|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت 19/1/ 2013                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

التَعّود

امين يونس

مساء أمس ، كنتُ اُتابعُ برنامجاً حوارياً ، على قناة المِحور المصرية .. وكان أحد المُتحدِثين " عَمر حمزاوي " الأكاديمي والسياسي ، الذي تعجبني طروحاته وأفكاره ومنذ سنين عديدة ، وهو الآن احد أقطاب " جبهة الإنقاذ " المُعارضة التي تقف بشجاعة ، بوجه حُكم الإخوان ومحمد مرسي . ما لفتَ نظري ، هي الجملة التي أعرب فيها حمزاوي ، عن مخاوفه بشأن الوضع السياسي الاجتماعي في مصر ، بقوله : " .. ما أخشاهُ هو فكرة [ التَعّوِد ] على اسلوب حكم مرسي والأخوان .. والتقبُل التدريجي لِما يصدر من أحكام وسياسات .. كما تعّودَ المجتمع على سياسات الحكم السابق لسنوات طويلة .. لكنني اُراهن على صحوة الشعب المصري وإستعداد المعارضة ايضاً على المواصلة بنفسٍ طويل ، من اجل تعديل الدستور قبل الإنتخابات ... " .
ما يهمني هُنا ، هو [ التَعَوِد ] .. فكما يبدو ، ان السُلطات إينما كانتْ ، فأنها تأمل ، ان الناس سوف يتقبلون سياساتها بعد ان يتعودوا عليها ويتأقلموا معها ، حتى إذا لم تكن في صالحهم ! . وهنالك الكثير من الامثلة على ذلك ، فكان النظام السابق .. يقوم بإطلاق بالون إختبار ، لمعرفة ردود الافعال .. ثم يتصرف وفق النتائج والمُعطيات : فقامَ مثلاً بإغتيال العديد من النُشطاء الشيوعيين .. في بداية السبعينيات ، ولم يلقَ ردود أفعال قوية ومناسبة منهم " علماً ان الشيوعيين كانوا مُتاكدين من الجهة التي تقوم بهذه الجرائم " .. ثم فرضوا شروطاً في غاية الوقاحة ، على شركاءهم في " الجبهة الوطنية " ، من قبيل انهم اي البعث هو الحزب القائد ، وان الشيوعيين ممنوعون من ممارسة أي نشاط في القوات المسلحة والشرطة و و و ...الخ ، وقبَلها الطرف الآخر .. ثم قام بالتضييق على الشيوعيين في كُل مكان .. بحيث انهم [[ تعودوا ]] على هذا النمط من التعامُل !. وأدركَ البعث ، ان ذاك التَعّود .. سيقود حتماً الى تصفية حلفاءهم وإنفرادهم اي البعث بالسلطة كلها .. وهذا ما حدث فعلاً . وعشرات الامثلة الاخرى من العهد الماضي ، فمثلاً .. كان من الشائع ان يعتقد عموم الناس ، ان " دائرة الامن " مكانٌ مُرعِب ومُخيف ، وزُرِعَتْ هذه الفكرة ، في أذهاننا عمداً ، للسيطرة علينا .. بينما ، تَبّينَ في إنتفاضة آذار 1991 ، انه بإمكان الجماهير إذا توفرتْ الإرادة ، ان تهزم الأمن والمخابرات وأي جهةٍ قمعية ، بكل سهولة .
واليوم .. نجحَ المالكي في بغداد ، ونجحتْ السُلطة في أربيل .. في [ تعويد ] الجماهير ، على انماط مُعينة من الحُكم . بحيث ، إستسلمَ المواطن العادي في بغداد ، الى فكرة ، قيادة احزاب الإسلام السياسي للحكومة ، وتعودتْ على رئاسة المالكي ، وتأقلمتْ مع الأزمات المُتلاحقة والفوضى . كما [ تعودتْ ] جماهير اقليم كردستان ، بِحُكم التقادُم والإستمرارية ، على إعتبار حُكم الحِزبَين الديمقراطي والإتحاد ، أمراً طبيعياً .. وان مُجرد التفكير ، بإيجاد بدائل ، هو الأمر غير الطبيعي ! . وهذا هو بالضبط ما تريده الاحزاب الحاكمة : أن تغرس في النفوس تدريجياً ، مفاهيم تقول ، ان قيادة هذه الاحزاب للسُلطة ، تشبه الظواهر الطبيعية ، مثل شروق الشمس وغروبها ، ومثل المطر والرياح ! .
أعتقد ، بأن هذا النهج من التفكير والتعامل ، يلقى هوىً لدى التيارات الإسلامية أيضاً " التي تقوم فلسفتها بالأساس ، على التقليد والتعّوِد ، إذ ان نسبة كبيرة من المسلمين ، يؤدون الصلاة مثلاً ، نتيجة التعود ، حتى بدون ان يعرفوا ماذا يقولون أو معنى مايقولون ! " .
..........................
في أحيان كثيرة .. ينبغي ان لا نفعل كما يقول " عادل إمام " في مسرحيته شاهد ما شافش حاجة : ( متعّوِدة .. دايماً ) .. بل يجب ان نُدّقِق ونفحص جيداً ، ونترك كافة الأمور السيئة التي قد نكون " تعّودنا " عليها ! .

 

17/1/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter