| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الخميس 31/1/ 2013 أمين يونس كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
مَشهدٌ بسيط من الحِراك الفكري
امين يونس
جَمعتْني مساء أمس مُصادفة .. جلسة كانَ فيها بعض المتنفذين ، الذين أحرصُ عادةً على عدم مُخالطتهم .. لأنني لا أستطيع " السكوت " حين أشعرُ ان ما يُقال غير صحيح ، ولا أقدرُ على الصمت ، من أجل المُسايرة وكسب الرضا . وبالفعل دارتْ النقاشات حول الأوضاع العامة في العراق وفي الاقليم خاصة ، كالعادة .. وكالعادة أيضاً ، إنحصرَ النقاش تقريباً ، بيني وبين المُتنفِذين .. حيث توضَحَ للجميع ، اننا حينَ كُنا نتناقش في مسألة النفط او الحُريات العامة او الفساد والشفافية .. فأنهم اي المتنفذين ، كانوا يتحدثون عن شئ وانا عن شئٍ آخر تماماً . فكُل تفكيرهم لم يخرج عن نطاق : القائد الزعيم / الحزب / إبراز سلبيات رموز المعارضة / البحث عن تبريرات .. الخ . كانوا يدافعون عن الوضع الراهن بذهنية الطائفية السياسية إذا جاز التعبير ، وكنتُ أتحدث عن المؤسساتية والمدنية . قلتُ لهم ، ان عصر " الرمز المُقدَس " قد إنتهى ، ولا يوجد شخصٌ معصوم ، مَهما يكُن .. وذلك يشمل بالطبع ( مسعود البارزاني ) نفسه ، فهو رغم كُل شئ بشرٌ مُعّرَضٌ لإرتكاب الأخطاء والهفوات ، سواء في الماضي او الحاضر . رغم منطقية كلامي ، فأنه لم يعجبهم كثيراً ! .
إتفقنا ، ان " النفط " رُبما يكون من العوامل المُهمة لقيام دولة كردستان في المُستقبل .. وإختلفنا في " الكيفية " . فقلتُ لهم ، ان النفط يمكن ان يكون ( نقمة ) وليس ( نعمة ) .. إذا إستمرَ التعامل مع الملف بالطريقة الحالية : الغامضة والتي تدور من حولها مُختلف الشكوك ، والتي تُثير الريبة .. ليس بالنسبة للحكومة الإتحادية فقط ، بل مع الداخل الكردستاني أيضاً . قلتُ ان ملف النفط والغاز في الأقليم ، بحاجة الى الشفافية الكاملة ، في جميع مفاصله ، بدءاً بالتخطيط الجيد ، الى العقود الى الإستخراج والتسويق والإيرادات ، مروراً بإيلاء الإهتمام بالبيئة .
تحدثنا عن الثروات التي على الأرض وفوقها وتحتها .. وعن " حق " الاجيال القادمة في هذه الثروات .. وعن سوء الإدارة الحالية ، التي تتصرف بهذه الثروات ، بِخِفة ولا مسؤولية .. وكأنه لايوجد هنالك " غَد " او مُستقبل . وعن الخطأ الجسيم ، بأن تكون ( أرزاق ) المواطن بيد الحزب الحاكم وليس بيد الدولة التي يحكمها القانون " بعد ان قال أحد المتنفذين : ( انه مدين للرئيس وللحزب لأن الخبز الذي يأكلهُ هو من خيرات هذا الحزب ! ) .
.................................
على أية حال .. رُبما يكون " المتنفذون " أعلاه ، نموذجاً للمتنفذين عموماً .. وللأسف يدور جُل تفكيرهم ، في فلكٍ ضّيِق ، لايخرج عن نطاق التنافس مع " المعارضة " التي هي في عُرفهم كُل الذين لايتفقون معهم في الرأي ، وعن " تقديس " القادة وعدم جواز إنتقادهم بأي حالٍ من الاحوال ، ولا يرقى مُستوى تفكيرهم ، الى عتبة المؤسساتية او دولة القانون او التخطيط العلمي او التهيؤ الامثل للمُستقبل .
أعتقد ان قراءة هذا المشهد البسيط ، تشير بدرجةٍ او بأخرى .. الى الحوارات والنقاشات التي تجري في مجتمعنا اليوم .. والإتجاهات السياسية الرئيسية المتواجدة .. علماً ان هذا ال" الحِراك " وهذه الجرأة والصراحة النسبية .. لم تكن مُتاحةً في السابق ! .
30/1/2013