في وثبة كانون وانتفاضة تشرين وصمودهم أمام الطغيان وصعودهم المشانق من اجل الدفاع عن الحرية والفكرة الوطنية بالذات. وحبذا لو نتعلم من الشعوب الأخرى ومنهم الشعب الروسي تقاليد الاعتزاز بالهوية الوطنية. وأن نقيم في كل مدينة وبلدة وقرية شواهد تذكر المواطن بتأريخه وحضارته ، ونحتفل بالمناسبات الوطنية على نطاق شعبي عام. والمفروض من السلطتين التشريعية والتنفيذية ان تعملا في الظروف الصعبة التي يعاني منها الشعب العراقي الآن على ان تصبح الفكرة الوطنية هاجس كل مسؤول وكل مواطن عراقي ، وألا يكون تابعا لهذه الشريحة القومية او الدينية او تلك.
 


11/5/2017
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter