|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت 25/8/ 2012                                                       أمين يونس                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

بين العَرَب والكُرد

امين يونس

حوالي خمسة عشر دقيقة ، يستغرق التكسي لكي يوصلني من النادي الذي خرجتُ منه .. الى منزلي .. مساء امس . ولان معظم السواق يحبون الثرثرة والحديث .. فلقد قال السائق بدون مُناسبة وبنبرةً فيها بعض التفاخُر : اليوم صباحاً أشرَ لي أحدهم .. ولما توقفتُ إكتشفتُ انه " عربي " .. فرفضتُ ان أقّله ! .. قلتُ له لماذا ؟ قال : لأنني أكره العرب ! . ولأنني كنتُ مُستَفَزاً أصلاً قبلَ ان اخرج من المكان الذي كنتُ فيهِ .. حيثُ خُضتُ نقاشاً حاداً قريباً من نفس الموضوع .. فلقد ثرتُ في وجه السائق ، وقلتُ له : لماذا تكره العرب ؟ قال : لأنهم سيئون ! .. قلتُ : كيف عرفتَ ذلك ؟ قال : قبلَ مّدة إصطحبتُ زوجتي الى الموصل لمراجعة الطبيب .. ولقد عاملونا معاملة سيئة بِمُجرد علمهم اننا أكراد !... سألته : هل كان الجميع كذلك .. هل ذلك معقول ؟ قال : نعم كُلهم سيئون ! . قلتُ للسائق : ما هو تحصيلك الدراسي ؟ قال : تركت الدراسة في الصف الثاني الابتدائي ! . قلت : في كُل الأقوام هنالك الجيد وهنالك السئ .. ألا يوجد هنا ، بين ظهرانينا ، العديد من الاكراد السيئين ؟ قال : بلى يوجد . قلت : إذن لماذا تقول ، بأن " العرب " عموماً سيئين ؟ هل ترضى ان يقولوا هُم ان الكرد بعامتهم قذرون وحقيرون ؟ قالَ بعصبية : ان الذي يقول ذلك ، يجب ان ان يُمحى من على وجه الأرض .. اقول لك ، لولا ان النبي محمد "ص" عربي ، وهويشفع لهم ... لكان يجب رميهم جميعا في مجاهل الصحراء القاحلة !.

ليسَ كُل الكُرد ، بل ليس حتى جميع السواق هنا .. على شاكلة صاحبنا المتطرف ، أعلاه . لكن المُلاحظ ، ان الكثير من الشباب ، الذين تتراوح أعمارهم بين 15/25 سنة ولا سيما من الأميين .. إنطباعاتهم عن " العرب " مغلوطة ويغلب عليها التعميم والمُبالغة .. وهذه الإنطباعات متأتية من " السماع " من الآخرين الأكبر سناً والإدارة والأحزاب المتنفذة والإعلام الهابط.. وليسَتْ ناتجة ، عن التجربة العملية ، او العيش المشترك او الإختلاط لفترة طويلة . وهذه ظاهرة خطيرة للغاية .. يجب ان نعترف اولاً انها موجودة بالفعل .. وهي بُؤرة للتطرف القومي ، والتزمُت الإجتماعي ، والإنغلاق الفكري . وتكمن خطورتها ، إذا لم نجابهها .. وندرس بعناية ، اسبابها ومعرفة المروجين لمثل هذه الأفكار والطروحات ، ووقفهم عند حدهم .. وإشاعة ثقافة التسامح الفعلي في المجتمع عموماً ... إذا لم نفعل ذلك بكل جدية .. فأن هؤلاء المراهقين والشباب ، الأميين .. ذوي الوعي المُتخلف ، العائشين في بيئةٍ تتوفر فيها أسباب التطرف بأنواعها .. هؤلاء الذين هم اليوم قِلّة .. سوف ترتفع نسبتهم تدريجياً .. ويصبحون قنبلة قد تنفجر في أي وقت !.

في الجانب الآخر " العربي إذا شئت " .. لايختلف الامر كثيراً .. فالوضع العام ، والفوضى وصراع الأحزاب المتنفذة وقوى الإسلام السياسي الحاكمة ، فيما بينها .. كُل ذلك .. يُوفِر مناخات يزدهر فيها التطرف بكل أشكاله .. وما محاضرة " جلال الدين الصغير " الشهيرة ، إلا مثال على ذلك .

ان سَعي الكُرد لتقرير مصيرهم ... وطموحهم في تشكيل دولتهم الخاصة آجلاً أو عاجلاً .. ينبغي ان لايرتبط على الإطلاق .. بالتطرُف القومي .. ولا الإنغلاق الفكري ولا التزمت الاجتماعي .. بل بالعكس من ذلك تماماً .. إذ يجب ان تكون علاقاتنا ممتازة مع الفرس والترك ولا سيما العرب .. العرب عموماً ، وعرب العراق خصوصاً .. فإرتباطنا مع عرب العراق والوشائج القوية بيننا .. عابرة للقومية والدين والمذهب .. فعلينا نحن الساعين الى " ثقافة المواطن العالمي " ان نرُد على جميع المتطرفين .. في هذا الجانب او ذاك .. ونثبت لهم ان مسعاهم الخبيث ، لتوتير العلاقات بين العرب والكرد ، وتصعيد المواقف وإيصالها الى حافة الهاوية .. ان هذه الأفعال المُدانة .. لن تنجح بالتأكيد !.

  

24/8/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter