|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 6/2/ 2013                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

بين تركيا وحزب العمال .. مُلاحظات

امين يونس

مبدئياً .. من الجيد ان تنجح الحكومة التركية ، في الشروع بِإيجاد حَلٍ حقيقي للقضية الكردية في تركيا .. والتحركات الأخيرة بإتجاه التفاوض العلني والسري ، مع حزب العمال الكردستاني ، إذا إستمرتْ وإزدادَ زخمها ، فمن الممكن التوصل الى خارطة طريق معقولة ، للطَرفين : الحكومة التركية ممثلةً للدولة التركية ، وحزب العمال الكردستاني ممثل الشعب الكردي في تركيا . أدناه بعض الملاحظات حول الموضوع :

- القضية الكردية مافتأت تُؤرِق ، الحكومات التركية منذ عقودٍ من الزمن .. وأصبحتْ عائقاً في وجه طموحات الدولة التركية للإنضمام الى الإتحاد الأوروبي .. وكذلك باباً واسعاً ، للتشكيك ب " ديمقراطية " تركيا . ورُبما كانتْ العسكريتاريا التركية التقليدية ، بما كانَ لها من نفوذ كبير على مُجمل السياسة التركية ، تلعب دوراً مهما في طمس حقيقة وجود الشعب الكردي ، والإستمرار في تجاهل وإنكار حقوقه المشروعة . والطبقة السياسية التركية الحاكمة طوال سبعين عاماً ، هي نِتاج العقلية الإقصائية المُنغلقة ، الشوفينية الناكرة لوجود الكرد أساساً . بدأت بعض بوادر التغيير ، منذ بداية التسعينيات .. غير ان وتيرة التغيير ظهرتْ بوضوح ، مع صعود اردوغان وحزبه ، بالتزامن طبعاً ، مع " إشتداد عود الأحزاب الكردية ولا سيما حزب العمال والأحزاب الرديفة ، وتصاعد الحِراك الشعبي المعارض في جميع المدن والبلدات الكردية " .

- من الضروري ، التذكير ان أردوغان وحزبه الحاكم ، لم يبدأ بإنتهاج سياسة الإعتراف بالكرد كشعب وكثقافة.. إلا بعد [ فشل ] كل الحلول العسكرية التي جّربها على نطاقٍ واسع خلال السنين الماضية ، سواء في داخل تركيا او في جبال قنديل داخل اقليم كردستان ، والتي كانتْ تهدف الى إخضاع حزب العمال الكردستاني وبالتالي الإستمرار في إذلال الشعب الكردي .

- يجب القول أيضاً ، انه لايزال هنالك العديد من الأحزاب والحركات التركية القومية المُتعصبة ، والشوفينية ، وكذلك بعض الضباط العنصريين .. الذين لايؤيدون " السياسة التركية الجديدة تجاه الكُرد " ، بل ويقفون بصلابة ضد كُل توجهٍ لحصول الكُرد على مزيدٍ من حقوقهم المشروعة .

- رغم ان " عبد الله اوجلان " هو الزعيم الكردي الأكثر شهرة  ، ومع إضطرار الحكومة التركية ، للتفاوض معه . إلا انه يجب عدم نسيان ، ان اوجلان من الناحية العملية ، كان غائباً عن الساحة منذ حوالي ثلاثة عشر سنة .. ولأن السلطات التركية منعتْ عنه كل وسائل الإتصال في سجنه ، وإقتصرتْ معلوماته ، على تلك التي كان يطلع عليها ، من خلال محاميه على فترات متباعدة ومُتقطعة . فأن تفاوض السلطات التركية معه ، بإعتبارهِ ممثلاً لحزب العمال والكرد عموماً ، هو سلاحٌ ذوحّدَين : إذ ان هنالك مخاوف من أن يقوم اوجلان " بسبب بُعده القسري ورُبما إنخفاض معنوياته لطول فترة سجنه " ، بتقديم تنازلات مجانية ، للجانب التركي ! . من قبيل التخلي عن السلاح بدون شروط ، او فك الإرتباط مع حزب الاتحاد الديمقراطي السوري ، دون ضمانات !. وهنا ، سوف تبرز خلافات متوقعة ، بينه وبين القيادات الميدانية في كل من قنديل وسوريا وحتى في أوروبا .. ومن الممكن ، ان يكون ذلك فخاً تنصبه السلطات التركية ، لإحداث شروخ مهمة في جسد حزب العمال . " علماً ان [ مراد قرة يلان ] القائد الميداني لحزب العمال في قنديل ، يحظى بشعبية كبيرة ، ويمتلك في رأيي .. صفات كثيرة أفضل من أوجلان ! ] .

- لا جدال في ان حزب العمال الكردستاني ، هو الأكثر جماهيرية وقُدرة على تحريك الشارع ، في كردستان تركيا ، وهو الذي حصل على أصواتٍ كثيرة ومقاعد برلمانية ورئاسات مجالس البلديات ، في كل الإنتخابات خلال السنوات الماضية . لكنه ليسَ الوحيد في الساحة ، فهنالك أحزاب كردية أخرى عديدة .. لكنها في الواقع لاتتمتع بحرية الحركة في المناطق التي تخضع لنفوذ حزب العمال . ورغم الإنطباع السائد ، بصدد صلابة الجبهة الداخلية لحزب العمال الكردستاني .. إلا انه ليسَ من الصعب ، إكتشاف الإختلافات في الرؤى ، بين العديد من القيادات المحلية " لحزب السلام والديمقراطية " وبين حزب العمال .. وحتى بين القيادات الميدانية في كُل من قنديل وسوريا وايران ، وبين أوجلان ... وحتى إذا لم تصل هذه الإختلافات ، الى حد التقاطع في الوقت الحاضر .. فليسَ مُستبعداً ان تصبح كذلك ، إذا لم يتم التعامل معها ، بكل جدية وحصافة ، عن طريق تقريب وجهات النظر ، وتوحيد المواقف .

وحول [ المفاوضات ] الجارية على عِدة صُعُد ، بين الحكومة التركية وحزب العمال .. أعتقد انه ينبغي ان يمتلك الكُرد إستراتيجية موحدة واضحة المعالم ، ومن الضروري جداً [ عدم إخافة الجانب التركي ] .. فالأتراك متطيرون من فكرة " الإنفصال " او التقسيم .. عليه ، من المُهم ، تحديد : ماذا يريد الكُرد بالضبط ؟ والى أين يريدون ان يصلوا ، وكم يبلغ إرتفاع سقف المطالب التي يبغون الوصول اليها ؟ هل هدفهم هو الحكم الذاتي ، أم الفيدرالية أم الإنفصال؟ .. علماً ان الجانب الرسمي التركي ، لم يُصّرِح لحد الان بصورةٍ قاطعة ، عن موافقته حتى على الحكم الذاتي . أرى ان الإنفصال هو مُجّرد حلم ضبابي غير واقعي " في الوقت الحاضر على الأقل " .. وان أقصى ما يطمج اليه كُرد تركيا ، هو الفيدرالية .. وحتى هذه ، بحاجة الى وقت والى " تعديل العديد من فقرات الدستور التركي ، علماً ان هنالك إعتراضات شديدة من قِبَل العديد من القوى القومية التركية المتزمتة " .

- أعتقد ان هنالك نقطة في غاية الأهمية ، بالنسبة الى الجانب التركي .. وهي ان يفك حزب العمال الكردستاني ، إرتباطه مع " حزب الإتحاد الديمقراطي السوري " ، ولا يتدخل في الملف السوري .. أي بمعنى آخر ، يفسح المجال لتركيا ان تكمل مشروعها في سوريا ! . كذلك لايريد الأتراك ، ان يكون هناك تفاهُم وتنسيق وثيق ، بين أقليم كردستان العراق والإدارة التي سوف يقودها حزب العمال في كردستان تركيا ! .. إضافة الى ان الأتراك ضد العلاقة المتينة بين حزب العمال الكردستاني و" حزب بزاك الكردي الإيراني " . أي بالمُجمَل ، يريد الأتراك ، ان يتخلى حزب العمال ، عن جميع " إرتباطاته القومية " خارج الحدود .. ويكتفي بالحصول على بعض الحقوق والمكاسب في تركيا . وإتخاذ اوجلان او قيادات حزب العمال ، أي قرار بهذا الصدد ، في غاية الصعوبة .. إذ ان جزءاً مُهما من هالة المَجد التي يمتلكها حزب العمال ، متأتية من نضاله وحركته في الأجزاء الأربعة من كردستان ! .

- على الحكومة التركية ، ان تثبت حُسن النية ، من خلال السعي لرفع صفة " الإرهاب " عن حزب العمال الكردستاني .

- أعتقد انه من الضروري ، الإنتباه الى أمرٍ في غاية الخطورة : إحدى ألاعيب مُنّظِر السياسة التركية الجديدة " داود اوغلو " .. هي ترسيخ التباعُد بين إدارة أقليم كردستان ، وبالذات بين الحزب الديمقراطي بقيادة البارزاني ، وبين حزب العمال الكردستاني بقيادة أوجلان ، ووضع العراقيل المتوالية ، على طريق التنسيق الجدي بين الطرفَين .. الأتراك يريدون ان يكون أقليم كردستان العراق " كابحاً " لطموحات كُرد تركيا .. كما يريدون أيضاً ، ان يكون حزب العمال " بعد نجاح المفاوضات وإدارته لنوعٍ من الحكم الذاتي " ، كابحاً لتطور اقليم كردستان !.

- قالَ لي أحد المسؤولين في دياربكر ، انه وخلال مراجعته لبلدية أنقرة في سنة 1990 ، رأى مواطناً خاطبَ موظفة باللغة الكردية ، فما كانَ منها إلا وضربتْهُ بحقيبتها اليدوية على رأسهِ ، قائلة بصلافة : بماذا ترطن ؟ ألا تعرف ان التحدث بغير التركية ممنوع ؟ . كان هذا قبل عشرين سنة فقط .. في حين هنالك اليوم محطات تلفزيونية كردية في تركيا وإذاعات وصحف .. والتحدث بالكردية مُتاح في الدوائر والمحاكم . ينبغي التسليم بحقيقة ساطعة : ان الزمن تَغَير والعصر تبدل .. ونظام الحكم في تركيا إضطَر إضطراراً ، لإنتهاج سياسة جديدة تجاه الكرد .. وذلك بفعل عوامل كثيرة .. لعلَ من أبرزها ، تضحيات الشعب الكردي ونضاله الدؤوب من اجل إنتزاع حقوقه المشروعة .

وهذا لايعني بالطبع ، ان الطريق مُمهدة وسالكة بدون عقبات .. فلكي يحصل كرد تركيا على حقوقهم ، ينبغي الإستمرار بالعمل ومواصلة الكفاح ، على كافة المستويات .. بحيث يقتنع المواطن التركي العادي ، تدريجياً ، بجدوى وفائدة ترك الكرد ، يُديرون شؤونهم بأنفسهم ، والتعايش معهم وفق منظورٍ حضاري . 

 

5/2/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter