|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس 6/9/ 2012                                                       أمين يونس                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أشياء صغيرة .. "2"

امين يونس

أحد أقربائي إتصَلَ بي قبلَ أشهُر ، طالِباً مني خِدمة ، قال : " .. ان الاستاذ فلان ، سيكون مُدير القاعة الإمتحانية .. وسمعتُ انه صديقك وأنك تُؤثِر عليهِ .. اريدك ان توصيهِ ، على أبني الذي سوف يمتحنُ هناك ..! " . بِكُل بساطة ووضوح وبدون شَرحٍ وتبرير .. رفضت . طبعاً .. زَعَل قريبي وإعتبرَ ان موقفي غير ودّي وبعيد عن اللياقة ! . لم أستغرب كثيراً من الموضوع بِرمتِهِ .. فقريبي هذا وأمثاله .. ليسوا نادرينَ في مجتمعنا ، للأسف الشديد .. ومن الشائع لديهم ، ان يتدخلوا بأي طريقة ، مهما كانتْ غير أخلاقية ومُنافية للقانون ، وبعيدة عن الأصول ولا تتلائم مع العدالة .. في سبيل إنجاح أولادهم " الفاشلين " .. ولا زلتُ أتذكَر أحدهم .. قبلَ أكثر من خمسة وعشرين سنة .. حيث حاولَ جاهداً الضغط على مُدّرسٍ لإنجاح ولده الراسب للسنة الثانية على التوالي في المادة التي كان يُدَرسها الأستاذ مع دروسٍ اُخرى .. لكنهُ أي الاستاذ لم يرضخ .. ولم تنفع كذلك " نصائح " وحتى تهديدات المُدير أيضاً .. وفشلتْ محاولات صاحبنا ، في رشوة المُدَرِس وإغراءه بالمال والهدايا .. التي رفضها قطعاً .. إذ ان ذاك المُدرس النزيه .. إعتبرَ الأمر مسألة مَبدأ . وأخيراً لجأ الرجُل المُتنفذ والثري .. الى وسيلةٍ أخبث .. حيث عملَ بوسائله الخاصة ، على نقل ذاك المُدرِس الناجح والممتاز ، من مدرسة إبنه الى مدرسةٍ اُخرى ! .. وفعلاً فأن ولدهُ نجحَ في تلك السنة ! . كان ذلك في عهد النظام السابق .. وذلك الولد الفاشل في المدرسة والراسب في عدة مواد ، والذي نجحَ بالطريقة السالفة الذِكر .. فأنه أكمَلَ المراحل الأخرى على نفس المنوال تقريباً .. وهو اليوم من الوجهاء الذين يُشار لهم بالبنان !.

بالنسبة لي .. الامرُ محسوم وواضح .. فأنا " لا أحترم " هؤلاء الذين تحايلوا ويتحايلون اليوم أيضاً ، في سبيل الحصول على شهادات دراسية ، لايستحقونها . ولا أحترم الذين يتشبثون ب " الواسطة " لكي يُنجحوا أبناءهم في كُل المراحل .. ولا أثِقُ أيضاً على الإطلاق .. بالجانب الآخر .. أي الإدارة او المُدرِس .. الذي يرتضي ان يرضخ للضغوط او يقبل الرشوة والهدايا .. او يتملق المسؤولين او المتنفذين .. ويدوس على ضميره المهني ، ويُنجح بعض الطلبة الفاشلين ! . ان جريمة " التزوير " لاتنحصر فقط ، في تقليد توقيع او تزييف درجات .. بل تشمل أيضاً الرضوخ للضغوطات المادية والمعنوية والمساهمة في إنجاح ، مَنْ لا يستحق النجاح .

أعتقد .. ان الآباء والأمهات .. الذين يحاولون جهدهم ، اللجوء الى " واسطة " لإنجاح أبناءهم الفاشلين في الدراسة .. أنما يقترفون بذلك ، ذنباً مُركَباً .. أولاً بِحَق هؤلاء الأبناء .. حيث يغرسون فيهم نبتاً خبيثاً ، ويُقدمون لهم مَثلاً سيئاً في الاخلاق .. وثانياً .. انهم بعملهم هذا ، يستحوذون على حَق غيرهم من الناجحين بجهودهم الذاتية . أما المسؤولين التربويين او المُدرسين ، الذين يتورطون في مثل هذه الأفعال المُدانة .. فُهُم في الحقيقة ، لايستحقون لقب المُعّلِم او المُربي .

من " الأشياء الصغيرة " التي أعتبرها أمراضاً إجتماعية .. كانتْ رَمي القمامة في الشارع كما جاءَ في المقالة السابقة .. واليوم تطرقتُ .. الى مرضٍ آخر ، وهو لجوء " بعض " الأهالي ، الى وسائل غير شرعية ، لإنجاح أبناءهم في مختلف المراحل الدراسية [ وتَقّبُل المجتمع لهذهِ الظاهرة المُشينة وكأنها شئ طبيعي ! ] .. هذهِ الأشياء الصغيرة .. هي في إعتقادي .. من أسباب تخّلُفنا الحضاري .

وللحديث بقية

 

5/9/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter