|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  3 / 8 / 2024                                 علي المسعود                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

الفيلم الكوري "ماراثون"
دراما الإنسانية عن الاشخاص المصابين بطيف التوحد

علي المسعود  (*)
(موقع الناس)

"التوحد" هو اضطراب في النمو العصبي الذي يظهر في ضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي وأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة. ويشخص في مرحلة الطفولة المبكرة، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي. السينما سلطت الضوء على الحالة في عدة أفلام مميزة وأشهرها فيلم "رجل المطر" فيلم أمريكي صدر عام 1988، بطولة “داستن هوفمان” و”توم كروز”، من إخراج “باري ليفنسون” ، وكذالك فيلم (أسمي خان) فيلم هندي صدر عام 2010، بطولة “شاروخان” و”كاجول”، إخراج “كاران جوهر”. والفيلم الكوري الجنوبي (ماراثون) أنتاج عام 2005 للمخرج الكوري الجنوبي جيونج يون – شيول في تجربته الاولى في أخراج الافلام الروائية الطويلة الذي اقتصرت أعماله السابقة على إخراج فيلمين قصيرين والعمل كمدير فني ومونتير في عدد من الأفلام . تستند قصة فيلم "ماراثون" إلى وقائع حقيقية تتعلق بشاب كوري جنوبي في العشرين سنة من العمر اسمه " باي هيونج جين " مصاب بمرض التوحد (أوتيزم) ، يهوى هذا الشاب رياضة العدو . ويقوم بدور الشاب المتخلف عقليا في الفيلم بشكل رائع ومميز الممثل "شو سونغ – وو".

تركز قصة الفيلم اعلى العلاقة بين الشاب تشو وون (‏‏تشو سونغ وو‏‏) وبين والدته التي تكرس حياتها لرعايته والتي تقوم بدورها الممثلة التلفزيونية " كيونك سوك ". شاب مصاب بالتوحد يعتمد كليا على دعم والدته كيونغ سوك (‏‏كيم مي سوك‏‏). عندما كان صبيا صغيرا كان يؤذي نفسه أحيانا بسبب صعوبة التواصل بشكل جيد مع الآخرين ، كانت لدية ندبة على يديه من العض الذي اعتاد القيام بذالك ، لكنه نادراما يفعل ذالك بعد أن بدا الركض. هناك قلة من الناس يفهمون ويقدرون حالته ،، وغالبا ما يساء فهمه - وأحيانا يهاجمه أشخاص يعتقدون أن لديه نوايا سيئة. تتمنى والدته التي طالت معاناتها أن تكون هناك طريقة يمكن أن تجعله سعيدا وحتى تسمح له بالاستمتاع بنوع من الاستقلال . ومع ذلك ، يتمتع الشاب تشو وو بموهبة واحدة بارزة، إنه عداء مقتدر ويحب الجري لمسافات طويلة مثل الماراثون . ولكن هناك مشكلة في عدم فهمه للتكنيك الرياضي للركضة الماراثون ، غالبا ما يركض بسرعة إلى حد الإرهاق والوصول الى حالة الانهيار ، لم تعد والدة تشو وون متأكدة حقا من قرارها بعد الآن في تحقيق رغبته في الاشتراك في السباق السنوي لركضة الماراثون . ربما لا يكون الجري في الماراثون شيئا بالنسبة لها ، ولكن رغبة الابن تشو وون في أن يصبح عداء ماراثون .

العلاقة بين تشو وون ووالدته آسرة تبرز لنا أن تقييمات الأم لأبنها بأنه شخص مختلف عن الأخرين . تشو وون شخصية مختلفة لكن هذا لا يجعله شخصا سيئا أو عدواني الطبع . ‏هوس الأم في الاهتمام بابنها ورغباته التي تعرضها عليه تسبب في النهاية أنهيار الأسرة وأبتعاد بعد تركها لزوجها وأهمال الأبن الاصغر شقيق تشو وون . والد تشو وون دائما في رحلات عمل ، ونادرا ما يزور عائلته والأصغر مشغول جدا لدرجة انه نادرا ما يظهر ولا حتى في عيد ميلاد تشو وون . لا عجب في اهتمام الأم بالشاب المصاب بأضطراب التوحد ، ربما تريد تعويض خطأ ارتكبته منذ سنوات عديدة ، عندما كان تشو طفلا أضاعته الام الشابة كيونك سوك عمدا في حديقة الحيوان معتقدة انها لاتستطيع أن تتحمل مسؤؤلية تربيته بشكل صحيح وسرعان ماندمت على ذالك . ‏الفيلم لا يظهر المزيد من المشاكل في أسرة ومع ذلك ، يبقى التركيز على الدراما الرياضية ورغبة الشاب تشو ون في المشاركة بركضة الماراثون ، نشأ الصبي المصاب بالتوحد "تشو وون" مفتونًا بالحمار الوحشي وعظمة شكله وحركته، ويهرع إلى المنزل لمشاهدته على شاشة التلفزيون . بينما يكبر وتحاول والدته إيجاد طريقة لإبقائه مشغولاً، يطور تشو أيضًا الرغبة في الجري ويمنحها أهدافًا وغايات . تغير موقفها من هوايته وتشجعه على تحديد الماراثون الكوري كهدف واقعي . وتعمل على تطوير مهاراته في البحث عن مدرب لتدريبه على هذه المهمة ، طلبت من بطل الماراثون الكوري جونج ووك - الذي يخدم حاليًا خدمة المجتمع في المدرسة الخاصة التي يرتادها تشو وون - أن يعطية التوجيهات ويعمل على تطوير مهارته في الجري ، ولكن جونك ووك غير مهتم تمامًا ، ولكنه يوافق على مضض على العمل كمدرب عندما يتم التلويح بحافز مالي أمام عينيه .

السينما الآسيوية برعت في تناول القصص العادية وإعطائها جوهرًا عاطفيًا متألقًا . " ماراثون" فيلم عاطفي، لكن عندما يعلم المشاهد أنه مبني على قصة حقيقية فمن المؤكد صدقه . إنها قصة كيفية تعامل العديد من الأشخاص وبالاخص العائلة مع ذوي الأحتياجات الخاصة . حقيقة ، فيلم "الماراثون" نجح في التعامل مع مرض التوحد ، وكذالك يتجنب كسب الشفقة عليهم وهذا إنجاز في حد ذاته. إن العواطف ومشاعر الذنب التي تمر بها والدة تشو وون واقعية تمامًا وتظهر الصراعات الداخلية التي تواجهها دون أن تتجاهل الغضب الطبيعي الذي تشعر به تجاه عدم قدرة ابنها على التواصل . بعض أقوى المشاهد هي تلك اللحظة التي تسقط فيها والدة تشو وون في حوض السباحة وتتطلع إلى ابنها طلبًا للمساعدة بينما ينظر إليها بهدوء هي لحظة مؤثرة للغاية. يثير فيلم "ماراثون" تعاطفًا كبيرًا مع "تشو وون" وأحبائه، لكنه يتجنب فخ تحويل ذلك إلى خطاب ضد المجتمع. هناك انتقادات لرد فعل الناس تجاه تشو وون، ولكن هذه ليست هناك لإدانة الجنس البشري بشكل عام بسبب الجهل - بعض الناس يعاملونه بكرامة والبعض الآخر، للأسف، بازدراء والعنف أو التعدى كما حصل للشاب تشو في محطة المترو .

من الواضح أن المخرج والممثلين قضوا وقتًا مع أولئك الذين ألهموا هذه القصة، وهذا التفاني في المهمة يأتي بنجاح كبير مع العروض . يستند الفيلم إلى قصة حقيقية لرجل كوري يبلغ من العمر 21 عاما يعاني من مرض التوحد وقد فاز بنجاح بسباقات الماراثون في كوريا بمساعدة والدته . ‏‏تشو وون (تشو سونغ وو) هو صبي صغير مصاب بالتوحد. والدته (كيم مي سوك) بعد أخطائها الأولى في صغره ، تبدأ التعليم في الاعتناء به من كل قلبها ، مما يتسبب على الجانب الآخر في فتور علاقتها مع زوجها (آن ناي سانغ) الذي ترك البيت ، وكذالك أهمال إبنها الثاني (بايك سيونغ هيون) في كل جانب. ‏ إنها تجعل ابنها البالغ من العمر الآن 19 عاما على اتصال بالجري. تشو وون الذي لديه عاطفة قوية تجاه الطبيعة يبدو أنه يشعر بالحرية وقادر على الانفتاح قليلا تجاه الآخرين فقط عند الجري. والدته تسمح له بالمشاركة في مسابقة ماراثون للهواة ويحرز المدالية البرونزية . الآن ، لديها شيء كبير في ذهنها لرعاية تشو وون وهي تستعين بالمدرب (جونغ ووك) الذي كان عداء ماراثون شهيرا قبل بضع سنوات. في الوقت الحاضر ، يقضي عقوبة خدمة مجتمعية بعد ضبطه مخمورا اثناء سياقة مركبته ومع ذلك . نجح المخرج (جيونج يون) في فيلم ماراثون في تسليط الضوء على التعامل الانساني مع الافراد المصابيين بمرض التوحد الذي يعتبره البعض أعاقة وليس مرضاً ، وكذالك أشارة الى الى أثر سلوك الاشخاص المصابين بالتوحد على افراد الأسرة . العواقب الكارثية الناتجة عن "تفضيل" الأم لابنها المريض، على الوحدة الأسرية. فقد أدى سلوكها، كما يتضح في بداية القصة، إلى نفور الأب وقيامه بهجر الأسرة، كما أن إهمالها لابنها الآخر أدى إلى إحداث شرخ في العلاقة بينهم . هذه الدراما الإنسانية من بطولة تشو سونغ وو الذي يصور رجلا مصابا بالتوحد يبلغ من العمر عشرين عاما ولديه شغف بالجري بتألق . بتشجيع من والدته التي لعبت دورها الممثلة كيم مي سوك ، بدأ تشو وون في المشاركة في السباقات المحلية ، كل ذلك استعدادا للهدف النهائي "الماراثون". ومساعدة إبنها المصاب بالتوحد لى تحقيق هدفه في الحياة .

‏‏على الرغم من أن تشو وون قد يكون في العشرين من عمره ، لديه فقط فهم طفولي للعالم. يحب الشوكولاتة ، ويحب الحمر الوحشية ، ويمكنه كذلك حفظ المحادثات غير الرسمية والبرامج التلفزيونية وارقام بطاقته الشخصية . هو أيضا يميل إلى الرقص في الأماكن العامة ، في حين أن هذه الأشياء قد تبدو ساخرة أو على الأقل أضافة روح الدعابة ، يمكن لهذا السلوك أن يدخله الكثير من المتاعب بسبب عدم قدرته على الفهم كيف يعمل بقية العالم . والدته تسيطر على العديد من جوانب حياته باسم "الحماية" . تعرفنا على جيون ووك (لي كي يونغ) المدرب الذي استعانت به كيونغ سوك لإعداد ابنها للماراثون ، يصور جيون ووك على أنه رجل لا أبالي ، نجم المضمار السابق ملزم بالقيام بخدمة المجتمع ، في البداية متشكك في أمكانية الشاب تشو ، ولكن في النهاية ينكتشف الاصرار عند تشو وون في المشاركة في سباق الماراثون، اضاقة الى الاقتراب منه إنسانياً . يركز المدرب المهارات التي يحتاجها الشاب في الفوز في السباق ، وبالتالي تغيير حياة بعضهم البعض . يجمع المخرج جيونغ يون تشول بنجاح كبير بين الدراما الرياضية والدراما عن صبي مصاب بطيف التوحد . بينما يتناول الفيلم الحقائق الاجتماعية للإعاقة العقلية ليس في المجتمع الكوري الجنوبي فقط بل في أي مكان في العالم ، في نفس الوقت يستكشف الفيلم أيضا آثار التوحد يمكن أن يكون على الأسرة ، لا سيما طريقة "محاباة" الأم على حساب الاخ أو أهمال بقية أفراد الأسرة وكانت له عواقب كبيرة في انفصال الزوج وابتعاد الابن الأصغرعن الاخ وأخية المريض تشو وون . كذالك المواجهة الساخنة مع المدرب الذي يتهمها بالأنانية التي تقتل طموحات ولدها الشاب تشو وون لأصرارها على عدم مشاركته في الماراثون القادم خوفا على صحته أو أنهياره في السباق . في النهاية ينجح الشاب في اكمال سباق الماراثون البالغ طوله 42.5 كم ويصبح اصغر شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة يصل الى خط النهاية في سباق من هذا النوع . قصة الفيلم حقيقية ومستدة من حياة الشاب (باي هيونغ جين) ، ولمدة عامين تواصل المخرج جيونغ يون تشيول مع باي هيونغ جين ، مصدر إلهام حقيقي للشخصية تشو وون وأجرى معه عدة حوارات . بعد أن أصبح شخصية مشهورة وشارك في العديد من البرامج الحوارية وأعلانات تلفزيونية .

الفيلم أنساني لأنه يمس العديد من الموضوعات المختلفة ، من ناحية أخرى ، فهو بسيط للغاية لأنه يمس أعمق جذورنا وعواطفنا بكونه فيلم دافئ وشاعري للغاية. يتعلق الأمر بعلاقة الأم بابنها المصاب بالتوحد ومخاوفها تجاهه ، ورغبته في الجري في سباق الماراثون وكيف يرتبط ذلك بعلاقته بوالدته . ولابد من‏الأشادة بأداء البطل لفيلم "ماراثون" تميز الممثل" تشو سيونج – وو" في أداء شخصية الشاب المصاب بأضطراب التوحد بشكل مذهل بعد أن أمضى وقتا طويلا مع شخصية القصة الحقيقية باي هيونج – جين لمراقبة حركاته وتصرفاته بجميع تفاصيلها على الطبيعة .

 

(*) كاتب عراقي \ مقيم في المملكة المتحدة
 







 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter