|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين 25/3/ 2013                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

" صخرة البَصَل " .. والكعبة

امين يونس

هنالك صخرةٌ شهيرة ، على سَفح قلعة العمادية بجانب الطريق المُؤدي الى المدينة ، تُدعى [ صخرة البَصَل ] .. وهي على بُعد " شَمرة عَصا " كما يُقال .. إذ ان النازل من القلعة مَشياً على الأقدام ، يصلها خلال دقائق فقط . قبلَ حوالي الثلاثين سنة ، كان أحد أقربائي ، يُرّدِد على الدوام ، عندما يُقال له : عليكَ أن تحج الى بيت الله الحرام ، وتترك كُل أفعالك البعيدة عن الدين ! .. كانَ يُجيب مُتحمِساً : والله .. لو إنتقلتْ الكعبة الى " صخرة البصل " ، هُنا الى جانبي .. لما زُرتُها !! .
ودارتْ الأيام .. ومَرتْ الأيام .. وبالطبع بقِيَتْ الكعبة في مكانها العتيد في مَكة المُكرمة .. لكن قريبي لم يبقَ على حالهِ السابق .. فلم يَعُد مُشاكِساً ولا ساخراً من كُل شئ .. لم يَعد يجهر بآراءه الحادة حول الإيمان والسماء والأرض والفرائض والطقوس .. حيث هَمدتْ هذه الجذوة المُتمردة في نفسهِ .. وإستغربتُ عندما سمعتُ ، انه ذهب الى " العُمرة " قبل سنوات ، وكذلك أدى فريضة الحج قبل سنتَين ويُصّلي يومياً ... نعم ايها السادة ، هذا الذي كان الجميع يتحاشون تعليقاته الساخرة ومُلاحظاته الصادمة .. أصبحَ هادئاً ، ساكناً .. يسبقُ أسمه لقب ( الحاج ) .. نقضَ قَسَمهُ بالله الذي قطعه على نفسه قبل ثلاثين سنة .. وسافرَ آلاف الكيلومترات من صخرة البصل في العمادية الى مكة في الحجاز ، لكي يزور الكعبة .. مُعتَبِراً حياته السابقة ، مَرحلة طيش شباب ومَسخَرة ! .
هذا المثال البسيط أعلاه .. ليسَ حالة فردية أو نادرة في مُجتمعنا .. بل أكادُ أزعم ، انها " ظاهرة " .. لا تتعلق فقط بالإيمان بالدين او المَذهَب والإلتزامات المترتبة على ذلك .. بل تمتدُ الى الإنتماءات الحزبية ، والإعتقادات الفكرية والسياسية أيضاً . أعرف أشخاصاً ، كانَ " يُعْتَقَد " أنهم مِثالٌ للثورية والإندفاع والكفاح في سبيل المبادئ الماركسية ، في السبعينيات ، كانوا يَدّعون : أنه لو صار إصبعهم بعثياً لقطعوه في الحال ! ، تَحّولوا في الثمانينيات ، الى بعثيين مُتطرفين ومَلَكيين أكثر من الملك كما يُقال ، مُحتفظين بجميع أصابعهم سليمة ! .. نفس هؤلاء ، أصبحوا مُناضلين في العراق الجديد ، بِقُدرة قادر ، بعد ان خلعوا رداء البعث وإرتدوا بِكُل أناقة ، ملابس الأحزاب الحاكمة الحالية .. ويُبررون بِطلاقة كُل تأريخهم المشبوه ! .
كذلك أعرف آخرين .. كانوا يسهبون في شرح تفاصيل النزاهة والشرف والفضيلة والإستقامة ، فينبهر المستمعون بهذه الكلمات الطيبة .. لكن هؤلاء الثرثارين ، تحولوا الى أكبر الفاسدين والناهبين والسارقين .. مُتناسين بسهولة ، كُل القِيَم التي كانوا يتشدقون بها ! .
.......................
عموماً .. أعتقد ان الحياة تُعلمنا يومياً : ان الأفكار / المبادئ / الإيمان / القِيَم .. الخ . رُبما تكون ثابتة في خطوطها العريضة المتعلقة بثُنائيات : الخير الشر ، الصح الخطأ .. الخ ، لكنها قابلة للكثير من التغيير والتبديل والتحوير ، في تفاصيلها اليومية تبعاً للمراحل التأريخية ، وحتى الصفات الفردية للبشر ، وإمكانياتهم المتباينة ، في الإقناع والتبرير ! .
قريبي ، كان يقول قبلَ ثلاثين سنة ، انه لن يَحُج ، حتى لو تحولتْ " صخرة البصل " الى الحجر الأسود .. وها هو الآن ( حاج ) مُحترم حسب الأصول ..

ترى هل سيأتي اليوم الذي أهتدي فيهِ أيضاً .. وأصبح حاجاً ؟! .

 

23/3/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter