|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  13 / 11 / 2023                                 علي المسعود                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

فيلم " الطبقة العاملة يدخلون الجنة "
اسقاط لوحشية الرأسمالية العالمية

علي المسعود  (*)
(موقع الناس)

ظهرت حركة مختلفة للسينما العالمية في منتصف الخمسينات وبداية الستينات. ففي إيطاليا على سبيل المثال ظهر اتجاه السينمائي بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انتقل عدد من السينمائيين الإيطاليين إلى الجناح اليساري، وبدأ السينمائيون يهتمون بالطبقة العاملة- ليس فقط فئة من المجتمع المنتجة للقيم والخيرات- بل لكونها القوة الحاسمة في النضال التحرري للكادحين ضد السيطرة الرأسمالية، كانت هذه الأفلام تسير بتوازٍ مع حركة المواجهة الجديدة التي تعرض للمجتمع الإيطالي من الفقر الموجود وتجاهل السياسيين لأكبر شريحة من الشعب دائماً ،وكان لا بد للحقيقة أن تظهر، وخاصة عندما يصور الفنان السينمائي الشعب الكادح وطليعته من الطبقة العاملة، ويجسد في صور فنية من نظرة وإحساس هذا الشعب إلى الأحداث الجارية، عندما يصبح النضال التحرري للكادحين معياراً اجتماعياً وأساساً للتحليل الفني للحياة المصورة. ويعبر الشيوعيون في الكرة الأرضية كلها عن إرادة وأفكار الطبقة العاملة لكون الطبقة العاملة هي القوة الأساسية التي تحدد التقدم الاجتماع. وفي التطور الاجتماعي، وفي تقرير مصير الإنسانية. كانت (السينما السياسية الإيطالية) تمثل اتجاها بارزا في صناعة الأفلام في السينما الإيطالية خلال الستينيات والسبعينيات. وركزت بقوة على الموضوعات السياسية مثل قمع حركات اليسار ومؤامرات الأحزاب والحركات اليمينية، والعلاقات بين المافيا والسياسيين وقمع الشرطة، والصراعات الاجتماعية، وكانت الأفلام التي صنعها صانعو الأفلام مثل فرانشيسكو روزي وإليو بتيري وجيلوا بونتيك ورفو وجوليانو مونتالدو مختلفة ومتميزة إلى حد ما. ومع ذلك، شارك هؤلاء المخرجون بلا شك بعض الأهداف الرئيسية في اتخاذ موقف ضد الظلم الاجتماعي ولفت انتباه الجمهور إلى المناخ المضطرب في إيطاليا خلال سنوات الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي يطلق عليها " سنوات الرصاص “. تبرز تمثيلات القضايا الاجتماعية والتاريخية والسياسية في السينما الإيطالية المعاصرة مع التركيز على الموضوعات التالية: ماضي إيطاليا الاجتماعي والسياسي والتمثيلات السينمائية للدولة الإيطالية والقوة المؤسسية ورد الفعل المضاد. وكذالك التصوير السينمائي للتهميش الاجتماعي والجغرافي في إيطاليا في القرن الحادي والعشرين. السينما الإيطالية لديها تاريخ في الخضوع الرهيب للسياسة. وراء كل فيلم سياسي صورة سينمائية تحكي قصصا ذات خلفية اجتماعية وسياسية صعبة. هي الإرث للعصر العظيم للمثل العليا والسينما التي كنا مقتنعين فيها بأن الفيلم يمكن أن يغير العالم. حيث تم التعامل مع الصراع الطبقي والتقسيم السياسي والفجوة بين الشمال والجنوب فيما يتعلق بالتفكير التقدمي وانتهازية المثل السياسية.

الكثير من هذه الأفلام عالجت تناقضات الحياة السياسية والاجتماعية والتفاوت الطبقي والنزاعات وظهرت على الشاشة الإيطالية، ومفجر هذه التناقضات التي لا يستطيع النظام الرأسمالي حلها هو الابداع الفني والأدبي، فكفاح العمال والطلاب خلال سنوات الستينات أدى إلى جعل السينما الإيطالية تدخل في ميدان السياسة، مثل: فيلم "الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة " للمخرج اليو بتيري، وفيلم " قضية فتى " للمخرج فرانشيسكو روزي، حصل هذان الفيلمان على جوائز مهرجان «كان السينمائي» عام 1972. وبكل بساطة كانت رسالتهم الأساسية تكوّن الوعي الذاتي لدى الطبقة العاملة وكفاح هذه الطبقة من أجل نيل حقوقها . وفي المقابل، كان الرأسماليون يحاربون تلك الأفلام واستمروا بإنتاج الأفلام السطحية التي لا تحمل أي قيمة فنية والعمل على السينما التجارية وجذب اهتمام المشاهد بأية طريقة ومهما كانت بنية الفيلم تحاول أن تثير سخرية المشاهد أو اللعب على مشاعره وبطريقة ساذج وليس لها هدف غير ذلك، ة لأن الهدف النهائي الحصول على نقود المشاهد. ولكن وضع السينما الإيطالية تغير مع موازين القوى الدولية. لكن هذه الموجة من الأفلام انحسرت وسقط الفيلم السياسي في عام 1978 وكان صدمة لكل السينمائيين التقدميين وتحدثت مجلة (الإسبريسو) في عام 1980 بمقالة تقول من خلالها: إنه لا توجد أفلام، وإن وجدت فهي أقل ما يمكن، وأغلبها يتحدث عن المافيا والإرهاب والفاتيكان، وإذا أخرجنا فيلماً شعبياً يصور الواقع المؤلم لدى الطبقات الفقيرة وفي الأحياء الشعبية الفقيرة، فإن الإقبال على مثل هذه الأفلام يكون قليلاً لدى السينمائيين ومن قبل المشاهدين العادين".

براعة بتيري كمخرج مذهل. يختلف كل فيلم من أفلامه اختلافا كبيرا في الأسلوب والمحتوى، ولكن هذا يعني أيضا أن طابعه كمخرج لم يكن لديه هوية يمكن التعرف عليها على الفور. أفلام إليو بتيري هي فن شعبي للناس تصور إيطاليا في السبعينيات ولا تزال تشعر بأنها حديثة جدا وذات صلة، وهي عدسة يمكن من خلالها رؤية الواقع، لتمكيننا من الشعور بالظلم الاجتماعي وإثارة دعوة إلى حمل السلاح ضد الاستغلال الطبقي. كمخرج، كان جريئا ولم يخش أبدا التحدث ضد المؤسسة الفاسدة من خلال أفلامه التي أثارت الكثير من الجدل في ذلك الوقت . "الطبقة العاملة تذهب الى الجنة" فيلم للمخرج الإيطالي إليو بتيري، الحائز على جائزة "كانْ". هذا الفيلم من الأفلام القليلة يتناول الطبقة العاملة في إيطاليا ومتطلباتها الرئيسة، بل البسيطة للعيش بكرامة وضمان حقوقها في المجتمع . يلعب نقد المخرج الماركسي للمجتمع الرأسمالي دورا في هذا الفيلم كما هو الحال في العديد من أفلامه الأخرى ، الفيلم بطولة الفنان اليساري" جيان ماريا فلونتي" الذي ظهر في أفلام إليو بتيري السابقة مثل "ما زلنا نقتل الطريق القديم" و"التحقيق في مواطن فوق الشك". وكذالك شارك الممثل والمخرج (كلينت إيستوود) في الفيلم الشهير (من اجل حفنة دولارات) الذي أخرجه الإيطالي " سيرجيو ليون"،

في فيلم " الطبقة العاملة يدخلون الى الجنة "لعب فلونتي دور لولو ماسا، وهو مشغل مخرطة في مصنع ميلانو الذي يدفع عن طريق العمل بالقطعة. لولو هو عامل سريع، وفخر الإدارة ولعنة العمال الذين يعتبرونه تهديدا. يتجاهل لولو حركة العمال والمضربين حتى يفقد إصبعه في حادث بينما يفرط في العمل بلا مبالاة. يصبح رمزا لسوء المصنع، وتترتب على ذلك عملية تطرف حتى يتم طرده لاتخاذ موقف ضد المديرين .

يتناول فيلم " الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة " حقبة من الاضطرابات السياسية في إيطاليا مباشرة بعد "الخريف الساخن" لعام 1969.ناضل العمال والطلاب إلى جانب بعضهم البعض ضد الاستغلال الرأسمالي والشرطة والدولة . في فيلم " الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة “كان همّ المخرج الإيطالي بتيري منصباً على رسم صورة دقيقة عنيفة وساخرة للممارسات العمالية والنقابية من خلال حكاية العامل "لولو"، الذي يخوض معركته وحيداً ضد نظام الأجور ومنظومة التعامل مع حوادث العمل كما ضد شروط عمل ومعيشة العمال، من دون كبير أمل في مساندة نقابية له. بل على العكس، ها هي النقابات تحاول تسوية الأمور لصالح أصحاب العمل. وتبدو حدّة هذا الوضع واضحة في الفيلم من خلال تزامن حكاية "لولو" مع تظاهرات عنيفة لرفع الأجور وتقليل ساعات العمل يقوم بها الطلاب خارج المصنع وسط عداء السلطات والعمال والنقابات لهم. يعمل (لولو) ميكانيكي خراطة في مصنع وكان مجتهد جدا وهو المقياس الذي يريدونه أرباب العمل، يضغطون على زملائه كي يصلوا إلى مستواه، مما يسبب الحقد والمشاكل بينه وبين زملاؤه. تم تصوير الفيلم جزئيا في مصنع للأعمال المعدنية في لومبارديا، شمال إيطاليا، الذي احتلته القوى العاملة فيه خلال فترة الإضرابات . إنه يكشف عن نقاط قوة التضامن العمالي والضغوط المفروضة على الفرد في خضم النضال. يحاصر لولا وزملاؤه العمال المتظاهرون الطلاب من جهة، وتهدئهم بيروقراطية نقابية ممتثلة من جهة أخرى. صدر في عام 1971 وفاز بالعديد من الجوائز في مهرجان كان السينمائي عام 1972، بما في ذلك السعفة الذهبية. الفيلم يتعلق بحياة عامل المصنع لولا ماسا، الذي صوره جيان ماريا فلونتي بحماس مطلق. بعد خسارة إصبعه، تتغير نظرة العامل لولو ويعي واقعه الصعب فينضم الى قوافل الطلاب الثائرين خارج المصنع. وتقل إنتاجه ويثور على أرباب العمل ويُضرِب ويواجه قمع الشرطة. وعندما يعود في اليوم التالي إلى عمله، يكتشف أنه مطرود. فتتركه زوجته العاملة مثله والتي تتولى أشغال المنزل وتربية الطفل ولم تعد تتحمل مزاجه الصعب.

الصراع الطبقي موجود دائما. العمال غاضبون بالطبع عندما ترفع الإدارة أهداف الإنتاج دون دفع المزيد من الأجور. يبدأ كل يوم بصراع مستمر عند البوابات. ممثلو الاتحاد والثوريون الطلاب يهبونهم بخطابات ثورية حول القمع الرأسمالي. يلمح المخرج بالمثل إلى استغلال العمال من جنوب إيطاليا المنتشر في الفقر .يسود التوتر على الأجواء داخل المصنع ، العامل لولو والعمّال يجيئون ويروحون على وقع صرخات الطلاب الثوريين الذين يحاصرون المصنع ويدعون العمّال الى الإضراب. وهو لا يطمئن لهم. أوجه الشبه بينه وبينهم معدومة ولا يجد بالارتباط او الانتماء الى عالمهم. هم النُخب التي تسمح لها أوضاعها وامتيازاتها بالذهاب إلى الجامعات وقراءة انطونيو غرامشي وروزا لوكسمبورغ ، في حين العمل لولو الذي يعيش في الحاضر وتحديدًا في "حاضر المعمل" قسوة نظامه . و لكن تغير موقفه بعد شعر بالتعاطف مع هذه الجموع الثائرة وهذه النُخب المثقفة وذلك الفضاء الإنتاجي الفاعل، حين يطلب مساعدة الطالب الثوري الذي كان يوبخه على حضوره إلى المصنع ويحمّسه على الثورة. لكن الأخير خذله لأنه يرى في لولو شخصية مجرّدة ومهمّشة. وهكذا أصبح لولو وحيدًا معزولًا، وفكّر في بيع أشيائه والهرب الى سويسرا. وفي النهاية، لا يذهب لولو إلى الجنة ولا يتحرر، فقد خانه الاتحاد العمالي الذي أبرم نيابةً عنه اتفاقًا أعاده إلى عمله وبمكان مهين ، أي إلى عبودية بوجه إنساني وحياته العاطفية تدمرت. علاقاته الاجتماعية خلت إلاّ من صاحب وحيد كان زميله قبل أن ينتهي في "مستشفى الامراض العقلية".

وعلى رغم ذلك نراه مرتاحًا قنوعًا . المخرج بتيري غامر عندما اختار شخصية واحدة لتجسيد الطبقة العاملة بكل طاقاتها وعيوبها.

وابتعد المخرِج عن تأليه الطبقة العاملة، منتقدًا النظرة الاختزالية التي يعتمدها اليسار غالبًا. الطبقة العاملة تذهب الى الجنة الفيلم الثاني من بعد (التحقيق مع مواطن فوق مستوى الشبهات) من ثلاثية المُخرج إيليو بتيري عن العامل لولو الذي يحبه أرباب عمله ويكرهه أصدقائه حتى تعرض لأصابه عمل جعلته يغير مفاهيمه تجاه زملاءه العمال. يركز المخرج بتيري والكاتب المشارك أوغو بير وقصتهما على عامل ميكانيكي من شمال إيطاليا الصناعي (جيان ماريا فلونتي ) هو لودوفيكو ماسا، الذي غالبا ما يطلق عليه "لولو" وهو عامل متفاني. يستاء لولو من زملائه في العمل لأن الرؤساء يستخدمون إنتاجيته العالية كقاعدة، ويطالبون بمزيد من الإنتاج من الجميع ويعلقون رواتبهم إذا لم يؤدوا. تشجع سياسة "العمل بالقطعة" للعمال الميكانيكيين على العمل لساعات أطول، يطلق عليه برنامج الحوافز، لكن غالبا مما يهدد بإصابات التعب وحلة الإرهاق. ولكنه يفضل الإدارة في الغالب. يواجه لولو ماسا إحباطاته إلى العمل بجدية أكبر؛ فهو يجابه بقوة قيود العمل. يريده زملاؤه أن يتباطأ. يحذرونه من أن تسرعه وممارساته قد تأتي بنتائج عكسية. يمكن أن ينتهي به الأمر في منزل فقير ومصابا بالتشويه وبدون أصدقاء. لكن مدراءه يأخذونه إلى محطات عمل أخرى، حيث يظهر كيف يقوم بعمل أي رجل بشكل أسرع. عندما طلب منه الإدارة تدريب اثنين من المبتدئين، يخبرهم أن القرد يمكنه تعلم كل شيء عن وظيفتهم في يوم واحد فقط.

دراما سياسية من المخرج إليو بتيري الإيطالي، مع واحد من أفضل العروض على الإطلاق من قبل جيان ماريا فلونتي. يسيء العامل الميكانيكي " لولو ماسا " إلى أقرانه على خط التجميع في مصنع بأنانية الفردية. إصابة في العمل تجعله محور تركيز النقابيين والطلاب الثوريين . صورة بتيري الإنسانية الدافئة حادة أيضا في نظرتها - بطلنا غير الكامل ينجرف في نظام غير مرض، وأجندة السياسيين ليست مفيدة أيضا. إنها صناعة أفلام مقنعة، تشارك في بطولتها ماريا نجيلا ميلانو . في عمق السياسة الطبقية في يومها، من بطولة جيان ماريا فلونتي وهي موهبة ملتزمة بالقضية الشيوعية الإيطالية وعكس بعض الصور السياسية حول النضالات العمالية، إن الجمع بين تمثيل جيان ماريا فلونتي الرائع وتوجيه إليو بتيري الممتاز يجعل الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة تجربة درامية استثنائية. هذه الدراما السياسية من قبل بتيري حول ظروف العمل في مصنع يبدو وكأنه جحيم أرضي يعامل فيه العمال ذوو البدلات الزرقاء كأدوات بسيطة للاستغلال في عملية الإنتاجية والإخضاع القاسي لعبودية الرواتب، تمكن فلونتي من إعطاء الرصانة والقوة التعبيرية للشخصية المضطهدة ، خاصة عندما يتحدث مع النقابيين وعندما يستمع إلى الماركسيين الذين يقاتلون من أجل قضية لصالح البروليتاريا. يرمز المصنع إلى السجن الذي لا يهرب منه أحد من السلطة أو الأيام الروتينية التي تقلل الإنسان من إنسانيتهم. في هذا المكان المظلم، حيث يتم الشعور برهاب الأماكن المغلقة والتوتر الساحق الناتج عن الإجهاد، إنه فيلم موجز مع حبكة حول نضال الطبقة العمالية. لا يسمح اتجاه إليو بتيري للطبقة العاملة بالذهاب إلى الجنة بالركود للحظة قصيرة. يجمع نهجه الوثائقي الدرامي بين الزوايا للكاميرا بصورها البليغة والساحرة (يقع المصنع في وسط بستان من الأشجار المغطاة بالثلوج) . يتميز فيلم " الطبقة العاملة بالذهاب إلى الجنة " بالتصوير السينمائي الشجاع وأحيانا الغريب المضاء باللون الأزرق من قبل لويجي كوفيلر (الأحمر العميق)، ويمثل تحولا إلى النهج السياسي الأكثر قتامة والأكثر وضوحا الذي سيتخذه بتيري لغالبية أفلامه في السبعينيات.

"الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة" هي قصتان رئيسيتان ممزوجتان تماما معا. الأولى قصة رجل فخور لا يريد الانخراط في السياسة حتى يواجه مأساة شخصية ولديه الوقت للابتعاد عن سلوكه المدمن على العمل ورؤية الظلم المنهجي من خلال عيون واضحة. وحصل على سمعة جيدة مع رؤسائه الذين يعتمدون زورا على مقاييس الإنتاج للمصنع على عاملهم بشكل أسرع. إنها تقنية إدارة غبية، ولكنها شائعة بالتأكيد، وفي البداية لا يرى لولو أي حاجة إلى الإضراب أو إجراء تغييرات شاملة من أجل كسب عيشة جيدة. ومع ذلك، هناك مخاوف أثيرت في وقت مبكر من الفيلم، على وجه التحديد أنه يترك صحته تتدهور ويبدو الإرهاق في العمل أثرت على رغباته ودافعه الجنسي الذي تضاءل لأنه متعب جدا بعد العمل. من المحتمل أن تظل الأمور كما هي بالنسبة له حتى وقوع حادث في المصنع ويفقد إصبعه في إحدى الآلات. تجبره هذه الإصابة على أخذ إجازة من العمل وعندما يعود يرى مدى ضآلة الإنسانية في تدابير الإنتاج من المديرين التنفيذيين وينضم إلى المجموعة التي تضرب من أجل ظروف أفضل. والثانية صورة مصغرة عن نضال الطبقة العاملة . يختلف هذا الفيلم عن الكثير من الأفلام الوعظة المؤيدة لجموع العمل داخل السيناريو. الفيلم نقدًا واضحًا لمفهوم اغتراب الطبقات العاملة الذي كان رائجًا في السبعينيات.

في الختام : على الرغم من أن الفيلم يسعى بحماسة إلى غرس المفاهيم الماركسية النبيلة في مشاهديه ويتم عرض نداء بتيري إلى المواءمة الاجتماعية هنا، إلا أنه لا يعدل حقيقة في أنه فيلم مهم للغاية ويجب تحليله ومناقشته واعتباره صورة متحركة رئيسية تغلف بشكل ملائمة جو تلك الأيام المليء بالاحتجاجات، ولكنه يعرض أيضا صراعا خالدا لرجل يحاول الحفاظ على الكرامة، على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة والعمل الشاق . إلى جانب التوسع في المصير القاسي للطبقة العاملة، يلمح المخرج بالمثل إلى استغلال العمال من جنوب إيطاليا المنتشر فيها الفقر. حصل الفيلم على إشادة واسعة النطاق وحصل على عدد من الجوائز، بما في ذلك جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية. هناك بلا شك عنصر من التوتر المطلق، من الفصام غير القابل للاختزال، وهو واضح من الدقيقة الأولى من الفيلم حتى نهايته المريرة. فيلم "الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة " ليس مجرد فيلم آخر عن الوضع الاجتماعي أو الصراع الطبقي. بل يمكن اعتباره إسقاط لوحشية للرأسمالية والفساد الصناعي .



(*) كاتب عراقي \ مقيم في المملكة المتحدة
 







 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter