|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء 21/5/ 2013                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حزب العُمال في قنديل .. مُلاحظات عامة

امين يونس

عدا بعض ضباط الجيش التركي ، المُستفيين .. وبعض الأحزاب التركية المتطرفة الشوفينية الصغيرة .. فأن لا أحد ، ضِد تكريس السلام بين حزب العمال الكردستاني والنظام التركي . وحتى خارج تركيا .. فأن الكُرد عموماً ، يطمحون الى حَل القضية الكردية في تركيا ، بالطُرق السلمية والوسائل اللاعُنفية . ولكن ما يجري اليوم على الساحة ، من خطوات عملية ، يستدعي العديد من المُلاحظات :
- كما يبدو ، فأنه ليسَ هُنالك [ إتفاق مكتوب ] بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني .. وتقول أوساط الحكومة والصحافة التركية ، بأنه لم تَجرِ مُفاوضات [ رسمية ] بين الطرفَين أساساً ! .. بل ان كُل الذي جرى ، هو لقاءات بين المُخابرات التركية ، والزعيم المُعتَقل " عبدالله أوجلان " .. وإتفاقهما على سحب مُقاتلي حزب العمال ، من الأراضي التركية ، الى شمال العراق .. كخطوةٍ أولى .. على طريق التفاهُم لحل المشكلة الكردية سلمياً .
- من الواضح ، ان إدارة أقليم كردستان العراق ، ولا سيما السيد مسعود البارزاني رئيس الأقليم ، قد لعبَ دوراً في تهيئة الأجواء ، منذ البداية .. في عملية التقارب بين أوجلان والحكومة التركية .
- ان المجموعتَين الللتَين وصلتا ، الى أقليم كردستان ، من مُسّلحي حزب العمال ، خلال الأيام الماضية كتنفيذٍ عملي للإنسحاب ، في يومَين مُتعاقبَين .. والتي كانتْ وسائل الإعلام وعدسات الكاميرات ، في إستقبالهم عند نقطة قريبة من الحدود في محافظة دهوك .. كانتا تضُمان ثلاثين عُنصراً .. عشرون من الذكور وعشرة من الإناث .. وتحدثَ مسؤولا المجموعتَين ، قائلَين .. أنهما إستغرقا عدة أيام حتى وصلا الى هنا ، وان ظروفاً مناخية قاسية صادفتْهم ، الى جانب ، إضطرارهم الى الزوغان من ربايا الجيش التركي المنتشرة في المنطقة . كان المُقاتلون يحملون أسلحتهم وعتادهم .
من المؤكَد ، ان الإستخبارات التركية ، كانتْ تراقبهم عن كثب ، منذ تحركهم داخل الأراضي التركية ، لحين وصولهم الى جبال قنديل او غيره من المناطق الجبلية . ومن المُتوقَع ان يُسيطر الجيش التركي ، على الأماكن المهمة التي ، ينسحب منها مُقاتلوا حزب العمال وان يُجّفِف مصادر دعم وإدامة نشاط ، مُقاتلي حزب العمال ، في القرى والمناطق الجبلية في تركيا . أي ان مُقاتلي حزب العمال ، سيفقدون عملياً ، البيئة الحاضنة لهم داخل تركيا . وحتى الطُرقات التي يسلكها المقاتلون داخل أراضي الأقليم ، لحين وصولهم الى مقراتهم في قنديل والجبال الأخرى .. فأنها ستصبح تحت رقابةٍ تركية أكثر صرامة من ذي قبل ..
لو جرى إنسحاب المقاتلين ، حسب الوتيرة البطيئة الحالية ، فانها ستستغرق أشهراً حتى إنتهاءها ( بمُعدل خمسة عشر مُقاتل يومياً .. فإذا كان عددهم أكثر من ألف مُقاتل داخل تركيا ، فأنهم بحاجة الى ما يقارب الثلاثة أشهُر ) . أعتقد انه لو تمتْ عملية الإنسحاب كاملة .. وتجمع المقاتلون في جبال قنديل والجبال الأخرى المتاخمة ، فأن ذلك يعني : [ نجاح عملية جمعهم في مكانٍ جغرافي واحد ، مما يسهل مُحاصرتهم بإحكام .. وهو بالضبط ما يريده النظام التركي ! ] . قد يكون من الصعب فعلاً ، الإستيلاء عسكرياً على معاقل حزب العمال ، في المناطق الوعرة في قنديل .. لكن سيكون من السهل ( مُحاصرتهم والتحكُم بما يصل اليهم من مواد غذائية وأدوية وعتاد .. الخ ) .
- أكثر ما لفتَ إنتباهي ، في التصريح الذي أدلى بهِ قائد إحدى المجموعتَين المنسحبتَين ، حين وصوله الى المناطق الحدودية في دهوك : " ... لم آتي الى مكانٍ غريب .. فهذا وطني أيضاً وهذه تربتي .. ولا فرق بين أجزاء كردستان ...! " . قد يكون هذا الكلام جميلاً ، حين يَرِدُ في قصيدة شعرية أو خطاب سياسي رَنان .. ورُبما يُدغدغ مشاعر الكُرد في كُل مكان .. لكن التمعُن فيهِ بهدوء .. قد يُحّمله معانٍ اُخرى ، بعيدة عن الرومانسية القومية ! . فهذا مُسّلحٌ قادمٍ لكي " يستقر " في جزءٍ من أقليم كردستان .. ( قد يستغرق هذا الإستقرار ستة أشهر أو سنة فقط ، في أحسن الاحوال .. أو رُبما يمتد الى مُدةٍ أطول كثيراً ) . وعادةً تحصل مشاكل عديدة جراء وجود مُسلحين مُنظمين جيداً في منطقةٍ ما .إذ " ماذا سيفعل كُل هؤلاء ، خلال فترة مكوثهم ؟ علماً انهم متعودون على القتال والمواجهة ، ولديهم قابليات كبيرة ، بإعتراف اعداءهم قبل أصدقاءهم ، على تحّمُل الظروف بالغة الصعوبة ، سواء المناخية أو نُدرة المواد الغذائية .. ولهم إستعدادٌ عالٍ للتضحية والمقاومة " .. وعلى إفتراض ، ان السُبُل ضاقتْ بهم ، لأي سببٍ من الأسباب ، ولا سيما .. إذا فرضتْ القوات التركية والمخابرات التركية ، حصاراً جدياً عليهم أو قطعتْ الطريق الواصل من الأقليم الى كردستان سوريا ، وذلك مُحتمَل على الغالب .. فما هو رَد الفعل المُتوقَع من مُسلحي حزب العمال ؟ بالطبع ، ستحصل معارك عنيفة ، على أرض أقليم كردستان ، بين القوات التركية وحزب العمال .. ولن يكون شعب الأقليم ولا حكومة الأقليم ، بمنجى عن النار المندلعة في الدار ! .
- إذا إكتظ قنديل وجبالٌ اُخرى .. بأعداد كبيرة من مُسلحي حزب العمال .. وطالتْ فترة بقاءهم بسبب تأخر مُعالجة القضية الكردية في تركيا ، من النواحي القانونية والرسمية [ مثل إجراء تعديلات دستورية مهمة / العفو عن أوجلان / إصدار عفو عام عن مُقاتلي حزب العمال / رفع صفة الإرهاب عن حزب العمال .. الخ ] .. ومن المتوقع ان تتأخر هذه الإجراءات " حتى مع وجود نوايا حسنة " .. رُبما لأشهرٍ طويلة أو حتى سنوات . فَمَنْ يضمن إنضباط كُل هذه المجاميع المسلحة ، ومن يضمن عدم تدخلهم في شؤون الاقليم ؟
- أرى ان القنبلة الموقوتة الخطيرة ، في هذا الملف الشائك .. تكمن في : الإمتدادات " السورية " وتداعياتها . إذ من المعلوم ، ان هنالك دعماً مُتعدد الجوانب ، من الفرع الرئيسي لحزب العمال في قنديل .. لمقاتلي حزب العمال الفرع السوري .. ذاك الفرع السوري ، الذي يمتلك نفوذا حقيقياً على الأرض ، في معظم مناطق كردستان سوريا . في حين ان تركيا تستميت ، من اجل إضعاف دور حزب العمال في سوريا ، بإختلاق المعارك والمشاكل بواسطة جبهة النصرة ، ضد حزب العمال . في هذه النقطة بالذات .. هنالك ما يشبه الإلتقاء ، بين توجهات الحكومة التركية ، وإدارة أقليم كردستان ، ولا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني .. فالديمقراطي يطمح الى لعبِ دورٍ أساسي في كردستان سوريا .. ولن ينجح في ذلك ، إلا من خلال إرباك وإضعاف حزب العمال ! . قد تكون توجهات أحزاب أخرى في أقليم كردستان العراق ، مُختلفة في هذا الصدد .. لكن وجود تنسيق بين الحكومة التركية والحزب الديمقراطي ، يُرّجح كّفة الديمقراطي على هذه الاحزاب .
- الإعتراضات الرسمية العراقية ، على دخول مقاتلي حزب العمال الى جبال قنديل ، هي في الواقع " قنابل صوتية " لاتُقدِم ولا تؤخر . وهي للإستهلاك المحلي ولا تعدو كونها مُزايدات في البازار السياسي . فطالما كانتْ سلسلة جبال قنديل ، عاصية على جيش صدام ، ولا سيما في الشتاء .. فلا الطائرات ولا المدفعية ولا الجحافل العسكرية ، إستطاعتْ الإستيلاء على هذه المناطق .. حيث ان القوات الامنية العراقية الحالية ، تعجز في الحقيقة عن حمايةٍ جيدة للمنطقة الخضراء وسط بغداد نفسها ، فكيف ستستطيع القبض على مُقاتلي حزب العمال ؟! . وفي الحقيقة ، فان تركيا ، بِكُل ترسانتها الضخمة ، ودعمها من قبل حلف الاطلسي .. وخوضها لحملات كبيرة خلال السنوات المنصرمة ، وحتى تحت حُكم أردوغان .. فشلتْ فشلاً ذريعاً ، في القضاء على قواعد حزب العمال في جبال قنديل وغيرها .. ولو توّفرَ لها ذلك .. لما لجأتْ الى " التفاهم السلمي " مؤخراً ! . ناهيك عن ، قوات ألحزبَين الحاكمَين في أقليم كردستان ، التي خاضت معارك شرسة ضد مسلحي حزب العمال ، خلال التسعينيات ، ولم تستطع " طردهم " من قنديل والمناطق الاخرى . إذن ان تواجُد مسلحي حزب العمال في قنديل ، هو واقعٌ " مفروض " وليسَ " إختيار " ، حسب وجهة نظري ! .
- " الكِبار " الذين يتلاعبون ويتحكمون بمصير المنطقة عموماً .. هُم فقط الذين يعرفون ماذا يجري بالضبط ، ويعرفون ملامح المرحلة القادمة ، سواء في أقليم كردستان والعراق عامة ، وكردستان سوريا وسوريا عموماً ، الى تركيا وإيران . أما مَنْ هُم الكِبار ؟ فالجواب : الولايات المتحدة الامريكية والغرب ، الذين يستخدمونَ المخلب التركي بصورةٍ مُباشرة ، والقبضة الإيرانية بصورةٍ غير مُباشرة .. لترويض المنطقة ورسم خريطةٍ جديدة ! . أما حُكامنا عموما وقادة أحزابنا .. وبغياب وحدة الموقف وبغياب وحدة الكلمة .. ولعدم وجود إستراتيجة موحدة وطنية واضحة المعالم .. فأنهم لايعدون ان يكونوا أدوات وبيادق ، أقصى ما يسعونَ إليه .. هو توسيع نفوذهم هنا وهناك وتكريس مصالحهم الضيقة .

 

18/5/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter