|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين 8/4/ 2013                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

" الأجنبي " أحسَن

امين يونس

كثيراً ما تخرج علينا ، وسائل الإعلام ، بإعلانات حول قُرب وصول جّراح العظام ( الأردني ) الكبير الى أربيل .. أو يُكّرِر التلفزيون بُشرى سّارة للمواطنين ، بقبول الطبيب الأردني الشهير في الامراض الباطنية ، بإجراء الفحوصات والتشخيص والعلاج ، في إحدى مستشفيات السليمانية .. أو الحكيم الإيراني الخبير بأمراض العيون .. أو اللبناني المعروف ، بعلاجه للعُقم والامراض التناسلية .. وكذلك إنتشرَتْ عندنا هُنا ، ظاهرة فتح المستشفيات الأهلية " الأجنبية " .. فهُنا مُستشفى ( ألماني ) .. وهنالك آخر ( فرنسي ) وعيادات مُتخصصة ( تركية ) و ( إيرانية ) .. الخ .. بل حتى المدارس والكليات الخاصة لم تَنجُ من هذه الهجمة " الأجنبية " .. فمن معاهد وكليات " عشق التركية " الى المدارس البريطانية والفرنسية ، وحتى المراحل التمهيدية ، توجد فيها إبتدائيات تُدّرِس كافة المواد بالإنكليزية ، لإطفال الميسورين والأغنياء .
وهذه الظاهرة ، سواءً في التعليم أو الصحة أو غيرها .. شئٌ طبيعي . فحين تحدث في مُجتمعٍ ما طفرات في التنمية ، فأن من المُتوقع أن يحدث [ إنفتاحٌ ] على العالم . وعلى إعتبار ، ان ( التنمية ) الحاصلة عندنا .. ليست طبيعية ولا هي ناتجة عن النمو في الصناعة والزراعة والسياحة ، وليست هنالك تنمية بشرية مُتلازمة مع ذلك .. بل ان كُل الذي حصل ، هو إرتفاع أسعار النفط عالمياً .. وإزدادتْ الواردات بشكلٍ كبير . فلقد تضاعفتْ ميزانية الأقليم في 2012 مثلاً ، عشرة أضعاف ماكانتْ عليه في 2004 ! . وهذه الزيادة الكبيرة للغاية وخلال فترة قصيرة لا تتعدى بضع سنوات .. أظهرتْ الخلل البنيوي الذي نُعاني منه في أقليم كردستان ، وإفتقارنا الى رُؤيةٍ إستراتيجية متكاملة ، تأخذ بنظر الإعتبار .. التنمية البشرية المُستدامة . فلقد أهملنا إقامة بُنى تحتية متينة كبيرة .. وإنشغلنا بمشاريع ذاتَ بُعدٍ " مَظهَري " بّراق .. فطيلة ما يُقارب العشر سنوات ، أخفقنا في إنشاء شبكة مواصلات مُتقدمة ، ولا زالت شوارعنا الخارجية والداخلية ، تُعاني الكثير من التخلُف والبُؤس .. فشلنا في إقامة مصفى كبير للمُشتقات النفطية ، بمواصفات عالية يستطيع تلبية مُتطلبات الاقليم .. أهملنا الزراعة بصورةٍ شنيعة ، ولم نرتقي لحدود التفكير الجدي ب ( الأمن الغذائي ) .. وإعتمدنا بصورةٍ شُبه كلية على الإستيراد ، ولم نُنشِئ مشاريع صناعية ذات قيمة . إضافة الى عشرات التفاصيل الاخرى ، من قبيل تخّلف النظام التربوي والتعليمي وكذلك تخلف نظام الرعاية الصحية والصرف الصحي والرعاية الإجتماعية ... الخ . وطبعاً .. قبلَ ذلك كله : إفتقارنا الى [ تنمية بشرية مُستدامة ] .. إذ ان أهم ثروة يمتلكها أي بلد ، هي الثروة البشرية ، وليست النفط او غيره .
أمتلك تجربة شخصية غنية وطويلة ، مع ( الأطباء ) العراقيين المحليين هنا في الأقليم ، ناتجة عن كَم الامراض التي اُعاني منها منذ سنين .. كذلك زرتُ مُستشفيات تركيا أكثر من مّرة .. ولدي معلومات مُفصلة عن مستشفيات الأردن ولبنان وسوريا وإيران " من خلال الكثير من الأصدقاء والمعارف الذين راجعوها " . بالنسبة لي ، إضطررتُ الى الذهاب الى تركيا ( لإجراء فحوصات لم تكن مُتوفرة هنا في الأقليم ، وأُجرِيتْ لي عملية جراحية هناك ) . أقول واثقاُ ، ان الاطباء العراقيين لايقّلون كفاءةً وعلماً ، عن أقرانهم في دول الجوار والعالم .. إذا لم يفوقونهم فعلاً ! . كُل المسألة ، أن ( نظامنا الصحي ) مُتأخر ، من حيث الإدارة عموماً والأجهزة الحديثة والإهتمام بالكادر وتحديث القوانين .. الخ .
وكذا .. التربية والتعليم .. لا نفتقر الى مُعلمين بارعين مُخلصين ، لكن مرةٌ اُخرى : مُشكلتنا ، هي تخلُف ( النظام التربوي التعليمي ) عموماً ، وضعف الإهتمام بالتنمية المُستدامة .
........................
لا المستشفيات الاهلية ذات الأسماء والألقاب الاجنبية المنتشرة في الأقيم اليوم ولا الأطباء الأجانب الزائرين .. سوف يحلون مشاكلنا الصحية .. ولا الكليات والمدارس الاجنبية الموجودة ، ستوقف تخّلف التربية والتعليم عندنا . بل الحَل يكمن ، في : إستثمار الميزانية الكبيرة للأقليم ، في الأوجُه الصحيحة وبالأساليب العلمية الصحيحة ، وتطوير وتحديث الأنظمة التربوية التعليمية والصحية عندنا .
ان عُقدة " الخَواجة " كما يقول المصريون .. أي عقدة " الأجانب " ، مازالتْ تفعل فعلها السلبي في مُجتمعنا : فهنالك الكثير من الناس يتأثرون بسهولة ، بمُجرد ان تقول لهم : ان الطبيب " أجنبي " فيثق به أكثر من الطبيب المحلي ، أو ان المدرسة الفلانية أجنبية .. بل حتى ان البضائع الاجنبية عموماً ، عند هؤلاء ، هي أفضل بلا نقاش ، من البضاعة المحلية . انها ممارسة لا واعية للدونية ! .

 

6/4/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter