|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 19/12/ 2012                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

المركز والأقليم .. بينَ مشروعَين

امين يونس

يُلاحِظُ أي مُراقبٍ بسيط .. ان العمليات الإرهابية والإنفجارات والمفخخات .. في الأشهر الثلاثة الاخيرة .. أي منذ التوتُر المُتصاعد ، بين المالكي وأقليم كردستان .. قد خّفتْ حِدتها في معظم مناطق العراق .. بينما إرتفعتْ وتيرتها ، في ما يُسمى [[ المناطق المتنازع عليها ، حسب الدستور ]] .. أو كما يُسميها البعض ، المُختَلَف عليها او المُختَلطة .. والبعض الآخر ، المُستَقطَعة أو حتى المناطق الكردستانية خارج الاقليم . فلا يكادُ يمُر إسبوع .. إلا وتتعرض هذه المناطق ، الى إعتداءات عنيفة ، يروح ضحيتها ، العديد من القتلى والجرحى الأبرياء ، وخسائر كبيرة في الممتلكات . وكما هو واضح ، فأن موجة العُنف الأهوَج ، في الآونة الاخيرة ، تُرّكِز على كركوك وأطرافها .. لِما لهذه المنطقة من حساسية ، وإمكانية كامنة لتعقيد المشاكل وتفريخ الأزمات ! . ( وكائناً مَنْ تكون الجهات المُخطِطة والجهات المُنفِذة لهذه العمليات الإرهابية ) .. فأن غايتها الأساسية ، هي تأجيج الصراع بين المكونات الاساسية : الكُرد والتركمان والعرب ، وإيصالها الى حافة الحرب الأهلية ، وبالتالي ، نسف كُل إمكانية لإستقرار العراق ووضع العراقيل بوجه تقدمه وإزدهاره .

أدناه محاولة للتعرف على نقاط القوة التي يستند عليها كل فريق :

هنالك طرفان رئيسيان في الأزمة : الحكومة الإتحادية ويُمَثلها المالكي ، وأقليم كردستان ويُمّثله البارزاني " مع التأكيد ، على ان جذور المُشكلة قديمة بقِدَم الدولة العراقية الحديثة نفسها " . علماً ان جبهة المالكي ، تتكون أساساً من حزبه ، حزب الدعوة وحزب الدعوة تنظيم العراق ومجموعة الشهرستاني وكتلة هادي العامري وحزب الفضيلة وبعض المُستقلين وقسم من مجالس الإسناد العشائرية في الجنوب والوسط / هذا على الجانب الشيعي ( اما التيار الصدري ، فهو في الوقت الحاضر لايؤيد المالكي ، ولا يتبنى وجهة النظر الكردية أيضاً .. بل هو يتلاعب بالطرفَين من أجل الحصول على المكاسب ، وأعتقد انه لايمكن الركون الى موقفٍ ثابت للتيار الصدري ! . في حين ان المجلس الاعلى الاسلامي ، يحاول ان يمسك العصا من الوسط ، وهو عموماً أكثر عقلانية ورصانة من التيار الصدري ) . اما سُنِياً ، فأن المالكي ، خلال السنوات الثلاث الماضية ، إستطاع كسب العديد من أعضاء ما كان يُسمى بالقائمة العراقية ، ولا سيما من عرب كركوك ، مثل النواب ياسين العُبيدي وعُمر الجبوري والوزير محمد تميم وغيرهم .. وكذلك في الموصل ، حيث نجحَ في الكسب الجُزئي لشيوخ شَمر ومجموعتهم البرلمانية وفي مجلس المحافظة ، وكذلك بعض النواب مثل زهير الاعرجي وآمنة سعيد والوزير عز الدين الدولة ، ويحاول تأمين تأييد بعض وجهاء الكُرد من عشيرة الزيباري في الموصل . هذا الى جانب ، نجاح المالكي في جَر المُنشقين عن العراقية في بغداد والوسط ، مثل العراقية البيضاء والعراقية الحُرة ، الى جانبه . ويلعب المالكي لعبة اُخرى خطيرة ، وهي تسليح بعض العشائر العربية المتاخمة لمدينة كركوك ولا سيما في الحويجة والرياض " بحجة محاربة الإرهاب " .

اما جهود المالكي ، في كسب التركمان ، فهي مُستمرة منذ سنوات .. ويمكن القول ، انه يمتلك شعبية لابأس بها عند التركمان الشيعة ، فعدا عن " محمد تقي المولى " الموالي للمجلس الاعلى الاسلامي ، فأن المالكي له اتباع ايضاً في الوسط الشيعي التركماني .. ولا يتوانى المالكي في " تحييد " التركمان السُنة ، من خلال إنتهاج سياسة إنتهازية تجاه " الجبهة التركمانية " ومحاولة شق الصف التركماني واللعب على الخلافات الداخلية التركمانية .

إذا أضفنا الى كُل ما سبق .. عاملَين آخرَين : الاول هو النفوذ القوي والسيطرة شُبه التامة ، للمالكي ، على " بعض " تشكيلات الجيش وكذلك الشرطة وقوى الامن الداخلي ، وإنفراده بالتعيينات منذ سنين وإدارتهِ للأموال العامة الضخمة التي تحت تصرُفه .. والعامل الثاني ، هو الدعم القوي الذي يحظى به من إيران . فأنه بالإمكان ، إعتبار جبهة المالكي ، عريضة وتمتلك العديد من عناصر القوة .

اما جبهة البارزاني .. فأنها تعتمد أساساً على قوة الحزبَين الديمقراطي والإتحاد الوطني .. ولقد حاولَ الإتحاد الوطني الكردستاني ، جاهداً التمَلُص من " إلتزامات الإتفاق الإستراتيجي " وعدم التورط في إحتمالات النزاع مع الحكومة الاتحادية .. إلا انه فشلَ في ذلك .. وإكتشف بأنه لا يمكن البقاء على الحياد .. ومن الطبيعي ، لايمكن أيضاً تأييد المالكي .. فإضطر مؤخراً الى مُجاراة البارزاني ، والتنسيق والإتفاق على موقف موَخَد . وحتى أحزاب المعارضة الكردستانية ، ومع مآخذها الكثيرة على الحزبَين الرئيسيين في الداخل الكردستاني .. فانها اي المُعارضة ، لها موقفٌ متطابق الى حدٍ ما ،  مع موقف الحزبَين بالنسبة الى قيادة عمليات دجلة والمناطق المتنازع عليها . أي يمكن القول ، ان الأحزاب الكردستانية عموماً ، تؤيد توجهات البارزاني بالنسبة الى الأزمة الحالية ، بدرجةٍ او بأخرى . وفي إعتقادي الشخصي ، ان الكُرد ليسَ لديهم حُلفاء " حقيقيين " من الجانب العربي بصورةٍ عامة ، بقسميهِ الشيعي والسُني . فالتيار الصدري مثلاً ، يؤيد الكُرد ، فقط في المسائل التي تُضعف قبضة المالكي على السلطة ، لكي يحلوا هُم ، أي التيار الصدري محله ، او على الأقل ، المجئ ببديل من دولة القانون ، يتلائم مع تطلعات التيار . لكن الصدريين ، لن يقبلوا ان تُطّبَق المادة 140 الى المدى الذي يصل الى إحتمال ، إنضمام كركوك والمناطق الاخرى الى أقليم كردستان . وينطبق ذلك الى حدٍ ما ، على المجلس الاعلى أيضاً .

أرى ان التقارب ، بين " اسامة وأثيل النجيفي " ، والتحالف الكردستاني ، في الآونة الاخيرة .. تكتيكي ، ولا يرقى الى مستوى ، تحالف إستراتيجي .. بل ان النجيفي و" عراقيون " و " قائمة الحدباء " ، ليسوا مَحل ثقة أبداً .. ويعملون فقط من اجل مصالحهم الضيقة .. وكما بّدلوا سياستهم بصورةٍ حادة ، قبل سنتَين .. فمن الممكن لن يفعلوا ذلك مرة اُخرى بسهولة . أي انهم حسب رأيي لا يُمكن الإعتماد عليهم كردستانياً ، كحلفاء ! .

أعتقد انه ، عدا بعض الشخصيات العربية الموالية ، لأقليم كردستان ، ورُبما بعض العشائر العربية المتواجدة في المناطق المتنازع عليها والخاضعة لحكومة الأقليم .. فأن الكُرد ليسَ لهم مُساندة "عربية " جدية ، لا في كركوك ولا الموصل او ديالى وصلاح الدين " يمكن القول ان أياد علاوي والقِلة التي بقيتْ معه يؤيدون الكرد بدرجة معقولة " . ينطبق ذلك ، على التركمان أيضاً .. فغالبية الاحزاب التركمانية ، تّدعي الحياد في الازمة الراهنة .. لكن هنالك إحتمالات ، ان يميلوا الى جانب المالكي ، لو تيقنوا انهم سيحصلون على مكاسب اكثر ! .

هنالك تأييد تركي [ جزئي ] لأقليم كردستان ، في صراعه مع الحكومة الإتحادية .. أقول " جزئي " ، لأنه يؤيد الكُرد بِقدَر ضغطهم على المالكي ، وإجباره على الإنصياع للسياسة التركية في المنطقة ، وتأمين المصالح التركية العُليا .. ولا يؤيد الكُرد ، في جُزئية السيطرة التامة على جميع المناطق المتنازع عليها ، ولا في إنتهاج الكُرد لسياسة مُستقلة بعيداً عن النفوذ والمصالح التركية ! . عموماً ان جبهة الكُرد أيضاً .. تمتلك بعض مقومات القوة .

.............................

وهُنا يبرز التنافس الشرس ، بين " المشروع " الإيراني في المنطقة ، و " المشروع " التركي .. وتداعيات الوضع في سوريا .. وعلاقة كُل ذلك بملفات مُهمة للغاية : ملف حزب العمال الكردستاني / ملف حزب الله اللبناني .

أعتقد ، اننا أي العراقيين عموماً .. من ضمنهم الحكومة الاتحادية وحكومة أقليم كردستان .. لا زُلنا جُزءاً من المشروعَين الإيراني والتركي .. فلا المالكي يمتلك " مشروعا " عراقياً مُستقلاً قوياً واضح المعالم .. ولا البارزاني له " مشروع " كردي مٌتكامل مُستقل واضح المعالم .

 

18/12/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter