|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد 2/12/ 2012                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

لماذا يُقتَل طبيبُ أسنان ؟!

امين يونس

أتذكَرُ بِمرارةٍ .. ومنذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي ولغاية إحتلال الكويت .. حين كان الإعلام العالمي والأقليمي والعربي .. يسكتُ عن الجرائم الكُبرى التي يقترفها ، النظام الصدامي الفاشي ، بِحق الشعب العراقي .. والإنتهاكات المُخزية ، لحقوق الإنسان .. التي تُمارسها الاجهزة القمعية ، ضد كُل مَنْ [ تشُك ] في ولاءهم .. وسط صَمتْ الدول الكبرى " المُدَعِية " ، بدفاعها عن الديمقراطية وحقوق الانسان ، مثل الولايات المتحدة الامريكية والغرب عموماً .. وكذلك صمتْ الدول " المُدَعِية " حينها ، بتبنيها للإشتراكية وحقوق الشعوب والتحّرُر ، مثل الاتحاد السوفييتي والدول الدائرة في فلكهِ . كُل هذهِ البلدان ، كانتْ تتعامى ، عما تُعانيهِ الجماهير العراقية ، من قمعٍ وإنتهاكٍ للكرامة والعيش في سجنٍ كبير .. من أجل " مصالح " هذه الدول . فلقد ثبتَ ان شعارات : الديمقراطية وحقوق الانسان والاشتراكية والعدالة .. كانتْ كلمات فارغة بدون معنى ، في الواقع العملي ! .

واليوم كذلك .. يلعبُ الإعلام العالمي المُسيطَر عليهِ ، مِنْ قِبَل الإحتكارات الكُبرى .. وحتى بعد العَولمة ، والإدعاء الكاذب بأن العالم أصبح قرية صغيرة ! .. يلعب لعبته ، في [ الإنتقائية ] التي تُوجهها مصالح الكِبار .. فَتُكّبِر حدثاً تلقي عليهِ الضوء بِكثافة ، وتعطيه أكثر من حجمهِ .. وتُصّغِر آخر وتُهّمِشهُ وتهملهُ عمداً . فالجرائم التي إقترفها الإحتلال الأمريكي في العراق ، رغم انه لم تكن هنالك حربٌ فعلية ، بل ان ما جرى كان أشبَه بالإستسلام .. فأن ما ظهرَ في الإعلام لاحقاً .. ما هو إلا فُتات صغير ، وجزءُ بسيط .. لأن حتى المحطات التلفزيونية والاذاعات والصحف .. التي ذكرتْ بعض الأحداث المُروعة التي قام بها الامريكان .. قد تَم تجاهُلها والتعتيم عليها ، أو إتهامها بالمُبالغة والتهويل .. ولم يُعُد يذكرها أحد بعد سنةٍ او إثنتَين .. وبَقيَ في الذهن الجمعي العالمي .. فقط ، ما تبثه الوكالات العالمية الكُبرى " المُسّيرة من نفس صانعي الحروب وخالقي الصراعات ! " .. هذه الإحتكارات الإعلامية ، التي تُسمى زوراً [ رصينة ] و [ مُحايدة ] هي التي تُشّكِل جُزءاً مُهماً من وَعي المُتلقي .. وهي التي تُوجِهه وِفق ما تريد وترغب .

هنالك نُكتة خبيثة ، تُبينُ جانباً مأساوياً ، في كيفية تعامُل الإحتكارات الكٌبرى ، مع الشعوب عموماً : " يُقال ان بوش وبلير إتفقا بعد إجتماعهما ، على التصريح في مؤتمرٍ صحفي ، بأنهما سيخوضانِ حرباً ، يقتلان فيها مليون آسيوي وطبيب أسنان واحد ! .. وسارع الصحفيون جميعاً بسؤالهم : لماذا طبيب أسنان ؟ فإلتفتَ بوش الى بلير وقال له هامساً : ألم أقُل لك ، ان لا أحد سيهتم بالمليون آسيوي !! " .

أكثر من مليون قتيلٍ عراقي وإيراني في حرب الثمان سنوات ، مئات آلاف القتلى العراقيين في حرب الكويت .. عشرات آلاف الأطفال العراقيين ضحايا الحصار الظالم على الشعب العراقي " وليسَ على النظام العراقي " .. عشرات الآلاف من القتلى العراقيين جراء الإحتلال الأمريكي .. والتدمير الكامل للبُنى التحتية للبلد وتحطيم الإقتصاد .. عشرات الآلاف من القتلى العراقيين ، ضحايا الإرهاب بأنواعهِ : إرهاب القاعدة ودولة العراق الاسلامية / إرهاب الميليشيات الطائفية / إرهاب الأجهزة الامنية / إرهاب عصابات الجريمة المُنظمة . إضافة الى ضعْفَي هؤلاء على الأقل ، من الجرحى والمُعوقين والمُشردين والمُهجرين . كُل هؤلاء الملايين من الضحايا العراقيين .. لم يأخذوا إلا حيزاً ضيقاً من الإعلام العالمي ، وبطريقةٍ إنتقائية شديدة الخباثة ، ومشبوهة المرامي .. وبتعتيمٍ مدروس .. بينما تَمَ تسليط الضوء ولفترات طويلة وبتركيزٍ شديد ، على بعض حالات محدودة ، لضحايا أمريكيين او غربيين او إسرائيليين .

متى سنصحو من الغفلة التي نعيش فيها .. نحن المُهّمَشين ؟ الى متى سنبقى إلعوبة بِيد هؤلاء القُساة الذين يتقاذفوننا ، من اجل مصالحهم ؟ الى متى سنتبع الطبقة السياسية العراقية ، الذيلية ، خادمة المصالح الإحتكارية الكبرى .. هذه الطبقة التي أثبتَتْ أنها لاتصلح لقيادة المرحلة الإنتقالية الحالية ؟

حقاً .. ان لا أحد يسأل عن الملايين من العراقيين الذين قُتلوا .. ولا أحد يهتم بملايين الجرحى والمُعوقين .. ولا أحد يُبالي بالتدمير الذي أصابنا .. فالجميع يُسارعُ الى السؤال : لماذا يٌقتَل طبيب أسنان ؟!!

 

1/12/2012
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter