|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 19/9/ 2012                                                       أمين يونس                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

سلطتنا .. و " شنينة ياس " !

امين يونس

قبل نصف قرن ، كان هنالك مقهى صغير في مدينة العمادية ، يمتلكه رجلٌ اسمه ياسين ، وينادونه إختصاراً " ياس " .. كان يبيع الشنينة الباردة الى الزبائن ، إضافةً الى الشاي .. إلا انه كانَ يُحّضِر الشنينة ، حسبَ نِسبٍ فيها الكثير من الخَلل .. حيث يضيف عشرة أجزاء من الماء الى جزءٍ من اللبن ! .. فتكون النتيجة ، شنينة بلا طعمٍ ولا نكهة .. فإشتهرتْ بهذهِ السمات السيئة ، وأصبح الناس ، عندما يصفون أمراُ غير مقبول أو بضاعة سيئة الصُنع .. يقولون : انها مثل " شنينة ياس " ! .

ونظامنا السياسي اليوم وحكومتنا العتيدة وبرلماننا .. يشبه شنينة المرحوم ياس ! .. فالنظام قائمٌ إفتراضاً .. على " الديمقراطية " .. لكن ديمقراطيتنا عرجاء منذ البداية ، فقبل عشرين سنة ، كانتْ هنالك تعددية لابأس بها في الساحة السياسية ، وأحزاب وحركات عديدة تتقاسم النفوذ داخل المجتمع الكردستاني .. لكن الحزبَين الديمقراطي والإتحاد ، وإستناداً الى القوة المُسلحة التي أعادا تشكيلها بعد 1991 وإستحواذهما على معظم الموارد المالية الرئيسية في ذاك الوقت .. دفعاهما ، كُلٌ من جانبهِ .. الى إزاحة القوى الأخرى المُنافسة في مناطق نفوذهما ، وبأساليب بعيدة عن الديمقراطية والتحّضُر .. وتحجيم وتقزيم كافة الأحزاب الاخرى .. بحيث انه ومنذ ذلك الوقت .. خرجتْ أحزاب مهمة ، من " اللعبة " وباتتْ مراكز صنع القرار السياسي والأقتصادي والمالي والامني .. محصورة بيد الحزب الديمقراطي " في منطقة نفوذه " ، والإتحاد الوطني " في منطقة نفوذه " .. وصارتْ الأحزاب [ الحزب الشيوعي / حزب الشعب / الحزب الاشتراكي / حزب الكادحين وغيرها من الأحزاب ] التي كانتْ تلعب أدواراً مهمة وشاركتْ في النضال المسلح وقدمتْ تضحيات كبيرة طيلة الثمانينيات .. صارتْ بلا حولٍ ولا قوة ، وهُمِشتْ وتحولتْ الى مجرد " ديكور " لتجميل اللوحة السياسية والإدعاء بالتعددية ! .

ومن مظاهر التشوه الخلقي ، في نظامنا السياسي .. هو تهميش المؤسسات التي من المُفترَض ان تُشرِع القوانين وتُراقب الحكومة وتحمي الدستور .. فالبرلمان يسير وفق آلية " الأغلبية " التي لاتُراعي موقف " الأقلية " ، ولا تعير إهتماماً للمعارضة ولا للصحافة ومنظمات المجتمع المدني .. ولايستطيع أعضاء البرلمان إتخاذ مواقف مستقلة ، بعيداً عن توجيهات قادة الكُتل .. فالبرلمان عموماً ، مُعّطَل عن واجباته الأساسية في الواقع .. وكذلك الحكومات المحلية ومجالس المحافظات .. وبالتالي فالحكومة ايضاً ، هي نتاج هذا النظام القائم أساساً على الإستحواذ وتقاسم النفوذ والثروات .

أن إحتكار الحزبَين لكل السلطة الحقيقية ، هو بمثابة تحضير الشنينة .. فلا أحد ينكر ، بأن الهياكل موجودة : برلمان وحكومة ورئاسة أقليم ومجالس محافظات وقضاء ومحاكم .. وكل ذلك تحت يافطة الديمقراطية والإنتخابات وتداول السلطة .. لكن المشكلة ، بأن عدالة توزيع الثروة ، مفقودة .. والفساد بأنواعهِ مُنتشِر .. والتعبير عن الرأي مُبتَسَر .. والشفافية مجرد شعار .. والإحتكار في كل المجالات مُتفشي ..الخ .

وبالمُجمَل .. ان " شنينة " السلطة عندنا .. تشبه كثيراً شنينة المرحوم ياس ! .

 

18/9/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter