|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس 7/3/ 2013                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مأساةٌ .. عَشية اليوم العالمي للمرأة

امين يونس

قبلَ أيام ، هنا في مدينتي .. كانتْ مجموعة من طالبات الصف التاسع ، أي الثالث المتوسط ، في ساحة أحدى المدارس .. يتبادَلنَ أثناء الفُرصة أو الإستراحة بين الدروس ، الحديث والصياح والنكات والضجيج .. شأنهنُ شأن الفتيات في عُمر الورود في كُل مكان .. يتضاحكَنَ ويتشاقينَ .. وكما يحدث في أحيانَ كثيرة في مثل هذه الاوقات ، حيث تجتمع الفتيات لدقائق قبل دق الجرس .. فأن الطالبة " ل . ع " قالت : ان المُدّرِس الفلاني سخيف . فما كانَ من بعض الطالبات ، إلا وهرعنَ لإخبار إبنة المُدرِس المعني ، والتي هي طالبة أيضاً في نفس المدرسة .. وسارعتْ الإبنة لإخبار والدها ... الذي بادرَ فوراً بإخبار المُدير وطالبَ بفصل الطالبة من المدرسة .. والمدير قام فعلاً بمُعاقبة الطالبة وفصلها لمدة ثلاثة أيام بِتُهمة [ طول لسانها وتطاولها على المُدرِس ]! .

هذا كان موجزاً للفصل الاول من المأساة .. عادت الطالبة " ل . ع " ذات الخمس عشرة سنة ، حزينةً الى منزلها ، وأخبرتْ عائلتها بما حدث . فذهب ولي أمرها صباح اليوم التالي ، الى مديرية التربية ، في مُحاولة لتسوية الأمر ، وأبدى إستعداده لتقديم الإعتذار للمُدرِس والمُدير والتعهد بعدم تكرار ذلك .. والسماح لإبنتهِ بالعودة الى الدوام .. إلا ان جهوده لم تثمر كما يبدو ! . وسمعتْ الأبنة المُنهارة ، ان الإدارة ، قد وزعتْ أمر فصلها لثلاثة أيام وحسم عشرة نقاط من درجة سلوكها ، على كافة الصفوف في المدرسة .. فلم تتحمَل ذلك .. وقامتْ بإشعال النار في جسدها ! . هذا موجز القسم الثاني من المأساة .

نُقُلِتْ الفتاة المسكينة ، على عَجل .. الى المُستشفى .. ولكن نسبة إحتراقها كانت في حدود 95% .. ولم تنفع كافة الإسعافات في إنقاذ حياتها .. فلقد فارقتْ الحياة في وقت مُبكر من صباح أمس ! .. لتكتمل بذلك فصول المأساة المُروِعة .
..........................................
الحادثة هذه ، هّزَتْني من الأعماق .. فمَنْ هو المُلام ومَنْ المسؤول عن هذه التراجيديا السوداء ؟ هل هي الطالبة التي نعَتَتْ المُدرِس بكلمةْ غير لائقة ؟ هل هُن الطالبات اللاتي أخبرنَ إبنة المُدرِس ؟ هل هي إبنة المُدرس التي بَلغتْ والدها ؟ هل هو المُدرِس ؟ هل هو المُدير ؟ هل هي عائلة الطالبة ؟
هل حقاً .. ان إطلاق " كلمة " .. أي كلمة مهما كانتْ قاسية أو نابية أو غير لائقة .. لاسيما مِنْ قِبَل فتاةٍ لم تتجاوز الخمسة عشر سنة .. قالتْها ممازحةً او حتى مُتعمدة بِحق مُدرِسٍ ، أمام بعض الطالبات .. تؤدي الى هذه المضاعفات ، والتصعيد والتوتر ، الى درجة الإنتحار ؟
لو ان الطالبات كُنَ أكثر نضوجاً ، ولم يخبرنَ إبنة المُدرِس لإغاضتها .. لو ان الإبنة لم تُبَلِغ والدها .. لو ان المُدرِس كانَ أكثر تسامُحاً وتساهُلاً .. لو ان المُدير كان أفضل خبرةً وتفهُماً .. لو كان الأهل أحسن وأسرع تصرُفاً .. ولو كانتْ الضحية ، أقل حساسية ورهافة .. لِما كانتْ هذه المأساة .
...................................
لازالَ أمامَ نظامنا التربوي والتعليمي ، الكثير لكي يرقى الى مُستوى يُؤهله ، للتعامل الصحيح مع الفئات العُمرية من الذكور والإناث لاسيما في مرحلة المُراهقة ، والتصرُف الحكيم والواعي مع كُل حالة حسب ظروفها ، والتحّلي بالمسؤولية والترفُع عن ردود الفعل العاطفية ، وعدم التسرُع بإتخاذ القرارات ... ان شعور الفتاة المسكينة ، بالظُلم والحَيف ، وان عقوبتها كانتْ قاسية للغاية ولا تتناسب مع ما إقترَفتْهُ من ذنب ، ولرهافة حسّها المُفرطة ، ولقلة وعيها وهشاشة إدراكها، ولشعورها بالعجز ، فلقد قامتْ بإشعال النار في نفسها ، وفقدتْ حياتها على أثر ذلك .
مَنْ مِنّا ، في طفولته وشبابه ، لم يتفوه أحياناً ، خلال الحديث مع أصدقاءهِ ، بكلماتٍ قاسية او غير لائقة او سّمِها ماشئت ، بِحق المُدرس أو المُدير ، أو حتى بِحق أقرب المُقربين إليهِ ؟
.......................................
تباً لهذه " الكرامة المُزيفة " التي بذريعتها الواهية ، فقدتْ هذه الإنسانة اليافعة حياتها .. تباً للأساليب الخاطئة في التعاطي مع مثل هذه الحالات البسيطة .. تباً للقِيَم المجتمعية البالية .. تباً للإستهتار والسطحية المُستخدمة في معالجة الأمور ..
في مثل هذه الأيام ، وعشية الإحتفال باليوم العالمي للمرأة .. أليسَ من الجنون أن تنتحر فتاة صغيرة ، لمثل هذا السبب البالغ التفاهة ؟.

 

5/3/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter