|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 26/9/ 2012                                                       أمين يونس                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

إطلالة على المشهد السياسي في اقليم كردستان

امين يونس

هل نجحتْ " حركة التغيير " او حركة كوران .. بِدَق أسفينٍ بين طَرَفَي التحالف الإستراتيجي .. الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني ؟ وهل ان الزيارة التي قام بها " نوشيروان مصطفى " يوم أمس 24/9 الى " جلال الطالباني " .. هي بِمثابة إتفاقٍ غير مُعلَن ، لِتحالُفٍ وثيق بين الإتحاد وحركة التغيير ؟  لعلَ النقاط ادناه تلقي بعض الضوء على الموضوع :

- قبل ثلاث سنين .. تفاجأ الإتحاد الوطني .. بِكَم الأصوات التي حازَ عليها مُرشحوا حركة التغيير الفتية ، في الإنتخابات العامة وإنتخابات مجالس المحافظات ، ولا سيما في السليمانية ، وعدد المقاعد التي حصلَ عليها .

- من الناحية العملية .. ورغم سهام النقد الحادة التي ، وجهَتْها حركة التغيير لِكِلا حِزبَي السلطة .. فأن الحزب الديمقراطي الكردستاني .. إستفاد بصورةٍ غير مباشرة ، من التصدُع الذي أصاب الإتحاد الوطني .. وفرضَ شروطه وحَسّنَ موقعه في بعض الاماكن .

- محاولات الإتحاد الوطني الكردستاني ، المُستميتة .. في إجهاض حركة التغيير وخنقها في مهدها .. بِمختلَف الوسائل .. لم تنجح على الإطلاق .. لسببٍ بسيط : هو ان " نوشيروان مصطفى " هو خريج نفس المدرسة السياسية التي تخرجَ منها الطالباني .. وتزاملوا بشكلٍ أو بآخر لنصفِ قرنٍ تقريباً .. و [ يتوقع ] مُسبَقاً ما سوف يلجأ اليه الطالباني من وسائل لتحجيم الحركة .. وإستعدَ لذلك جيداً .. وأدركَ نوشيروان ان الطالباني [ لايستطيع ] تجاوز الخطوط الحمراء ولا كشف كُل المستور  .. لأن في ذلك إنتحارٌ سياسي للطالباني نفسه .. لأنه كما يقول المَثل [ دافنينه سوه ] !.

- الحزب الديمقراطي الكردستاني .. حاولَ من جانبهِ .. إستمالة حركة التغيير وتقديم عروض مُغرية للمُشاركة في السلطة .. لكنه لم ينجح في ذلك .. حيث ادركَ نوشيروان " وكان مُحقاً في ذلك كما يبدو " .. ان قوتهُ تكمن في ( مُعارضته ) .. وبِمُجَرد خضوعه لإغراءات حِزبَي السُلطة ولا سيما الحزب الديمقراطي .. فأنه سيفقد قاعدته الشعبية سريعاً .

- بعض أوساط الحزب الديمقراطي الكردستاني .. لم تكن تَثِق منذ البداية ، بالإتحاد الوطني الكردستاني .. وإعتبرتْ تشكيل حركة التغيير ، لعبة أو مُناورة من الإتحاد .. للإلتفاف على الإتفاق الإستراتيجي وعلى الحزب الديمقراطي ! . وكانتْ هذه الأوساط تقول ، ان مجموع مقاعد الطرفَين في البرلمان تبلغ "54" ، حيث الإتحاد له "29" مقعد وحركة كوران "25" مقعداً .. وإذا تحالفا فيما بينهما او إتحدا مرة ثانية .. فانهما سيشكلان تهديداً جدياً لنفوذ الحزب الديمقراطي في البرلمان والحكومة ! .

- هنالك مؤشرات قد لايعترف بها السياسيون المحترفون ، الذين يميلون الى التبريرات الدبلوماسية .. لكن توقيت سَفَر رئيس الأقليم " مسعود البارزاني " الى اوروبا ، بالتزامن مع عودة رئيس الجمهورية " جلال الطالباني .. دليلٌ على التباعد في المواقف بين الرجُلَين .. وكذلك التصريح الصادر عن إجتماع الطالباني مع نوشيروان .. على انهما إتفقا على إرجاع قانون دستور الأقليم الى البرلمان لمراجعته وتعديله .. دليلٌ آخر .. إذ ان " التعديل " يخص بالدرجة الأساسية ، تقليص صلاحيات رئيس الأقليم وجعل نظام الحكم برلمانيا وليس رئاسياً ! . إضافة الى المؤشرات السابقة ، من قبيل عرقلة الطالباني مشروع سحب الثقة من المالكي .. وإستعداد الطالباني تسليم المنفذ الحدودي مع ايران ، الذي يسيطر عليه .. الى الحكومة الإتحادية .

- أعتقد ان الأطراف الرئيسية الثلاثة في المشهد السياسي في الأقليم : الحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني وحركة التغيير .. جميعهم على مُفترق طُرق .. وهُم في مأزق حقيقي .. فالحزب الديمقراطي ، مُطالَبٌ بإجراء " الإصلاحات " التي وَعدَ بها منذ أكثر من سنة ولا سيما في مجال الحَد من الفساد .. وكِلا الديمقراطي والإتحاد ، مُطالبان بتفعيل توحيد الإدارتَين وتغيير شامل في نظام الحكم يأخذ بنظر الإعتبار ، توزيع عادل للثروات .. وصيانة الحريات العامة وحقوق الانسان .. وعدم إحتكار السُلطة .. والشفافية وخصوصاً في ملف النفط والغاز .. والتعامل مع الحكومة الإتحادية ، وفق إستراتيجية واضحة وعادلة .

في حالة تحالُف حركة التغيير مع الإتحاد الوطني الكردستاني .. فأن هنالك إحتمالٌ ان ينفرط التحالف الاستراتيجي بين الوطني والديمقراطي .. وتتشكل لوحة جديدة ويتكرس التباعد بين إدارة السليمانية وإدارة أربيل .. وحتى رُبما يزداد إختلاف موقف الطرفَين ، من المالكي ومن كيفية حَل المشاكل مع الحكومة الإتحادية .. ومن الطبيعي ان يجر ذلك الى مواقف متباينة ، حتى مع أيران وتركيا والملف السوري . ان هذا السيناريو لو حصل .. فأن فيه ضرراً على الأقليم بصورةٍ عامة .. ودليل على تشرذم الموقف الكردي وتشظيهِ .

أعتقد ان حركة التغيير ، لا تستطيع ببساطة ان تتحالف مع الإتحاد الوطني الكردستاني ، وتشكيل جبهة " مُعادية " للحزب الديمقراطي الكردستاني .. ولا الإتحاد الوطني يستطيع بسهولة ان يفعل ذلك .. وحتى الحزب الديمقراطي الكردستاني ، يصعب عليه إنتهاج سياسة مُضادة بصراحة ، للإتحاد والتغيير . وحركة التغيير بالذات ، ليسَ بإمكانها ان [ تقنع ] جمهورها .. بأن التحالف مع الإتحاد هو السبيل الى تحقيق شعاراتها .. لأن معظم مطالب حركة التغيير ، تستهدف السلطة في السليمانية .. تلك السلطة التي يديرها الإتحاد منذ عشرين سنة .. وحتى لو وافق الإتحاد ، على إشراك التغيير شراكة حقيقية في السلطة .. فمن الممكن ، ان جزءاً مهما من جمهور التغيير .. لن يقنع بغير ، مُحاسبة المسؤولين عن الفساد والإنتهاكات [ بإثرٍ رجعي ] وهذا الأمر في غاية الصعوبة ! .

أرى .. انه بعد عودة البارزاني من الخارج .. لن يكون ( الشأن العراقي ) هو الملف الأول الذي سيتباحث فيه ، مع الطالباني .. بل ان إعادة ترتيب البيت الداخلي الكردي ، سيكون في المقدمة .. بالرغم ان الأمرَين مُترابطان الى حدٍ ما .

- ينبغي عدم تجاهُل الإحزاب السياسية الإسلامية الكردية .. ودورها في المعادلات الجديدة التي قد تظهر على الساحة .. فعلى اية حال .. تمتلك هذه الاحزاب أصواتاً تؤهلها للعب دورٍ فيما يجري .

- أعتقد بأن ما كانَ مُتاحاً ومُمكناً للحزبَين الديمقراطي والإتحاد .. قبل سنوات .. لم يَعُد الآن ممكناً . ولا سيما بالنسبة الى الحزب الديمقراطي . ففي كل الاحوال ، ان الإتحاد الوطني ، أصبح بحاجةٍ مّاسة الى هّزةٍ قوية وإلا فأنه سيخسر ما تبقى له بعد إنسلاخ التغيير عنه .. والحزب الديمقراطي .. مّلَ الناس من تكرارهِ منذ سنوات لعبارات : الإصلاح ومحاربة الفساد .. دون جدوى ودون فعلٍ حقيقي .

وحركة التغيير .. وصلتْ الى النقطة التي يجب عليها ، ان تُترجم شعاراتها الى واقعٍ عملي .. فكما أرى .. ان التغيير الآن .. هي اللاعب الأهم في الساحة الكردستانية . فإذا تحالفتْ مع أحد حِزبَي السلطة ضد الآخر .. تكون قد صّبتْ الزيت على النار وفاقمتْ المشاكل . وإذا إرتضتْ لنفسها ، ان تُشارك في السلطة الحالية دون إحداث تغييرات جذرية ، فانها تكون قد إنتحرتْ عملياً .

أعتقد ان حركة التغيير ، عليها ان تضغط بِكُل ثقلها .. من اجل إجبار الحزبَين على إجراء إصلاحات حقيقية ، والشروع بتفعيل البرلمان وتشكيل حكومة جديدة فعالة نظيفة .. لكن هذا الأمر بحاجة الى .. تضحية قادة الحزبَين بالكثير من إمتيازاتهما الخرافية والتخلي عن الإحتكار الفعلي للسلطة والثروة . وعلى قيادة حركة التغيير نفسها .. ان تتخلى عن الترسبات التي ترَبتْ عليها منذ عقود ، والإرتقاء الى مستوى تحديات المرحلة .

إذا لم يحدث ذلك .. فأن التشرذُم .. وتصعيد الخلافات البينية .. وتكريس الإنقسامات .. ستكون السمات التي تَسِم المشهد السياسي في الأقليم في المرحلة القادمة .

 

26/9/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter